logo

العلاقة الزوجية والفيس بوك


بتاريخ : الخميس ، 18 ربيع الآخر ، 1437 الموافق 28 يناير 2016
بقلم : تيار الاصلاح
العلاقة الزوجية والفيس بوك

إن العلاقة بين الرجل والمرأة في بداية الزواج تكون جميلة ورائعة، فهو لا يتحرك ولا يذهب إلى أي مكان إلا بعد أن يخبر زوجته؛ حتى تطمئن عليه، والزوجة عندما تنتهي من إعداد المنزل وترتيبه وإعداد الطعام فإنها ما تلبث أن تخبر زوجها؛ حتى تدخل الفرح والسرور على قلبه، وهكذا تصبح أكثر الأمور التي تدور بين الأزواج يُعلم بها الطرف الأول شريكه بها أولًا بأول، وهذا أمر لا شك طيب، ولكن إذا كان هذا الأمر بين الزوج وزوجته فقط، وليس على الملأ، نعم على الملأ، وأمام مجتمع الفيس بوك.

إن من أكثر الأمور التي تؤثر على الحياة الزوجية، على المدى البعيد، هو ما يتأسس في بداية هذه الحياة من أمور يعتبرها الزوجان من المسلمات، ثم بعد مرور الوقت عندما ينساها أو يتناساها أحد الأطراف تنشأ المشكلات، وأعني هنا ما ذكرته في البداية، فالزوج والزوجة في بداية حياتهما الأسرية كانا مرتبطين وبينهما علاقة ثلاثية، نشأت هذه العلاقة مع الفيس بوك، فإذا ما أراد الزوج أن يخبر زوجته أنه يحبها فإذا به يذهب إلى أزرار الكيبورد، ويكتب أرق الكلمات على الفيس بوك، ويقوم بنشر هذه الكلمات على صفحة زوجته في الفيس بوك، ويرى هذا المنشور أصدقاؤه وأصدقاء زوجته، وربما كان هذا المنشور متاحًا لكل مشترك على الفيس بوك في بعض الأحيان، وهكذا الزوجة، فإذا ما أرادت أن تبث شعورها لزوجها فإنها تفعل مثلما فعل زوجها.

والأمر لا يقتصر على المدح، وإظهار امتنان كل شريك بشريكه، وإظهار كل طرف حبه للطرف الآخر، وإنما أيضًا وصل الأمر إلى حد كتابة أغلب تصرفات حياتهما اليومية على الفيس بوك، فإذا ما ذهب الزوج إلى العمل يكتب على الفيس بوك، ثم تقوم زوجته بالتعليق على المنشور ببعض كلمات الود والحب وتمني الرجوع بالسلامة، وإذا ما ذهب بها زوجها في نزهة أو ما شابه ذلك فإن الزوجة سرعان ما تذهب إلى الفيس بوك، وتشرح كم هي سعيدة بهذه النزهة، وبعد كل هذه الأمور التي جرت من الطرفان يصبح من المسَلَّم عندهما أنه لا بد من كتابة كل الأمور العادية على الفيس بوك، وكذلك لا بد للطرف الآخر من الإعجاب بمنشور شريكه أو التعليق عليه، أما إذا تحاشاه فإن ذلك يعتبر نذير فتور في العلاقة، وعلامة عدم الرضا عن الطرف الآخر.

إن الأمر بغير مبالغة يصل إلى هذا الحد، إنني أتذكر جيدًا منذ شهور قليلة عندما كنت وسيطًا في إحدى المشاكل الزوجية بين رجل وزوجته، لم يمض على زواجهما عام واحد، ومن خلال الكلام علمت أن الزوج قد نشأت بينه وبين زوجته مشكلة قبل ذلك؛ بسبب أنه قام بنشر منشور على الفيس بوك، ولم تقم زوجته بإبداء إعجابها بهذا المنشور!

ومثل ذلك كثير، فهناك من يتشاكل مع زوجته لأنه عندما سافر لم تكتب منشورًا تودعه فيه، وتطلب له سلامة الرجوع، ومن الزوجات من تخاصم زوجها لأنها عندما مرضت وهو في سفره لم يقم بكتابة منشور لها يطلب فيه الشفاء لها.

وبالتالي حلَّ هذا الفيس بوك، عندما دخل في العلاقة الأسرية، مكان التواصل الحقيقي والفعلي؛ بل وصل إلى حد استغناء بعض أولي الأرحام عن الصلة الحقيقية، واكتفوا بالتواصل الافتراضي، وأصحبت المعاتبة على القطيعة الافتراضية، وتناسوا الصلة الحقيقية، وربما لم يلتقوا بالأجساد فوق العام، فلا يتعاتبون، ولكن إذا حدث انقطاع فوق ما يزيد على بضعة أيام في العالم الافتراضي فإنهم يتعاتبون في ذلك.

وليت الأمر يصل بالأزواج إلى هذا الحد؛ بل الأمر تطور بطبيعة بدايته غير الطبيعية، وكما أن الزوجين اعتادا على نشر كل جميل وحسن عن الطرف الآخر على الفيس بوك، فكذلك الأمر عند حدوث المشاكل، ووجود النزاع بين الزوج وزوجته يكون النشر على الفيس بوك، فإذا ما غضبت الزوجة من زوجها، لأنه لم يلبِّ لها طلبها أو أي أمر من الأمور، فإنها لا تتردد في كتابة هذا على الفيس بوك، وبالمثل يقوم الزوج، وعند هذه اللحظة تتفاقم المشكلة، خاصة إذا قامت صديقاتها بتأييد موقفها، وإذا قامت إحدى الصديقات بعكس ذلك، فربما ظنت الزوجة أن هناك ميلًا من هذه الصديقة لزوجها، أو من الزوج لها، وهكذا تصبح المشكلات فوق بعضها، ظلمات بعضها فوق بعض.

وبالتالي نستطيع أن نقول أن تَدَخُّل الفيس بوك في العلاقة الزوجية يؤدي إلى هدم هذه العلاقة، أو على الأقل تشويهها، فهناك إفشاء لخصوصية العلاقة الزوجية، وهناك تدخل من الآخرين في هذه العلاقة، وهذا التدخل غالبًا لا يكون في مصلحة الزوجين، وحتى ولو كان من شأنه الإصلاح لكن الموضوع على الملأ يزرع في النفس عدم الثقة، فالشريك لا يشعر بعد ذلك بأي ثقة في الطرف الآخر، بعد أن قام بنشر المشاكل الدائرة بينهما على الفيس بوك، وهذا ما يؤدي إلى تفاقم المشاكل بينهما، كذلك هناك إلغاء لخصوصية كل طرف، فلا شك أن قيام الشريك بنشر أي شيء ولو كان يخصه، من حيث وقوع الضرر عليه، لكنه أيضًا يخص الطرف الآخر، حيث يظهر أمام الآخرين أنه المعتدي.

إن مواقع التواصل الاجتماعي ليست لأجل تواصل الأزواج فيما بينهم، وإنما لأجل تواصل من لم يستطع التواصل الحقيقي مع غيره؛ كالمسافر، أو الذي يقطن في بلاد بعيدة عن أهله وأقربائه، أما الأزواج، الذين يجب عليهم أن يكونوا كأنهم نفس واحدة، فلا حاجة لمثل هذا التواصل الافتراضي إطلاقًا، إلا في حدود الضرورة القصوى.

إن مثل هذا التواصل الافتراضي يئد كل تواصل حقيقي لازم للسعادة الحقيقية في العلاقة الزوجية، وإن كان هذا التواصل الافتراضي في بدايته له لذته ولمعانه في العلاقة الزوجية، لكنه سرعان ما يتحول إلى عذاب ومشاكل، ويؤدي إلى نفور بين الزوجين.

إن التواصل الحقيقي بين الأزواج هو الذي يضمن استمرار هذه العلاقة طيبة وهادئة وهانئة، هو الذي يرفع هذه العلاقة إلى مكانها الطبيعي، هو الذي يجعل هذه العلاقة مقدسة بكل معنى الكلمة، هو الذي يجعل هذه العلاقة علاقة زوجية ناجحة.