فن قراءة المشاعر
إن مراعاة الآباء والأمهات لمشاعر الأبناء تقربهم جدًا منهم، وعدم مراعاة تلك المشاعر تبعد الأبناء كثيرًا عن الآباء والأمهات، وبالتالي يبحثون عمَّن يبثون إليه مشاعرهم، وقد يكون صديق سوء، أو قد يكون صديقًا من خلال الهاتف أو صديقة، أو شخصًا في العالم الافتراضي، أو قد يكون حتى قناة تلفزيونية ما، أو موقعًا على الشبكة العنكبوتية.
قد تكون كل هذه الوسائل السابقة متنفسًا للأبناء، يبثون فيها ومن خلالها مشاعرهم التي لم يحترمها آباؤهم وأمهاتهم، وذلك بعدم الإنصات إليهم، وتفهم مشاعرهم، ومحاولة الإحساس بما يشعرون به.
إن الاهتمام بمشاعر الأبناء ورعايتها، وعدم إهمالها في وقتها المناسب، هو من أهم الأشياء للآباء والأمهات، فإن كان الآباء والأمهات أسخياء بالمال، بخلاء بالمشاعر والمعنويات، فهم بذلك لم يحققوا لأبنائهم أية سعادة؛ بل إن الأبناء قد يكونون، وحتمًا سيكونون، في تعاسة وشقاء وبُعد عن آبائهم وأمهاتهم.
إن الأبناء يحتاجون إلى آبائهم وأمهاتهم دائمًا، وليست تلك الحاجة مادية دائمًا، وإنما هي في أكثرها حاجة معنوية، فعندما يحتاج الأبناء إلى والديهم لأجل مشكلة ما، أو بث شكوى من أمر ما، فإن أفضل ما يمكن فعله من الوالدين تجاه أبنائهما هو الإنصات إليهم، والاستماع لهم، والحديث معهم بلغة المشاعر.
تلك اللغة الصامتة الهادئة التي تُشعِر الأبناء بالدفء والحب والتفاهم والأمان والراحة النفسية، وبالتالي تملأ عندهم هذا الفراغ النفسي، الذي كان من الممكن أن يملأه غير الوالدين في حالة عدم الإنصات إلى أبنائهم.
لذا، فقد وجب على الآباء والأمهات أن يتقنوا فن قراءة المشاعر.
فإذا عرف الآباء والأمهات مشاعر أبنائهم، فإن النتيجة الطبيعية هي السيطرة على مشاعرهم، وإدارتها إدارة مفيدة، وبالتالي توجيه تلك المشاعر والتعامل معها بطريقة صحيحة، وبحكمة ولطف ورفق ولين.
إن داخل كل ابن، صغيرًا كان أو مراهقًا، صوت يحدثه دائمًا بأن والديه: "من عصر قديم، عندهم مفاهيم غير تلك التي نعلمها، إنهم لا يستطيعون فهمنا"، وغير ذلك من تلك الكلمات التي تجعل الابن يشعر أن هناك فجوة بينه وبين والديه؛ لذا، يجب على الوالدين أن يتقنا فن التعامل مع تلك المشاعر والأحاسيس الداخلية للابن؛ بل أن يعرفا كيف يميزان بين صوت الصغير وصوت المراهق، وغير ذلك من الأصوات، وهذا لن يكون إلا بالتواصل مع الأبناء بلغة المشاعر.
فإذا ما أخطأ الابن في أمر ما، فإن دور الوالد في هذه الحالة هو تصحيح سلوك الابن دون المساس بمشاعره، فمثلًا إذا قام الابن بكسر إناء الماء، أو أضاع المال الذي ذهب به لشراء الطعام، أو رسب في مادة ما، أو تلفظ بألفاظ غير سوية، وغير ذلك من هذه الأمور، فإن دور الوالد أو الوالدة، في مثل تلك الحالات، هو محاولة معالجتها دون المساس بمشاعر الابن، فيقال له:
- «لقد سُكب الماء، وكُسِر الإناء، وهذا أمر محزن، لكن لا عليك، هيا ننظف المنضدة، ونجمع قطع الزجاج المتناثرة»، ونساعد الابن في ذلك.
- «يجب عليك أن تكون أكثر حرصًا في المرة القادمة؛ لأننا يجب علينا أن نحافظ على نعم الله، والمال من نعم الله علينا».
- «إن تلك المادة تحتاج إلى جهد كبير في المذاكرة، فيجب عليك أن تجتهد أكثر من ذلك».
- «إن تلك الألفاظ غير حميدة، وأنت إنسان مهذب، وأعلم أنك لن تلفظها ثانية».
ولا ينبغي أبدًا أن يقال للابن: "أنت لا يُعتمد عليك، لقد كسرت الإناء وأضعت المال، وأنت إنسان فاشل، فلقد رسبت في المادة الدراسية، وأنت إنسان غير سوي تتلفظ بألفاظ سيئة"، كل هذا مما يهدم نفسية الابن ويمزقها، ويجعله إنسانًا غير قابل للنصيحة، ولا يتحمل من والديه أية كلمة؛ بل إنهما سيعتبران بالنسبة له صندوقًا من المال، يلجأ إليه عند الحاجة المادية فقط.
"إن النفس الإنسانية، كبيرة كانت أو صغيرة، بحاجة دائمًا إلى الفهم والمشاركة، بدل الانتقاد اللاذع والتوبيخ المؤلم عند التصرف الخاطئ؛ حتى تستفيد من تجاربها في تطوير شخصيتها، وبالتالي لا بد من إعطاء وتوفير هذا الحق للابن إذا أردنا تنشئته بطريقة متزنة"(1).
فيجب على الآباء والأمهات تجنب جرح مشاعر الأبناء أو تحقيرها أمام الآخرين، أو حتى بينهم وبين الأبناء، فالنفس بطبيعتها لا تحب أن تظهر عيوبها أمام الآخرين، وكذلك تكره من يحاول إظهار عيوبها، ولا تقبل منه النصائح أبدًا، وربما كان ذلك على سبيل العناد.
ومما ينبغي للآباء والأمهات تعلمه أيضًا، معرفة احتياجات الأبناء المادية والنفسية والصحية والاجتماعية، فيجب عليهم الاهتمام بالبذل لهم، والتفقد لحال كل واحد من الأبناء، والتعامل معهم برفق ولطف ولين، فإن كل هذا من أهم ما يدفع الأبناء إلى التعاون مع الآباء والأمهات.
فمراعاة حاجيات الأبناء تعني ألا نطلب منهم القيام بعمل ما وهم يريدون الخلود إلى النوم، أو أن نطلب منهم عدم النوم إذا أرادوا ذلك وكانوا بحاجة إليه، أو أن نطلب منهم النوم وهم لا يريدون ذلك لأن جهاز التلفاز يتابعه الوالدان وبه مادة شيقة؛ إذ لا بد من غلق الجهاز، وتهيئة الجو للنوم حتى نطلب منهم الخلود إلى النوم، وغير ذلك من الأمور التي ينبغي مراعاتها في التعامل مع احتياجات الأبناء.
ثم أخيرًا، يجب على الآباء والأمهات إذا أخطأ أبناؤهم، في أمر ما، أن ينتقدوا التصرف الخاطئ، لا أن ينتقدوا أبناءهم، والمولى عز وجل يعلمنا ذلك، حين أمر النبي صلى الله عليه وسلم إذا عصاه قومه أن يقول لهم: {إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ} [الشعراء:216]، فإذا كان هذا هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع قرابته ونسبه الذين لم يسلموا، فما بالنا بتعاملنا مع أبنائنا فلذات أكبادنا.
ومع انتقادنا للسلوك الخاطئ، لا شخص المخطئ، ينبغي أن يكون هذا الانتقاد برفق ولين، تأسيًا برسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إنه كان يُوَرِّي بكلامه ويقول: «ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا» كما جاء في صحيح البخاري.
ــــــــــــــ
(1) الإنصات الانعكاسي، محمد ديماس، ص31، بتصرف.