logo

ثقافة الاعتذار بين الأزواج


بتاريخ : الثلاثاء ، 8 محرّم ، 1440 الموافق 18 سبتمبر 2018
ثقافة الاعتذار بين الأزواج

العلاقة بين الزوجين من أسمى وأقوى العلاقات البشرية، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21]، والمودة من أهم الأسس لذلك الرباط المقدس {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء:21]، فلا فارق فيمن يبدأ الاعتذار أو من المخطئ عند الخطأ، طالما أن هناك محبة ورغبة في استمرار الحياة الزوجية، ورغم أن كثيرًا من الرجال الشرقيين يعتبرون الاعتذار تقليلًا من الكرامة والقدر أمام الزوجة، وهذا خطأ، إلا أن أوجه وأشكال الاعتذار المختلفة كفيلة بتوفير صفاء بين الزوجين وتراض، من دون أن يشعر أحد الطرفين بأنه أقدم على ما ينقص من شأنه وقدره، أو بانتصار الطرف الآخر، فالعناد والكبرياء من أهم أسباب دمار وخراب البيوت الزوجية التي تقوم على المحبة والتفاهم المشترك.

وهكذا نرى أن العلاقة الطيِبة تنمو بينهما باستمرار، وتزدهر بعيدًا عن كل ما يعكِّر صفوها؛ بل إن الفتور لا يجد في هذا الجدار المنيع ثغرة ينفذ من خلالها إلى حياتهما، وأن حرارة المودة تنبع من الإيمان الذي ملك عليهما السمع والبصر والتفكير، وهذا الإيمان في ازدياد مستمر يومًا بعد يوم(1).

الإصلاح بين الزوجين شأنه عظيم، وعموم الإصلاح بين المسلمين له أجر كبير: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء:114]؛ ولذلك جعل النبي صلى الله عليه وسلم إصلاح ذات البين أفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة، لماذا؟ لأن الإفساد، ولأن التحاسد والحقد، والبغضاء والضغينة تحلق الدين، وإزالتها تكون بالإصلاح(2).

قال عليه الصلاة والسلام لفاطمة: «أين ابن عمك؟» لماذا لم يقل: أين زوجك؟ لأنه أراد أن يذكرها بصلة الرحم، بالعلاقة بينه وبينها: «أين ابن عمك؟» أحسَ أن هناك شيئًا، قالت: «كان بيني وبينه شيء فغاضبني فخرج، فلم يقل عندي»، ماذا فعل النبي عليه الصلاة والسلام؟ فسأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو في المسجد راقد، لم يُرِد علي رضي الله عنه أن تتطور الخلافات، أو أن تتفاقم الأمور؛ فانسحب بهدوء، وذهب ونام في المسجد، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقه، وأصابه تراب، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسحه عنه ويقول: «قم أبا تراب، قم أبا تراب»(3)، كانت أحب كنية إلى علي رضي الله عنه هذه الكنية.

النبي عليه الصلاة والسلام تدخل، لكن تدخل بحكمة، ولم يشأ أن يقل: ما سبب المشكلة؟ وما هي التفاصيل؟ وماذا حدث منك؟ وماذا حدث منها؟ القضية الآن إعادة الزوج إلى بيته، فذهب يسترضيه برفق: «قم أبا تراب، قم أبا تراب»(4)، وعادت المياه إلى مجاريها.

إن العلاقات البشرية مليئة بالأخطاء والهفوات، خاصة عندما يتعايش شخصان من بيئتين مختلفتين تحت سقف واحد كما بين الأزواج، ولأن العلاقة بين الزوجين من أسمى وأقوى العلاقات البشرية، والمودة من أهم الأسس لذلك الرابط المقدس، فلا فارق فيمن يبدأ الاعتذار أو من المخطئ عند الخطأ طالما أن هناك محبة ورغبة في استمرار الحياة الزوجية.

والأشد خطورة من ذلك محاولة، بل وأحيانًا، الإصرار على فلسفة الخطأ لإظهاره صوابًا، بغية التمادي فيه...، إننا في مثل هذه الحالة نجد أن هذا الطرف أو ذاك أو كليهما أسير شهواته ورغباته الذاتية على حساب حقوق الطرف الآخر، وهنا يكمن الخطر، وهذا هو منبع الشر، لا سيما وأن الشيطان يجد في هذه البيئة ضالته المنشودة، فيزين للمبطل باطله، ويعميه عن الحق ولوازمه، فإذا هو قد ضل وسلك منهج الباطل بعيدًا عن منهج الحق، وهو يحسب أنه يحسن صنعًا ويحقق مكسبًا، ولا يدري أنه يسعى إلى شقائه الذي يلازم حياته ولا يفارقه؛ فيشعر بقلق دائم واضطراب مستمر ونزاع شديد مع الزوجة والأولاد والأهل والجيران، كل ذلك نتيجة الإعراض عن هدى الله عز وجل، وليت الأمر يقف عند هذا الحد؛ إذ إن أمر الدنيا مهما عظُمَ فهو يسير؛ لأن الحياة فيها مؤقتة، لكن الحقيقة، التي لا مراء فيها، أن وراء هذه الحياة الأليمة الحاضرة حياةً أخرى دائمة أشد إيلامًا وأكثر عذابًا، مصداق قوله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126)} [طه:124-126].

إن هذه المعاناة، التي يعيشها كثير من الناس، إن هي إلا صفارة إنذار تنبه الغافل عن الحق لأنْ يثوب إلى رشده، ويعود إلى جادة الشرع الإلهي المُسعد.

وفي الطرف الآخر، حيث شرع الله وآداب الإسلام، يتعلم الزوجان سعة الصدر والصفح والمسامحة والإغضاء عن الهفوات، فإذا لمس أحدهما من صاحبه تقصيرًا غير متعمد في واجباته، لا سيما إذا كان بسبب ظروف قاهرة، تجده قد صبر وسامح وتنازل عن حقه، وبذا يغلق الباب في وجه الخصومات والمنازعات، ويفسح المجال واسعًا لتعايش قائم على الوفاق والألفة والتعاون والوفاء، لا على الشقاق والنُّفْرة والتعسف والخيانة.

إن أسرة تقوم علاقات الزوجين فيها على هذا النحو هي أسرة جديرة بأن تظللها السعادة الدائمة، وأن تكون مرتعًا خصبًا لتربية الأولاد على الفضائل والمكارم، وبذا تكون قد أدت رسالتها وحققت الهدف الأسمى من إنشائها، ألا وهو إمداد المجتمع بأفراد صالحين، وإعدادهم لتحمُّل المسئولية، وليكونوا خلَفًا صالحًا يرثون منهج أسلافهم الصالحين، وبذلك تدور رحى الحياة البشرية في الاتجاه الصحيح، وتسير قافلة الحياة على الطريق الآمن السوي، لتصل، بعد أن تقطع المسافة المحددة، إلى السعادة الأبدية(5).

كثير من الرجال يعتبرون الاعتذار تقليلًا من الكرامة والقدر أمام الزوجة، لكنه فعل خاطئ؛ لأن أوجه وأشكال الاعتذار المختلفة كفيلة بتوفير صفاء بين الزوجين وتراض، من دون أن يشعر أحد الطرفين بأنه أقدم على ما ينقص من شأنه وقدره، أو بانتصار الطرف الآخر.

والعناد والكبرياء من أهم أسباب الدمار وخراب البيوت الزوجية، التي تقوم على المحبة والتفاهم المشترك، فالاعتذار المباشر أفضل وأقصر الطرق للتراضي بين الزوجين، خاصة إذا ما شعر أحد الطرفين بأنه أخطأ في حق الآخر، وسارع ليبادر بالأسف عما صدر منه، خاصة إذا كان في تصرفه إهانة أو تقليل من قدر الآخر.

إن القدرة على التسامح أو العفو تختلف من شخص لآخر، فهناك من يتطلب بذل جهد كبير لكي يصفو من الطرف الآخر، خاصة حينما تكون المشكلة كبيرة، لكنه في الواقع يكون غير مرن، وطوال الوقت يرى نفسه صائبًا لا يخطئ؛ وبالتالي فليس لديه الاستعداد لتقبل اعتذار من الطرف الآخر، ويجب أن يضع الطرف الآخر نفسه مكان الأول ويسأل نفسه، هل سيكون سعيدًا معه بعد ذلك في حياته المقبلة أم لا؟

أصناف الاعتذار:

وجدير بالذكر أن الاعتذار تقويم لسلوك سلبي، يظهر من خلاله مدى شجاعة الفرد على مواجهة الواقع، وعلى الرغم من أن هذه الثقافة غائبة لدى أغلب أفراد مجتمعاتنا العربية؛ حيث يعتبر الشخص المخطئ أن الاعتذار تقليل شأن، بينما العكس صحيح، فالاعتذار قوة في الشخصية، واتزان في التفكير، والقدرة على مواجهة الحياة.

وينقسم الناس في إدراكهم لثقافة الاعتذار إلى ثلاثة أصناف:

فالأول: هو السريع، ويوصف بأنه يراجع نفسه مباشرة عند وقوع الخطأ غير المقصود والسلوك السلبي عند حالة الغضب.

والثاني: هو الذي يعتذر بعد مراجعة النفس، ويأتي متأخرًا نوعًا ما، بعد أن يقضي حالة مراجعة للموقف ومحاكاة النفس؛ حيث ينتابه حالة تأنيب الضمير، وقد يبدي اعتذارًا رسميًا أو يدبر موقفًا غير مباشر، ليبين رغبته في تصحيح سلوكه.

والثالث: هو ما نعانيه في مجتمعاتنا، وهنا الشخص يكون مدركًا تمامًا لحجم أخطائه، لكنه يكابر ويمتنع عن الاعتذار، ويطالب الناس أن تتقبله كما هو، وبلا شك أن النوع الثالث من الناس يعاني من ضعف الشخصية، وعدم القدرة على مواجهة المواقف، وكذلك يمكن أن يوصف بالغرور.

طرق الاعتذار:

هناك من الدلالات التي يجب على الزوجة أن تتفهمها عندما يقوم زوجها بها؛ خاصة بعد حدوث مشكلة ما بينهم ويحاول أن يعتذر لها، ومن ضمن هذه الدلالات إذا حدَّث زوجته عن برنامج معين أو علق على ما يشاهدون، أو أمور متعلقة بعمله أو بالأبناء ومشاكل المنزل، فهذه بداية لما بعد الخصام، وعلى الزوجة أن تجيبه وكأن شيئًا لم يحدث(6).

إلا أن المرأة تختلف عن الرجل في تعبيرها عن الاعتذار، ورغم أنها تميل أكثر منه للطريق المباشر، ومستعدة له أكثر؛ إلا أنها أحيانًا تفضل الطرق غير المباشرة، فقد تلجأ المرأة إلى المظهر الجذاب، فعندما يجدها الزوج أجمل وأبهى زينة لها عند عودته للمنزل، أو قد ترتدي ما يحبه من الثياب عليها، فهي تقول بذلك إنها تشتاق إليه وتفتقده.

كما تعلم المرأة أنها تمتلك أسلحة طبيعية يضعف الرجل أمامها، كدلالها، فسرعان ما يصفو لها ويغفر لها هفواتها، خاصة إذا ما تدللت معه بنظراتها وكلماتها العابرة أو حتى بمشيتها.

وقوع بني آدم في الخطأ وارد لا محالة؛ لأنه من صفاته، فكل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون، ولكن لماذا لا يعترف الرجل بهذا المبدأ، وهو الاعتذار، عما بدر منه من خطأ، وبالذات في حق المرأة.

إن أمر الرجل غريب وعجيب في مبدأ الاعتذار للمرأة، فهناك أربعة أنواع للرجال في فهمهم للاعتذار:

- هناك الرجل الذي يعتقد أن الاعتذار للمرأة عبارة عن انتقاص لرجولته وكبريائه وعزة نفسه، فهو لا يتنازل أبدًا للاعتذار لها مهما كان مخطئًا، على الرغم من أنه يعترف داخل نفسه بأنه مخطئ، ولكنه قد يلجأ لطرق غير مباشرة للاعتذار؛ كأن يحاول محادثتها بطريقة مهذبة، أو أن يحضر لها شيئًا تحبه، قد تتفهم الزوجة موقفه ونفسيته، وتحاول أن تتأقلم مع طبيعته، وتقدر له اعتذاره، ولو بطريقته غير المباشرة، لتستمر الحياة بينهما ولكن برتابة وملل.

- وهناك الرجل الذي لا يعترف أبدًا بخطئه؛ سواء لزوجته أو حتى لنفسه، فهو يعتقد أنه دائمًا على حق، وبما أنه رجل فهو معصوم من الخطأ، متعال، لا تسمح له كرامته أبدًا بالاعتذار للمرأة، وهذا عسير العشرة، ولن ينجح أبدًا في كسب قلب زوجته، وتعيش زوجته معه على أعصابها، ويحول حياته وحياة أولادهما إلى ثكنة عسكرية، خالية من كل معاني الحب.

- وهناك رجل لا يعترف بخطئه في بداية الأمر؛ بل يكابر، إلى أن تحاصره زوجته بحقيقة خطئه من كل الجهات، فيضطر للاعتذار، فيعتذر ولكن بتعال، فيرمي كلمة آسف أو كلمة «خلاص معليش» من طرف لسانه، وبحاجبين مقطبين، ووجه محتقن، هذا الرجل يخلق حاجزًا كبيرًا بينه وبين زوجته، قد تقبل اعتذاره ولكن في قرارة نفسها تكره ذلك الاعتذار.

- وهناك الرجل ذو القلب الحنون الطيب، جياش المشاعر، فاضل الأخلاق، يعترف بخطئه ولا يخجل من الاعتراف لزوجته به، يعتذر لها من قلبه، يقول لها: «آسف» بصدق وحب، وكله أمل أن تقبل عذره وتسامحه، وهذا الرجل تعشقه زوجته، ولا تستطيع إلا أن تقبل أسفه، وتسامحه على الفور، وتشعر بحبه وبحنانه، وتتفانى في إسعاده؛ لأنه رجل طيب وفاضل.

إن الاعتذار فرصة رائعة لتعميق الحب والمشاركة، فإنه الوقت المثالي للقيام بالجهد الحقيقي للاستماع إلى شريك الحياة باحترام وتعمق، وإنه الوقت لمعايشة التعاطف والعرفان بالجميل معه؛ نظرًا لأنه راغب في تقديم الاعتذار، وهو الأمر الذي يجعل شريك الحياة يقوم بنفس ما قمت به معه عندما يأتي دورك في الاعتذار(7).

ومفتاح الاعتذار الحقيقي هو الاعتراف بالخطأ؛ لذلك فإن عبارة «أنا آسف! لقد آذيت مشاعرك» تحدث التأثير القوي المطلوب، وهناك أيضًا بعض اللمحات الإضافية التي تؤكد روح الاعتذار، ومن ذلك مثلًا تعبيرات الوجه ودرجة الصوت، وحين يكون الاعتذار حقيقيًّا فإنه يمثل القوة الأكبر في تبديد الغضب وتهدئة الطرف الآخر(8).

قالوا عن الاعتذار: الاعتذار من شيم الكبار.

قال الشاعر:  

إذا اعتذر الجاني ومحا العذرُ ذنبه       كان الذي لا يقبل العذر جانيًا

من فوائد الاعتذار:

- استرضاء المعتذَر إليه.

- الاعتذار يصفي القلوب.

- يرزق المعتذر والمعتذر إليه التواضع.

- الذي يقبل العذر يشجع على فعل الخير.

جميل منا أن نشعر بأخطائنا بحق الآخرين، ولكن الأجمل أن يُترجَم هذا الشعور لواقع ملموس واعتراف بالخطأ، ومن ثم اعتذار مغلف بشموخِ نفسٍ أحيطت بالانكسار فقط لمن اقترفنا بحقه ما لا يليق به، ومن الناس من يعتبر الاعتذار ضعفًا وإهانةً ومنقصةً.

ولكن للأسف نحن لا نجيد فن الاعتذار، فالاعتذار يكون بكلمة (أنا آسف) كلمتان لا غير، لكننا نحس بثقلها على ألسنتا، كلمتان لو نطقتها بصدق لذاب الغضب، قد نُخطئ ولكننا لدينا الأسباب التي دفعتنا إلى ذلك، فتجدنا أبرع من يُقدّم الأعذار لا الاعتذار، نحن لا نُعاني فقط من الجهل بأساليب الاعتذار، ولكننا أيضًا نُكابِر ونتعالى ونعتبر الاعتذار هزيمةً وضعفًا وإنقاصًا للشخصية والمقام، فنجد هناك الأم تنصح ابنتها بعدم الاعتذار لزوجها لكي لا يكبر رأسه، والأب ينصح ابنه بعدم الاعتذار للزوجة لأنه رجل البيت لا يعتذر، والمدير لا يعتذر للموظف؛ لأن مركزه لا يسمح بذلك، والمعلمة لا تعتذر للطالبة لأن ذلك سوف ينقص من احترام الطالبات لها، وسيدة المنزل لا تعتذر للخادمة!

نحن أمة لا نجيد فن الاعتذار، فعندما نعتذر نعتذر اعتذارًا مزيفًا؛ مثل: أنا آسف، ولكن، أنا آسف لأنك لم تفهمني؛ علينا أن نقدم الاعتذار بنيّةٍ صادقة، معترفين بالأذى الذي وقع على الآخر.

كلنا نُخطئ، ولكن حينما نُخطئ ونعرف خطأنا يجب علينا المسارعة بالاعتذار، فذلك دليل الشجاعة والمحبة والثقة بالنفس وقوة الشخصية.

هذا سواد بن غَزِيَّةَ يقف في الجيش يوم أحد متقدمًا عن الصف، فطعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بطنه بالقِدح وقال: «استوِ يا سواد»، فقال: «يا رسول الله، أوجعتني، وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقِدني»، فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه فقال: «استقد»، فاعتنقه سواد فقبَّل بطنه، فقال: «ما حملك على هذا يا سواد؟»، قال: «يا رسول الله حضر ما ترى، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك»، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير(9).

ونلاحظ في هذا الموقف أن باعتذار النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الطريقة حصل سواد على ما يريد، وهو أن يمسّ جسده جسد الرسول الشريف؛ ليكون آخر عهده من الدنيا إذا لقي ربه.

أحيانًا يعتذر أحد الطرفين للآخر رغم أنه لم يخطئ؛ مما يجعل الآخر يدرك خطأه، ويكون علّم الطرف المخطئ فن الاعتذار، ونبهه على خطئه بهدوء، وهذا فن من فنون الاعتذار، كما أن قبول الاعتذار هو تقدير للآخر.

إن مجرد صدق نواياك في الاعتذار يمكن أن يحل الأمور، فاعترافك بالخطأ هو نصف الأمر، أما النصف الآخر فهو كيفية التعبير عن اعتذارك.

1- كتابة بطاقة.

2- الهدايا أهم سُبُل الاعتذار.

3- إعداد الطعام المفضل أو العشاء بمطعمٍ أو الخروج لنزهة.

إن الاعتذار المباشر هو أفضل وأقصر الطرق للتراضي بين الزوجين، وما من عيب في ذلك إذا ما شعر أحد الطرفين بأنه أخطأ في حق الآخر وسارع ليُبادِر بالأسف عما بدر منه، خاصة إذا كان في تصرفه إهانة أو تقليل من قدر الآخر.

نصائح للزوجين:

- عدم العند والإصرار على الرأي، فبعض التنازلات تسيّر الأمور.

- طرد فكرة أن الاعتذار هو قلة قدر أو إهانة، فلا كرامة بين الأزواج.

- تفهُّم كِلا الطرفين لغضب الآخر؛ حتى لا تتفاقم الأمور وتكبر المشكلة، فعندما يشد أحدهما، على الآخر أن يرخي الحبل لتهدأ الأمور.

- العتاب بينهما، فالعتاب دليل المحبة، كما أن تراكم المضايقات والمواقف من دون حسمها سيجعل الأمور تسوء لأبسط الأسباب مفجرة للموقف.

- تقبّل الطرفين لمرضاة الآخر واعتذاره غير المباشر حتى لا تزيد الأمور سوءًا.

- لا تُخاطِر بإنكار كل شيء والإصرار على أنك كنت على صواب، فرفض الإقرار بأي خطأ بالمرةِ يستثير غضب الطرف الآخر، ويُطلِق شرارة التفاقم الحواري بينك وبين شريكك؛ بل هو يقود الطرف الآخر في محاولة دحض حجتك في إنكار الخطأ، وهكذا.

إن الزوج أو الزوجة يريد أن يسمع من شريك الحياة كلمة (أنا آسف)، فلماذا لا نستخدم قوة الاعتذار وهو من شيم الكبار.

الاعتذار ينتصر في النهاية، ويطفئ نار الغضب، ويغلق الأبواب أمام العتاب والنقد والتجريح المستمر، والاعتذار أفضل وسيلة لتحجيم أي مشكلة، وجلب الراحة للطرفين بأقصر الطرق، أما المكابرة والعناد والاستمرار في الدفاع عن النفس والهجوم نحو الآخر ما هو إلا وقود نضعه على نار مشتعلة لا يزيدها إلا اشتعالًا، ويؤدي بالتالي إلى حواجز نفسية بين الزوجين تضعف البناء الزوجي، وتدخل الملل على الحياة الزوجية، ولو علم الزوجان أن تفادي هذه المصائب يمكن أن تحقق بالاعتذار فقط، لتسابق كل منهما على التسامح والاعتذار؛ ليتم إنقاذ الزواج من الأنانية والعناد والكبرياء، الذي ينخر عظام الزواج ويهدده بالفشل.

الاعتذار يحتاج لشخص قوي الشخصية، وله ثقة عالية في نفسه، ويدرك تمامًا أن الإنسان لا بد أن يخطئ ما دام يتكلم ويعمل، ويدرك أيضًا أن الخطأ والاعتراف به لا يهدد قيمته ومركزه، سواء في الأسرة أو في العمل؛ بل العكس هو الصحيح؛ فمن يعترف بخطئه ويقدم الاعتذار عنه، يكسب محبة واحترام الآخرين وتقديرهم له، وخصوصًا داخل العائلة وبين الزوجين.

إن الزوجين الذين يسلكان بهذا التواضع والاعتراف بالخطأ لبعضهما البعض، إنما يعطيان مثلًا صالحًا وقويًا لأبنائهم لكي يتبنوا مثل هذه العادة الجيدة التي ستكبر معهم، وتعينهم على إقامة علاقات صحيحة مع أهلهم ومع الآخرين(10).

***

______________

(1) القرآن منهاج حياة (2/ 143).

(2) كيف يكون الإصلاح بين الزوجين، موقع الشيخ محمد صالح المنجد.

(3) أخرجه البخاري (441)، ومسلم (2409).

(4) أخرجه البخاري (441).

(5) القرآن منهاج حياة (2/ 145).

(6) الاعتذار بين الزوجين ثقافة مفقودة، موقع لهن، بتصرف.

(7) لا تهتم بصغائر الأمور في العلاقات الزوجية، ص314-315، بتصرف.

(8) حتى يبقى الحب، ص560-561.

(9) انظر معرفة الصحابة، لأبي نعيم الأصبهاني (3133).

(10) الاعتذار تحت سقف واحد، موقع: العرب.