logo

كُن قصَّاصاً رائعاً لأبنائك ..!


بتاريخ : الثلاثاء ، 1 ربيع الآخر ، 1439 الموافق 19 ديسمبر 2017
بقلم : تيار الاصلاح
كُن قصَّاصاً رائعاً لأبنائك ..!

أعزائي المربين .. أهلاً بكم

يكاد يتفق علماء التَّربية وعُلماء النَّفس على أنَّ الأسلوب القصصي هو أفضل وسيلة لتربية الأطفال على القيم الدينيَّة والخلقيَّة، والتوجيهات السلوكيَّة والاجتماعية، لكن القرآن الكريم سبق هذه الدراسات بقرونٍ عدَّة، حين أثار دافعيَّة التعلُّم لدى المسلم باستخدام الأسلوب القصصي؛ قال تعالى: "لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأوْلِي ٱلأَلْبَابِ" [يوسف: 111]، وقال: "فَاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ" [الأعراف: 176].

وقد أفرد الله - عزَّ وجلَّ - سورةً كاملة باسم "القَصص"، هذا فضلاً عن تعدُّد القصص في القُرآن الكريم، وتنوُّع طرُق عرْضِها . (1)

و لقد نقل عن بعض علماء السلف  قولهم : الحكايات جند من جنود الله تعالى يثبت الله بها قلوب أوليائه، و شاهده قول الله تعالى: "وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك".

 

لذلك يوصي أطباء نفس الأطفال المعاصرين الأمهات بضرورة المواظبة على حدوتة قبل النوم، وأن ترويها الأم بصوتها الحنون بدلاً من الاعتماد الكلي على ما تعرضه أجهزة التلفزيون و الكمبيوتر، لأن وجود الأم إلى جوار ابنها قبل نومه يزيد من ارتباطه بها و يبث في نفسه قدراً كبيراً من الطمأنينة و يجنبه أي نوع من المخاوف أو الإحساس بالضيق و يمنع عنه الأحلام المفزعة أو الكوابيس أثناء النوم .

إضافةً إلى أن الحكايات تظل راسخة في ذاكرة الطفل و يصعب عليه نسيانها، حيث تختمر في عقله و تثبت في مركز الذاكرة بالمخ أثناء النوم، الأمر الذي يجعل من هذه  القصة أو الحكاية وسيلة رائعة و مثمرة من وسائل التربية تتميز عن الوسائل الأخرى بأنها محببة إلى نفس الطفل، يحبها و يشتاق إليها و ينصت إليها و يتشرب تلقائياً كل القيم التي ترد بها.

 

كيف تؤثر القصة في نفوس الأبناء ؟

والقصة تترك أثرها التربوي في نفوس الأبناء بطريقين:

أحدهما: المشاركة الوجدانية، حيث يشارك الأبناء أبطال القصة مشاعرهم وانفعالاتهم، فيفرحون لفرحهم، ويحزنون لحزنهم، وكأن أحداث القصة تحدث في ذات اللحظة التي تحدث فيها.

وأما الطريق الثاني: فهو تأثر الأبناء تربوياً بما يسمعونه بغير وعي كامل منهم، إذ إن سامع القصة يضع نفسه موضع أشخاص القصة، ويظل طيلة القصة يعقد مقارنة خفية بينه وبينهم، فإن كانوا في موقف البطولة والرفعة والتميز، تمنى لو كان في موقفهم ويصنع مثل صنيعهم البطولي. وإن كانوا في موقف يثير الازدراء والكراهية حمد لنفسه أنه ليس كذلك!

وبهذا التأثر المزدوج تؤثر القصة تأثيراً توجيهياً يرتفع بقدر ما تكون طريقة أداء الراوي بليغة ومؤثرة، وبقدر ما تكون المواقف داخل القصة عامة وليست فردية أو عارضة.

(محمد قطب:منهج التربية الإسلامية،ج2ص:154) .

كما أن القصة تنشط إمكانات الفهم المتعددة لدى الأبناء، وتترك أمامهم مجالاً واسعاً للاستنتاج والاستخلاص؛ لذلك يحسن بالمربي بعد السرد القصصي أن يحاول تناول الأنماط السلوكية الخيرة والسيئة التي تشابه النمط الذي عبرت عنه القصة؛ ليصل من خلالها إلى هدف تعلم الابن للقيم العالية والفضائل الخلقية الراقية.

 

كيف أختار القصة المناسبة لطفلي ؟

- أن تكون القصَّة مناسبةً لعمر الطفل الزمني وعمره العقلي، وكلَّما كان سنُّ الطِّفل أصغرَ، كان التَّفضيل في جعْل شخصيات القصَّة أقلَّ، والجمل أقصَر وأبسط؛ تَجنُّبًا لتشتيت ذهن الطفل.

- أن يحوي موضوع القصَّة على الفضائل والقيم والمُثُل العليا، والاتِّجاهات المرغوب فيها، والمراد إكسابها للطفل أو تعزيزها لديْه، أو بِهدف تعديل السُّلوكيات غير المرغوب فيها.

- أن تكون الشخصيَّات في القصَّة واضحة وقويَّة، كي تجذب الطفل، ومرسومةً وملونة بشكل جَمالي معبِّر عن النَّصِّ المكتوب، وكلَّما كان سنُّ الطفل أصغرَ، كان الأفضل أن تكون رسوم وألوان القصَّة واضحة ومُلْفِتة؛ نظراً لاعتماد الطفل بقوَّة على حاسة النظر في استكشاف العالم الخارجي.

- أن تكون القصة مكتوبةً بأسلوب سهل ومبسط، ولغة راقية تثري حصيلة الطفل اللغوية، وتشتمل على أفكار مترابطة، وأحداث مُتعاقبة توسِّع الخيال وتشجِّع على التَّفكير السليم.

- إذا تعود الطفل على القراءة وسماع القصص فيمكن بعد ذلك أن يشترك في اختِيار قصصِه بنفسِه، حين يكون في سن يمكنُه فيه القراءة بمفرده، واصطِحابه إلى المكتبات ليتعرَّف على أنْواع القصص وأشْكالِها، ومناقشته وتوجيهه حول ما هو أفضلُ لسنِّه وعقليَّته ومبادئ الأسرة وقيمها الإسلاميَّة.

 

كما أن عليك – عزيزي المربي أن تتجنب تلك النوعية من القصص:

- القصص التي تُثير الرعب والمخاوف؛ لكوْنِها تسبِّب اضطرابات في النَّوم.

- القصص التي تَحوي قيمًا غير إسلامية أو عقائد منافية، كما في بعض القصَص المترجمة عن الأيديولوجيات الغربيَّة.

- القصص القائمة على السخرية من الآخرين، وإيقاع الأذى بهم.

- القصص التي تمجِّد انتِصار الشَّرِّ والظُّلم على الخير والعَدْل.

 

ولدينا مصادر غنية بالقصص الرائعة والنافعة التي نحكيها لأبنائنا، من خلال:

1- قصص القرآن الكريم

3- قصص التَّاريخ الإسلامي الحافل بقصَص العُظماء والعُلماء والبطولات.

4- ابتِكار قصصٍ خياليَّة من المخيلة، ترتبِط بالأحْداث الحياتيَّة اليوميَّة، وأنصحُك في هذا المجال أن تَجعلي الطفل هو بطل القصَّة، أو اختيار اسمِه لشخصيَّة البطل في القصَّة، مع مراعاة الضوابط الشرعية مثل أن تمسَّ الواقع، وتُعالج بعضَ ما فيه من خلل، مع الإِشارة إلى أنَّها ليستْ حقيقيَّة، وإنَّما هي من نسْج الخيال، وقد أفْتى بِهذا الشَّيخُ ابن عثيمين – رحمه الله – وغيره.

 

كيف نجعل قصَّة الطِّفل تَجربة مُمتعة وأسلوبًا تربويًّا؟

1- اختيار الوقت المناسب، بِحيث تتجنَّب الأمُّ – الأب - الأوْقاتَ التي ينشغِل فيها الطِّفْل ذهنيًّا؛ كأوْقات اللَّعِب ومشاهدة التِّلفاز، أو أثناء تناوُل الطَّعام، وساعات الغضَب والبكاء والجوع والإرهاق ونحو ذلك، ويفضَّل تَحديد وقْتٍ مُعيَّن ليكونَ عادةً للطِّفْل بأنَّ هذا هو وقْتُ القصَّة، كالوقت الذي يسبق النَّوم مثلاً؛ لتشْجيعِه على القراءة فيما بعد.

 

2- اختيار المكان المُناسب لسَرْدِ القصَّة، كالجلوس معه على سرير النَّوم، أو تَخصيص ركن في غرفة الطِّفل يحوي مكتبًا ومكتبة صغيرة للطِّفل، تضمُّ قصصًا وكُتُبًا ومجلات للأطْفال، وتَخصيص هذا المكان للقِراءة والكتابة، وبِهذا الصَّدد يفترض بالوالدين النزول من قمَّة الجبل التي يعتليانها قياسًا على طول الطفل، والاقتِراب منه جسديًّا عند الحديث، والاهتِمام بالاتِّصال البصري مع الطِّفل.

 

3- أن يكون قارئ القصَّة مرتاحًا وغير منشغل ذهنيًّا أو جسديًّا، فالقِراءة خبرة تعليميَّة لا يُمكن للطِّفل نسيانُها، وليس الهدف أن يسمع الطِّفل القصَّة وحسْب، بل ويستمتِع بِها أيضًا، ومن المهمِّ أن يتحلَّى المربِّي بالصَّبر والحِكْمة في التَّعامُل مع أسئلة الطفل ومقاطعاته المتوقَّعة.

 

4- قراءة القصَّة بصوْتٍ واضح ودافئ وحنون، مع التَّلاعُب بنبرات الصَّوت وتعبيرات الوجْه، والانفِعال والتَّفاعُل مع شخصيَّات القصَّة لجذْب الطِّفْل لسماعها.

 

5- الحوار مع الطِّفْل خِلال القصَّة، من خلال سرْد الأسئِلة أو الطَّلب من الطِّفْل إكمالَ بعض الجمل والمقاطع؛ لتنمية خياله وللمحافظة على أطول وقْتٍ من قُدْرةِ الطِّفْل على الانتِباه، ومن المُمْكن الوقوف عند مقْطعٍ مشوق من القصَّة، ثُمَّ إخْبار الطفل باستِكْمال الجزْء الثَّاني في اليوم التَّالي؛ بِهدف التَّشويق وتوْثيق علاقة الطِّفْل بالقصَّة .

 

6- مناقشة الطِّفْل عن فوائد القصة بعد الفراغ منها،واستخدامها كنقطة انطلاق للحديث حول قيمة معيَّنة، فمثلاً إذا كانت القصة تتحدَّث عن الأمانة، يكون من السَّهل على المربي هنا التحدُّث مع الطفل عن الأمانة وأهميتها وفضلها؛ مما يدرّب الطفل على التفكير النقدي، بحيث يكتشف بنفسه الهدف التربوي من القصَّة .

 

محاور التوجيه التربوي في القصة:

- تعديل السلوك غير المرغوب فيه:

ومن أمثلة السلوكيات غير المرغوب فيها: الكذِب، نوبات الغضب، العصيان، السَّرقة، الخجَل الشديد، الغيرة، الأنانية، الشِّجار، عدم الاحترام، وغيرها .

 

- تعزيز السلوك المرغوب فيه:

ومن أمثلة السلوكيات المرغوب فيها، وتكون لدى الطفل: الصدق، التعاون، استخدام كلمات الشُّكْر والاعتِذار، الشَّجاعة، الكرم، طاعة الوالِديْن، المحافظة على الصَّلاة .

 

- إكساب الطفل السلوك المرغوب فيه:

وهي السُّلوكيَّات الجيِّدة التي لم يتعلَّمْها بعد: كاحتِرام حقوق وخصوصيَّات الآخَرين، النَّظافة الشَّخصيَّة، آداب الطعام، تَجنُّب السخرية من الآخرين، حفظ القُرآن الكريم .

 

و أخيراً أعزائي المربين :

إليك – عزيزي المربي – هذه الاقتراحات لمصادر جيدة للقصص الهادف:

  • من خلال محرك البحث (جوجل) قصص إسلامية للأطفال، ستحصل على العديد من المواقع النافعة التي تحتوي على العديد من القصص التربوية النافعة للأطفال مقروءة ومرئية كذلك.
  • قصص السيرة النبوية و أحداثها مثل : كتاب ( صلوا على النبي ) للأستاذ / محمد قطب ، كتاب ( السيرة النبوية للأطفال ) لشركة سفير.
  • سلسلة قصص الأنبياء للأطفال .
  • مجموعة من الشرائط الرائعة بعنوان :قصص الحيوان في القرآن الكريم ، شركة سفير
  • كتاب : رجال في معارك الفتح الإسلامي .
  • القصص النبوي من كتاب : رياض الصالحين مثل : قصة الرجل الذي قتل مائة نفس قصة الأقرع والأبرص والأعمى ، وغيرها .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) للاستِزادة حوْل هذا الموضوع يُمكن الرُّجوع إلى كتاب "التَّصوير الفنِّي في القرآن" لسيد قطب؛ فهو كتاب تحليلي تأمُّلي مُمتع يَعرِض فيه سيِّد قطب بأسلوبه المذْهِل أغراضَ القصَّة في القرآن، والخصائصَ الفنِّيَّة للقصَّة، ورسْم الشَّخصيات، رحِم الله سيِّد قُطْب رحمةً واسعة.