logo

تصوير المرأة على الجوال


بتاريخ : الثلاثاء ، 9 ذو القعدة ، 1441 الموافق 30 يونيو 2020
بقلم : تيار الاصلاح
تصوير المرأة على الجوال

إن مما ابتلي به المسلمون هذه الأيام انتشار ظاهرة تصوير النساء عبر الجوال، لتقع صورهن في أيدي الشباب العابث، وغير خاف أن التصوير مختلف في حكمه، فمن العلماء من قال بتحريمه لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون» (1).

وعن سعيد بن أبي الحسن، قال: جاء رجل إلى ابن عباس، فقال: إني رجل أصور هذه الصور، فأفتني فيها، فقال: ادن مني، ثم قال: أدن مني، فدنا منه حتى وضع يده على رأسه، قال: أنبئك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفسًا فيعذبه في جهنم»، وقال: إن كنت لا بد فاعلًا فاصنع الشجر وما لا نفس له (2).

وقال المهلب: إنما كره هذا من أجل أن الصورة التي فيها الروح كانت تعبد في الجاهلية، فكرهت كل صورة، وإن كانت لا فيء لها ولا جسم قطعًا للذريعة (3).

وثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه لعن المصورين، فعن أبي جحيفة، قال: «لعن النبي صلى الله عليه وسلم الواشمة والمستوشمة، وآكل الربا وموكله، ونهى عن ثمن الكلب، وكسب البغي، ولعن المصورين» (4).

ومن العلماء من أجاز هذا النوع من التصوير بشروط، وهؤلاء لا يجيزون بحال تصوير النساء لما فيه من كشف عوراتهن، وما يفضي إليه من الفساد، وسدًا للذرائع.

ولم يخالف أحد من علماء المسلمين في تحريم الاطلاع على عورات الغير، سواء بالنظر المباشر أو بأي صورة من صور التحايل؛ كالنظر من ثقب الباب أو الشباك أو الزجاج أو نحو ذلك، فالحكم في مسألة تصوير النساء بواسطة كاميرا الجوال أو أي كاميرا أخرى خلسة سواء كُنَّ في الشارع أو في السوق أو في صالة الأفراح، أو كن في سيارة أو على شاطئ أو منتزه أو غيره، كحكم من نظر من خلال الباب أو الكوَّة في الدار، بل إن المصيبة في التصوير بواسطة كاميرا الجوال أعظم وأشد ضررًا، لأن هذا المصور أو هذه المصورة تأخذ الصورة أو يأخذها هذا الشاب ثم ينشرها، فبدلًا من أن يراها واحد يراها الملايين من الناس، فأصبح هذا أو هذه ممن يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، ولا شك أن هذا منكر عظيم وكبيرة من الكبائر، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور: 19].

وإن مما يؤسف له أن شبكة الإنترنت قد استغلت في هذا المجال أيما استغلال، واتخذت وكرًا خصبًا للتعاملات الساقطة، إذ لم تقتصر على تداول صور ومناظر الفحش والعهر من منتحلي الفواحش من الكفار والكافرات، ولكن يتم بث صور المسلمات العفيفات الغافلات، وربما أدخلت عليها عمليات الدبلجة بتركيب الصور على أجساد عارية، وهذا من أعظم البغي وأكبر العدوان وأشد البهتان، ولسوف يدرك الفاعل لذلك شناعة جرمه يوم يجازيه الله على هذا الاعتداء والبغي.

ومن أسباب تحريم تصوير النساء بالطريقة السالفة الذكر، أنه يؤدي إلى إيجاد المشكلات الأسرية، وذلك أن ذوي المرأة التي تنتشر صورتها لا بد أن تأخذهم الغيرة وتحركهم الحمية بسبب هذا التصوير، فإن كانت متزوجة فالغالب أنها تصبح محل تهمة وشك لدى زوجها، وربما أدى إلى طلاقها، وإن كانت غير متزوجة فربما أدت تلك الصور بأهل المرأة إلى الاعتداء على موليّتهم بالضرب وغيره، وقد يؤدي بها ذلك لأن يعزف عنها الخطاب لسوء سمعتها، فتتعطل عن الزواج، وينشأ عن ذلك غيره من المشكلات، وهذا كله منشؤه التساهل بهذا المنكر.

ومن أسباب تحريم هذا التصوير أيضًا أنه يشتمل على أذية المؤمنين والمؤمنات، فإن من تم تصويرها بما يظهر عورتها أو يهتك عرضها، لا ريب أنه من أشد الأذية لها، وقد قال الله عز وجل: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} [الأحزاب: 58]، وهذا عام في كل ما كان من أذية المؤمنين والمؤمنات.

وقد ثبت عن ابن عمر قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر، فنادى بصوت رفيع، فقال: «يا معشر من آمن بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين ولا تعيِّروهم ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله» (5).

قال نافع: ونظر ابن عمر يومًا إلى البيت أو إلى الكعبة، فقال: ما أعظمك وأعظم حرمتك، والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك (6).

ولا ريب أنه لا أشد على النفوس الكريمة من أن تؤذى في أعراضها، فالأذية حاصلة للمسلمات وحاصلة أيضًا لأهليهن (7).

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين: فإني أضيف إلى ما سبق من المحاذير التي تقع ليلة الزفاف هذا المحذور العظيم: لقد بلغنا: أن من النساء من تصطحب آلة التصوير لتلتقط صور هذا الحفل، ولا أدري ما الذي سوغ لهؤلاء النساء أن يلتقطن صور الحفل لتنشر بين الناس بقصد أو بغير قصد؟ أيظن أولئك الملتقطات للصور أن أحدًا يرضى بفعلهن؟ إنني لا أظن أن أحدًا يرضى بفعل هؤلاء، إنني لا أظن أن أحدًا يرضى أن تؤخذ صورة ابنته، أو صورة زوجته، لتكون بين أيدي أولئك المعتديات ليعرضنها على من شئن متى ما أردن، هل يرضي أحد منكم أن تكون صور محارمه بين أيدي الناس لتكون محلًا للسخرية إن كانت قبيحة، ومثارًا للفتنة إن كانت جميلة؟.

ولقد بلغنا: ما هو أفدح وأقبح: أن بعض المعتدين يحضرون آلة الفيديو ليلقطوا صورة الحفل حية متحركة، فيعرضونها على أنفسهم وعلى غيرهم كلما أرادوا التمتع بالنظر إلى هذا المشهد.

ولقد بلغنا: أن بعض هؤلاء يكونون من الشباب الذكور في بعض البلاد يختلطون بالنساء أو يكونون منفردين، ولا يرتاب عاقل عارف بمصادر الشريعة ومواردها أن هذا أمر منكر ومحرم وأنه انحدار إلى الهاوية في تقاليد الكافرين المتشبهين بهم (8).

ولستُ أفشِي سرًا أو أذيع مخبوءًا حين أقول: إن ثمة عددًا من الوقائع من هذا القبيل، فاحت رائحتُها، حتى ضَجِر منها الأسوياء وأعلنوا النكير الكبير لها، وإن كانت هذه الوقائع لدى طائفة قليلة مادة ثرَّة، أشبعوا بها فضولهم واتَّسقت مع هامشيتهم.

وعند تحليل هذه التصرفات ودوافعها النفسية والاجتماعية، وما ينطبق عليها من الحكم الشرعي، فسنلاحظ ما يلي:

1- أن هؤلاء الذين توجهوا لهذا الاستخدام الخاطئ لكاميرات الجوال والكاميرات الرقمية من الذكور والإناث، على غرار ما أشرتُ إليه آنفًا، لا يخلون من أحد أمور ثلاثة:

الأول: كونهم مبهورين بهذه التقنية مع افتقادهم لسعة الأفق والمواكبة الإنسانية المتطورة للتقنيات الحديثة، ويرتبط هذا بقلة العلم وضعف الفهم، مما جعلهم يتجهون بأنفسهم إلى هذا النوع من التعامل الخاطئ فيتخلفون عن مواكبته واستيعاب أغراضه.

الثاني: أن يكونوا محصِّلين للثقافة والفهم، ولكنهم يفتقدون الأخلاق الإسلامية، بل وحتى الأخلاقيات الإنسانية، التي يفترض فيها الاعتدال والبعد عن وِهَاد الفحشاء وأُتون المنكر، وثمة ارتباط وثيق في أغلب الأحوال بين افتقاد هذه الأخلاقيات وبين نوعية الثقافة التي يحملونها.

الثالث: وهو فرع عن الثاني، أن يكونوا أشخاصًا أصابهم العطب في الجوانب الجنسية نتيجة مؤثرات محددة، سواء أكانت تلك المؤثرات مما تعرضوا له في مراحل الطفولة، أو لدى مراهقتهم، أو لدى اتصالهم بثقافات منحرفة من خلال السفر، أو عبر الإنترنت، أو غيرهما.

ولا أود الخوض في الجوانب النفسية والاجتماعية لتلك الفئة، ففي ذلك تفصيل، ولكنَّ مدارها على ما ألْمحت إليه.

2- الأصل أن أفراد مجتمعنا جميعًا يدركون حرمة الأعراض، وما يجب من رعايتها وحفظها، من خلال ما درسوه في مناهج التعليم، ولكن المشكلة التي عانوا منها هي: عدم تطبيقهم لما علموا على هذه الأحوال، نتيجة انفصام طارئ بين العلم والعمل، وقد يكون سببه دافعية العبث واللهو، أو لعدم إدراك مخاطر عملهم، أو لغير ذلك.

3- مما يجدر تأكيده في هذا المقام أن استعمال كاميرات الجوال، وكذلك الكاميرات الرقمية في تصوير النساء وبث صورهن، والتصرف فيها على نحو ما مثَّلت له آنفًا، إنما هو عمل محرم، ومن أشد الآثام تحريمًا، لما يترتب عليه من المفاسد والمنكرات، ومنها:

أولًا: الإخلال بأعراض الآخرين:

وذلك لأن تصوير النساء، حال كونهن عالمات بذلك أو على غفلةٍ منهن، وهذا أعظم، فيه هتك حجاب الحشمة والحياء، الذي أنعم الله به على المؤمنات، فمن صور النساء، من امرأة أو رجل، أو بث تلك الصور، فهو مُحَادٌّ لربه القائل: {يَأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 59].

فالله جلَّ شأنه يأمر بالستر ويرغب فيه، ويمنع من هتكه، لكنَّ هذا المصوِّرَ للنساء يمانع أمر الله، بل ويتبع سبيل الشيطان الذي يسعى لكشف العورات وإظهار السوءات، كما أخبر الله عنه في كتابه الكريم، وحذر من متابعة سبيله، فقال عزَّ من قائل: {يا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيكُم مِنَ الَّجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنهُمَا لِبَاسَهُما لِيُرِيَهُما سَوءَاتِهِمَا إنَّه يَرَاكُم هُوَ وقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُم إنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذينَ لَا يُؤمِنُون} [الأعراف: 27]، وقال سبحانه قبل هذا مخبرًا عمَّا ناله إبليسُ من الأبوين الكريمين عليهما السلام: {فَوَسْوَسَ لَهُما الشيطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عنهما مِنْ سَوءَاتِهِمَا …} الآية [الأعراف: 20].

وقد وجد أن البدايات الأولى للفواحش هي إبداء ما أمر الله بستره، وما يتعامل به من في قلوبهم مرض من ابتزاز النساء بصورهن، ومطالبتهن بما فيه انتهاك أعراضهن، وهذا حاصل عبر الصور التي يحتالون في الحصول عليها.

وغير خافٍ هنا أن التصوير برمَّته مما أفتى أئمةٌ من العلماء بتحريمه، أيًا كان نوعه، لعموم ما جاء من النهي عن التصوير والوعيد فيه، إلا ما كان لضرورة.

وحتى الذين أجازوا ما كان اختزانًا لصور ذوات الأرواح، كالذي يكون بالتصوير الفوتوغرافي وعبر الفيديو فإنهم لا يجيزون بحالٍ تصوير النساء، لما فيه من كشف عوراتهن، وما يفضي إليه من الفساد.

ثانيًا: لما فيه من إيجاد المشكلات الأسرية:

وكثيرًا ما يكون تصوير النساء الذي يلتقط في الاحتفالات ومناسبات الأفراح سببًا في نشوء المشكلات بين الأزواج، وبين الأسر.

مع أنه ينبغي التنبيه في هذا المقام إلى أن المطلوب هو التحري وعدم العجلة، فقد تأخذ الغيرة غير المضبطة بصاحبها إلى طريق التهور، وهذا ما نبه إليه النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال: «إنَّ من الغيرة ما يحب الله ومنها ما يبغض الله؛ فأما الغيرة التي يحب الله فالغيرة في رِيبة، وأما التي يبغض الله فالغيرة في غير الرِّيبة» (9).

ثالثًا: لا ريب أن تصوير النساء بالكاميرات المدمجة في الجوال وغيرها، وما يتبع ذلك من تداول صورهن لسبب كبير في إشاعة الفواحش في المجتمع.

وذلك أن النفوس إذا هتكت حجاب العفة وتجاوزت حدود الأدب، فإنها تطمح لما وراء ذلك من سفاسف الأخلاق، وهذا منشأه استمراء الفواحش والمنكرات.

والذين يعمدون لتداول تلك الصور ونشرها، يساعدون في تقويض الفضيلة في المجتمع واستساغة الرذيلة، ويتسببون في وقوع الفواحش وإشاعتها، ولفظاعة هذا العمل وشناعته، فقد توعد الله من سعى فيه وتسبب.

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: عند تفسير الآية: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ} [النور: 19]، أي الأمور الشنيعة المستقبحة المستعظمة، فيحبون أن تشتهر الفاحشة {فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 19]، أي موجعٌ للقلب والبدن وذلك لغشِّه لإخوانه المسلمين، ومحبة الشَّرِّ لهم، وجراءته على أعراضهم، فإذا كان هذا الوعيد لمجرد محبة أن تشيع الفاحشة، واستحلاء ذلك بالقلب، فكيف بما هو أعظم من ذلك، من إظهاره ونقله؟! وسواءً كانت الفاحشة صادرة أو غير صادرة (10).

وإن مما يؤسف له أن شبكة الإنترنت قد استغلت في هذا المجال أيما استغلال، وصارت موبئًا للتعاملات الساقطة، إذ لم تقتصر على تداول صور ومناظر الفحش والعهر من منتحلي الفواحش من الكفار والكافرات، ولكن يتم بث صور المسلمات العفيفات الغافلات، وربما أُدخلت عليها عمليات الدبلجة، بتركيب الصور على أجساد عارية، وهذا من أعظم البغي وأكبر العدوان وأشد البهتان، ولسوف يدرك الفاعل لذلك شناعة جرمه يوم يجازيه الله على هذا الاعتداء والبغي.

رابعًا: سوء عاقبة فاعله في الدنيا والآخرة:

أما وقد تبين فيما تقدم بعض المساوئ والأضرار والمنكرات المترتبة على تصوير النساء وتداول صورهن، فلا غرو حينئذ أن تكون العاقبة سيئة ووخيمة في الدنيا والآخرة لمن تسبب في ذلك.

أما في الدنيا: فإنه لما كان بَغْيًا وعدوانًا، فإن فاعله مشمولٌ بالوعيد الوارد في النصوص المتقدمة، كما في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [النور: 19].

وفي هذا يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله عند قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب: 58]، إنَّ سبَّ آحاد المؤمنين موجبٌ للتعزير.

فهذا في السب الذي يكون شتمًا بالكلام، فكيف بما يكون من انتهاك الأعراض بعرض الصور وإظهارها؟! والتي احتاط الشارع الحكيم لها بعقوبة مقدرة، كما هو في حد القذف، ولهذا كان المصور للعفيفات جديرًا بعقوبة تكفُّه وتردع غيره.

وأما في الآخرة: فكما تقدم في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ}.

كما أن وضع اسم امرأة من المسلمات بإزاء صورةٍ لها أو لغيرها، وقد أجري عليها اللصق لجسدٍ عارٍ؛ هو رميٌّ لها بالسوء، واتهامٌ لها بالفحش، وقد توعَّد الله من اقترف ذلك وعيدًا عظيمًا، فقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25)} [النور: 23 - 25].

وقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اجتنبوا السبع الموبِقَات»، قالوا: يا رسول الله وما هُنَّ؟ قال: «الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات» (11).

وتأمل هذا الوصف البليغ للمحصنات المؤمنات، وهو «الغافلات» أي غافلات عن الفواحش، وما قُذِفْنَ به، ثم يأتي صاحب الإفك أو صاحبته، ليصنع هذا الصنيع البغيض، وخاصةً تلك الصور التي تلتقط للنساء المسلمات وهنَّ غافلات، لا يشعرنَ أن هنالك من يترصد بهن، كما يقع من التصوير في الأعراس، وفي المدارس والكليات، وفي الأسواق والمتَنَزهات، إنها خيانة وحُبٌّ للفحش ونشره، يدل على دناءة النفس وسفالتها، نعوذ بالله من ذلك، وما كان الله جلَّ شأنه ليُخلِّي بين أصحاب البُهت والفُحش وبين المسلمات العفيفات، فالله لهنَّ بالنصر والاقتصاص، كما أنه سبحانه لأولئك المعتدين بالمرصاد.

أما أولئك الذكور والإناث الذين سوَّلت لهم أنفسهم تصوير محارم المسلمين، على حين غفلةٍ منهم، متناسين نظر الله إليهم وإحاطته بهم، فأذكرهم الوقوف بين يدي الله، {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: 30].

وأما الفتيات وعموم النساء: فينبغي لهنَّ الحذر من أن يَكُنَّ متساهلات بمن أرادت العبث بعرضها من جليساتها، وأن تعلم أن تلك الصور قد تأتي على مستقبلها، وعلى علاقاتها بأهلها وبالناس كافة، فتقلب حياتها جحيمًا لا يطاق.

وخاصةً أولئك الفتيات اللاتي قد يغرر بهن لصوص القلوب وذئاب الأعراض، حين يطلب تصويرها بدعوى حبه لها وعزمه على الزواج بها؛ فتغتر حينئذ وتسلم قيادها له، مع أنه لو لم يبق بين الناس من النساء إلا هي لرفض الاقتران بها.

وهكذا ما يكون من تساهل بعض النساء بخلع ثيابهن لدى دخول غرف قياس الملابس بالأسواق، أو لدى تساهلهن بالذهاب إلى حمامات السباحة وحمامات البخار على اختلاف مسمياتها وصالات الرياضة، وكذلك خلعهن ثيابهن في المشاغل النسائية ولدى تجهيز العرائس، أو في عيادات التجميل، ففي كل تلك الأحوال مخالفات شرعية قد تقود المتساهلة بها إلى حتفها.

وهذا يبين لنا شيئًا من حرص نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم ورأفته ورحمته بأمته، وبالنساء على وجه الخصوص، حين نبههنَّ إلى خطورة إلقاء ثيابهن على وجه مريب، فقال عليه الصلاة والسلام: «ما مِنْ امرأةٍ تَخْلَعُ ثيابَها في غير بيتِها إلا هَتَكَتْ ما بينها وبين الله تعالى» (12).

وذلك لأنها مأمورة بالتستر والتحفظ من أن يراها أجنبي، حتى لا ينبغي لهنَّ أن يكشفن عورتهن إلا عند أزواجهن، فإذا كشفت أعضاءها في تلك المواضع من غير ضرورة فقد هتكت الستر الذي أمرها الله تعالى به.

فحريٌّ بأخواتنا المسلمات أن يلزمنَ الآداب الشرعية، وما تقتضيه من الحشمة والحصانة، وأن يحذرن من أراد المساس بسمعتهن، مهما كانت المبررات، وأن يَكُنَّ متنبهات حاضرات البديهة، وأن يُحسِنَّ اختيار جليساتهن، حتى يَكُنَّ ممن يُؤمَنُ جانبهن على أقل الأحوال (13).

ولا يُعذر الزوج بتصوير زوجته وهي عارية لكونه زوجًا، فهذا لا يبيح له ذلك الفعل القبيح، ولا يعد غيابه عن زوجته عُذرًا له؛ لحرمة تصوير النساء ابتداءً؛ ولما يمكن أن يترتب على ذلك من مفاسد، ومما يمكن أن يترتب على الاحتفاظ بصورة الزوجة وهي عارية، أو غير محتشمة:

1- تعرض الزوج لسرقة أغراضه، أو فقدان الصورة، أو نسيانها في مكان عام، وهو ما يسبب انتشار الصورة في الآفاق، ووقوعها بأيدي سفهاء يمكنهم استغلال الصورة في مزيد من الشرور والمفاسد.

2- حصول طلاق بينه وبين زوجته، فتصير عنه أجنبية، ولا يحل له النظر إليها بعد طلاقها الذي تصبح فيه أجنبية عنه.

3- حصول ابتزاز من الزوج تجاه زوجته، وقد حدثت حوادث متعددة في هذا السياق، فراح الزوج يبتز زوجته ليجعلها تتنازل عن حقوقها المالية، أو تنفذ له رغباته المحرمة، أو تسكت عن أفعاله المشينة، ويقع كل ذلك منه بسبب تملكه لصور أو فيديو لها وهي عارية، أو شبه عارية.

4- نظر الزوج لصورة زوجته العارية مع غيابه عنها لن يُطفئ شهوته، بل العكس هو الصحيح، فهذا ما سيجعل شهوته تلتهب، ولن يطفئها –غالبًا– إلا بالوقوع في المحرمات، كالعادة السرية –وهو أهونها– أو الزنا أو اللواط والعياذ بالله.

فصار عذره في تصوير زوجته والاحتفاظ بها للنظر فيها في غربته غير مقبول، وصار فعله سببًا في الوقوع في الحرام، لذات التصوير، ولما يؤدي إليه من مفاسد.

فلا يحل للزوج أن يصور زوجته وهي عارية أو شبه عارية، وينبغي أن يكون متصفًا بالغيرة على عرضه، وأن يبذل ما يستطيع للحفاظ على هذا العرض، لا أن يفرِّط فيه بمثل تلك الأفعال، كما لا يحل للزوجة أن توافق على فعله، ويجب عليها إنكاره، وعدم الاستجابة له.

وقد جعل الله تعالى الزوجين كلَّ واحد منهما لباسًا للآخر، فقال تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ} [البقرة: 187]، فلينتبه الزوج لهذا، فهو لباس امرأته فكيف يريد أن يكون معريًّا لها بفعلته هذه والأصل أن يكون لباسًا ساترًا لها؟(14) .

قال ابن القيم: إن عشق الصور المحرمة نوع تعبّد لها؛ بل هو من أعلى أنواع التعبد، ولا سيما إذا استولى على القلب، وتمكن منه، صار تتّيمًا، والتتيم: التعبد، فيصير العاشق عابدًا لمعشوقه، وكثيرًا ما يغلب حبه وذكره، والشوق إليه، والسعي في مرضاته، وإيثار محابّه، على حب الله وذكره، والسعي في مرضاته.

بل كثيرًا ما يذهب ذلك من قلب العاشق بالكلية، ويصير متعلقًا بمعشوقة من الصور- كما هو مشاهد- فيصير المعشوق هو إلهه من دون الله عز وجل، يقدم رضاه وحبه على رضا الله وحبه، ويتقرب إليه ما لا يتقرب إلى الله، وينفق في مرضاته ما لا ينفقه في مرضاة الله، ويتجنب سخطه، ما لا يتجنب من سخط الله تعالى، فيصير آثر عنده من ربه، حبًا وخضوعًا وذلًّا وسمعًا وطاعة.

ولهذا كان العشق والشرك متلازمين، وإنما حكى الله سبحانه العشق عن المشركين من قوم لوط، وعن امرأة العزيز، وكانت إذ ذاك مشركة، فكلما قوي شرك العبد، بلي بعشق الصور، وكلما قوي توحيده صرف ذلك عنه.

والزاني واللواطة، كمال لذته إنما يكون مع العشق، ولا يخلو صاحبهما منه، وإنما لتنقله من محل إلى محل، لا يبقى عشقه مقصورًا على محل واحد، ينقسم على سهام كثيرة، لكل محبوب نصيب من تألهه وتعبّده فليس في الذنوب أفسد للقلب والدين من هاتين الفاحشتين، ولهما خاصية في تبعيد القلب من الله، فإنهما من أعظم الخبائث، فإذا انصبغ القلب بهما بعد ممن هو طيّب، لا يصعد إليه إلا طيّب، وكلما ازداد خبثًا، ازداد من الله بعدًا (15).

هذا إلى ما ينضم إلى ذاك من ظلم العاشق للناس بالتحيل على أخذ أموالهم، والتوصل بها إلى معشوقه بسرقة أو غصب أو خيانة أو يمين كاذبة أو قطع طريق ونحو ذلك، وربما أدى ذلك إلى قتل النفس التي حرم الله، ليأخذ ماله ليتوصل به إلى معشوقه.

فكل هذه الآفات وأضعافها وأضعاف أضعافها تنشأ من عشق الصور، وربما حمل على الكفر الصريح، وقد تنصر جماعة ممن نشئوا في الإسلام بسبب العشق، كما جرى لبعض المؤذنين حين أبصر امرأة جميلة على سطح، ففتن بها، ونزل، ودخل عليها، وسألها نفسها، فقالت: هي نصرانية، فإن دخلت في ديني تزوجت بك، ففعل، فرقي في ذلك اليوم على درجة عندهم فسقط منها فمات (16).

***

____________

(1) أخرجه مسلم (2109).

(2) عمدة القاري شرح صحيح البخاري (11/ 224).

(3) عمدة القاري شرح صحيح البخاري (12/ 39).

(4) أخرجه البخاري (5347).

(5) أخرجه الترمذي (2032).

(6) المصدر السابق.

(7) ظاهرة تصوير النساء عبر الجوال/ إسلام ويب.

(8) فتاوى علماء البلد الحرام (ص: 439).

(9) أخرجه أحمد (23747).

(10) تفسير السعدي (ص: 564).

(11) أخرجه البخاري (2766)، ومسلم (89).

(12) أخرجه أبو داود (4010).

(13) حول مآسي تصوير النساء بأجهزة الجوال والصور الفوتوغرافية والكاميرات الرقمية ونتائج تداولها عبر المنتديات وعواقب ذلك/ صيد الفوائد.

(14) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء/ الموسوعة الشاملة.

(15) إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (1/ 64).

(16) الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي (ص: 217).