logo

الزوجة المثالية


بتاريخ : الأربعاء ، 4 جمادى الآخر ، 1441 الموافق 29 يناير 2020
بقلم : تيار الاصلاح
الزوجة المثالية

يقول تعالى: {فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ} [النساء: 34].

يقول السعدي: أي: مطيعات لله تعالى، {حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ} أي: مطيعات لأزواجهن حتى في الغيب تحفظ بعلها بنفسها وماله، وذلك بحفظ الله لهن وتوفيقه لهن، لا من أنفسهن، فإن النفس أمارة بالسوء، ولكن من توكل على الله كفاه ما أهمه من أمر دينه ودنياه  (1).

ويصف الرسول صلى الله عليه وسلم للمؤمن الزوجة المثالية عن أبي هريرة، قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي النساء خير؟ قال: «التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ومالها بما يكره» (2).

ويقول صلى الله عليه وسلم: «خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش، أحناه على ولد في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده» (3).

ففي هذين الحديثين يبرز لنا تكاملية المرأة المثالية وتوازن شخصيتها :

1- فهي تسرّه إذا نظر، وهذا بمعنى العناية في الجمال وحسن المظهر، وهذه أشياء مستلزمة لكل إنسان وهي فطرة، فعن جابر قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة، فلما قفلنا، تعجلت على بعير قطوف، فلحقني راكب من خلفي، فالتفت فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «ما يعجلك» قلت: إني حديث عهد بعرس، قال: «فبكرًا تزوجت أم ثيبًا؟» قلت: بل ثيبا، قال: «فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك» (4).

فالمرأة المثاليّة تحرص على جمالها وهيئتها أمام زوجها، فلا تستقبله إلا وهي على هيئة يحبّها، كما أنّها حريصة على أن لا يشتم منها زوجها إلا الرّوائح الطّيبة الزّكية.

2- وتطيعه إذا أمر: فهي موافقة للرجل وتوافقها معه في جميع أحواله، فملائمة المرأة للرجل وانسجامها معه ومعرفتها بطبع زوجها وتكيفها له من أقوى أسباب السعادة الزوجية، وهو أبرز جوانب المرأة المثالية .

ولو لم يكن لطاعة الزوج أثر إيجابي بالغ لما حض عليه وأرشد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى؛ فقد وردت أحاديث كثيرة تحض على هذا الأمر ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: «إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت» (5)، وقال أيضًا: «أيما امرأة ماتت وزوجها راض عنها دخلت الجنة» (6).

3- بعدها عن مواطن الريب ومواضع التهم أمان لقلب زوجها وبعد للشك فيها، وحماية لها من القلوب المريضة؛ وهذا أصل أركان المرأة المثالية، فلا تخلو برجل غير محرم لها، ولا تخضع له بالقول، ولا تطيل معه الحديث .

قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالقَوْلِ}: أمرهن الله أن يكون قولهن جزلًا وكلامهن فصلًا، ولا يكون على وجه يظهر في القلب علاقة بما يظهر عليه من اللين، كما كانت الحال عليه في نساء العرب من مكالمة الرجال بترخيم الصوت ولينه، مثل كلام المريبات والمومسات، فنهاهن عن مثل هذا (7).

4- حسن التّدبير؛ فالمرأة المثاليّة هي امرأة مدبّرة تحسن التّعامل مع ما يتاح بين يديها من المواد والأدوات ولا تسرف في المال أو تبذّر بل تكون حكيمة في تدبير شؤون أسرتها بما لا يلحق الضّرر بزوجها أو يسبّب له العنت والمشقة .

كما قال تعالى: {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 131].

وقال: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الْفَرْقَانِ: 67]، فشرع الله عدل بين الغالي فيه والجافي عنه، لا إفراط ولا تفريط؛ ولهذا قال: {لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [المائدة: 87].

اختلف المفسرون في تأويل هذه الآية {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا}، فقال النحاس: ومن أحسن ما قيل في معناه أن من أنفق في غير طاعة الله فهو الإسراف، ومن أمسك عن طاعة الله عز وجل فهو الإقتار، ومن أنفق، في طاعة الله تعالى فهو القوام (8).

5- تضفي حنانها على أولادها؛ فتكسب البيت كله حنانًا، فليست شتامة لأولادها، ولا غليظة همّها الدعاء عليهم، ولا مضيعة لتربيتهم لا تترك أولادها للخدم أو الشارع مقابل أن ترتاح من شغبهم وأذاهم، فهي راعية في البيت، وحق على الراعي العناية برعيته: «والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها» (9)، وقد جعل الإسلام مقابل أتعابها ورعايتها ثلاثة حقوق على الأبناء، بينما فاز الأب بنصيب واحد .

6- تحرص على الود مع أهل الزوج، فالزوجة المثالية هى التي تحرص على إقامة الود مع أهل الزوج، فاحترام الزوجة لأهل زوجها وعدم إظهار الغضب أو الضيق أثناء تواجدهم يجعل الزوج يحترم زوجته ويقدرها، والعكس صحيح، حرص الزوجة على توطيد العلاقات بين زوجها وأهله واستضافتها لهم ولضيوفه بحدود المعروف، يزيد من قدرها في عيونه؛ لأنها تساعده على صلة رحمه.

7- ليست منّانة تذكر كل حسناتها وما فعلته، وتجير بعض مصالحها وأعمالها الشخصية بأنها من أجل زوجها، فإن صنعت تريده قالت: من أجلك فعلته، قال تعالى: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر: 6]، أي: لا تعطى عطية تلتمس بها أفضل منها.

8- بعيدة عن الروتين والجمود على حال واحدة: عن تغيير الروتين في المنزل من أسباب تقنية الأجواء وتحسينها، سواء كان ذلك في أثاث المنزل أو في اللباس، أو العادات في الأكل والشرب، فهي امرأة متجددة دائمًا .

9- ليس للفراغ إليها سبيل، فلا تعيش في كوكبة من الخدم، بل تقوم بأعمال بيتها بنفسها، وأين الفراغ لمثل هذه وكيف سبيله إليها؟ إذ إن الفراغ والكسل من أكبر أسباب الركود في العلاقات الزوجية، ومن دواعي الشيطان في التذكير بالحقوق المضاعة وتضخيمها .

10- تتمثل –عمليًا- قول ابن عمر: البر شيء هيّن وجهٌ طليق وكلامٌ ليّن (10)، فهي بشوشة، طليقة الوجه، حلوة الخطاب والحديث، لا يعرف التعبيس له طرقًا إليها، ولا الخشونة سبيل عليها .

11- إن المرأة المثالية هي التي تجدد حياة زوجها وتبعث الهمة والثقة والطمأنينة في قلبه، وتحثه على الإقدام على الخير وترغبه فيه وتقف بجانبه، كما قال أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلا والله لا يخزيك الله أبدًا» (11).

12- كلما حقق هدفًا تفتح له أفاقًا أخرى وهدفًا آخر ليرتقي في تحقيقه، وتقف بجانبه حتى يتحقق هدفه، وتبث فيه روح الحماسة والأمل، كما وقفت خديجة رضي الله عنها، ووقفت زوجات المهاجرين إلى أرض الحبشة .

ومن البلاء تباين الأهداف والهمم فيما بين الرجل والمرأة، فبينما أحدهما ذو همة رفيعة عالية إذا بالآخر همته دنيئة ساقطة، همة في الثرى, وهمة في الثريا .

13- تتفهم الرجل وتحاول التكيف معه، وتحسن الاستماع إليه، فهي تدرك بأنه لا يمكن التوافق والتماثل في جميع الصفات بين أي رجل وامرأة، فلا بد من التنازل وتخطي العقبات وتجاوز الهنّات وعدم المحاسبة على الصغير والقطمير.

فهي مرنة مع زوجها داخل في حسابها جميع الطوارئ مستعدة للتكيف معها، فإن نقل إلى مكان انتقلت معه، وإن لم يستطع البقاء في منزل ارتحلت معه، غير متشبثة ببلد، ولا متمسكة بمكان (12) .

14- حفظ الأسرار وكتم الأخبار، فالرّجل يرى أسرته مملكته الخاصّة التي لا ينبغي على أحدٍ الاطلّاع على أسرارها أو معرفة أخبارها، ولأنّ المرأة بطبعها تحبّ الحديث وتهوى الكلام ومعاشرة النّاس فإنّها تكون عرضةً أحيانًا وخاصّة إذا غاب عنها الرّقيب أن تتحدّث بما لا ينبغي لها الحديث فيه من أسرار زوجها وأسرتها، وبالتّالي فإنّ الزّوجة المثاليّة التي يحلم بها الرّجال من صفاتها أنّها تحفظ أسرار زوجها ولا تفشيها لأحد.

15- لا تخرج من البيت إلا بإذنه، فالزوجة ليست حرة في أن تخرج متى تشاء، لأنها سوف تصادر على حق الزوج والأطفال، فهذه ليست حرية وليس حقًا، وإنما اعتداء على حرية الآخرين، فحق الزوج على زوجته ألا تخرج إلا بإذنه، مبينًا أنه من الخطأ والجهل بمفاهيم الشريعة الإسلامية اعتبار الإذن حجرًا على حريتها ومصادرة لحقوقها، بل هو ضرورة لاستقامة البيت.

إنّ من أهمّ ما يحتاج المرء في حياته صاحبًا مؤمنًا يُعينه في حياته على مرضاة الله تعالى، وإنّ أولى صاحبٍ يحتاج المرء له أن يكون على الطاعة والصلاح هي الزوجة، فهي ملازمةً له طوال العمر، وتكون الزوجة صالحة مثاليةً تأخذ بيد زوجها إلى رضا الله سبحانه، إذا تحقّقت فيها الصفات الآتية:

أن تتصف المرأة بالخُلق الحسن، والأدب الجمّ، ولا تتلفّظ الألفاظ السيئة البذيئة مهما كان الظرف.

أن تتقبّل النصيحة، وترغب بها لتحسّن من نفسها، ولا تُكثر الجدال والنقاش، فيما لا طائل له ولا نفعٌ.

أن تكون سهلةً لينةً، تُعين زوجها على العيش، ولو كان متواضعًا صعبًا.

أن تلتزم طاعة ربّها، فلا تقطع فرضًا، أو تأتي منكرًا محرّمًا.

أن تكون مربّيةً لأطفالها تربيةً إيمانيةً قرآنيةً، تبتغي بذلك أعلى المراتب لهم في الآخرة قبل الدنيا.

ألّا تفرض على زوجها أسلوبًا أو تفكيرًا معيّنًا، فالأزواج لا يحبّون الزوجة المسيطرة، التي تبسط فكرها وأسلوبها عليهم.

ألّا تحمّل زوجها مسؤولية أخطاءٍ وقعت في الأسرة، فإنّ المرء بطبيعته لا يحبّ أن يتّهم بخطأ حصل، خاصّةً إن لم يظهر جليًّا أنّ مسؤولية الخطأ عليه وحده.

ألّا تنتظر الزوجة من زوجها الاعتراف بالخطأ والتقصير، فإنّه يرى ذلك من العيوب والنقص، فيحاول تجنّبه.

أن تبتعد عن الظنّ السيء فيه، وتجعل له هامشًا من الخصوصيّة، ولا تخبره بأيّ ريبةٍ قد شعرت فيها، قبل أن تتريث وتنتظر، وتلتمس الأعذار (13).

تقبُّل الزوج كما هو وعدم محاولة تغييره.

الوقوف بجانب الزوج في الظروف الحزينة والسعيدة.

عدم التحدُّث عن الزوج بالسوء أمام الآخرين.

مساعدة الزوج على حل مشكلاته والاستماع إليه عند الحديث.

الاهتمام بالزوج بشكل جيد؛ وذلك لأنّ الرجل بحاجة للاهتمام.

والانسجام بين المرأة والرجل، ويظهر هذا الأمر من خلال عِلمِها بطباع زوجها وتوافقها معه.

ابتعاد المرأة عن جوانب الريبة؛ حيث لا تخلو بشخص غير محرم، ولا تخضع بالقول؛ وذلك من أجل أن يكون قلب الزوج مطمئنًا.

أن تكون مركز الأمان في الأسرة، فترعى بيتها وزوجها وتحنو على الأطفال وترعاهم حق الرعاية.

تساعد الزوج على تحقيق أهدافه، وما إن حقّق هدفًا ما حتّى تقدم له آفاقًا أخرى؛ من أجل أن تبثّ به روح الأمل والحماس.

تتكيّف مع زوجها وتتفهّمه، وتكون على دراية تامة بالاختلاف بين صفات الرجل والمرأة؛ حيثُ لا بد من التنازل من أجل تخطّي عقبات الحياة.

أن تكون الزوجة مرحة وخفيفة الظل، حتى وإن كان جمال الزوجة متوسطًا، فإنّ البشاشة والمزاج يجعلها أجمل في عيون زوجها، على عكس المرأة العابسة التي تقابل زوجها بتقرير عن مشاغل الحياة؛ ممّا يجعل الزوج يتردّد في العودة إلى المنزل.

أن تتودّد المرأة لزوجها بالكلمات الطيبة مثل كلمات الشكر والتقدير أو كلمات الحب؛ إذ إنّ هذا الأمر يساعد على الاستقرار وتعطير الحياة في المنزل (14).

أن تكون المرأة جذابة وجميلة في السلوك والكلام؛ حيثُ يظهر ذلك الأمر في طريقة تعاملها مع أطفالها بتجنُّب الصراخ على الأبناء؛ وذلك لأنّ الصراخ يُفقِد المرأة أنوثتها أمام زوجها (15).

وهذه خمس قواعد أساسية، اغرسي كل صفة حسنة تريدينها في تربتها، وأوليها العناية حتى ترسخ، وتستمر.

القاعدة الأولى: بركات الطاعة:

المعصية لها شؤم، وعاقبة المعاصي تعجل في الدنيا قبل الآخرة، والقلب البعيد عن الله، المنغمس في غفلته وضياعه، السادر خلف ملذات الدنيا ومراقبة الناس، لا يمكن أبدا أن ينفع أو ينتفع، إنما يرين عليه من سواد المعاصي والضلال ما يحجب عنه الاطمئنان والراحة..

كان السلف يقولون: إن آثار المعصية تظهر على أقرب شيء إلى المرء، في دابته وزوجته.

لا تحسبي الشؤم في معصية شرب الخمر والزنا فحسب؛ بل من الشؤم البعد عن واحات الإيمان، إهمال القيام بالفرائض فضلًا عن التزود بالنوافل، السباب والشتائم ولو كان ذلك لأولادك، المراءاة وغيبة الزوج وشكواه وأسرته إلى أهلك، كثرة الشكاية من الواجبات على وجه التسخط دائمًا بلا صبر واحتساب، القيل والقال والغيرة والحسد، هجر القرآن وذكر الله، وغير ذلك كثير.

إن للطاعة بركة، والصلة بالله تجعل قلبك عامرًا حيًا يقظًا، وتطرح البركة في وقتك وجهدك، تهبك القوة لأداء رسالتك في الحياة، تحنن عليك زوجك وتعينك في تربية صغارك.

الزمن الاستغفار دائمًا، واتهمن أنفسكن كلما تعسرت بكن الحياة، راجعن سجل الإيمان، وأكثرن الصدقة والبر والإحسان كما وصى بذلك الحبيب صلى الله عليه وسلم.

تأملن يا عزيزاتي في قوله تعالى: {وَمِنْ   آيَاتِهِ  أَنْ  خَلَقَ  لَكُم  مِّنْ  أَنفُسِكُم  أَزْوَاجًا  لِّتَسْكُنُوا  إِلَيْهَا  وَجَعَلَ  بَيْنَكُم  مَّوَدَّةً  وَرَحْمَةً إِنَّ  فِي  ذَلِكَ  لَآيَاتٍ  لِّقَوْمٍ   يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21]، إن الله تعالى قال: {وَجَعَلَ  بَيْنَكُم  مَّوَدَّةً  وَرَحْمَةً}، فهذه الآية العظيمة من آيات الله، وهي السعادة الزوجية، لا تتحقق إلا بكونها بين طرف وآخر، ولو كان أحدهما تعيسا لتخبط الثاني لا شك في الشقاء مهما توفرت له أسباب السعادة، فكل واحد منهما مرآة صادقة لسعادة الآخر.

ومن هذا النقطة، نجد أن اتصاف الزوجة بالصفات الحسنة الرائعة، المثالية في عين الزوج، يؤتي أكله في قلب شريكها مودة واحتراما، مما يظللهما جميعا بالسعادة "المتبادلة" العميقة.

إن الزواج في حقيقته عبارة عن شركة بين رجل وامرأة من أجل بناء الجيل الصالح، الذي يعبد ربه ويبني ويعمر الحياة، فأصل الزواج في الإسلام هو حلول المودة والألفة والإيثار بين اثنين، ومن أجل دوام العشرة بينهما جعل الله تعالى لكل من الرجل والمرأة حقوقًا لدى الآخر يجب عليه القيام بها.

إن امرء دخل الزواج باحثًا عن سعادته هو، وجلاء همومه هو، وتغيير حياته هو فحسب، دون أي مراعاة لمشاعر وحاجات وطبيعة الطرف الآخر، لن يجني شيئًا، إلا إذا جنى الفلاح ثمرًا وهو لم يزرع بذورًا.

فقبل أن تتحسري متألمة على حالك مع زوجك، وانحسار المشاعر بينكما وبرودها، تلفتي حولك، وتحققي بصدق من عطائك نحوه، ومدى حرصك في سبيل سعادته..

القاعدة الثالثة: إذا لم تجد ما تحب فأحب ما تجد:

أقرب مشجب يمكن أن يعلق عليه المرء تقصيره وتوانيه، هو أنه لم يكن يتوقع الأمور كذلك، ولو كانت على ما يحب لرأيت من سعيه وإبداعه وحماسه عجبًا.

هذا هو مشجب الفشل، إذ الناجح الحقيقي من يصنع من الصخور الكبيرة التي تعيقه، مراق يصعد عليها إلى القمة! فإذا كان الزواج في نظرك ليس الذي كنت تحلمين به، وطباع زوجك ليست تلك التي تودينها، وغير ذلك، فاستعيذي بالله من وساوسك هذه، واصنعي من الليمون اللاذع شرابًا حلوًا، ضخمي صفاته الجميلة في نفسك، اعزمي على تغيير صفاته السيئة إن وجدت، واستغرقي تمامًا في تجميل الصورة الشاحبة لهذا الزواج.

احذري أن تركني إلى الكسل والإهمال متعللة بهذا العذر السقيم، واعلمي أن الحياة السعيدة نحن الذين نسعى إليها ونرسم ألوانها، وليست هي التي تأتي، فركزي جهودك في بذل أقصى درجات السعادة والراحة وحسن التبعل لزوجك وأسرتك، فحقه عليك عظيم عظيم.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى قال: «لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها» (16).

القاعدة الرابعة: ضعي أصابعك في أذنيك:

تقول إحدى الأخوات: أقولها بكل ثقة وسرور: أنا سعيدة مع زوجي، بل نحن سعيدان معًا، وتمر بنا لحظات من البهجة لا نظن أن أزواجًا غيرنا يرشفون رحيقًا مثلها، وأعتقد حقًا أن سر هذه السعادة العظيمة والوفاق المبارك، هي أني أضع أصابعي في أذني!، لا تعجبوا، فنحن النساء أعلم بما يدور في مجالسنا، من حديث المتشبعات بما لم يعطين، فهذه اشترى لها، وتلك سار بها، وهذه قال لها، وتلك أعطاها، والكثير الكثير من الكلمات التي يضاف إليها السم الزعاف الهادم للبيوت.

إن الواقع، أجمل بكثير مما يحكينه، فأنا رغم سعادتي لا أنكر أننا نختلف أنا وزوجي، لنعود أفضل مما كنا عليه، ولو استمعت إلى ما يقلنه النساء عمومًا، وركنت إليها وفكرت وقارنت، لاستوحشت وحزنت وأسفت، وتحسرت وتندمت، ولنسجت أكفان سعادتي بنفسي في النهاية.

القاعدة الخامسة: ليبلوكم أيكم أحسن عملًا:

قد يغرد البلبل شهورًا ودهورًا، فلا يستمع رجع الصدى إليه، فهل ترى يكف الطير عن الغناء، ويذوي فرحه وحبه؟

إلى من تظل تعطي وتغدق على زوجها وأسرتها من العناية والمحبة، فلا ترى نتيجة لما تعطيه، بل لا تكاد تجد إلا تجاهلًا وإهمالًا، وابتلاء بزوج سيئ الخلق عنيد، نشد على يدها ونقول: أتمي ما عليك من الواجب، وأدي ما ائتمنه الله عليك من رسالتك في الحياة، واعلمي أن مع العسر يسرًا، وما تحلمين به من السعادة والهناء ستلقين –إن صبرت واحتسبت– أضعاف أضعافه في الآخرة.

وما هذه الأعمال الجليلة التي تقومين بها، إلا دليل على إحسان عملك وإتقان مهمتك، والقيام بعبادتك، وهو ما خلقت من أجله.

وهنا، تدحض حجة من تذرعت بزوج مشاكس ظالم يعوقها عن التغريد في الحياة بألحان الحب والسعادة، بل إن عليها الاستمرار –إن لم يقدر الله الانفصال– في ضم الصدع وعلاج الجرح، وبذل الوسع في حسن التبعل، ولتعلم أن قيامها بذلك يعدل الحج بعد الحج بل والجهاد في سبيل الله (17).

***

_______________

(1) تفسير السعدي (ص: 177).

(2) أخرجه النسائي (3231).

(3) أخرجه البخاري (5082), ومسلم (2527).

(4) أخرجه البخاري (5245).

(5) أخرجه الترمذي (1573).

(6) أخرجه الترمذي (1081).

(7) تفسير القرطبي (14/ 177).

(8) تفسير القرطبي (13/ 72).

(9) أخرجه ابن حبان (4490).

(10) شعب الإيمان (10/ 405).

(11) أخرجه البخاري (4953), ومسلم (160).

(12) الزوجة المثالية/ موقع ديننا.

(13) مواصفات الزوجة المثالية، موقع موضوع.

(14) المرأة المثالية في عيون زوجها/ موقع المسلم.

(15) نصائح لتكوني زوجة مثالية/ موضوع.

(16) أخرجه أبو داود (2140).

(17) كيف تكونين زوجة مثالية؟ لها أون لاين- موقع المرأة العربية.