نشر أسرار البيوت
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما أنا أوعك في مسجد المدينة إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فقال: «من أحسّ الفتى الدَّوسي؟ من أحس الفتى الدوسي؟»، فقال له قائل: هو ذاك يوعك في جانب المسجد حيث ترى يا رسول الله، فجاء فوضع يده عليَّ، وقال لي معروفًا، فقمت، فانطلق حتى قام في مقامه الذي يصلي فيه، ومعه يومئذ صفّان من رجال، وصفّ من نساء، أو صفان من نساء وصف من رجال، فأقبل عليهم فقال: «إن نسّاني الشّيطان شيئًا من صلاتي فليسبّح القوم وليصفّق النساء»، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينس من صلاته شيئًا، فلمّا سلم أقبل عليهم بوجهه فقال: «مجالسكم، هل منكم إذا أتى أهله أغلق بابه، وأرخى ستره، ثمّ يخرج فيحدّث فيقول: فعلت بأهلي كذا؟»، فسكتوا، فأقبل على النساء، فقال: «هل منكن من تحدّث؟»، فجثت فتاة كعاب على إحدى ركبتيها، وتطاولت ليراها رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسمع كلامها فقالت: إي والله، إنهم ليحدّثون، وإنهنّ ليحدّثن، فقال: «هل تدرون ما مَثَل من فعل ذلك؟ إنّ مثل من فعل ذلك مثل شيطان وشيطانة لقي أحدهما صاحبه بالسكّة قضى حاجته منها والناس ينظرون إليه»(1).
إن إفشاء الأسرار الخاصة يهز الثقة، ويولد الشك، ويدمر العلاقة الزوجية، ويمكن تعريف الأسرار الأسرية بأنها: جميع الأحداث والأحوال، وما يصاحبها من أقوال وأفعال داخل الأسرة، التي لا يرغب أحد أفراد الأسرة أن يعرفها غير أسرته، فقد وُصف من يفشي أسراره بأنه ضيق الصدر قليل الصبر.
هذه الأسرار الزوجية قد تكون إيجابية؛ أسرار حسنة، أو سلبية؛ أسرار سيئة، فالأسرار الإيجابية عندما تفشى وتذاع عند الآخرين فإنها قد تولد في نفوس بعضهم ما لا تحمد عقباه، من حسد أو حقد أو كره ومكر، ولأن هذه العواقب تحدث حقيقة في نفوس بعض البشر، فقد حذّر يعقوب عليه السلام ابنه يوسف عليه السلام من إخبار إخوته بالرؤية التي رآها، قال تعالى: {قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} [يوسف:5].
فالحدث إيجابي، وأوصى يعقوب يوسف عليهما السلام بعدم إفشائه حتى لإخوته؛ لكيلا يحدث شيء من تلك العواقب السيئة.
قال السفاريني: «يُكره لكلٍّ من الزوجين التحدُّث بما صار بينهما ولو لضَرَّتها...؛ لأنَّه من السرِّ، وإفشاء السرِّ حرام»(2).
وكذلك فكلٌّ من الزوجين مطالب بحفظ باقي الأسرار الأخرى التي تقع في الحياة الزوجية؛ بل حتى بعد الفراق بطلاق أو غيره، لا ينبغي له إفشاء ما كان بينه وبين زوجه من أسرار خاصة، لا ينبغي اطِّلاع الغير عليها.
يُروى عن بعض الصالحين أنَّه أراد طلاق امرأته؛ فقيل له: «ما الذي يريبك فيها؟»، فقال: «العاقل لا يهتك ستر امرأته»، فلما طلَّقها قيل له: «لم طلَّقتها؟»، فقال: «ما لي ولامرأة غيري؟».
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر سرها»(3).
الأسرار من الأمانة التي يجب حِفْظُها وعدم إفشائها؛ فالأصل أنَّ مَن استوْدعك سرًّا أو اطَّلعت عليه وجبَ عليك حفْظُه، وقد ذكر الله مَن يحفظ الأمانة في سياق المدح: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} [المعارج:32].
إنها أمانة عظيمة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه، ثم ينشر سرها»(4).
قال ابن العربي: «من أكبر أمراض النفس التزام قول الحق في كل موطن، ودواؤه معرفة المَواطن التي ينبغي أن يصرفه فيها، فإن حكاية الرجل ما يفعله بأهله في فراشه حق، وهو من العظائم، والغيبة والنميمة حق، وقد عدها بعض الأئمة من الكبائر، والنصيحة في الملأ حق وفضيحة، فالعارف يتأمل كيف يصرف الأحكام الشرعية ولا يجمد على الظواهر»(5).
ويحرم إفشاء الأسرار، فإفشاؤها خيانة للأمانة؛ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال:27].
بأن يتكلم للناس ما جرى بينه وبينها قولًا وفعلًا، أو يفشي عيبًا من عيوبها، أو يذكر من محاسنها ما يجب شرعًا أو عرفًا سترها، قال ابن الملك: «أي أفعال كل من الزوجين وأقوالهما أمانة مودعة عند الآخر، فمن أفشى منهما ما كرهه الآخر وأشاعه فقد خانه»(6).
قال الإمام النووي رحمه الله في شرح مسلم: «وفي هذا الحديث تحريم إفشاء الرجل ما يجري بينه وبين امرأته من أمور الاستمتاع، ووصف تفاصيل ذلك، وما يجري من المرأة فيه من قول أو فعل ونحوه»(7).
قال الأحنف: «جنبوا مجالسكم ذكر النساء والطعام، فكفى بالرجل ذمًا أن يكون واصفًا لفرجه وبطنه»(8).
{فَالصَّالِحَاتُ} من النساء {قَانِتَاتٌ} مطيعات لله تعالى ولأزواجهن {حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ} أي حافظات لعرضه وماله، حال غيبته، بما أمر الله به أن يحفظ، أو حافظات لما يجري بينهن وبين أزواجهن مما يجب كتمه، ويجمل ستره، ولا يخفى ما يأتيه الآن سفهاء القوم؛ حين يصبح أحدهم فيقول: صنعت في ليلة أمس كيت وكيت، وتصبح زوجته أيضًا فتقول لجارتها: لقد صنع بي أمس كيت وكيت، فيتضاحكن لتلك السفاهة الشنيعة، والبذاءة الممقوتة(9).
ولتذكر هذه الزوجة، وكل زوجة، خاصة من كانت على هذه الشاكلة، كلام المرأة الأعرابية لابنتها لما قالت لها: «إياك أن تعصي له أمرًا، وإياك أن تفشي له سِرًّا، فإنك إن عصيت أمره أوغرت صدره [أي: تغيَّر قلبه عليك بالغضب]، وإن أفشيتِ سِرَّه لم تأمني غدره».
إن من أهم الحقوق التي تحفظ السكينة والمودة والسلام الأسري حفظ الزوجة لأسرارها الزوجية وإحاطتها بالكتمان, وعلى الزوجة أن تعلم أن الأسرار الزوجية أنواع, منها ما يتعلق بالمشاكل والأمور الزوجية الحياتية العامة, ومنها ما يرتبط بأسرار العلاقة الخاصة بين الزوجة وزوجها, وحفظ هذه الأسرار دليل على صلاح الزوجة ومعرفة ما لها من حقوق وما عليها من واجبات؛ لقوله تعالى: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ}.
أسباب إفشاء الأسرار الزوجية:
- قلة العقل والدين، فالعقل السليم يمنع الإنسان من التحدث عن أي حديث يجلب له الضرر، ولا دين يردعه عن كل قول وفعل لا يرضاه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
- كثرة الاختلاط بالآخرين، فعندما تجلس الزوجة أو الزوجان مع آخرين فترات طويلة فيتحدث كل عن حياته وأسرته.
- المرأة بطبعها محبة للفضفضة والثرثرة والترويح عن النفس في مجالس الصديقات, ولا تجد المرأة المتزوجة، غالبًا، مادة دسمة للحديث غير ما يخص أمورها الشخصية وعلاقتها بزوجها, وهناك حكمة تقول: «إذا أردت أن تروج لرأي فخاطب به النساء».
- غياب التفاهم بين الزوجين، وانعدام الحوار، والبعد العاطفي فيما بينهما يدفع الزوجة إلى الفضفضة مع المعارف والصديقات وزميلاتها في العمل, أملًا ورغبة في إشباع حاجة نفسية لديها، ومحاولة الشكوى والظهور بمظهر المجني عليها من قبل زوجها.
- قد يكون التباهي والتفاخر أمام الآخرين سببًا في إذاعة وإفشاء الزوجة لأسرارها الزوجية، وأسرار العلاقة الخاصة مع زوجها.
- عدم القدرة على تحمل ألم المشاكل، وعدم المقدرة على الصبر؛ ومن ثم التنفيس، وعرضها على الآخرين للوصول إلى علاج، أو التخفيف من حدة الألم، أو تفريغ الكبت والضغط الناتجين عن هموم الحياة الزوجية.
- عندما تبوح الزوجات بأدق تفاصيل حياتها فهذا يُعَد خللًا في التنشئة الاجتماعية، وعدم التربية على حفظ الأسرار منذ الطفولة, وكذلك عدم التأهيل الجيد للحياة الزوجية والمعرفة بالحقوق والواجبات الزوجية.
ما ينبغي حفظه:
لقد جاءت التعاليم الربانية والتوجيهات النبوية بحفظ كيان الأسرة المسلمة؛ لتبقى العلاقة الزوجية سالمة من المشكلات الأخلاقية، ومن ذلك حفظ أسرار الأسرة، والنهي عن كل قول وفعل يجلب ضررًا، أو يمنع عنها نفعًا، وهذا يشمل أمورًا منها:
- عدم نشر أسرار الاستمتاع.
- عدم تسريب الخلافات الزوجية.
- عدم البوح بأي خصوصية يكون إظهارها ضررًا بالبيت أو أحد أفراده.
الأمر الأول: الزوج عندما يبوح بسر لزوجته فإنه يعتبرها أقرب الأقرباء إليه، ونظرًا لخطورة ما يترتب على إفشاء السر على استقرار الحياة الزوجية، وبخاصة فيما يتعلق بالزوجين، فقد حذر الإسلام الزوج والزوجة، سواء بسواء، من معصية الوقوع في هذه الرذيلة.
توعد الرسول صلى الله عليه وسلم الزوج الذي يفشي أسرار الزوجية الخاصة بوعيد شديد، بقوله صلى الله عليه وسلم: «إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها».
ومعنى يفضي: أي يصل إليها بالمباشرة والمجامعة، كما في قوله تعالى: {قَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} [النساء:21].
وأما الأمر الثاني: وهو تسريب الخلافات الزوجية خارج محيط البيت، فإنه في كثير من الأحيان يزيد المشكلة تعقيدًا، وتَدَخُّل الأطراف الخارجية في الخلافات الزوجية يؤدي إلى مزيد من الجفاء في الغالب، ويُصبح الحل بالمراسلة بين اثنين هما أقرب الناس لبعضهما، فلا يلجأ إليه إلا عند تعذر الإصلاح المباشر المشترك، وعند ذلك نفعل كما أمر الله: {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا} [النساء:35].
والأمر الثالث: وهو الإضرار بالبيت أو أحد أفراده، بنشر خصوصياته، وهذا لا يجوز؛ لأنه داخل في قوله صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار»، وعندما تفشى مثل هذه الأسرار يقع المتحدث بها في الغيبة التي حرمها الله عز وجل، قال تعالى: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [الحجرات:12](10).
يؤكد علماء النفس أن ترويح الزوجة عن نفسها بالفضفضة إلى صديقاتها، ونشر أسرار بيتها غالبًا ما يصنع من القلق أكثر مما يجلب من الراحة، صحيح أن الراحة قد تكون آنية وعاجلة؛ لكن القلق حتمًا سيظهر بعد أن تنتشر هذه الأسرار، وتجني الزوجة الندم والخسران، فلا أحد من الرجال يستريح لإفشاء أسرار حياته الزوجية.
نتائج إهمال هذا الحق:
إفشاء الزوجة لأسرارها الزوجية غالبًا لا يأتي بالصالح, فإلى جانب ما ذكرناه من أنها تعد من أقبح وأشد الخيانات, تعمل على تعكير الصفو بين الأزواج، وزعزعة الثقة فيما بينهما، وتؤثر على تماسك الأسرة, وعندما يعلم الزوج بما أفشته زوجته يحرص على إخفاء الكثير من الأمور عنها، إلى جانب ما تسببه له من إحراج أمام الآخرين، وبالتالي يحاول جاهدًا حفظ ماء وجهه، والظهور بمظهر الأفضل، أو التملص من العيوب التي ألصقتها زوجته به أمام الآخرين, وقد تتعمد الزوجة إفشاء أسرار زوجها وتوضيح ما يخفيه أمام أبنائه, وهنا تهتز ثقتهم في والدهم، وتتأثر في أذهانهم الصورة المثالية التي يحفظونها لوالدهم؛ مما يؤثر ذلك على نفسيتهم وآرائهم في معشر الرجال عامة, إذا كن من الفتيات؛ لأن الأم هنا ستحاول أن تظهر بمظهر الملاك، وليست مسيئة للطرف الآخر، الذي هو الزوج والأب, وهذا من شأنه أيضًا التأثير على تنشئتهم الاجتماعية، وتقليد الأم في نقل الأسرار.
كما أن إفشاء الأسرار يعطي الفرصة للآخرين للتدخل في الأمور الخاصة، وتحريض الزوجة أحيانًا؛ مما قد يعصف بالحياة الزوجية وينتهي بالطلاق, فقد أسر النبي صلى الله عليه وسلم أمرًا إلى زوجته حفصة، وقال لها: لا تخبري أحدًا بهذا الحديث، فما كان منها إلا أن أخبرت عائشة رضي الله عنها, فأطلعه الله على ما فعلت، وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واعتزم طلاقها، حتى قال له جبريل: لا تطلقها فإنها صوامة قوامة، وإنها من نسائك في الجنة, فلم يطلقها رسول الله، ويتضح ذلك في قوله تعالى: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} [التحريم:3].
كما أن نقل الزوجة لأسرار بيتها يخلق مجالًا لعقد الأخريات؛ مقارنة بين أوضاعهن وأوضاعها إن كانت أحسن حالًا، ومن ثم الحسد والنظر إلى ما لديها.
ولأن الزوجة عليها دور كبير في حفظ خصوصيات حياتها الزوجية, فلا يجوز إفشاء مجريات وأمور حياتها الخاصة والاستخفاف بتناقل هذه الأسرار، سواء كانت تتعلق بأمور عادية، أو أسرار ائتمنها زوجها عليها، أو وصف للعلاقة الخاصة بينها وبين زوجها، إلا في حالات محددة ومتعارف عليها، وهذه الحالات هي:
- إذا لجأت الزوجة إلى مراكز الاستشارات الأسرية أملًا في الوصول إلى حل لمشاكلها الخاصة، فهنا عليها طرح الأمور بوضوح وصراحة بغرض الوصول إلى التوافق.
- قد تبوح الزوجة بأسرار حياتها الخاصة إلى أحد الأهل المقربين، والمعروف بالعدل والحكمة ورزانة العقل؛ بنية إملاء آرائه السديدة في حل مشكلة ما, وليس بنية الفضفضة أو إفشاء الأسرار.
- إذا كان لهذا الإفشاء ضرورة في محاكم الأسرة، ويتطلب إفشاؤها لمصلحة ومنفعة لصاحبها فيجوز إفشاؤها, فقد ذهب الفقهاء، ومنهم الشوكاني، إلى أن التصريح بأمور اللقاء الجنسي إن كان إليه حاجة، أو ترتبت عليه فائدة فلا كراهة في ذكره، وذلك نحو أن تنكر المرأة نكاح الزوج لها، وتدعي عليه العجز عن الجماع أو نحو ذلك، كما روي أن الرجل الذي ادعت عليه امرأته العُنَّة قال: «يا رسول الله، إني لأنفضها نفض الأديم»، ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم قوله هذا(11).
قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: «القلوب أوعية، والشّفاه أقفالها، والألسن مفاتيحها، فليحفظ كلّ إنسان مفتاح سرّه»، ومن عجائب الأمور أنّ الأمور كلّما كثرت خزانها كان أوثق لها، وأمّا الأسرار فإنّها كلّما كثرت خزانها كان أضيع لها، وكم من إظهار سرّ أراق دم صاحبه، ومنعه من بلوغ مآربه، ولو كتمه أمن من سطوته(12).
قال الأبشيهي: «اعلم أن أمناء الأسرار أقل وجودًا من أمناء الأموال، وحفظ الأموال أيسر من كتمان الأسرار؛ لأن أحراز الأموال منيعة بالأبواب والأقفال، وأحراز الأسرار بارزة، يذيعها لسان ناطق، ويشيعها كلام سابق، وحمل الأسرار أثقل من حمل الأموال»(13).
وكان يقال: «أحزم الناس من لا يفشي سره إلى صديقه؛ مخافة أن يقع بينهما شر فيفشيه عليه»(14).
***
_________________
(1) صحيح الجامع (7037).
(2) غذاء الألباب (1/ 118).
(3) أخرجه مسلم (1437).
(4) المصدر السابق.
(5) فيض القدير (2/ 538).
(6) مرقاة المفاتيح (5/ 2093).
(7) شرح النووي على صحيح مسلم (10/ 8).
(8) فيض القدير (2/ 538).
(9) أوضح التفاسير (1/ 98).
(10) أربعون نصيحة لإصلاح البيوت، محمد صالح المنجد.
(11) نيل الأوطار (6/ 237).
(12) إحياء علوم الدين (3/ 132).
(13) المستطرف (1/ 296).
(14) المصدر السابق.