logo

أَقلِّي عليه قليلًا


بتاريخ : الجمعة ، 29 صفر ، 1437 الموافق 11 ديسمبر 2015
بقلم : تيار الاصلاح
أَقلِّي عليه قليلًا

النفس البشرية بطبيعتها وخلقتها التي جبلها الله عز وجل عليها تخطئ وتصيب، تسير على الحق وتحيد عنه أحيانًا، فليست روحًا ملائكية، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وإنما هي روح بشرية، تذنب وتعصي، ثم تتوب وتئوب.

وإذا كان هذا هو حال الإنسان كإنسان، فإنه ينبغي على الزوجان، وهما شخصان يتميزان بالإنسانية، أن يتعاملا مع بعضهما على أنهما يخطئان ويصيبان، وليسا على أنهما لا يعرفان الخطأ أبدًا.

فلا بد للزوج من أن يتغاضى عن بعض هفوات زوجته الهينة، وأن يتغافل عن سقطات اللسان، ولحظات الغضب، التي قد تفعل فيها الزوجة أو تقول ما لا تدركه بعقلها ووعيها الحاضر، وقد يطلب الزوج نوعًا معينًا من الطعام، ثم تحضر الزوجة غير هذا النوع، فيتغاضى الزوج عن ذلك، وقد يكثر إلحاحها في طلب أمر معين، فيتحمل الزوج ذلك؛ ذلك لأن الإنسان بطبعه فيه النقص، فلا بد من التعامل مع هذا النقص.

كذلك يجب على الزوجة مراعاة زوجها، فالزوج يخرج إلى العمل باكرًا؛ لأجل الكد، وكسب المال، وجلب الرزق لأهل بيته وأولاده، وهو في ذلك لا يألو جهدًا في تحصيل ما يسد متطلبات أهله وأولاده ولوازم منزله، فلا يحسن بالزوجة أن تثقل على الزوج من حيث كثرة الطلبات، وزيادتها عن الحد الطبيعي، والإنفاق فيما لا نفع من وراءه، وخصوصًا الأشياء الكمالية؛ كالأشياء التي تتزين بها المرأة، وعندها منها ما يقوم بهذا الغرض، ولكن المرأة دائمًا ما تريد الزيادة من مثل تلك الأمور، وهو ما يثقل كاهل الزوج.

فيجب على المرأة أن تقل على الزوج قليلًا، ولا تثقل عليه، خاصة في ظل تلك الظروف المعيشية الصعبة التي تمر بها الأسرة، والأسرة المُعيلة خصيصًا، فإن للأولاد متطلبات كثيرة، من مصاريف خاصة بالدراسة، إلى الملبس، إلى وسائل المواصلات، فضلًا عن شراء الكتب ولوازم الدراسة، فينبغي على الزوجة المسلمة أن توجه طاقة زوجها المادية إلى نفع أسرتها، وأن تتخلى عن بعض كمالياتها التي تحبها، وأن تتنازل عنها لأجل بيتها وأولادها، فلا تثقل على زوجها بطلبات فوق استطاعته.

أما إذا كان الزوج ميسور الحال، وقد فتح الله عليه، فلا بأس بأن تطلب المرأة ما تريد بعد اكتفاء المنزل والأولاد، وتأدية كل متطلباتهم، وهذا الطلب لا بد أن يكون كذلك معقولًا، لا تبذير فيه ولا إسراف، حتى لو كان الزوج ميسور الحال، كثير المال، فالله عز وجل قد ذم المبذرين والمسرفين، فقال تعالى: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} [الإسراء:27]، وقال تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف:31]، فالإسراف والتبذير، حتى فيما أباحه المولى عز وجل، من الأمور التي نهى عنها القرآن الكريم.

كذلك ينبغي للزوجة أن تختار الوقت المناسب لعرض طلبها على زوجها، وأن تراعي حالته حين عرض الطلب، فقد يكون عائدًا من عمله، منهك القوى، متوتر الأعصاب، ويكون عنده بعض المشكلات مع أصدقائه أو في عمله، فلا بد أن تراعي الزوجة كل تلك الظروف، فلا تقوم بعرض طلبها أبدًا في مثل تلك الظروف، وإلا فإنها سترى النتيجة الصادمة، ورد الفعل غير المتوقع أبدًا، وذلك يكون نتيجة طبيعية لحال الزوج، التي يكون عليها حين عرض المرأة طلبها.

وكذلك ينبغي للزوجة ألا تلح على طلبها، فما دام أن الزوج قد قرع أذنيه طلب زوجته، فلا ينبغي لها أن تلح عليه مرارًا وتكرارًا لأجل تنفيذ هذا الطلب، فما أصعب أن يُبتلَى الزوج بزوجة لحوحة زنانة،لاتكترث باختيارالوقت أوالظرف المناسب لتطلب منه أي طلب،أولتتحدث معه في أمرما!

فلا يعنيها إذا كان الزوج مضغوطًا، أو مرهقًا نتيجة طول ساعات العمل، أو لديه بعض المشكلات العائلية مثلًا؛ بل كل ما يعنيها هو تلبية رغباتها ومطالبها في أسرع وقت ممكن، ودون إبداء أي اعتراض أو ضيق من جانبه.

تلك المطالب التي غالبًا مايكون معظمهاغيرمهم،ويمكن تأجيلها،أوالتغاضي عنها لصعوبة تنفيذها في الوقت الحالي لأي سبب كان.

فمثلًا إذا أرادت زيارة أختها أو خالتها التي تعاني من "نزلة برد"، ألحت عليه ليل نهار، وهولت وضخمت من الأمر، لدرجة تعطيه إيحاءً بأنها على فراش الموت.

هذه الزوجة اللحوحة، التي تلاحق زوجها طول الوقت، سواء لتثبت له حبها، أو لتطالبه بإظهار حبه لها، وتحيطه من كل جانب لدرجة تكاد تكبله وتخنقه، تجعله يشعر معها بالضيق والملل والإزعاج؛ لأن الرجل بطبيعته يرغب في أن تستقل المرأة عنه، وتشق لنفسها طريقًا تسير فيه بعيدًا عنه في بعض أوقات اليوم، وتعطيه فرصة لكي يكون حرًا طليقًا، يفعل ما يريد كيفما ووقتما شاء، حيث يميل ويطوق دومًا إلى الحرية، التي من الممكن أن يحطم من أجلها حياته الزوجية، إذا ما سُلِبت منه، وأحس أنه أسير ومُقَيّد"(1).

فيجب على الزوجة أن تتفهم نفسية زوجها وطبيعته، من حدة، أو عصبية، أو حساسية، وغيرها، فتتجنب الأحوال والأمور التي تخالف طبيعته ونفسيته، والتي تؤدي إلى انفعاله وغضبه.

وأخيرًا يجب على الزوجة ألا تكثر على زوجها من الطلبات، وأن تكون واقعية ومتعقلة، وليكن طلب الزوجة في الوقت المناسب؛ في غير وقت راحة الزوج أو همه، وفي الأمور المهمة، فإن الأزواج يبغضون المرأة اللحوح، التي تستقبل الزوج ليل نهار بالطلبات.

ــــــــــ

(1) بتصرف بسيط من مقال: الزوجةاللحوحة..وماأدراكمااللحوحة!، بقلم: هناء المداح، موقع رسالة الإسلام.