logo

كيف تصنع الرغبة في القراءة لدى أبنائك


بتاريخ : الثلاثاء ، 4 ذو القعدة ، 1439 الموافق 17 يوليو 2018
بقلم : تيار الاصلاح
كيف تصنع الرغبة في القراءة لدى أبنائك

إن أهمية القراءة ومنزلتها الرفيعة ومكانتها السامية أمر لا يختلف فيه اثنان، فكلنا يعرف أن أول توجيه للنبي صلى الله عليه وسلم وأول أمر نزل به الوحي على النبي الأمي صلى الله عليه وسلم هو "اقرأ"، ولأن الآباء يرجون لأبنائهم كل الخير، ويتمنون أن يروا أبناءهم في أعلى المنازل، ولأن القراءة قيمة وفضيلة وهي بوابة العلم والتعلم فهم يحلمون بأن تكون القراءة لأبنائهم عادة، ويسعون لغرسها في نفوسهم وتحبيبها إلى قلوبهم.

إن «مسألة غرس حب القراءة في نفوس الأطفال من المسائل التي شغلت وما زالت تشغل العالم بأسره، وذلك بسبب صعوبة تعامل الكبار مع الصغار، وصعوبة فهمهم لأمزجتهم ورغباتهم وحاجاتهم، بالإضافة إلى كون الأطفال يميلون بفطرتهم إلى اللهو واللعب والتصرّف حسب المزاج، كما أنّ قدرتهم على الانضباط الذاتي محدودة، ولهذا كله كان هناك الكثير من النصائح والتجارب التي يمكن للآباء الجدد الاستفادة منها في تحفيز أطفالهم على القراءة، وجعلها إحدى مفردات حياتهم اليوميّة، وأنا هنا سأحاول تقديم أهم ما أعتقد أنه يساعد في هذا الشأن، وذلك عبر المفردات التالية»(1):

1- الاهتمام أبو الفضائل:

إذا رجعنا إلى الواقع لوجدنا أن معظم الناس يحبون أن يكون أولادهم أفضل الناس؛ لكن ينقصهم الاهتمام، وبعضهم ينقصه الوعي.

إن التقدم الحضاري الحاصل الآن يجعل من الإهمال في تربية الأطفال شيئًا يقصم الظهر، فالحاجة إلى الاهتمام ماسة في ظل هذا التقدم، الذي يوسع الهوة بين الشباب الذين يقرءون ويعرفون، وبين الشباب الذين خيم عليهم الجهل، فإذا ما وُجِد الاهتمام اندفع الإنسان إلى القراءة والتعلم.

2- مشاركة الأطفال في القراءة:

تُعد العلاقة الحسنة بين الآباء وأطفالهم مصدرًا لكثيرٍ من الخير، ومعبرًا لكثير من الخبرات والمهارات؛ لذلك فإن من المهم أن يدرك الآباء أهمية مشاركتهم لأطفالهم في نشاط القراءة، وهذه المشاركة تتطلب أن تكون القراءة جهرية؛ فقد أشارت دراسة أسترالية حديثة إلى أن القراءة بصوت عالٍ تعد من الأنشطة الذهنية التي تغذي عقل الطفل.

3- ترسيخ عادة القراءة هو الأهم:

من المهم أن نغض الطرف في البداية عن نوعية ما يرغب الطفل في قراءته، ونشتري له الكتب والقصص التي يحبها، ما لم يكن فيها انحراف عقدي أو شيء يخدش الحياء؛ فالأهم هو ترسيخ عادة القراءة عند الصغار، ومع الأيام ومع شيء من التوجيه سوف يصبح اختياره للكتب أكثر رشدًا.

4- الكتاب أجمل هدية:

نحن نريد أن يتحرك المجتمع كله في هذه السبيل، نريد أن تكون الكتب هي الهدايا التي تقدم في حفلات القران والأعراس وسكنى البيوت الجديدة والتوظف في عمل، وفي كل مناسبة يجتمع فيها الناس، وعلى المثقفين أن يتزعموا هذه الحركة؛ لأن الناس يقتدون بهم.

5- القراءة للطفل كل يوم:

الأطفال الصغار يميلون بفطرتهم إلى الرتابة، ويرتاحون إلى تكرار الأشياء، ومن هنا فإن من المهم أن تحرص الأم (وكذلك الأب) على أن تقرأ لطفلها شيئًا، ولو قليلًا؛ فالقراءة على نحو يومي تلقي في العقل الباطن لدى الطفل الإحساسَ بأهمية القراءة، كما أن المداومة على القراءة توثق الصلة بين الطفل وبين مَن يقرأ له.

6- تشجيع بلا ملل:

لدينا طريقتان لجعل الكبار والصغار يقومون بعمل ما: الضغط والإكراه، أو التشجيع والتحفيز، وتدل الشواهد على أن الناس يميلون إلى الطريقة الأولى؛ لأنهم يجدونها أسهل، لكن لدينا أيضًا ما لا يحصى من الشواهد على أن تلك الطريقة عقيمة وغير مجدية، وما ذلك إلا لأن فعل القراءة، حتى يكون مثمرًا، فإنه ينبغي أن يكون فرعًا من حب الإنسان للمعرفة وانجذابه للكتاب، ونحن نعرف أن القيم لا تفرض، لكنها تجذب، فالتشجيع الذكي والحكيم يفعل الأعاجيب في نفوس الصغار والكبار.

ومن هنا فإن جعل الأطفال ينجذبون للقراءة هو الطريق الوحيد لجعلها جزءًا من سلوكهم وعاداتهم.

إن البدايات دائمًا صعبة، فإذا وجدت الطفل يقترب من الكتاب، ويبدأ محاولاته للقراءة فأظهر ابتهاجك بذلك واحتفل به، واستمع إليه وهو يقرأ، وإذا رأيته يخطئ فلا تصحح له أخطاءه؛ وذلك لأننا نريد أن يشعر بمتعة القراءة أيًا كانت، ونريد أن يعرف أننا نستحسن أي جهد يبذله في ذلك.

بعض الآباء يتصرفون على نحو معاكس، فإذا رأوا أحد أولادهم وقد أمسك بكتاب أو قصة أو مجلة يقولون له: «منذ متى كنت تهتم بالقراءة»، أو يقولون: «أخيرًا أدركت أن القراءة جيدة»، أو يقولون: «المهم أن تداوم على القراءة كما يفعل فلان»...

إن هذه التعبيرات وأشباهها تولد في نفس الطفل الإحباط والنفور من القراءة، ولهذا فلا بد من الانتباه لذلك.

7- اصطحاب الطفل إلى المكتبة:

هذا الزمان هو زمان المعرفة؛ ولهذا فإن تغذية الأدمغة تحتاج منا إلى اهتمام يقترب من اهتمامنا بتغذية أبداننا بل أكثر؛ من أجل أن نحيا الحياة كما ينبغي أن نحياها، استقامة وفاعلية وعطاء؛ ولهذا لا بد أن يكون من ضمن برامجنا في الحياة الذهاب إلى المكتبات مرتين في الشهر على الأقل، ولو كان ما نشتريه قليلًا، أو كان الهدف مجرد الاطلاع على الكتب الجديدة.

8- اختيار الكتاب الجيد:

نحن في عصر الألوان والأذواق المترفة، وفي عالم السعة والبدائل والمقارنات الكثيرة، وهذه المعطيات تجعل الأطفال لا يرتاحون أو ينجذبون إلى قراءة الكتب التي لا تتوفر فيها عناصر ومقومات معينة.

فالكتاب الجيد إذن هو كتاب جميل في شكله ومقاسه ورسومه وألوانه، والكتاب الجيد هو كتاب ملائم لسن الطفل، ثم إن الكتاب الجيد هو الكتاب الذي يوحي على نحو خفي بالقيم العظيمة التي ينبغي أن يتربى عليها الطفل المسلم؛ مثل الإيمان والصدق والتعاون والجدية والتسامح...، ومن المؤسف أن كثيرًا من كتب الأطفال مشحونة بالموعظة المباشرة، وهذا منفّر جدًا للأطفال.

وكلما صغر سن الطفل كان من الأفضل أن تكون كلمات الكتب أو القصص كبيرة وواضحة، مع ضرورة ترك مساحات فارغة بين مقاطع الصفحة الواحدة كمحطات استراحة للطفل.

أيضًا كلما صغر سن الطفل كان من المهم جعل كلمات الصفحة قليلة، وجعل معظم مساحاتها مملوءة بالصور الجميلة والملونة.

9- شجع طفلك على قراءة الكتب والقصص والروايات المسلسلة:

إن الأب حينما يشتري لأولاده سلسلة مؤلفة من ستة كتب، مثلًا، فإنه قد يضمن أن يقرءوا السلسلة كلها؛ حيث إن الصغار مثل الكبار يظنون أنهم إذا أُعجِبوا بكتاب لمؤلف بحثوا عن باقي كتبه، وإذا تعلقت قلوبهم بكتاب من سلسلة حرصوا على قراءة باقيها، هذا يقتضي أن نقدم للطفل أولًا أكثر كتب السلسلة جاذبية وأشدها التصاقًا باهتماماته(2).

10- استخدم قوة الإيحاء:

فكل واحد من الناس يتأثر بالإيحاء، والأطفال يتأثرون به بشكل أكبر بالتأكيد، هذه القوة السحرية التي تجعل الفاشل ناجحًا والناجح فاشلًا، وتحيل السقيم صحيحًا والصحيح سقيمًا، فاستعملها كل يوم، ولا تمل من استعمالها(3).

يقول أحد الآباء: «اكتشفت من وقت قريب أن أبي وأمي قد تآمرا علي وأنا صغير حتى أبدو وكأني مثقف الأسرة، وأفضل من يقرأ الخطوط ويفك الطلاسم، فقد كان أبي يطلب مني دائمًا حين نكون خارج المنزل أن أقرأ اللوحات واللافتات وأسماء الشوارع التي كنا نمر عليها، وكان كثيرًا ما يسألني عن معاني ما أقرأ، وإذا أخطأت في القراءة أو التفسير صحح لي برفق شديد، كما أنه يثني عليَّ ثناءً عاطرًا حين أقرأ أو أشرح بطريقة صحيحة، وطالما سمعت منه قوله: يا بني، أنت موهوب جدًا، وأملي أن تكون في المستقبل المثقف الأول في عائلتنا الكبيرة.

أما أمي فقد كانت تطلب مني قراءة أي إرشادات تقع تحت يدها؛ إرشادات الأدوية والأكلات التي تريد طبخها، والألعاب التي تشتريها لي؛ بل كانت تجعلني أقرأ الإرشادات التي تعطيها إياها جارتنا، والتي كانت أمية لا تقرأ ولا تكتب...

والآن أشعر أن أبي وأمي قد نجحا في جعلي محبًا للعلم والقراءة، فأنا بحمد الله أول شخص يحصل على الدكتوراه في عائلتنا الكبيرة، والمكونة من بضعة ألوف من الرجال والنساء!»(4).

أثر التلفزيون على القراءة لدى الأطفال:

هل للتلفزيون أثر على عادة القراءة؟ هل كان عاملاً يدفع إلى القراءة؟ أم عاملاً يصرف عنها؟

في بحث ميداني قيِّمٍ عرض أحد الباحثين لأثر مشاهدة التلفزيون على عادة القراءة عند الأطفال، وقد عرض بعض النتائج التي توصل إليها عدد من الباحثين والعلماء مثل "كير ندي وايت" الذي يرى أنه مما يعطِّل الميل إلى القراءة وجود التليفزيون وبرامجه، والدليل على ذلك الدراسات التي قام بها فريق من جامعة بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية 1989م، مفادها أن مشاهدة التلفزيون تعطل ملَكة القراءة عند الأطفال، ومن ثَمَّ تُعطِّل ملكة التفكير أيضًا، وهذه النتائج أصبحت مقبولة لدى عدد من المعاهد في العالم.

ومن الدراسات القيمة في هذا المجال دراسة العالمين أندرسون وكولن سنة 1988م، وقد قدمت هذه الدراسة لمكتب التربية الأمريكي القومي حول تأثير مشاهدة التليفزيون على الأطفال في مدينة بولاية (أيوا) في أمريكا لم تعرف التليفزيون من قبل، ثم عرضا للتليفزيون، وقاما بمقارنة نشاطات الأطفال قبل مشاهدة التليفزيون وبعدها، وأشارت البيانات إلى أن مشاهدة التليفزيون حلت محل نشاطات أخرى؛ كاللعب والقراءة، وقد وجد هذان الباحثات دراسات متعددة تؤيد ما توصلا إليه.

وأسهم وزير الثقافة الفرنسي سنة 1991م إسهامًا جيدًا في هذا الصدد، محذرًا من تدني مستوى القراءة عند الفرنسيين، موضحًا ذلك بأن (1) من كل (4) فرنسيين لا يقرأ، ولا يقتني كتابًا واحدًا، وأن سبب ذلك هو الإدمان على مشاهدة التليفزيون.

ومعظم القيادات التربوية الأمريكية تعتقد أن المسبب لاضمحلال عادة القراءة عند الأطفال هو مشاهدة التليفزيون، وهذا ما أكده سنة 1991م وليام هوينج، المشرف على الشئون التعليمية في ولاية كاليفورنيا، من خلال الدراسة التي أجريت لتحديد خطر هذا الجهاز على طلاب التعليم الأساسي؛ وذلك بأن الطلاب يفضلون مشاهدة التليفزيون على قراءة الكتب، وأن نسبة 69 % من طلاب الصف الرابع يقومون بقضاء معدل ثلاث إلى أربع ساعات يوميًا أمام الشاشة الفضية.

ومما سبق من الحقائق والإحصاءات يتبين لنا أن التلفاز يمثل قوة عاتية لصرف الأطفال والناشئة عن القراءة، وعن وجود أخرى من النشاط النافع(5).

متى وأين تقرأ لطفلك؟

- اقرأ لطفلك بعيدًا عن المشتتات المغرية له، فمثلًا لا تجلس أمام شاشة التلفاز وتروي لطفلك إحدى القصص، فهو لن يلتفت إليك؛ بل ستجذبه الصور المختلفة بالتلفاز، وتجعله ينتظر حتى يتفرغ لمشاهدة ما يحب.

- اقرأ لطفلك وهو شبعان لا يشعر بالجوع، فإذا كان طفلك منتظرًا للطعام فإنه لن يلتفت إلى ما تقول، حتى ولو كان أسلوبك جذابًا وممتعًا؛ بل سيفكر في الطعام أكثر من استمتاعه بالقصة.

- اقرأ لطفلك في الوقت الذي لا يشعر فيه طفلك بالإرهاق، فهو إن كان متعبًا فلن تكون للقراءة ثمرة.

- كن مراعيًا أن وقت القراءة لا يحرمه من ممتع آخر يريد أن يشارك فيه، فهو يعلم أن قصتك يمكن تأجيلها، أما هذا الممتع فقد ينتهي وقته، ولا يستطيع الاستمتاع به مرة أخرى، فعلى سبيل المثال إذا كان طفلك يشاهد برامج الأطفال أو يمارس نشاطًا ممتعًا، فلا تحرمه من متعته كي تقص عليه القصة.

- اقرأ لطفلك وأنت تشعر بالارتياح وعدم الإرهاق؛ حتى تستطيع تقديم ما يمتعه بصورة مناسبة وممتعة، وإياك أن تغضب طفلك وتقول له إنك مرهق ولن تقرأ له؛ بل حقق له ذلك بواسطة أحد أفراد الأسرة، فإن لم تجد فاعتذر له بطريقة مشوقة، وشوقه بطريقة شائقة إلى قصة ستقدمها له في وقت لاحق، وإياك أن تنسى ذلك الموعد.

- قراءة ما قبل النوم أثرها يدوم، فالطفل سينام ليحلم بالقصة الرائعة التي حكيتها له.

- اقرأ لطفلك عندما يطلب منك ذلك، فهو الآن مستعد تمامًا للاستفادة مما ستقرؤه له.

- اقرأ لطفلك أي كتاب يرغب فيه، وقد يكون كتابًا تافهًا من وجهة نظرك أو مكررًا، وقد تمل وتتذمر إن طلبوا منك قراءة قصة للمرة الثانية أو الثالثة، وقد تصرخ بهم، ولكن عليك التحلي بالصبر حتى تشعرهم باحترامك لأذواقهم، ورغبتك في إمتاعهم بالقراءة، واعلم أن قراءة كتاب أكثر من مرة مفيد، ويؤكد ذلك قول العقاد: «قراءة كتاب ثلاث مرات خير من قراءة ثلاثة كتب»(6).

وأخيرًا:

إن ترسيخ عادة القراءة في سلوك الأطفال يحتاج إلى جهد ووقت وصبر، وهذه تحتاج إلى اهتمام متواصل لدى الآباء والأمهات.

______________

(1) طفل يقرأ، د. عبد الكريم بكار، ص63.

(2) المصدر السابق، ص64-83، بتصرف.

(3) 110 نصائح لتربية طفل صالح، مجاهد مأمون ديرانية، ص18، بتصرف.

(4) طفل يقرأ، ص78-79.

(5) أثر التلفزيون على القراءة لدى الأطفال، أ. د. جابر قميحة، موقع: الألوكة.

(6) كيف تعود طفلك القراءة؟ ممدوح مصطفى حامد، موقع: الألوكة.