logo

الأسرة المسلمة وما يراد لها


بتاريخ : الأربعاء ، 13 صفر ، 1437 الموافق 25 نوفمبر 2015
بقلم : تيار الاصلاح
الأسرة المسلمة وما يراد لها

إن الإسلام دين عالمي، ورسالة شاملة لكل الأجيال في كل الأقطار، فهو لم يأت لنوع جنس معين من الناس، عربًا كانوا أم عجمًا أو فُرْسًا، وإنما لكل الناس أجمعين، ولم يأت لأجل حقبة تاريخية محددة، ولا في حدود جغرافية معينة، وإنما هو رسالة عالمية أبدية، دائمة بدوام الليل والنهار، ودوام السماوات والأرض، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، قال تعالى، مخبرًا عن نبيه صلى الله عليه وسلم، ومبينًا له طبيعة رسالة الإسلام وحدودها: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107]، وقد فسرها ابن عباس رضي الله عنهما بقوله: «إن الله أرسل نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم رحمة لجميع العالم، مؤمنهم وكافرهم، فأما مؤمنهم فإن الله هداه به، وأدخله بالإيمان به، وبالعمل بما جاء من عند الله الجنة، وأما كافرهم فإنه دفع به عنه عاجل البلاء، الذي كان ينزل بالأمم المكذّبة رسلها من قبله»(1).

وبيّن المولى عز وجل أن هذا الدين جاء ليحكم البشرية كلها؛ حتى تستطيع أن تعيش حياة سعيدة، فهو سبحانه الذي خلق الخَلْق، وهو العليم الخبير بشئونه وما يصلحه وما ينفعه؛ لذلك فإن المولى عز وجل أمر المؤمن أن يجعل حياته كلها ومماته أيضًا لأجل هذا الدين، قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:162].

وقرن المولى عز وجل الفلاح في الدنيا وفي كل المجالات، الاقتصادية والثقافية والفكرية والاجتماعية والسياسية منها، بالعبادة والعمل الصالح، فلا افتراق أبدًا بين الإسلام وبين أي مجال من هذه المجالات، قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور:55]، وقال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97]، فالحياة الطيبة، ماديًا واجتماعيًا، والاستخلاف في الأرض، المتمثل في الحياة السياسية والثقافية والفكرية وكذلك الاقتصادية، كل هذا مرتبط ارتباطًا وثيقًا بعبادة الله عز وجل وبالعمل الصالح.

وقد فطن أعداء هذا الدين وهذه الأمة الإسلامية إلى هذا المعنى الهام في حقيقة الإسلام، ولذلك سعوا بكل جهد إلى سلخ الإنسان المسلم من عقيدته، وحاولوا بكل ما أوتوا من قوة إلى ترسيخ معنى "الدين في القلب" "الدين علاقة بين العبد وربه فقط" "دع ما لله لله وما لقيصر لقيصر"، وكل هذه الكلمات التي تدعو إلى فصل الدين عن الحياة كلها، وجعله قاصرًا على بعض الشعائر العبادية المقتصرة في بعض الأماكن المحدودة.

ففي عام 1956م أصدرت الجامعة الأمريكية ببيروت كتابًا يحتوي على محاضرات في نظم التربية، هي سجل لما دار في مؤتمر دعت إليه هذه الجامعة، واشترك فيه جماعة من كبار المسئولين عن التربية في مصر، وسوريا، والعراق، والأردن، ولبنان، وقد مُثِّلت ثلاثة من هذه البلاد في ذلك المؤتمر الأمريكي بثلاثة وزراء سابقين للتربية والتعليم، وقد اشترك مع الوزير المصري عضو مصري آخر يدعى حامد عمار، وكان حينها أستاذًا في معهد التربية العالي بجامعة عين شمس، ورئيس قسم التدريب في المركز الدولي للتربية الأساسية في العالم العربي بسرس الليان، وهو الآن يدعى بـ(شيخ التربويين)!

وهذا المركز الدولي للتربية الأساسية في العالم العربي لا عمل له إلا (سلخ) الريف العربي من دينه وخلقه وعروبته، و (طبعه) بالطابع الأمريكي، ومما يدل على ذلك ما قدمه المدعو حامد عمار في بحثه الذي ألقاه في المؤتمر، حيث قال: «تسعى التربية الأساسية إلى محاولة تغيير الأفكار والنزعات والاتجاهات، كما تسعى إلى تغيير في الأوضاع المادية في الدائرة التي تلتزمها، ويؤمن دعاة التربية الأساسية أن كل عمل أو مشروع مادي لا بد أن يسبقه ويصاحبه ويتبعه تغيير في تفكير الناس، وفي الاتجاهات الفكرية والنفسية، حتى يمكن أن يكون العمل منتجًا إنتاجًا كاملًا».

ثم بعد ذلك أخذ في سرد كيفية الدخول إلى هذا الريف، وكسب ثقة الناس الريفيين، وما الذي يبذله لهم صاحب هذه النظرية، نظرية التربية الأساسية.

والجدير بالذكر أن المؤسسة التي رعت هذا المؤتمر، وأنفقت الأموال الطائلة على المؤتمرين، هي مؤسسة روكفلر، وهي مؤسسة يهودية الأصل، تتستر بالنصرانية، وكانت تساهم بالنصيب الأكبر في جمع النفقات التي كانت تساعد اليهود على الهجرة من أوروبا إلى فلسطين، ولم يقف الأمر عند هذا الحد وإنما قامت مؤسسة أخرى تدعى مؤسسة فرانكلين بإصدار سلسلة كتب تحت عنوان "كيف نفهم الأطفال، سلسلة دراسات سيكولوجية"، وأشرف على هذه السلسلة وقدم لكل كتاب من كتبها الدكتور عبد العزيز القوصي، المستشار الفني لوزارة التربية والتعليم في مصر، والحديث في هذه السلسلة موجه إلى الآباء والمدرسين، حسب ما هو مبين على غلاف كل عدد من أعداد هذه السلسلة.

ومما جاء في الإصدار الثاني عشر لهذه السلسة، وعنوان هذا الإصدار "الطفل والأمور الجنسية": «إن الكثير من الآباء اليوم لا يكترثون للظهور مجردين من الثياب أمام أطفالهم الصغار، وهذا أمر لم يكن يحدث في الماضي إلا نادرًا، كذلك أصبحت أبواب الحمامات وغرفِ النوم تُترك مفتوحة أحيانًا؛ فيرى الصغار أبويهم وهم يخلعون ملابسهم أو يرتدونها، فإِذا كان في وسع الآباء أن يفعلوا ذلك بصورة طبيعية، ودون شعور بالحرج أو الاضطراب؛ فإن ذلك يكون مرانًا طبيعيًا؛ لأنه يعوّد الطفل على الشعور بأن الجنس ليس أمرًا مَشينًا، كما يساعد على إشباع فضوله فيما يتعلق بأجسام الكبار».

وجاء في نفس الإصدار أيضًا: «إذا حدث التجريب في النواحي الجنسية في الفترة الواقعة بين سن 8-12، فمن المحتمل أن يقع بين أفراد الجنس الواحد، إذ نجد الصبية مثلًا يعرضون أعضاءهم التناسلية بعضهم على بعض، ويعتبر ذلك محاولة من الطفل لتحديد مدى مشابهته أقرانه، كذلك قد لجأ البعض إلى ممارسة العادة السرية، كمحاولة لتخفيف ما يشعرون به من توتر جسمي وانفعالي، ومرة أخرى نقول: إن هذا السلوك لا يعتبر غير طبيعي، ولا يدمغ الطفل بالشذوذ أو الإجرام أو الانحراف، كما أنه لا يستدعي عقابه أو تهديده بأنه سيصاب بأمراض خبيثة، ولا يتطلب محاضرات خلقية تلقى عليه، كما لا يبرر نبذه وتحقيره».

يكفي تلك النصوص التي سردناها، والتي تبين بوضوح ما الذي يسعى إليه هؤلاء، وما الذي يريدونه من الإنسان المسلم، وما يدبرون من مؤامرات للأسرة المسلمة، ويكفي أن تعلم أن الذي يشرف على هذه الأفكار وتلك السموم هم أناس من بني جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا؛ بل ويضعون لنا المناهج التعليمية التي يتربى عليها أبناؤنا؛ وبالتالي فلا عجب أن نجد في مناهج الدراسة الخاصة بأبنائنا انتقاصًا من قدر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عجب أن نجد في مناهج أبنائنا الدراسية ضياعًا للهوية الإسلامية، ونسفًا لمبدأ الولاء والبراء في الإسلام؛ كل هذا لأن القائمين على إعداد تلك المناهج التربوية إنما هم نتاج تلك المدارس الفكرية التي تنتمي إلى الغرب، والذي يسعى بدوره إلى سلخ الإنسان المسلم من عقيدته ودينه وخلقه وإسلامه كله.

وإذا نظر الآباء والأمهات إلى كل ما حولهم، وما يشد انتباه الطفل، لوجدوا أن الطفل في خطر داهم، فالمناهج الدراسية فيها ما يميع الدين، وينتقص من مسلماته، وفي التلفاز والأفلام الكرتونية ما يخالف صريح العقيدة، وفيها كذلك ما يؤسس للثقافة الجنسية الفجة والكلام البذيء، وإذا نظرنا إلى ألعاب الفيديو فإن فيها التربية على العنف، وكذلك الاستهانة بعرض المشاهد الجنسية الصريحة، وهذه الأمور بالذات هي أكثر ما يمر بالطفل؛ لذا وجب على الآباء والأمهات والمربين أخذ الحيطة والحذر، ووجب عليهم كذلك أن يكونوا على دراية تامة بكل هذه الأمور التي تحيط بالطفل المسلم من كل جانب، وأن يرسخوا العقيدة الصحيحة والسليمة في نفس الطفل المسلم.

ــــــــــ

(1) تفسير الطبري (18/ 552).