logo

كيف تغرس المحبة بين أبنائك


بتاريخ : السبت ، 22 ربيع الأول ، 1437 الموافق 02 يناير 2016
بقلم : تيار الاصلاح
كيف تغرس المحبة بين أبنائك

إن جميع الآباء والأمهات، بالتأكيد، يحلمون بعلاقة مثالية من الحب بين أبنائهم من الأشقاء والشقيقات، ولكن الحقيقة أن الخلافات والمشاجرات بين الأبناء هي أمر طبيعي في مختلف المراحل العمرية، فالأطفال، عادة، قد يتشاجرون بسبب الألعاب، أو بسبب أنهم يضايقون بعضهم البعض، ورغم محاولات الأب أو الأم تجنب أو منع الخلافات بين الأشقاء، أيًا كانت أعمارهم، فإن الخلافات بين الأبناء أمر لا مفر منه، ولكن المهم هو كيفية التعامل مع تلك الخلافات؛ حتى لا يكره أبناؤك بعضهم البعض، وحتى يتعلموا كيف يحبون بعضهم البعض بصدق.

أسباب سوء العلاقة بين الأخ وأخيه:

1- التفرقة بين الأبناء:

يتفاوت الأبناء والبنات في كل أسرة في مستوياتهم من عدة نواح؛ فالشكل يختلف، والطباع تختلف، وكذلك المستوى الدراسي، وقد يكون هذا التفاوت سببًا رئيسًا لتغير تعامل الوالدين من ابن إلى آخر أو بنت إلى أخرى، وأحيانًا هذا الاختلاف في التعامل لا يكون وفق التفوق أو التقدم على الإخوان، فكل والدين لهما نظرة مختلفة عن غيرهما تتحكم في هذا التمييز، الذي غالبًا ما تكون عواقبه وخيمة على الأولاد، سواء على المدى القريب أو البعيد.

فهناك من يشجع، بإسهاب، الأبناء المتفوقين أو الهادئين والمنظمين في البيت، ويعقد المقارنات المدمرة بين الإخوة والأخوات، وهناك من هو على النقيض تمامًا؛ حيث يكون تفضيله بمثابة التعاطف والتعويض للأولاد الأقل مستوى من إخوانهم، سواء في التصرفات أو المستويات الدراسية.

وأيًا كانت نوعية المقارنات، وما يترتب عليها من تفرقة واضحة، فهي خاطئة حتمًا، ومؤشر خطير لسلوكيات مستقبلية قد لا يدرك الوالدان مدى خطورتها حاليًا.

ومن أكبر المآسي التي تنتج عن التفرقة بين الأبناء سوء العلاقات بين الإخوة أنفسهم التي قد تتعدى مراحل العمر المبكرة إلى ما بعدها، وقد تستمر ترسباتها في النفوس إلى الأبد(1).

2- عدم وجود مجموعة من القيم والمعايير الإيجابية في الأسرة؛ كالحب، والخير، والأمانة، والصدق، ومساعدة الآخرين.

3- سقوط ما يسمى باحترام الكبير داخل الأسرة؛ أي: احترام الأخ الأكبر من الأصغر.

4- دور الأب في الأسرة أصبح هامشيًا، فهو إما غائب أو مطحون في توفير احتياجات الأسرة، وبالتالي غياب الأب القائد يسمح للعدوان بأن يتحرك بين الأخوة بدون ضوابط.

5- ضعف انتماء الأخ لأسرته، فنجد الأخ أنانيًا لا يهمه الآخر، يهرب منه ولا يقترب إلا في حالة المصلحة والأخذ.

6- التذبذب في معاملة الأبناء ما بين القسوة الشديدة إلى التدليل لنفس السلوك الواحد؛ أي معاملة الأبناء حسب الحالة المزاجية(1).

كيف نغرس المحبة بين أبنائنا؟

للمحافظة على رباط الأخوة وغرس المحبة بين الأبناء يجب:

1- إعطاء كل طفل قدرًا من الحنان والاهتمام؛ لأن الذي لا يتلقى الحب والحنان لا يستطيع إعطاءهما لأحد، والحرص على غرس روح الود بينهم منذ الصغر.

2- يجب أن يعدل الوالدان بين أولادهم، فلا يفضلان أحدهم على الآخر؛ بل يساويان بينهم في الحب والعطف والمعاملة، وخصوصًا بين الذكور والإناث.

فحساسية الطفل نحو الظلم لا تقل عن حساسية الكبير؛ ولهذا فإن علينا أن نكون حذرين جدًا في تعاملنا مع أبنائنا، وقد وضع لنا نبينا أساس العدل بين الأبناء في موقف واضح وصارم؛ حيث روى النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن أباه أتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني نحلت ابني هذا غلامًا [أي: وهبتُه عبدًا]، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَكُل ولدك نحلته مثله؟»، فقال: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فأرجعه»، وفي رواية: «فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم»، وفي رواية ثالثة: «فلا تشهدني إذًا؛ فإني لا أشهد على جور»(2).

وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن على الأب أن يعدل بين أولاده حتى في التقبيل، وهذا صحيح؛ لأن الطفل يشعر بالظلم إذا وجد أن أباه يهتم بأخيه ويُدَللـه أكثر منه(3).

3- إشاعة جو المرح والألفة: فهناك أسر كثيرة محرومة من معاني المرح والاستبشار، ومحرومة من الأنشطة المفيدة، ومن الخروج لقضاء بعض الوقت في الحديقة أو في البر أو أي مكان جميل، وهذا يورث التجهم والجفاء، كما يؤدي إلى الشعور بالملل والسأم، ويجعل الطفل يشعر بأن مناكفة أخيه هي الحل الوحيد للتخلص من ذلك، ومن هنا فإن على الأبوين أن يتعلما كيف يثيران المباهج والمسرات في حياتهم العائلية، وأن يرتبا بعض الأنشطة الجماعية التي يشترك فيها جميع أو معظم أفراد الأسرة(4).

4- إذا أخطأ أخ بحق أخيه فلا نبادر إلى العقاب؛ بل نحاول أن نُعرِّفه خطأه الذي قام به؛ ليتداركه في المرات المقبلة، مع حثه على الاعتذار لمن أخطأ في حقه، ولا يكون ذلك بالتوجيه المباشر من قولنا كالعادة: اعتذر لأخيك؛ بل لابد من التدريب العملي على الاعتذار، فيبدأ الوالدان بنفسيهما، فيعتذران لبعضهما، إن أخطأ أحدهما في حق صاحبه، فيما يمكن إطلاع الأبناء عليه ويعتذران من أبنائهما إن أخطأ أحدهما في حق ابنه، نعم، فالحق لا يعرف كبيرًا، هذه هي الطريقة المنطقية لإكساب أبنائنا هذا السلوك الحميد، وهو أن نبدأ بأنفسنا فنربيها على ما نتمناه في أبنائنا.

5- على الآباء ألا يقارنوا بين أبنائهم؛ لأن لكل إنسان شخصيته وظروفه وإمكانياته التي تميزه عن غيره، فالمقارنة كارثة، والمطلوب هو العدالة والتوازن.

6- العلاقة بين الإخوة والأخوات، خاصة في السن الصغيرة، ممكن أن تتحول بفضل الأسرة إلى نواة لعلاقة قوية، أو علاقة سيئة تربط بينهم طوال العمر، فالتناغم في العلاقة مسئولية الأبوين.

7- إذا تخاصم الأبناء فعلى الأبوين أن يشرحا لكل منهم خطأه، ثم يتركانهم معًا ليتصافوا دون تدخل من الأبوين.

8- ترغيب الأبناء وحثهم على توقير الكبير، ورحمة الصغير، وتعليمهم حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا»(5).

9- إن الطفل حين يجد من أبويه القدوة الصالحة في كل شيء، فإنه يتشرب مبادئ الخير، ويتطبع على أخلاق الإسلام، والولد الذي يرى من أبويه القسوة والجفاء لا يمكن أن يتعلم الرحمة والمودة، والولد الذي يرى من أبويه الغضب والانفعال لا يمكن أن يتعلم الاتزان، إن أفضل التربية هي التربية بالقدوة.

10- يجب أن نعلم أولادنا، منذ نعومة أظفارهم، كيف يتسامحون؛ لأن هذا التسامح يغرس فيهم التواصل والود والمحبة.

11- يجب أن نعلمهم كيف يتحاورون، فالمحاورة الجيدة تؤدي إلى علاقات ودودة بعيدة عن التشاحن والمنازعات، ويجب أن نغرس فيهم حب العدالة في المعاملة، وفن التعامل، فإن العلاقة الحميمة بين الأخوة تؤسس الأسرة على السكينة والأمانة.

12- ضرورة غرس الخلق الحميد في الأبناء بالقدوة الحسنة، التي تتمثل في الأقوال والأفعال.

13- إن العلاقة الأسرية التي يسودها الوفاق بين الأب والأم تنعكس بدورها على الأبناء، فيشبوا متحابين متعاونين على البر والتقوى والإحسان.

14- عدم انتقاد الطفل أو معايرته أمام الغير(6).

15- عدم معاقبة أحد الأبناء أمام إخوته؛ بل الأفضل أن يكون ذلك في مكان خاص، بعيدًا عن ملاحظة إخوانه، حتى لا يشعر أنه مثار سخرية.

16- تعليم الأبناء، دائمًا، طرق التفاعل والتواصل مع الآخرين، ومهارات حل المشاكل.

17- تعليم الأبناء قيمة التعاون فيما بينهم على الخير، وتذكيرهم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «من نَفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما، ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه»(7).

فلو أن أحد الأبناء يرتب الغرفة وساعده أخوه، فإن ذلك يولد مشاعر المحبة والألفة بينهم.

18- التهادي المستمر: فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تهادوا تحابوا»(8).

فاشتراك الأم، مثلًا، مع الأبناء لشراء هدية للأب أو العكس، أو شراء هدية لبعضهم؛ كالاشتراك مع الأبناء لشراء هدية لأحدهم، سواء اشتراك مالي أو اشتراك ذهني في اختيار الهدية، التي سيفاجأ بها هذا الأخ؛ كأن يقول الأب أو الأم مثلًا: تعالوا يا أولاد، نريد أن نكافئ أخاكم الأصغر، فإن أخاكم واظب على صلاة الفجر، ولم يتأخر عنها منذ شهر، ما رأيكم أن نشتري له هدية يفرح بها، من يغلّفها؟ أين نضعها؟ نكتب معها رسالة أو لا؟ من يكتبها؟ متى نقدمها؟ وهكذا، نحاول أن نشرك الجميع.

19- لعبة أنا أعرف أسرتي:

يجمع الأبناء ثم يطلب منهم أن يكتب كل واحد ميزات وإيجابيات إخوانه جميعًا بدون ذكر سلبيات ويمكن مساعدة الصغار في الكتابة، يتم إعداد نموذج جميل خاص بهذه اللعبة تقسم فيه الورقة إلى حقول وكل حقل يكتب في أعلاه اسم أحد الأبناء بخط جميل ويعطى الأبناء فرصة كافية للتفكير جيدًا لكتابة الميزات والإيجابيات واستحضار المواقف التي تشهد لهذه الصفة تعلق الإيجابيات في صحيفة تسمى (صحيفة أخبار البيت).

فوائد هذه اللعبة كثيرة جدًا، وآثارها أعمق مما تتخيلون، سواء في تنمية السلوكيات الطيبة وتثبيتها، أو في انتباه الابن لميزات إخوانه، أو بمعرفته لنفسه من خلال آراء الآخرين، كما تزيد معرفة الأبوين بأبنائهم، وبالجوانب التي يهتمون بها في الآخرين.

ــــــــــ

(1) التفرقة بين الأولاد، هيا الرشيد، موقع صيد الفوائد.

(1) مقال: علموا أولادكم محبة الأخ، نعيم نعيم السلاموني، مجلة الوعي.

(2) رواه البخاري (2650)، ومسلم (1623).

(3) مشكلات الأطفال، د. عبد الكريم بكار، ص48-49.

(4) مشكلات الأطفال، د. عبد الكريم بكار، ص52.

(5) رواه الترمذي (1919)، وأبو داود (4943)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2196).

(6) مقال: علموا أولادكم محبة الأخ، نعيم نعيم السلاموني، مجلة الوعي.

(7) رواه مسلم (2699).

(8) رواه البخاري في الأدب المفرد (594)، وحسنه الألباني.