logo

المرأة والملكيَة الفردية


بتاريخ : الثلاثاء ، 28 صفر ، 1440 الموافق 06 نوفمبر 2018
بقلم : تيار الاصلاح
المرأة والملكيَة الفردية

أصبحت قضايا المرأة المسلمة ألعوبة في يد العلمانيين والليبراليين، وغيرهم من أصحاب الأفكار الهدامة والمعتقدات الفاسدة، فيخرج علينا من حين لآخر صعلوك يتكلم عن المرأة وحريتها وحقها في التعليم، ومساواتها بالرجل، إلى غير ذلك من الهرطقات التي سئمت منها آذاننا، وملت منها أسماعنا.

يدعون زورًا وبهتانًا خوفهم وحرصهم على المرأة، ويذرفون دموع التماسيح مطالبين بحقوقها المسلوبة، ولم يخرج منهم من يذرف الدمع على المرأة الأسيرة في السجون الصهيونية، ولا من يطالب بالمحافظة على كرامة المرأة التي أضحت سلعة لأرباب المال، تستخدم في سوق نخاستهم (الإعلانات).

في ظل هذه الحرب المسعورة يخرج إلينا من يطالب بمساواة المرأة بالرجل في الميراث، وهذا ليس جهلًا عاديًا، ولكنه جهل مركب، يطالبون بأشياء لا يفقهون معناها، ولا يفهمون مغزى الشريعة الإسلامية من توزيع الأنصباء، المهم عندهم الهرطقة الفارغة والجدال العقيم، واتهام الإسلام بأنه ظلم المرأة.

في حين أن أي أحد منهم لا يجرؤ في التحدث عن المرأة الغربية ومدى المعاناة التي تعانيها في ظل تشريعاتهم المنحرفة، وقوانينهم الجائرة، التي لم تعط المرأة أي ملكية إلا كان لها مقابل يستنزف ضعفيها، ويطالبها بما تعجز عنه.

والإسلام يقرر أن حق المرأة من الميراث نصف حق الرجل، كما قال تعالى: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء:11]، وليس هذا من الاعتداء على حقوق المرأة، وليس هذا يعني أن الإسلام يضع المرأة في المرتبة الثانية في أهميتها وكرامتها؛ بل هو حكم الله العليم الخبير.

إن نصيب الذكر في الميراث يختلف عن نصيب الأنثى؛ وذلك يرجع لعدة أمور، منها:

1- الميراث من جملة النظام العام في الإسلام، فهو خاضع لعموم المسئوليات والأحكام المناطة بالذكر والأنثى، وما اختلف فيه من أحكام فهو راجع إلى القاعدة العامة في عدم لزوم اطراد المساواة بين العاملين؛ لأن لهم من الحقوق بحسب أعمالهم ومسئولياتهم، فالرجال وهم جنس واحد ليسوا بمتساوي الدخول والمرتبات لدى الجهات الحكومية أو غيرها في جميع الأنظمة، وإنما التفاوت راجع إلى طبيعة أعمالهم ومؤهلاتهم وكفاءاتهم، ولا تقوم الحياة إلا بهذا، ولا يعتبر هذا مؤثرًا في أصل المساواة.

2 -ليس في جميع الحالات تأخذ الأنثى أقل من نصيب الذكر؛ بل في بعض الحالات تأخذ الميراث كاملًا، وفي بعضها تأخذ نصفه، إن الحالات التي تأخذ فيها الأنثى الأقل تعتبر حالات معدودة؛ وذلك لاختلاف الحقوق الواجبة على كل منهما.

3 -زيادة الذكر في نصيبه راجعة إلى طبيعة التكاليف المناطة به في النظام الإسلامي؛ فهو المسئول وحده عن تكاليف الزواج من مهر ومسكن ونفقة.

ثم إن دية قتل الخطأ يتحملها الرجال من العصبة والأقارب لمساعدة القاتل في دفعها دون النساء.

ومن هذا يتضح ما على الرجال من تكاليف مالية ليست على النساء في نظام الإسلام.

من أجل هذا يجب أن نعلم أن الشريعة الإسلامية تختلف عن أنظمة البشر الجائرة، التي تحكم كثيرًا من بقاع العالم اليوم، حيث فيها يتبرأ الأب من ابنته حين تبلغ سن الثامنة عشرة لتخرج باحثة عن لقمة العيش، وكثيرًا ما يكون ذلك على حساب الشرف ونبيل الأخلاق، أما الفتاة في الإسلام فهي مرعية في كنف أبيها أو من يقوم مقامه شرعًا حتى تتزوج.

4 -الميراث ملحوظ فيه الجانب المادي، فهو مرتب على نظام الزواج، فهو كعملية الطرح بعد عملية الجمع لإخراج نتيجة صحيحة؛ أي أن الزيادة في الميراث ليس تفضيلًا، ولكنها تعويض مادي بحت.

5- وقبل ذلك كله هو حكم الله تعالى العليم الخبير، الذي تضمن كمال العدل وكمال الحكمة، وضمان حقوق العباد ومصالحهم الظاهرة والخفية، العاجلة والآجلة(1).

قال تعالى: {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء:11].

ونِعْم الرب خالقنا؛ إنه يوصينا في أولادنا، سبحانه رب العرش العظيم، ومادة الوصية إذا ما تتبعناها في القرآن نجد أنها مصحوبة بالباء، فقال سبحانه: {ذلكم وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:153]، وقال سبحانه: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدين مَا وصى بِهِ نُوحًا} [الشورى:13]، وقال الحق أيضًا: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا على وَهْنٍ} [لقمان:14]، كل هذه الآيات جاءت الوصية فيها مصحوبة بالباء التي تأتي للإلصاق.

لكن عندما وصّى الآباء على الأبناء قال: {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} فكأن الوصية مغروسة ومثبتة في الأولاد، فكلما رأيت الظرف، وهو الولد، ذكرت الوصية.

قال الله تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} [النساء:7]، ولم يحدد النصيب بعد هذه الآية مباشرة إلا بعد ما جاء بحكاية اليتامى وتحذير الناس من أكل مال اليتيم، لماذا؟ لأن ذلك يربي في النفس الاشتياق للحكم، وحين تستشرف النفس إلى تفصيل الحكم، ويأتي بعد طلب النفس له، فإنه يتمكن منها، والشيء حين تطلبه النفس تكون مهيأة لاستقباله، لكن حينما يعرض الأمر بدون طلب، فالنفس تقبله مرة وتعرض عنه مرة أخرى، ونلحظ ذلك في مناسبة تحديد أنصبة الميراث.

فقد قال الحق سبحانه أولًا: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} [النساء:7]، وعرض بعد ذلك أمر القسمة ورعاية اليتامى والمساكين وأولي القُربى، ثم يأتي الأمر والحكم برعاية مال اليتيم والتحذير من نهبه، وبعد ذلك يقول: {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُم}، ويأتي البند الأول في الوصية: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْن} ولماذا لم يقل (للأنثيين مثل حظ الذكر)، أو (للأنثى نصف حظ الذكر)، هذه معان يمكن أن تعبر عن المطلوب.

لقد أراد الله أن يكون المقياس أو المكيال هو حظ الأنثى، ويكون حظ الرجل هنا منسوبًا إلى الأنثى؛ لأنه لو قال: (للأنثى نصف حظ الرجل) لكان المقياس هو الرجل، لكنه سبحانه جعل المقياس للأنثى فقال: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْن}.

والذين يقولون: هذا أول ظلم يصيب المرأة، نريد المساواة، نقول لهم: انظروا إلى العدالة هنا، فالذكر مطلوب له زوجة ينفق عليها، والأنثى مطلوب لها ذكر ينفق عليها، إذن فنصف حظ الذكر يكفيها إن عاشت دون زواج، وإن تزوجت فإن النصف الذي يخصها سيبقى لها، وسيكون لها زوج يعولها.

إذن فأيهما أكثر حظًا في القسمة؟ إنها الأنثى؛ ولذلك جعلها الله الأصل والمقياس حينما قال: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْن} فهل في هذا القول جور أو فيه محاباة للمرأة؟ إن في هذا القول محاباة للمرأة؛ لأنه أولًا جعل نصيبها المكيال الذي يُرد إليه الأمر؛ لأن الرجل المطلوب منه أن ينفق على الأنثى، وهي مطلوب لها زوج ينفق عليها.

إذن فما تأخذه من نصف الذكر يكون خالصًا لها، وكان يجب أن تقولوا: لماذا حابى الله المرأة؟ لقد حابى الله المرأة لأنها عرض، فصانها، فإن لم تتزوج تجد ما تنفقه، وإن تزوجت فهذا فضل من الله.

والحق سبحانه أراد أن تكون أحكامه موزعة في المواقع المختلفة، ولننظر إلى قوله: {يُوصِيكُمُ الله في أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنثيين فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْن فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ}؛ أي أنه إن لم ينجب المورث ذكرًا وكان له أكثر من اثنتين فلهن ثلثا ما ترك.

أما لو كان معهن ذكر، فالواحدة منهن ستأخذ نصف نصيب الذكر، وإن كانت الوارثة بنتًا واحدة، فالآية تعطيها النصف من الميراث {وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} وبقي شيء لم يأت الله له بحكم، وهو أن يكون المورث قد ترك ابنتين، وهنا نجد أن الحق قد ضمن للاثنتين في إطار الثلاث بنات أو أكثر أخذ الثلثين من التركة، هكذا قال العلماء، ولماذا لم ينص على ذلك بوضوح؟ لقد ترك هذه المهمة للعقل، فالبنت حينما ترث مع الذكر تأخذ ثلث التركة، وعندما تكون مع ابنة أخرى دون ذكر تأخذ الثلث.

فإذا كانت مع الذكر، وهو القائم بمسئولية الكدح، تأخذ الثلث؛ ولذلك فمن المنطقي أن تأخذ كل أنثى الثلث إن كان المورث قد ترك ابنتين.

ويذيل الحق هذه الآية: {آبَاؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ إِنَّ الله كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء:11]، فإياك أن تحدد الأنصباء على قدر ما تظن من النفعية في الآباء أو من النفعية في الأبناء، فالنفعية في الآباء تتضح عندما يقول الإنسان: (لقد رباني أبي، وهو الذي صنع لي فرص المستقبل).

والنفعية في الأبناء تتضح عندما يقول الإنسان: إن أبي راحل، وأبنائي هم الذين سيحملون ذكري واسمي، والحياة مقبلة عليهم، فيوضح الحق: إياك أن تحكم بمثل هذا الحكم؛ فليس لك شأن بهذا الأمر: {لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا}.

وما دمت لا تدري أيهم أقرب لك نفعًا فالتزم حكم الله، الذي يعلم المصلحة وتوجيهها في الأنصبة كما يجب أن تكون(2).

الحكمة من إعطاء المرأة نصف نصيب الرجل:

مما سبق يتبين أن سبب نقص ميراث المرأة في بعض الحالات عن الرجل لا يعود لكونها امرأة، وإلا كيف يفسِّرُ أعداء الإسلام تساوي المرأة مع الرجل في بعض الحالات، وزيادتها في حالات أخرى؛ بل هذا النقص يعود لاعتبارات أخرى تخص الميراث والتوزيع، والعدالة الاجتماعية ودرجة القربى، وعدد الورثة... إلخ، ويمكن وضع الأسباب والاعتبارات التي جعلت نصيب المرأة نصف نصيب الرجل بما يلي:

1 -الرجل عليه أعباء مالية ليست على المرأة مطلقًا، فالرجل يدفع المهر، قال تعالى: {وَآتُواْ النَّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء:4]، ومعنى كلمة نحلة: أي فريضة مسماة، يمنحها الرجلُ المرأةَ بطيب نفس، والمهر حقٌ خالص للزوجة وحدها، لا يشاركها فيه أحد، فتتصرف فيه، كما تتصرف في أموالها الأخرى، كما شاءت متى كانت بالغة عاقلة راشدة، فالمرأة مكفولة، والرجل مسئول عن نفسه ومن يعول.

2 -الرجل مكلف بالنفقة على زوجته وأولاده؛ لأن الإسلام لم يوجب على المرأة أن تنفق على الرجل ولا على البيت، حتى ولو كانت غنية، إلا أن تتطوع بمالها عن طيب نفس، قال تعالى: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللهُ لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق:7]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، كما ورد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: «فاتقوا الله في النساء؛ فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن ألَّا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف»(3)، فمال الرجل مستهلك، ومال المرأة موفور.

3 -كما أن الرجل مكلف أيضًا بجانبٍ من النفقة على الأهل والأقرباء وغيرهم ممن تجب عليه نفقته؛ حيث يقوم بالأعباء العائلية، والالتزامات الاجتماعية التي كان يقوم بها المورِّث بعد موته، باعتباره جزءًا منه، وامتدادًا له، أو عاصبًا من عصبته.

هذه هي أهم الاعتبارات التي من أجلها جعل الشرع نصيب المرأة نصف نصيب الرجل، وعند فقدان هذه الاعتبارات والأسباب نجد أن نصيبها يختلف بحسب وجودها وفقدانها.

تتساوى مع الرجل:

كما أن هناك حالات تأخذ فيها المرأة من الميراث بقْدرٍ مساوٍ لما يأخذه الرجل، وهذه الحالات هي:

- في ميراث الأب والأم، فلكل واحد منها السدس، إن كان للميت فرع وارث مذكر وهو الابن أو ابن الابن وإن نزل، كما في قوله تعالى: {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء:11].

- ويكون ميراث الأخوة لأم؛ ذكرهم وأنثاهم، سواء في الميراث، كما قال سبحانه وتعالى: {وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء:12].

وهناك صور في الميراث تأخذ المرأة أضعاف ما يأخذه الرجل، وهي:

- كما في قوله تعالى: {فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء:11]، فالأب يأخذ السدس، وهو أقل بكثير مما تأخذه البنت أو البنات، ومع ذلك لم يقل أحد أن كرامة الأب منقوصة بهذا الإرث.

- وقد تتفوق المرأة على الرجل في الميراث إذا كانت في درجة متقدمة؛ مثل: البنت مع الأخوة الأشقاء، أو البنت مع الأعمام، وهنا ترث المرأة والرجل لا يرث!! وذلك في حال موت الرجل عن ابن وابنة، وأخوين شقيقين؛ فالابن والابنة لهما كل التركة، والأخوة الأشقاء ليس لهم شيء منها، فالأنثى ترث؛ وهي البنت، والذكر لا يرث؛ وهو الأخ الشقيق.

عدل وانصاف:

مما سبق نستنتج أن المرأة غُمِرَت برحمة الإسلام وفضله فوق ما كانت تتصور، وحفظ حقها على أساس من العدل والإنصاف والموازنة، وعلى الرغم من أن الإسلام أعطى الذكر ضعف الأنثى فهي مرفهة ومنعمة أكثر من الرجال؛ لأنها تشاركه في الإرث دون أن تتحمل أية تبعات، فهي تأخذ ولا تعطي، وتغنم ولا تغرم، وتدخر المال دون أن تدفع شيئًا من النفقات، أو تشارك الرجل في تكاليف العيش ومتطلبات الحياة، ولربما تقوم بتنمية مالها في حين أن ما ينفقه أخوها وفاءً بالالتزامات الشرعية والاجتماعية قد يستغرق الجزء الأكبر من نصيبه في الميراث.

فالتشريع الإسلامي وضعه رب العالمين، الذي خلق الرجل والمرأة، وهو العليم الخبير بما يصلح شأنهم من تشريعات، وهو القائل جل شأنه: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14]، وليس لله مصلحة في تمييز الرجل على المرأة، أو المرأة على الرجل، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر:15](4).

فقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}؛ أي: يأمركم بالعدل فيهم، فإن أهل الجاهلية كانوا يجعلون جميع الميراث للذكور دون الإناث، فأمر الله تعالى بالتسوية بينهم في أصل الميراث، وفاوت بين الصنفين، فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين؛ وذلك لاحتياج الرجل إلى مؤنة النفقة والكلفة ومعاناة التجارة والتكسب وتجشم المشقة، فناسب أن يعطى ضعفي ما تأخذه الأنثى(5).

والحكمة في جعل حظ الذكر كحظ الأنثيين، أن الذكر يحتاج إلى الإنفاق على نفسه وعلى زوجه، فجعل له سهمان، وأما الأنثى فهي تنفق على نفسها فحسب، فإن تزوجت كانت نفقتها على زوجها(6).

إن الله هو الذي يوصي، وهو الذي يفرض، وهو الذي يقسم الميراث بين الناس، كما أنه هو الذي يوصي ويفرض في كل شيء، وكما أنه هو الذي يقسم الأرزاق جملة، ومن عند الله ترد التنظيمات والشرائع والقوانين، وعن الله يتلقى الناس في أخص شئون حياتهم، وهو توزيع أموالهم وتركاتهم بين ذريتهم وأولادهم، وهذا هو الدين، فليس هناك دين للناس إذا لم يتلقوا في شئون حياتهم كلها من الله وحده، وليس هناك إسلام إذا هم تلقوا في أي أمر من هذه الأمور، جل أو حقر، من مصدر آخر، إنما يكون الشرك أو الكفر، وتكون الجاهلية التي جاء الإسلام ليقتلع جذورها من حياة الناس .

وإن ما يوصي به الله ويفرضه ويحكم به في حياة الناس، ومنه ما يتعلق بأخص شئونهم، وهو قسمة أموالهم وتركاتهم بين ذريتهم وأولادهم، لهو أبر بالناس وأنفع لهم مما يقسمونه هم لأنفسهم ويختارونه لذرياتهم، فليس للناس أن يقولوا: إنما نختار لأنفسنا، وإنما نحن أعرف بمصالحنا، فهذا فوق أنه باطل هو في الوقت ذاته توقح وتبجح وتعالم على الله، وادعاء لا يزعمه إلا متوقح جهول.

قال العوفي عن ابن عباس: {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} وذلك أنه لما نزلت الفرائض التي فرض الله فيها ما فرض للولد الذكر والأنثى والأبوين كرهها الناس، أو بعضهم، وقالوا: تعطى المرأة الربع أو الثمن، وتعطى الابنة النصف، ويعطى الغلام الصغير.

وليس من هؤلاء أحد يقاتل القوم ولا يحوز الغنيمة، اسكتوا عن هذا الحديث لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينساه أو نقول له فيغير! فقالوا: «يا رسول الله تُعطى الجارية نصف ما ترك أبوها, وليست تركب الفرس ولا تقاتل القوم، ويعطى الصبي الميراث، وليس يغني شيئًا»، وكانوا يفعلون ذلك في الجاهلية، ولا يعطون الميراث إلا لمن قاتل القوم، ويعطونه الأكبر فالأكبر.

فهذا كان منطق الجاهلية العربية، الذي كان يحيك في بعض الصدور، وهي تواجه فريضة الله وقسمته العادلة الحكيمة.

ومنطق الجاهلية الحاضرة الذي يحيك في بعض الصدور اليوم، وهي تواجه فريضة الله وقسمته، لعله يختلف كثيرًا أو قليلًا عن منطق الجاهلية العربية، فيقول: كيف نعطي المال لمن لم يكد فيه ويتعب من الذراري؟ وهذا المنطق كذاك، كلاهما لا يدرك الحكمة ولا يلتزم الأدب، وكلاهما يجمع، من ثم، بين الجهالة وسوء الأدب.

{لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} وحين لا يكون للميت وارث إلا ذريته من ذكور وإناث فإنهم يأخذون جميع التركة، على أساس أن للبنت نصيبًا واحدًا وللذكر نصيبين اثنين.

وليس الأمر في هذا أمر محاباة لجنس على حساب جنس، إنما الأمر أمر توازن وعدل بين أعباء الذكر وأعباء الأنثى في التكوين العائلي وفي النظام الاجتماعي الإسلامي؛ فالرجل يتزوج امرأة ويكلف إعالتها وإعالة أبنائها منه في كل حالة، وهي معه وهي مطلقة منه، أما هي فإما أن تقوم بنفسها فقط، وإما أن يقوم بها رجل قبل الزواج وبعده سواء، وليست مكلفة نفقة للزوج ولا للأبناء في أي حال، فالرجل مكلف، على الأقل، ضعف أعباء المرأة في التكوين العائلي وفي النظام الاجتماعي الإسلامي، ومن ثم يبدو العدل كما يبدو التناسق بين الغنم والغرم في هذا التوزيع الحكيم، ويبدو كل كلام في هذا التوزيع جهالة من ناحية، وسوء أدب مع الله من ناحية أخرى، وزعزعة للنظام الاجتماعي والأسريّ لا تستقيم معها حياة(7).

وللمرأة المسلمة الحق الكامل في التملك الشخصي، والتصرف الكلي فيما تملك من مال وعقار، وفي كل أدوار حياتها، سواء أكانت بنتًا أو زوجًا أو أمًا، وفقًا للنظام العام، وليس للزوج المسلم حق في أن يتصرف بما يخص زوجته المسلمة أو أن يمس شيئًا مما تملك بغير إذن منها ورضاء.

ومن هذا نرى أن الإسلام قد أعطى بتشريعه هذا للزوجة المسلمة حقوقًا لم تحصل عليها في تشريعات أي حضارة أخرى منذ أقدم العصور وحتى الآن، ففي الشرائع الحديثة، التي تعتبر القمة في التشريع البشري، وُضعت شروط عامة للزواج، ورُبِطَ عقد الزواج بعقد آخر أطلق عليه اسم (عقد ترتيب أملاك الزوجين)، وهذا العقد يجعل ثروة الزوجة إلى حد كبير تحت سيطرة الزوج، ويحرمها من سيطرتها المطلقة بوصفها مالكة للمال، بينما يمنح هذه السيطرة للزوج لا على ماله فحسب؛ بل على مال زوجته أيضًا، وفقًا لأحد أشكال أربعة، سمح القانون بصياغة العقد طبقًا لأي واحد منها، تبعًا لما يقع عليه اختيار الزوجين.

___________________

(1) إسلامية لا وهابية، ص431.

(2) تفسير الشعراوي (4/ 2023-2029) باختصار.

(3) أخرجه مسلم (1218).

(4) المفصل في الرد على شبهات أعداء الإسلام (14/ 306).

(5) تفسير ابن كثير (2/ 225).

(6) تفسير المراغي (4/ 196).

(7) في ظلال القرآن (1/ 591).