السلوك المزعج للأولاد
إن الفرد يعبر عن نفسه من خلال سلوكياته، وخلف كل سلوك دافع، فلا يصدر أي سلوك إلا إذا كان هناك مثير يحرّك هذا السلوك، والسلوك هو نوع من أنواع الأنشطة التي تصدر من الشخص، وتكون إما أفعالًا تلاحظ، أو نشاطات مخفية لا يمكن للأشخاص الآخرين ملاحظتها مثل التفكير.
وينقسم السلوك إلى نوعين: الأول: هو السلوك الاستجابي؛ وهو سلوك يستجره مثير قبلي؛ مثل إغماض جفن العين عند تعرضها لنفخة.
والنوع الثاني: هو السلوك الإجرائي؛ وهو يمثل أغلب أنماط السلوك، وهو سلوك لا يحدث من تلقاء نفسه؛ بل إن الإنسان هو الذي يتسبب في حدوثه، ولكل سلوك تفسير، حتى سلوكيات الأطفال، ولا بد من معرفة بعض سلوكيات الأطفال وكيفية التعامل معها (1).
والطفل يعتمد في بنائه السُّلوكي على تلقّي المؤثِّرات من البيئة المحيطة؛ من خلال ملاحظته لعادات من حوله وتصرُّفاتهم وأفعالهم، فتنعكس عليه لتشكِّل أنماطًا سلوكيَّةً متشبّعةً في عاداتِه ومُتضمِّنة في شخصيَّته وتكوينه، وقد يبدأ اكتساب مثل تلك السُّلوكيات بالتّقليد المُتشبَّعِ من البرامج التلفزيونيَّة، أو سلوكيات الأصدقاء، أو زملاء المدرسة واللعب، وغيرها من بيئات الطفل ومناطق احتكاكه، وتتنوَّعُ تلك السُّلوكيات بين المرغوب والمذموم، فيبدي الأهلُ تقييماتٍ تصنيفية نحو هذه السلوكيات لتحديد الصَّواب والخطأ منها، فيُلزِم الوالدان الطفل على تعلُّم الحسن، وترك القبيح بأساليب وآلياتٍ مختلفة قد تنفع أحيانًا أو قد تزيد الأمر تعقيدًا (2).
تقييم سلوكيات الأطفال الخاطئة:
قد تظهر عند الأطفال بعض الصفات والطباع والسلوكيات الخاطئة أو غير المحببة، وذلك نتيجة اندماجهم بمجتمعاتٍ مختلفة وممارستهم أنشطة جديدة مع تطورهم العمري، فعند تمرُّن الطفل على المشي واعتياده، يبدأ الطفل بمقارنة نفسه بسرعة الآخرين وحيويتهم وحركتهم؛ فيُظهِر الطفل حالاتٍ من الانزعاج والغضب والصراخ بسبب رغبته في القيام بأعمال أكثر إتقانًا، الأمر الذي يسبب له شعورًا بالإحباط والضعف، مما يولد سلوكياتٍ عنيفة تتمثل بالصراخ والغضب والانزعاج.
مع تطوّر المراحل النمائية للطفل وتعرّضه للمزيد من المواقف والخبرات؛ تبدأ شخصيَّته بتطبيع المشاهد المكتسبة ذاتيًا بما فيها من سلوكياتٍ حسنة وخاطئة، وفي المرحلة ذاتها يُمارس الآباء دورهم في تربية الطفل شخصيًا وسلوكيًا بما يتلاءم مع توجهات الأسرة، وعادات المجتمع، وما يراه الأهل صحيحًا ومرغوبًا، وتبرز في هذه الحالة أساسياتُ التقويم السليم والتعديل المرغوب والناجع في شخصية الطفل وتشكيلته السلوكية والأخلاقية والشخصية، إذ يُستحسن في المربي أن يمتلك مهارات تأهيلية تساعده على إتمام صنعته واحتراف التربية السليمة والتقويم الحسن (3).
معايير الحكم على السلوك الخاطئ:
هناك معايير يمكن من خلالها الحكم على السلوك من حيث كونه سويًا أو شاذًا، ومن هذه المعايير:
معيار النشاط المعرفيّ:
يظهر الاختلال في السلوك المعرفي؛ من خلال القصور أو الإعاقة التي تعترض القدرات العقلية؛ كالتفكير والتذكر والإدراك والانتباه والاتصال.
معيار السلوك الاجتماعي:
تبرز سلوكيات الأطفال الخاطئة اجتماعيًا عندما تخالف العادات والتقاليد والاتجاهات المعروفة والسائدة لدى المجتمع.
التحكم الذاتي:
يُمكن قياس شذوذ السلوك في تكراره واستمراره، وغياب القدرة على ضبطه والتحكم فيه.
المعيار الطبيعي:
يقيس هذا المعيار توازن السلوكيات مع المؤثرات الطبيعية والاعتيادية، ويعتبر أي سلوك منحرف أو مخالف للطبيعة سلوكًا غير سويٍّ.
ردود الفعل الانفعالية:
حيث تعتبر السلوكيات والتصرفات وردود الفعل المبالغ فيها واللاعقلانية عند وقوع المعاناة والغضب والكروب نوعًا من السلوكيات الخاطئة.
المعايير النمائية:
تمتاز المراحل العمرية للإنسان بخصائص عامة ومظاهر خاصَّة نمائية وسلوكية تُناسب كل مرحلة من عمره، ويعتبر تصدير أحد سلوكيات المراحل السابقة إلى مراحل عمريَّة أكثر تقدُّمًا مؤشرًا واضحًا على شذوذ السلوك وسلبيته.
تعديل سلوكيات الأطفال الخاطئة:
يُعدّ تعديل السلوكيات الخاطئة عند الأطفال أمرًا في غاية الحساسية، إذ إن التفاعل الإيجابي مع هذه السلوكيات من قبل الأهل والمربين تجعل سلوكيات الطفل إيجابية وحسنة، فتعديل السلوك مَوقوف على تغيير العادات والمواقف الخاطئة التي بُنيت عليها شخصية الطفل وسلوكياته المبدئية، وتغييرها بتشكيل أنماط جديدة من السلوكيات الإيجابية المقبولة التي تترسَّخ في شخصية الطفل وتعزِّز بناءه، وتجعل منه إنسانًا سويًّا ومتكيِّفًا مع مجتمعه وذاته (4).
ويمكن علاج السلوكيات الخاطئة والسلبية عند الطفل باستخدام أساليب مختلفة، منها:
العقاب: يختلف مفهوم العقاب كأحد أساليب تعديل السلوك عن المفهوم الشائع لدى عامّة الناس، حيث يرتبط العقاب عند عامة الناس بالإيذاء النفسي والجسدي والتوبيخ والانتقاد، أما المُراد به علميًا فهو الذي يهدف إلى خفض السلوك غير المرغوب به من خلال طريقتين؛ الأولى تعريض الطفل لمثيراتٍ منفرةٍ عند ظهور السلوك الشاذ أو الخاطئ، والثانية حرمانه من تعزيزٍ يرغَبه كلما ظهر السلوك الشاذ أو الخاطئ، مما يؤدي بالنهاية إلى كبح رغبته في تكرار السلوك.
الإطفاء: يُعدّ الإطفاء أحد أساليب تعديل السلوك، ويقصد به إهمال السلوك وتجاهله بحيث لا يلفت انتباه الطفل لأهميته، فيَضعُف السلوك ويتضاءل حتى يختفي.
تعزيز السلوك العام: يُسمّى أيضًا تعزيز غياب السلوك، ويتضمن هذا الأسلوب تعزيز الطفل عند قيامه بأي سلوك ما عدا السلوك المراد تقليله، مما يؤدي مع الوقت إلى إطفاء السلوك الخاطئ.
تعزيز السلوك النّقيض: يسمى هذا الأسلوب بالإشراط المضاد، ويتضمن تعزيز الطفل عند قيامه بالسلوك النّقيض أو المضاد للسلوك غير المرغوب أو السلوك المراد تقليله، كأن يُعزّز الطفل عند مُداعبة شقيقه الأصغر، حيث إن السلوك الشّاذ الذي كان يمارسه ضرب شقيقه الأصغر.
الإقصاء: هو شكل من أشكال العقاب، يتضمن سحب المعززات والمثيرات الإيجابيّة المُحببة للطفل مدة زمنية محددة، وذلك بعد ممارسة السلوك الخاطئ فورًا.
الممارسة السلبية: ويشتمل إكراه الطفل على الاستمرار في فعل السلوك الخاطئ كلما قام به مدة زمنية إضافية، الأمر الذي ينعكس على شعور الطفل بكراهية السلوك واعتباره أمرًا مزعجًا (5).
بعض السلوكيات السلبية:
يمكن معرفة ما لدى الأطفال من سلوكيات غير سوية من خلال ملاحظة شدة السلوك وعدد مرات تكرار السلوك، أما إذا فقد السلوك الغير سوي صفتين الشدة والتكرار معًا فإذًا يعد السلوك هفوة أو خطأ عابر من الطفل، ومن أهم سلوكيات الأطفال وكيفية التعامل معها الآتي:
الكذب:
إن تعوّد الشخص على الكذب فإنه ينتشر مثل الوباء في معظم مواقف حياته، والكذب بتعريف بسيط هو تضليل وإخفاء الحقيقة، وإن الكذب لدى الأطفال له العديد من الأسباب؛ مثل الطلاقة اللغوية، والخيال الخصب، والخوف من العقاب، أو لغرض الاستمتاع فقط، أو بدافع التقليد، ومن أهم الطرق التي يجب التعامل بها مع الطفل الذي يكذب عدم إجباره على الاعتراف بكذبه من دون دليل، وأيضًا عدم إحراجه أمام الآخرين وكشف كذبه، وأيضًا لا بد من توفير بيئة صادقة للطفل يمكن أن يتعلم بها الصدق، فإن كان الأب يكذب بكثرة فإن احتمالية كذب الابن عالية.
النشاط الحركي الزائد:
النشاط الحركي الزائد أو ما يسمى بفرط الحركة، فالكثير من الآباء والأمهات يشكون من أبنائهم بسبب عدم قدرتهم على جعلهم يستقرون في أماكنهم، وإن النشاط الزائد هو حركات جسمية تفوق الحد الطبيعي أو المعتاد لدى الطفل، ويصاحب هذه الحركة الزائدة تشتت في الانتباه، والملل السريع، إن النشاط الزائد يمكن أن يكون بسبب ظروف معينة تمر بها الأسرة ويختفي النشاط الزائد بانتهاء هذه الظروف، ولكن إن تأمل الشخص طبيعة الأسرة المصاب طفلها بالنشاط الزائد فإنها على الأغلب تتبع في خطابها مع الطفل الطابع السلبي، لذا على الأسرة تغيير الطابع سائد على الأسرة، ومن الملائم البحث على فرص للثناء على الطفل، ويحتاج الطفل صاحب النشاط الزائد المزيد من الاهتمام والتشجيع للوصول إلى اتفاق معه (6).
عنف الطفل عند اللعب مع الآخرين:
فقد تلاحظ الأم أن الطفل قد أصبح عنيفًا عند التعامل مع الآخرين، وهو من الأمور التي تزعج الأسرة كثيرًا، ومن الممكن أن لا يكون العنف مع الآخرين؛ ولكن مع الألعاب التي يلعب بها، وهنا يتوجب ترشيد سلوك الطفل، وأن يتعلم الطفل أن الضرب من السلوكيات الخاطئة والتي من الممكن أن تتطلب إلى المعاقبة في الكثير من الأحيان.
أن يأخذ الأشياء بدون الرجوع إلى الأهل:
وقد نجد أن ذلك الطفل يقدم على أخذ الأشياء التي تخص المتواجدين في المنزل بدون الاستئذان، وهي من الأشياء التي تزعج الوالدين كثيرًا، وهنا يتوجب الوقوف على الأمر، وأن يتم معاقبة الطفل حتى يقوم بالاستئذان من أجل الحصول على ما يريد.
لا ينصت إلى الكلام:
فعند طلب شيء ما من الطفل؛ مثل ترتيب الغرفة، أو أي أمر يخصه، أو يخص المنزل، فإنه لا يستجب إلى الأمر، وهذا النوع من الأطفال يطلق عليه اسم الطفل العنيد، ويوجد له أكثر من طريقة للتعامل معه.
يحرج الوالدين أمام الآخرين:
وهي من الأشياء التي يقدم عليها الكثير من الأطفال، إما من خلال مقاطعة الحديث عن الحديث مع الآخرين، أو إهانة الأم أو الأب خلال التواجد مع الآخرين، جميعها من السلوكيات الخاطئة التي توجب التعديل.
عدم الثقة في النفس:
وهنا يصبح الطفل متخوفًا من أن يقوم بأي أمر وحده، وفي حال تجاهل الأمر سوف يعاني ذلك الطفل كثيرًا عند الكبر، ويتوجب على المحيطين بالطفل عدم توبيخه بشكل دائم أمام الآخرين، وأن يكون التوبيخ بمفرده في المنزل.
سرعة الغضب والثورة:
وهذا الطفل ربما تعرض إلى الكثير من الممارسات الخاطئة من المتواجدين من حوله، والتي من بينها عدم إعطاء الطفل الفرصة الكافية للتحدث عن ما يوجد بداخله.
الغيرة الزائدة:
وهذا الطفل دائمًا ما يتعرض إلى المقارنة بينه وبين الآخرين أو المحيطين به، مما يجعل الطفل غيور بشكل كبير.
عدم احترام مشاعر الآخرين، وعدم التعاطف معهم:
وهنا يتوجب على الأسرة أن تتحدث مع الطفل عن الرحمة، وأن يكون شخص رحيم بالآخرين (7).
كيف تنظر إلى السلوك المزعج؟
البعض يغلب عليه نظرة الواجهة الاجتماعية:
كثيرًا ما تظهر في اللقاءات الاجتماعية مع صدورِ بعضِ سلوكيات الأبناء المزعجة، فيسيطر على عقل الأب أو الأم: ما هو شكلي أمام الناس؟ ماذا سيقولون عني وعن أولادي؟، فينتج عن هذا رد فعل خاطئ من المربي، هدفه فيه وجاهة نفسه فقط، وليس علاج ابنه أو تقويمه.
عين القاضي:
أن ينشغل المربي بوصف الأبناء بالسلوك المزعج؛ فيقول: أنت كذاب، فينشغل بالحكم عن العلاج، ويكرر في عقل الطفل نعتًا سيئًا عن نفسه، فيرى نفسه بعين أبيه كذابًا.
النموذج الوحيد:
نسمعُها من بعض الأمهات: ابني هذا الوحيد الذي أتعبني، كل الأطفال والأبناء جيدون إلا ابني هذا، وينسى المربي أن الخطأ سمة للجنس البشري عامة؛ كما قال نبيُّنا: «كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون» (8)، وإذا عرضنا عليه مشاكلَ الأولاد التي نتعرض لها، عرف فضل الله عليه، وأن ابنه كغيره من الأولاد.
نظرة الانتقام:
أن يتعامل مع السلوك المزعج كأنه أمر شخصي؛ تشتكي الأم أن ابنها يكذب عليها، فنقول: إن الكذب مشكلة تعالج بكذا وكذا، فتقول: المشكلة أنه يكذب علي، فكأن مشكلتها ليست في الكذب؛ لكن مشكلة شخصية.
كل هذه النظرات تعقد من شأن التعامل مع السلوك المزعج، وتزيد الأمر سوءًا؛ لكن النظرة المرضية التي نحتاج أن ننظر بها قبل أن نعرض الأسباب الكبرى للسلوك المزعج هي نظرة الطبيب، نعم، نظرة الطبيب الذي لا يعادي المريض؛ بل يعادي المرض، الطبيب الذي يحفز ويشجع على تناول الدواء، الطبيب الذي يحترم المريض.
إذا لم نعدل نظرتنا للسلوك المزعج، فسيصعب أن نخطو خطوة للأمام؛ فالسلوك المزعج عند الأطفال أشبه بقلعة لها عدة أبواب ومنافذ يتسلل منها السلوك المزعج، ويعتبر دور المربي هو تأمين هذه الأبواب والنوافذ التي سنتعرض لها بالتفصيل.
إن فهم هذه الأسباب يوفر مجهودًا كبيرًا في الاطلاع على الكتب التي عالجت السلوك المزعج بصورة نصائح لا تثبت في عقل القارئ، ولم تستوف كل السلوكيات المزعجة.
كما أن فهم هذه الأسباب سيحمي المربي من الممارسات غير السليمة التي تهدم أكثر مما تبني لدى أبنائنا.
ويعد المربي الواعي بحسن التعامل مع السلوك المزعج حائزًا لثلث العملية التربوية؛ إذ إن التربية بناء ووقاية وعلاج، فإذا جهل المربي التعامل مع السلوك المزعج، جهل ثلث التربية، وللسلوك المزعج خطورة تجعلنا ننتبه في التعامل معه، ويرجع ذلك إلى عدة أسباب:
- أن السلوك المزعج يعد مفترق طرق؛ إما أن يستجيب المربي له استجابة تربوية سليمة تقلل من تكراره أو تمنعه تمامًا، أو يستجيب استجابة خاطئة تؤدي إلى تكرار السلوك أو تضخمه في المستقبل.
- أن السلوك الحسن لا يحتاج إلى مجهود؛ فغالب الآباء يقوم بدعمه ويسعد به؛ بينما يحتاج السلوك المزعج إلى فهم وصبر، فيظهر احتراف المربي في تعامله مع السلوك المزعج.
- أن السلوك المزعج لا يسلم منه أحد من أبنائنا؛ بل قد يعد علامة على تطوره وتقدمه؛ لأن بعض السلوكيات المزعجة قد تكون من صفات السن؛ كالاهتمام بالمظهر، والمبالغة في سن المراهقة.
- أن غالب الآباء يسلك المسلك الأسهل في مواجهة السلوك المزعج؛ لكنه ليس الأصوب؛ فقد يواجه السلوك المزعج بالضرب أو الصراخ، فكثرة النماذج الخاطئة يجعل التعامل مع السلوك المزعج بصورة سليمة تحديًا لا يستهان به.
- أن غالب الكتب التي تعرضت للكلام عن السلوك المزعج إنما قدمت نصائح وتوجيهات متفرقة لا تثبت في عقل القارئ، ولم تقدم فهمًا عامًّا يشتمل على الأسباب الرئيسة في السلوك المزعج.
- أن واقع أبنائنا وواقع مجتمعاتنا يحتم على المربي امتلاك فنيات وأساليب لا تزيد الأمراض والمشاكل لدى أبنائنا.
الأساليب الخاطئة:
لا أستطيع أن أتصور قدر التغيير الذي سيحدث في بيوتنا ومجتمعاتنا لو تصورنا أن أفعالنا وسلوكنا هي الدافع الأول لسلوك أبنائنا المزعج، فقد أثبتت الدارسات التربوية أن سلوك الأبناء محكوم إلى حد بعيد بأفعال الوالدين، وأن سلوك الأم غير الصحيح يضطر ويعلم الطفل سلوكًا مقابلًا، فقد لا تظهر العلاقة واضحة في عقول الوالدين -بشكل كبير لأول وهله- بين سلوكهم ومشاكل أبنائهم.
تأمَّل، بينما الأم تشكو في جلسات تعديل السلوك من ضرب الإخوة لبعضهم بصورة مفرطة، يسأل المختص: هل تقومين بضرب الأولاد بصورة يومية؟ هل تقارنين بين الأولاد أمام بعضهم وتعتبرين ذلك محفزًا لهم؟ هل تجلسين مع أولادك مستمعة لهم وتلعبين معهم؟
في أول الأمر تتصور الأم أن المشكلة عند الأبناء، ومع الحوار والنقاش يتبين أن المشكلة عندنا نحن معاشر الآباء، لذلك إذا رأيت في طفلك سرقة، فسلْ نفسك: هل تمنُّ عليه بعملك ليل نهار؟ وإذا رأيت في طفلك عنادًا، فسلْ نفسك عن الصراخ والعقاب والأمور التكليفية، وإذا رأيت في طفلك خوفًا، فسلْ نفسك عن التهديد والتخويف، وإذا رأيت في طفلك ضَعفَ ثقةٍ بالنفس، فسلْ نفسك عن التبكيت والتجريح وغياب الحوار، وعدم والثناء والمدح، وإذا رأيت في طفلك مللًا من حوارك، فسلْ نفسك عن كثرة الإرشادات، وإذا رأيت في طفلك عنفًا، فسل نفسك عن أمان البيت، وكيف يشاهد علاقتك مع أمه؟ وإذا رأيتَ في طفلك ضَعف مسؤولية، فسلْ نفسك عن التدليل والحرمان من المهام الصغيرة.
إننا لا نبالغ لو قلنا: إن هذه الجزئية مسؤولة عن النصيب الأكبر في سلوك الأبناء المزعج، لهذا نحتاج إلى أن نجمل كلامنا في نقاط محددة:
- الأساليب الخاطئة التي توارثناها من مجتمعاتنا أكثر من أن تحصى، ولكن في المجمل كل أسلوب خاطئ من الآباء يتولد عنه سلوك مزعج من الأبناء، فإذا أردت إيقاف سلوكهم المزعج، فأوقف أسلوبك الخاطئ.
- قد تتوقف عن أسلوبك الخاطئ، ولا يتوقف الطفل عن سلوكه المزعج بصورة متتابعة، وهنا يجب عليك الصبر، فقد يكون السلوك المزعج له سبب آخر ستجده في الصفحات القادمة.
- أغلب أخطائنا التربوية تحمل بداخلها نيات حسنة من الوالدين، إلا أن هذه النيات لا توثر شيئًا في الحقيقة، ولا تعتبر مبررًا لممارسة السلوكيات الخاطئة.
- تعديل سلوك الطفل لا يعني أن يكون الطفل بلا أخطاء، فهذا محال، لهذا يجب أن نفرق بين الأخطاء المتقبلة التي تنتج عن ضَعف خبرة وقلة معلومات، وبين الأخطاء التي تحتاج إلى تدخُّل.
- ليس المطلوب منك العصمة، واعلم أنك قد تغضب مرة أو مرتين، وقد تضرب كذلك، ولكن انتبه إذا زللتَ فأحسِن، فيجب أن تكون أوقات المتع مع أولاك أكثر من أوقات الكدَر.
- لو كنت تمارس هذه الأساليب، فشعورك بالندم ليس من أهدافي، لكن أريد منك قرارًا بالتوقف؛ لأن الندم قد يضطرنا إلى النقيض من التدليل غير المطلوب.
تعديل السلوك:
هو عبارةٌ عن إعادة تأهيلِ وتوجيهِ سلوك الأفراد عن طريق مساعدتهِم على التخلي عن سلوكٍ مُعين، والعمل على تطبيقٍ سلوكٍ جديد.
أو العملية أو الوسيلة التي تُساعد على تقويم السّلوك الفردي، بالاعتمادِ على مجموعةٍ مِن القواعد التي تُنظّم سُلوك الفَردْ مِن خلالِ تطبيق العديد مِن التغييرات الفكرية والاجتماعية التي تُساهم في تعزيزِ السُّلوك الجديد والتَخلّص مِن السُلوك القديم، ويطلق على الشخص الذي يقوم بتطبيق تعديل السلوك مُسمّى مُعدّل السلوك، وعادةً يكون معالجًا أو طبيبًا نفسيًا.
أنواع تعديل السلوك:
يعتمد تطبيق تعديلِ السلوك على معرفةِ وتحديدِ نوع السّلوك المؤثر على شخصيةِ الفرد، والذي يُقسم إلى النوعين التاليين:
السلوك الاستجابي: هو السلوك الذي يرتبط بوجودِ مجموعةٍ من المحفزات، أو العوامل التي تؤدي إلى حدوثهِ عن طريق تأثر الأشخاص به، فمثلًا: عند تقطيع البصل تستجيب العين للمؤثرات المنبعثة منه، مما يؤدي إلى التأثير على القناة الدمعية، وينتج عن ذلك خروج الدّموع من العيون.
السلوك الإجرائي: هو السّلوك المرتبط بتأثيرٍ مُحيطٍ بالفرد، ويدفعه لتغيير سلوكه المُعتاد خلال استمرار تأثير السلوك عليه، كالتأثيرات الاقتصادية، والسياسية، وغيرها، ومن الأمثلة على السلوك الإجرائي: تخفيض المنشآت لمصروفاتها خلال فترة زمنية محددة في حال معاناتها من أزمةٍ اقتصاديةٍ.
خصائص تعديل السلوك:
يتميز تعديل السلوك بمجموعةٍ من الخصائص، وهي:
التنبؤ: هو القدرة على معرفة طبيعة السّلوك قبل حدوثهِ، من خلال ربطهِ مع مجموعةٍ من العوامل المُؤثرة على شخصيةِ الفرد، فيدرس مُعدل السلوك شخصية الفرد، ويحدد طبيعة تأثره في العوامل المحيطة فيه كي يتنبأ بالسلوك المناسب الذي يساعده على التخلّص من السلوك الحالي.
الضبط: هو إعادة بناء الأحداث التي تسبق صدور السلوك عن الفرد، فيُساعد مُعدل السُلوك في التخلصِ من المؤثرات السلبية المرتبطة بالسلوك، وتغييرها إلى سلوكٍ إيجابي.
القياس: هو تحديد مدى تأثر الفرد بالسلوك الذي يجب تعديله عن طريق تدوين مجموعةٍ من المُلاحظات والأفكار حول طبيعة السّلوك من أجل الوصول إلى وضع حلولٍ تساعد على تعزيز تطبيق سلوكٍ جديد.
خطوات تعديل السلوك:
يعتمد تطبيق تعديل السلوك على الخطواتِ التالية:
- تحديد السلوك الذي يجب أنْ يتم تعديله، أو التخلص منه عن طريق معالجته.
- وضع مجموعة من الأفكار التي تهتم بدراسةِ طبيعة السّلوك بالاعتماد على متابعة الفرد، والإصغاء له أثناء فترة العلاج.
- طلب المساعدة والتعاون من أفراد عائلة الفرد من خلال سؤالهم مجموعةً من الأسئلة حول السلوك الذي يجب تعديله.
- كتابة خطةٍ تنظيميةٍ لتحديدِ طبيعةِ العلاج المُتبع في تعديل السلوك، والطرق والوسائل التي سيتم استخدامها من أجل تقويمه بأسلوبٍ صحيح.
- تقييم النتائج التي تم التوصل لها عن طريق متابعة طبيعة تغير سلوك الفرد من خلال سؤاله شخصيًا، وسؤال الأفراد المحيطين بهِ، والاعتماد على دراسة مدى استمرارية تأثير مُحفّزات السلوك السابق على شخصيتهِ.
- الحفاظ على روتين معين، يستجيب الأطفال جيدًا للروتين، حيث يُفضل أن يُحدد الوالدان وقتًا معينًا لتناول وجبات الطعام، ووقتًا معينًا للنوم، بحيث يجب أن تكون هذه الأوقات ثابتةً كلّ يوم، ممّا يجعل جو المنزل أكثر هدوء، فأحيانًا يتصرف الأطفال بشكل سيء عندما يشعرون بالتعب أو النعاس.
- تعزيز السلوكيات الإيجابية، يُمكن أن يضع الوالدان لائحةً أو رزنامةً تتضمن واجبات الطفل لكلّ يوم، فيُمكن إدراج الوظائف التي يترتب على الطفل إتمامها، مثل: التخلص من القمامة، أو تحضير مائدة الطعام، أو عمل الواجبات المدرسية، أو تنظيف الأسنان، أو معاملة الأخوة بشكل جيد، أو غيرها، ثمّ وضع نجمة على المهمة التي تمّ إنجازها، وعند تجميع الطفل لعدد معين من النجوم يستحق مكافأته التي تمّ تحديدها مسبقًا، والتي قد تكون إعداد وجبته المفضلة، أو الخروج في نزهة، أو مشاهدة فيلم.
- استخدام لغة الحوار، يجب على الوالدين استخدام لغة الحوار مع الطفل بغض النظر عن عمره، وتفسير سلوكه الخاطئ، وكيفية تأثير هذا السلوك السلبي على غيره من الأطفال، حيث يُساعد هذا الحوار الطفل على فهم تأثيرات سلوكياته في سن مبكر، فكلّما عمل الوالدان على تفسير هذه السلوكيات كلّما أصبح الطفل أكثر وعيًا بأخطائه عندما يكبر، كما يجب على الوالدين الأخذ بعين الاعتبار تجنب اعتماد أسلوب الصياح أو التهديد.
- تجنب العقاب الجسدي، يختار البعض أسلوب العقاب الجسدي؛ مثل صفع الطفل عندما يتصرف بشكل خاطئ، ولكن تُعدّ هذه الطريقة غير فعّالة على المدى البعيد، حيث لا يتعلم الطفل كيفية تغيير سلوكه، كما قد تدفع الطفل إلى التصرف بشكل عنيف وعصبي، بالإضافة إلى ذلك قد يتحول الضرب أحيانًا إلى عنف منزلي، ولذلك يُفضل استخدام طرق أخرى للعقاب (9).
-----------
(1) برامج تعديل السلوك (ص: 21- 22) بتصرّف.
(2) تعزيز السلوكيات الإيجابية لدى الأطفال/ موقع الألوكة.
(3) 8 قواعد لتعديل سلوك الأطفال/ سوبر ماما.
(4) تعديل السلوك الإنساني (ص: 188).
(5) تقييم سلوكيات الأطفال الخاطئة/ موضوع.
(6) مشكلات الأطفال (ص: 12، 13)، بتصرّف.
(7) سلوكيات صحيحة وسلوكيات خاطئة للأطفال/ المرسال.
(8) أخرجه الترمذي (2499).
(9) كيف تغير سلوك طفلك/ موضوع.