logo

فن التعامل مع الزوجة


بتاريخ : السبت ، 4 صفر ، 1443 الموافق 11 سبتمبر 2021
بقلم : تيار الاصلاح
فن التعامل مع الزوجة

خلق الله تعالى البشر من نفس واحدة آدم عليه السلام وخلق منها زوجها؛ ليسكن إليها، وجعل الزواج هو السبيل الشرعي الذي يبني هذه الشراكة في الحياة فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء} [النساء: 1].

والفطرة البشرية لا غنى لها عن هذه السنة في حياتنا؛ فكما قالت المرأة العربية لابنتها ليلة زواجها ناصحة: يا بنيتي، إن النساء خلقن للرجال، وإن الرجال خلقوا للنساء؛ فكوني لزوجك أرضًا، يكن لك سماء... إلخ.

والحياة الزوجية هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع؛ فإذا صلحت هذه اللبنة، صلح المجتمع؛ ولذلك إذا لم يحسن كل من الزوجين أسلوب التعامل فيما بينهما، فقد يؤدي فقدان هذا الإحسان إلى خسارة الحياة الزوجية بصور شتى؛ كأن يصبح البيت في صراع دائم بين الزوجين أو تتوتر الحياة، فلا يشعر الزوجان بالسعادة والطمأنينة.

قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 17].

قال ابن كثير: أي: طيبوا أقوالكم لهن، وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم، كما تحب ذلك منها، فافعل أنت بها مثله، كما قال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي» (1)، وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه جميل العشرة دائم البشر، يداعب أهله، ويتلطف بهم، ويوسعهم نفقته، ويضاحك نساءه، حتى إنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين يتودد إليها بذلك، قالت: سابقني رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقته، وذلك قبل أن أحمل اللحم، ثم سابقته بعد ما حملت اللحم فسبقني، فقال: «هذه بتلك» (2).

ويجتمع نساؤه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها.

وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد، يضع عن كتفيه الرداء وينام بالإزار، وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يسمر مع أهله قليلا قبل أن ينام، يؤانسهم بذلك صلى الله عليه وسلم وقد قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] (3).

وتفقد الحياة الزوجية بهجتها وجمالها وبهاءها؛ ثم ينعكس هذا الجو المكهرب على حياة الذرية، فلا يعيشون في جو مستقر ولا دافئ؛ ومن علامات هذا الوضع أن يهرب الرجل من البيت، وتصبح المرأة صديقة الأسواق والمحلات التجارية، وزيارة صديقاتها تاركة أبناءها إلى الأجهزة الإلكترونية، ولا يعود الزوج إلى البيت إلا متأخرًا في الليل، ناسيًا أن له زوجة تنتظره؛ ثم إذا عاد إلى البيت، فيدخله وهو مكفهر الوجه، متبرمًا لا يدلف إلى غرفة النوم، وإنما يطرح جسده على أي مكان ينام فيه غير مبال بمشاعر الزوجة التي تقابله بالأسلوب ذاته، وتتجاهل الزوجة حقوق زوجها من تهيئة نفسها لعودته، متزينة متعطرة لابسة ثيابًا جذابة مغتسلة مبتسمة له.

إن أغلب المشكلات الأسرية بين الزوجين تعود إلى الجهل في فن التعامل بين قطبي البيت.

فالمرأة تشغل نصف المجتمع من حيث العدد، وأجمل ما في المجتمع من حيث العواطف، وأعقد ما في المجتمع من حيث المشكلات، ومن ثمة كان واجب المفكرين أن ينظروا إلى قضيتها دائمًا على أنها قضية المجتمع كله (4).

روى الخطيب البغدادي: أن سعيد بن اسماعيل الواعظ سئل أي أعمالك أرجى عندك؟ فقال: إني لما ترعرعت وأنا بالري، وكان يريدونني على التزويج فأمتنع، فجاءتني امرأة فقالت: يا أبا عثمان، قد أحببتك حبًا قد أذهب نومي وقراري، وأنا أسألك بمقلب القلوب وأتوسل به إليك إلا تزوجتني، فقلت: ألك والد؟ قالت: نعم، فأحضرته، فاستدعى بالشهود فتزوجتها، فلما خلوت بها فإذا هي عوراء عرجاء شوهاء مشوهة الخلق، فقلت: اللهم لك الحمد على ما قدرته لي، وكان أهل بيتي يلومونني على تزويجي بها.

فكنت أزيدها برًا وإكرامًا، وربما احتبستني عندها ومنعتني من حضور بعض المجالس، وكأني كنت في بعض أوقاتي على أحر من الجمر، وكنت لا أبدي لها من ذلك شيئًا، فمكثت على ذلك خمس عشرة سنة، فما شيء أرجى عندي من حفظي إليها ما كان في قلبها من جهتي (5).

سبل التعامل مع الزوجة:

التلطف والدلال:

ومن صور الملاطفة والدلال للزوجة: نداؤها بأحب الأسماء إليها، أو بتصغير اسمها للتمليح أو ترخيمه -يعني تسهيله وتليينه- وهذا أيضًا من حياته صلى الله عليه وسلم، وقد كان صلى الله عليه وسلم يقول لـعائشة: «يا عائش، هذا جبريل يقرئكِ السلام» (6).

وأخرج مسلم من حديث عائشة في الصيام قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل إحدى نسائه وهو صائم، ثم تضحك (7)، أي: تعني أنه كان يقبلها.

وعن عائشة، قالت: أهوى النبي صلى الله عليه وسلم ليقبلني، فقلت: إني صائمة، فقال: «وأنا صائم» فقبلني (8).

وعنها أنها قالت: كان الرسول صلى الله عليه وسلم يظل صائمًا فيقبل ما شاء من وجهي (9).

ومن خلال هذه الأحاديث يتبين لنا ملاطفة النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه، وحسن التعامل معها، أي: مع عائشة رضي الله عنها.

ومن صور المداعبة والملاطفة أيضًا: إطعام الطعام، فعن سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال، ثم ذكر الحديث إلى قوله: «وإنك مهما أنفقت من نفقة فإنها صدقة، حتى اللقمة التي ترفعها إلى فيّ امرأتك» (10)، حتى اللقمة التي ترفعها بيدك إلى فم امرأتك هي صدقة، ليس فقط كسبًا للقلب، وليس فقط حسن تعامل مع الزوجة؛ بل هي صدقة تؤجر بها من الله عز وجل.

وذكر النووي في هذا الحديث: أن وضع اللقمة في فم الزوجة يقع غالبًا في حال المداعبة، ولشهوة النفس في ذلك مدخل ظاهر، ومع ذلك إذا وجه القصد في تلك الحالة إلى ابتغاء الثواب حصل له بفضل الله.

التجاوز عن الأخطاء:

التجاوز عن الأخطاء في الحياة الزوجية، وغض البصر عنها، خاصةً إذا كانت هذه الأخطاء في الأمور الدنيوية.

فأقول: لا تنس أنك تتعامل مع بشر: «كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون» (11)، ولا تنس أنك تتعامل مع امرأة، وكما قال صلى الله عليه وسلم: «خلقت من ضلع أعوج» (12).

لا تكن شديد الملاحظة، لا تكن مرهف الحس فتجزع عند كل ملاحظة أو خطأ، انظر لنفسك دائمًا فأنت أيضًا تخطئ، لا تنس أن المرأة كثيرة الأعمال في البيت، ومع الأولاد والطعام والنظافة والملابس وغيرها، ولا شك أن كثرة الأعمال يحدث من خلالها كثير من الأخطاء.

لا تنس أن المرأة شديدة الغيرة، سريعة التأثر، احسب لكل هذه الأمور حسابها.

التزين والتجمل والتطيب للزوجة:

أما الجمال والزينة للرجل فبحدودها الشرعية، سئلت عائشة بأي شيء كان يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك (13).

وذكر بعض أهل العلم فائدةً ونكتةً علميةً دقيقةً، قالوا: فلعل النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك؛ ليستقبل زوجاته بالتقبيل.

وعند البخاري أن عائشة قالت: كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم بأطيب ما أجد حتى أجد وبيص الطيب في رأسه ولحيته (14).

وفي هذه الأحاديث كلها وغيرها، بيان ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من التجمل والتزين الشرعي الذي يحبه الله، بخلاف ما عليه بعض الرجال اليوم من إفراط أو تفريط في قضية الزينة والتجمل للمرأة، ومن المبالغة في التجمل.

وآخرون وقعوا في تفريط عظيم وتقصير عجيب في قضية التجمل والزينة، تبذلٌ في اللباس، وإهمال للشعر، وترك للأظافر والشوارب والآباط، وروائح كريهة!

والخير كل الخير في امتثال المنهج النبوي في التجمل والتزين والاهتمام بالمظهر، وهو حق شرعي للمرأة وسبب أكيد في كسب قلبها وحبها، فالنفس جبلت على حب الأفضل والأجمل والأنظف.

قال ابن عباس: إني لأتزين لامرأتي كما تتزين لي، وما أحب أن أستوجب كل حقي الذي لي عليها، ولا تستوجب حقها الذي لها علي؛ لأن الله تعالى يقول: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228] (15).

وقد دخل على الخليفة عمر زوج أشعث أغبر ومعه امرأته وهي تقول: لا أنا ولا هذا، فعرف كراهية المرأة لزوجها، فأرسل الزوج ليستحم ويأخذ من شعر رأسه ويقلم أظافره، فلما حضر أمره أن يتقدم من زوجته، فاستغربته ونفرت منه ثم عرفته فقبلت به ورجعت عن دعواها، فقال عمر: هكذا فاصنعوا لهن، فوالله إنهن ليحببن أن تتزينوا لهن كما تحبون أن يتزين لكم (16).

وقال يحيى بن عبد الرحمن الحنظلي: أتيت محمد بن الحنفية فخرج إلي في ملحفة حمراء ولحيته تقطر من الغالية -والغالية هي خليط أطيب الأطياب- فقلت له: ما هذا؟ قال محمد: إن هذه الملحفة ألقتها علي امرأتي ودهنتني بالطيب، وإنهن يشتهين منا ما نشتهيه منهن (17).

إذًا: فالمرأة تريد منك كما تريد أنت منها في التجمل والتزين.

القناعة بالزوجة وعدم التطلع إلى غيرها:

القناعة والرضا بالزوجة وعدم الاستجابة لدعاة التبرج ودعاة الفتنة والسفور، وذلك بالنظر إلى النساء، وهذا حال بعض من الرجال من النظر إلى النساء في الأفلام، والتلفاز، والمجلات، وقد زيفتها الألوان والمكياج وغير ذلك، ونفخ الشيطان ببعض الرجال فقارن وصور زوجته العفيفة الطاهرة بتلك السافرات العاهرات، وأطلق ذلك الرجل لبصره العنان في تتبع هؤلاء النساء يقول الله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور: 30].

ولا شك أن ذلك شر مستطير، وسبب أكيد في تدمير كيان الأسرة، وهذا أمر ملموس ومشاهد، وعلاج ذلك ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من حديث جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأةً فأتى زينب وهي تمعس منيئةً لها -أي تدلك جلدًا- فقضى حاجته ثم خرج إلى أصحابه فقال: «إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان، فإذا أبصر أحدكم امرأةً فليأت أهله؛ فإن ذلك يرد ما في نفسه» (18).

هذا علاج لا نبحث عنه في المجلات الطبية ولا المجلات الأسرية، إنما نبحث عنه في سنته النبوية صلى الله عليه وسلم.

والنفس دائمًا ترغب في كل جديد، خاصةً عند الرجل، وكما يقال: كل ممنوع مرغوب، ولو ملك الرجل أجمل النساء ثم سمع بامرأة أخرى لتهافتت نفسه ولزه شيطانه، ولم أجد مثل القناعة والرضا حلًا لذلك.

ولذلك نهى صلى الله عليه وسلم الرجل أن يطلب عثرات زوجته، فأخرج مسلم من حديث جابر قال: نهى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلًا يتخونهم، أو يلتمس عثراتهم (19).

إنما على الزوج أن يغض الطرف، وأن يقنع بما وهبه الله إياه، ولينظر إلى من هو أسفل منه؛ ليزداد قناعةً ورضا، وليشكر نعمة الله عز وجل عليه.

الجلوس مع الزوجة والتحدث إليها ومشاورتها:

إن كثيرًا من الأزواج كثير الترحال، كثير الخروج، كثير الارتباطات، بل سمعنا عن الكثير منهم أنه يخرج للبراري والاستراحات كل يوم وليلة، بل سمعنا عن بعض الأزواج أنه يسهر كل ليلة إلى ساعات متأخرة من الليل.

فأي حياة هذه؟! وأين حق الزوجة وحق الأولاد والجلوس معهم؟!

وانظر مثالًا لهذا الفن في الجلوس مع الزوجة والحديث معها، حديث أم زرع الطويل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع لـعائشة تحكيه، قال ابن حجر: وفيه -أي: هذا الحديث من الفوائد- حسن عشرة المرء أهله بالتأنيس والمحادثة بالأمور المباحة ما لم يفض ذلك إلى ما يمنع (20).

استشارة الزوجة والشكاية لها يشعرها أيضًا بقيمتها وحبها، استشر المرأة ولو لم تكن بحاجة إلى مثل هذه المشورة؛ فإنك تشعر هذه الزوجة بقيمتها وحبك لها، ولن تعدم الرأي والمشورة أبدًا فربما فتحت عليك برأي صائب كان السبب في سعادتك.

ومثال ذلك: انظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان يستشير أزواجه، ومن ذلك استشارته صلى الله عليه وسلم لأم سلمة في صلح الحديبية عندما أمر أصحابه بنحر الهدي وحلق الرأس فلم يفعلوا؛ لأنه شق عليهم أن يرجعوا ولم يدخلوا مكة، فدخل مهمومًا حزينًا على أم سلمة بخيمتها، فما كان منها إلا أن جاءت بالرأي الصائب: اخرج يا رسول الله! فاحلق وانحر، فحلق ونحر؛ فإذا بأصحابه كلهم يقومون قومة رجل واحد فيحلقون وينحرون.

وأيضًا انظر لاستشارته لـخديجة رضي الله عنها في أمر الوحي، ووقوفها معه وشدها من أَزره رضوان الله عليها، هكذا المرأة فإنها معينة لزوجها إذا أشعرها زوجها بقيمتها.

إن العلاقة بين الزوجين تنمو وتتأصل كلما تجددت ودارت الأحاديث بينهما، فالأحاديث وسيلة التعارف الذي يؤدي إلى التآلف، وكما قال صلى الله عليه وسلم: «الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف» (21).

مفتاح السعادة بيدك، فالحذر من تعود الصمت الدائم بينكما؛ فتتحول الحياة إلى روتين بغيض؛ كأنها ثكنة عسكرية فيها أوامر من الزوج وطاعة من الزوجة.

فأين الحب واللطافة؟ وأين المودة والرحمة وما بينهما؟!

إن من فن التعامل مع الزوجة أن تخصص وقتًا للجلوس معها تحدثها وتحدثك، وتفضي إليك بما في نفسها، بدلًا من أن تكبت ذلك الحديث الذي في نفسها، فاجعلها تفضفض بما يدور في نفسها بدلًا من ذلك الكبت والحبس الذي سيتضح جليًا على سلوكها وتصرفاتها، ثم ينعكس ذلك على أولادها وأعمالها وأشغالها، ثم ينعكس ذلك على تصرفاتها وسلوكها معك أنت كزوج.

مداراة المرأة وعدم التضييق عليها والاعتذار إليها:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «واستوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، إن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، استوصوا بالنساء خيرًا» (22).

لا تطلب المحال، افهم جيدًا نفسية المرأة، وافهم جيدًا خلقة المرأة.

قال البيضاوي: ومعنى استوصوا أي: أوصيكم بهن خيرًا، فاقبلوا وصيتي فيهن واعملوا بها.

وفي الحديث إشارة إلى ترك المرأة على اعوجاجها في الأمور المباحة، وألا يتركها على الاعوجاج إذا تعدت ما طبعت عليه من النقص، كفعل المعاصي وترك الواجبات، وأيضًا في الحديث سياسة النساء بأخذ العفو منهن، والصبر عليهن وعلى عوجهن.

وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا في الحديث الآخر: «لا يفرك مؤمن مؤمنةً إن كره منها خلقًا رضي منها آخر» (23).

ومعنى يفرك أي: يبغض منها شيئًا يفضي به إلى تركها.

وقال صلى الله عليه وسلم: «ألا واستوصوا بالنساء خيرًا، فإنهن عوان عندكم» (24).

فإنهن عوان عندكم، أي: هن كأسيرات عند الرجال! فهي أشبه بالأسير، كسيرة القلب مهيضة الجناح؛ فوجب على الرجل أن يجبر قلبها، وأن يرفع من معنوياتها، ويحسن إليها ويكرمها.

أما الاعتذار إليها عند الخطأ والاعتراف به فهو أدب جم وخلق رفيع، خاصةً عند غضبها.

واسمع لهذه الأحاديث، وأرجعكم دائمًا إلى حياته صلى الله عليه وسلم حتى نتبين -أيها الأحبة- أن حياته صلى الله عليه وسلم في كل شئون الحياة هي قدوة ونبراس ومرجع، يجب أن نرجع إليه وأن ندرسه يقول الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].

عليك بكسر حاجز المعاندة والمكابرة، وإن فعلت هذا فإنك أنت بنفسك تعود زوجك على هذا العمل وهذا الأدب، فإذا أخطأت وكان الخطأ منك ذهبت إليها واعتذرت منها، فإنها تأخذ هذا التصرف فإن قصرت أو أخطأت فستذهب هي وترجع إليك بالاعتذار.

وأُذكر هنا مرةً أخرى بقاعدة أبي الدرداء رضي الله عنه وأرضاه مع أم الدرداء بقوله: إذا رأيتني غضبان فرضني، وإذا رأيتك غضبى رضيتك، وإلا لم نصطحب.

إظهار المحبة والمودة للزوجة بالقول وبالفعل:

أما بالقول: فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث أم زرع الطويل لـعائشة: «كنت لك كأبي زرع لأم زرع» (25)، أي في الوفاء والمحبة، فقالت عائشة -واسمع أيضًا لحكمة عائشة، واسمع لعقل هذه المرأة رضي الله عنها وأرضاها-: بأبي أنت وأمي! لأنت خير لي من أبي زرع لأم زرع (26).

وأما إظهار المحبة بالفعل: فهو كثير في حياته صلى الله عليه وسلم، فقد جاء في صحيح مسلم في كتاب الحيض عن عائشة قالت: كنت أشرب وأنا حائض ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيَّ فيشرب، وأتعرق العرق وأنا حائض ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيَّ (27).

وأتعرق: أي آخذ اللحم بأسناني، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يضع فمه مكان فم عائشة رضي الله عنها في المأكل والمشرب، يفعل ذلك صلى الله عليه وسلم وعائشة حائض.

وهنا نكتة أيضًا أشار إليها بعض أهل العلم فقالوا: لم يكن يفعل ذلك شهوةً صلى الله عليه وسلم، وإنما إظهارًا للمودة والمحبة؛ لأن المرأة حائض.

ثم لا بأس أيضًا من تقديم الزوجة عليك بالشرب والأكل، كل ذلك إظهارًا للمودة والمحبة.

هذا من المواقف التي تبين كيف كان أيضًا فن التعامل مع الزوجة، وإظهار المحبة والشوق لها.

التعاون على العبادة:

من الفن أيضًا، بل ومن أعظم وسائل السعادة للبيت المسلم، تعاون الزوجين على العبادات والنوافل والأذكار؛ ففي ذلك مرضاة لله، وإحياء للبيت، وطرد لروتين الحياة الممل.

فما أحلى أن ترى زوجين صالحين يتعاونا على طاعة الله! «الدنيا متاع وخير متاعها الزوجة الصالحة» (28).

ومثال ذلك: ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما عن أم المؤمنين جويرية بنت الحارث رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرةً حين صلى الصبح وهي في مسجدها، ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة، فقال: «ما زلت على الحال التي فارقتك عليها؟»، قالت: نعم، قال النبي: «لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن، سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضاء نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته» (29).

والشاهد: انظر إلى حرص النبي صلى الله عليه وسلم على إرشاد وتعليم زوجه، وأسألكم بالله من منا وقف مع زوجه ساعات أو لحظات يعلمها ويذكرها ببعض الأذكار أو النوافل أو العبادات؟

وعن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وأنا راقدة معترضة على فراشه، فإذا أراد أن يوتر أيقظني فأوترت (30).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رحم الله رجلًا قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته، فإن أبت نضح في وجهها الماء، رحم الله امرأةً قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها؛ فإن أبى نضحت في وجهه الماء» (31).

فالقضية مبادلة، إن قصرت الزوجة فإذا بالزوج يذكر ويعين، وإذا قصر الزوج فإذا بالزوجة تذكر وتعين، وكل منهما مطالب بتذكير الآخر، فنحن مطالبون بالتعاون مع الزوجات في العبادات والنوافل.

وعن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «من استيقظ من الليل وأيقظ امرأته فصليا ركعتين جميعًا؛ كتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات» (32).

صلاة النافلة في البيت نغفل عنها كثيرًا، فبعض الرجال يحرص كثيرًا أن يصلي النافلة في المسجد، مع أن السنة أن تصلي النافلة والسنن الرواتب في البيت، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: «فإن أفضل صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة» (33)، لماذا؟! ليذكر الأهل ويشجعهم، بل ويربي أولاده وصغاره على هذه الأفعال.

وما أجمل البيت يوم أن تغيب شمس ذلك اليوم وقد استعد الزوجان لجلسة الإفطار معًا، ما أحلى هذه الجلسة، وما أسعد هذين الزوجين بالتعاون على مثل هذه العبادات.

وقل مثل ذلك في قراءة القرآن، وحضور درس أسبوعي أو محاضرة على الأقل، والقيام على الفقراء والمساكين في الحي، وغيرها من الأعمال الصالحة والخيرة التي لو تعاون الزوجان على مثل هذه الأمور؛ لكان ذلك عماد السعادة الزوجية وحلاوتها وروحها، ومن جرب هذا وجد طعم هذه الحياة.

الممازحة والمرح مع الأهل:

ومن هذا ما أخرجه النسائي من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: زارتنا سودة يومًا، فجلس الرسول صلى الله عليه وسلم بيني وبينها إحدى رجليه في حجري والأخرى في حجرها، فعملتُ لها حريرةً أو قالت خزيرةً فقلت: كلي، فأبت، فقلت: لتأكلي أو لألطخن وجهك! فأبت؛ فأخذت من القصعة شيئًا فلطخت به وجهها فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجله من حجرها لتستقيد مني، فأخذت من القصعة شيئًا فلطخت به وجهي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك، فإذا عمر يقول عند الباب: يا عبد الله بن عمر، يا عبد الله بن عمر، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قوما فاغسلا وجوهكما فلا أحسب عمر إلا داخلًا» (34).

عن عائشة رضي الله عنها، أنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وهي جارية فقال لأصحابه: «تقدموا»، ثم قال: «تعالي أسابقك»، فسابقني فسبقته على رجلي، فلما كان بعد خرجت معه في سفر فقال لأصحابه: تقدموا، ثم قال: «تعالي أسابقك»، ونسيت الذي كان وقد حملت اللحم، فقلت: كيف أسابقك يا رسول الله! وأنا على هذه الحال؟! فقال: «لتفعلن»، فسابقته فسبقني فقال: «هذه بتلك السبقة» (35).

وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، يروى عنه أنه كان يمازح زوجه فدخل عليها يومًا من الأيام فوجد في فيها عودًا من أراك، فأراد أن يمازحها، فنظر إلى عود الأراك يخاطبه بهذين البيتين الجميلين فقال:

حظيت يا عود الأراك بثغرهـا     أما خفت يا عود الأراك أراكا؟!

لو كنت من أهل القتال قتلتك     ما فاز مني يا سواك سواكا!

وهذا يبين حالهم التي كانوا عليها مع أزواجهم رضوان الله عليهم، فلا بأس أن ينظم الزوج أوقاتًا خاصةً للمرح واللعب مع الزوجة، فهذه سنة تضفي على الحياة الزوجية البهجة والسعادة، وتقطع الروتين البغيض فيها.

قضاء حوائج الزوجة ومساعدتها ببعض الأعمال:

فالزوجة بشر تتعب وتمرض، فعلى الزوج أن يراعي ذلك فيقوم بمساعدتها، وقضاء حوائجها، والقيام ببعض أعمال المنزل عنها، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يقوم على خدمة أهله بنفسه «يخصف نعله، ويرقع ثوبه، ويكنس الدار، حتى إذا أذَّن المؤذن كأنه لا يعرفنا»، كما تقول عائشة رضي الله عنها.

إذًا: فالتواضع والبساطة مع شريكة العمر من أسباب السعادة، والمرأة في البيت ليست هملًا أو متاعًا، بل هي إنسان كالرجل تشاركه وتشاطره الأفراح والأتراح، فعلى الزوج أن يقف مع زوجه ويعينها.

مراعاة شعورها ونفسيتها:

عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لأعلم إذا كنت عني راضيةً وإذا كنت علي غضبى»، قلت: ومن أين تعرف ذلك؟ قال: «أما إذا كنت عني راضيةً فإنك تقولين: لا ورب محمد، وإذا كنت غضبى تقولين: لا ورب إبراهيم»، قالت: أجل والله يا رسول الله! ما أهجر إلا اسمك (36).

وهذا الحديث يبين لنا كيف كان صلى الله عليه وسلم بدقة ملاحظته، ومراعاة شعور نفسية زوجه، حتى عرف عنها هذا الأمر.

فإذا استقر الزوجان؛ استقر حال كل منهما، وعرف كل منهما ما يغضب الآخر وما يرضيه، وأسباب كل ذلك، فقد تمكنا بإذن الله من توطيد أسس الحياة الزوجية، والسير بها في الدروب الآمنة المفروشة بالورود والرياحين، وأمكنهما -أيضًا- تجنيب أسرتهما مسالك العسر ومواطن الزلل والنكد.

ونلحظ في هذا الحديث دقة عناية رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشاعر عائشة رضي الله عنها حتى صار يعلم رضاها وغضبها من مجرد حلفها.

والزوج الذكي يحرص على احترام نفسية زوجته فيغض الطرف، ولا يكثر العتاب إلا في التجاوزات الشرعية فلا بد أن يأخذ على يدها فيها، أما ما عداها فالكمال عزيز، وبعض الخصال جبلة في المرأة يصعب تغييرها؛ فاصبر واحتسب {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10].

عدم التساهل مع الزوجة فيما يغضب الله:

قال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79)} [المائدة: 78- 79].

وقال تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6].

وقال جل وعلا: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34].

وبعض الرجال -وللأسف- تنازل عن هذه القوامة، وضعف أمام إغراءات المرأة، وأمثلة ذلك: تبرج زوجته أو بناته في المناسبات والأفراح، ولبس الملابس الضيقة والمفتوحة والبنطلونات، وغير ذلك مما نسمعه ويتناقله الناس.

وأيضًا من ذلك: خروج نسائه إلى الأسواق بدون محرم فتخاطب البائع وتجادله، وربما تكسرت بكلماتها، وقد يحدث هذا والزوج الضعيف موجود.

وأيضًا من ذلك: إدخال الأجهزة والأفلام والمجلات وغير ذلك من وسائل الإعلام الهابطة لبيته بدون أن يحرك ساكناً أو أن يفعل تجاه ذلك شيئًا.

وغير ذلك من المحرمات التي استهان بها كثير من الأزواج فغلبته نساؤه عليها؛ وكل ذلك مما جعل حياته جحيمًا.

وانتبهوا -واسمع أيها الزوج واسمعي أيتها الزوجة- لهذه الكلمة، أقول: كل خلاف يجري بين الزوجين كبر الخلاف أم صغر؛ إنما هو بسبب معصية الله تعالى قال الله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30] (37).

------------

(1) أخرجه الترمذي (3895).

(2) أخرجه أبو داود (2578).

(3) تفسير ابن كثير (2/ 242).

(4) إستراتيجية التعامل بين الأزواج/ لها أون لاين.

(5) البداية والنهاية (11/ 188).

(6) أخرجه البخاري (3768).

(7) أخرجه مسلم (1106).

(8) أخرجه النسائي (3038).

(9) أخرجه النسائي (9083).

(10) أخرجه البخاري (2742).

(11) أخرجه ابن ماجه (4251).

(12) أخرجه الحاكم (7334).

(13) أخرجه مسلم (253).

(14) أخرجه البخاري (5923).

(15) تفسير القرطبي (3/ 123).

(16) أدب النساء لعبد الملك بن حبيب (ص: 168).

(17) الجامع لأحكام القرآن (5/ 97).

(18) أخرجه مسلم (1403).

(19) أخرجه مسلم (715).

(20) فتح الباري لابن حجر (9/ 276).

(21) أخرجه البخاري (3336)، ومسلم (2638).

(22) أخرجه مسلم (1468).

(23) أخرجه مسلم (1469).

(24) أخرجه ابن أبي شيبة (562).

(25) أخرجه البخاري (5189)، ومسلم (2448).

(26) انظر: المعجم الكبير للطبراني (269).

(27) أخرجه مسلم (300).

(28) المعجم الكبير للطبراني (58).

(29) أخرجه مسلم (2726).

(30) أخرجه البخاري (512).

(31) أخرجه أبو داود (1308).

(32) أخرجه أبو داود (1451).

(33) أخرجه الطبراني في الكبير (4896).

(34) أخرجه النسائي (8868).

(35) أخرجه النسائي (8896).

(36) أخرجه البخاري (5228)، ومسلم (2439).

(37) فن التعامل مع الزوجة/ إسلام ويب.