الهدية والعلاقة الزوجية
بلغت من العمر ما يقارب الخمسين، وتجلس وسط أبنائها تشكو لهم من حال أبيهم معها، تخبرهم أنها طوال هذه العلاقة الزوجية لم يجلب لها زوجها أي هدية، ولم يسمعها كلمة حب وحنان، وهي تشعر بشعور سيء جدًا تجاه هذا الأمر، فتميل إليها ابنتها مازحة لها، وتخبرها أنها قد كبرت على مثل هذه الأمور، فتخبرها أمها أنها تشعر حقيقة بحاجة ماسة لهذه الأمور، حتى بعد قيامها بتزويج بناتها وأبنائها.
في الحقيقة هذا حال كثير من بيوتات المسلمين اليوم، خاصة تلك البيوت التي نشأت منذ زمن بعيد، فهم قد تعودوا على عدم البوح بما في وجدانهم؛ بل إن بعض الأزواج يعتبر إعلان الحب لزوجته، ومداعبتها بكلمات الغزل، وحدهما أو أمام الأبناء، قلة أدب، وكذلك تعتبر بعض النساء، هذا وإن كان الأمر في بدايته يكون دافعه الحياء، لكن لا بد للأزواج من الذوبان في بعضهما البعض، وليس التعامل مع بعضهما على أنهما ما زالا مخطوبين.
إذن فلا بد من كسر هذا الجمود الذي يخيم على كثير من العلاقات الزوجية، وذلك إنما يكون بالهدية، ولا أعني بالهدية هنا الهدية الرمزية أو المادية الضخمة فقط، وإنما أعني بها أيضًا الكلمة الرقيقة، الهمسة اللطيفة، اللمسة الحانية، النزهة البسيطة، الهدية الرمزية (وردة مثلًا)، كل هذه الأمور تمثل للمرأة شيئًا كبيرًا جدًا، فالمرأة لا تنظر إلى حجم الهدية بقدر ما تنظر إلى قيمتها ومنزلتها عند زوجها عند إهداء الهدية، وكيف أنه منشغل بها، ومهتم بها ومحب لها، وأنه يحب جلب الهدايا وما تحتاجه إليها.
فعندما سئل بعض النساء أيها يفضلن: أن يجلب الزوج لزوجته مرة في الشهر ثلاثين وردة أم يجلب لها كل يوم وردة واحدة؟ فأجبن بالقطع، أن يجلب كل يوم وردة أفضل وأجمل، فهن لم ينظرن إلى حجم الهدية، وإنما إلى كون هناك هدية، بغض النظر عن قيمتها، فقيمتها الحقيقية تكمن في وجودها أصلًا.
"للهدية دور بالغ في توطيد العلاقة الزوجية, فالهدية تزيد المحبة, وتجبر الخواطر, وتطرد وسواس الشيطان في الحياة الزوجية, وللهدية ذكرى طيبة تدوم ما دامت الهدية أمام العيون, وتترك هدية السفر انطباعًا خاصًا, لأنها نابعة من بحر الشوق ومعاناة الغربة, وليست العبرة بقيمة الهدية المادية؛ بل العبرة بصدق التوجه وحسن التقويم؛ إذ لا أهمية لدى المرأة لحجم هدايا الحب, فكل هدية لها نفس القيمة" [الزوجة, الشيخ أحمد القطان].
وللهدية، بتصنيفاتها السابقة، فوائد كثيرة، وهي مطلوبة أيضًا على اختلاف أشكالها ومضمونها، فالمرأة عندها ما يمكن أن نسميه "خزان الحب"، وبالتالي فإن هذا الخزان يحتاج إلى كثير من كلمات الحب والإطراء، والتنزه البسيط، والعطايا اليسيرة، حتى يمتلئ هذا الخزان، وعندها تتيقن المرأة بحب زوجها لها، وتشعر بهذا الحب واقعًا في حياتها، فتصفو الحياة الزوجية، ولا يتسلل إليها الملل أو الفتور.
"إن مفاجأة سارة، أو نزهة قصيرة، أو هدية رمزية، أو كلمة تقديرية، أو تعبيرًا عاطفيًا عميقًا له أثر سحري في الحياة الزوجية، فهي تجدد العاطفة فيها، حيث تتخللها هذه المواقف الإنسانية النبيلة، وذلك السلوك الرقيق، ولن يعدم الزوج المخلص الصادق بعض الوقت، وبعض الكلام، وبعض المال لتحقيق ذلك" [نصائح للعرسان، د. محمد سعيد درويش، ص105].
وهنا يجب الإشارة إلى نقطة مهمة، ربما تقع فيها بعض الزوجات اللاتي لا يحسن تقدير الأمور والتصرف بشكل حسن، وذلك أنها عندما يجلب لها زوجها هدية رمزية فإنها تتعلل بعدم قيمتها، أو أن صديقتها جلب لها زوجها هدية أقيم من هذه، ومثل هذه الأمور، وهذا لا شك خلل فادح في الزوجة، فينبغي لها أن تنظر إلى قيمة الهدية الحقيقة وليست القيمة المادية التي تتغير من زمن إلى زمن، ومن وقت إلى وقت، فربما ما كان ثمينًا اليوم يصبح في الغد رخيصًا، وربما ما كان رخيصًا اليوم يصبح في الغد ثمينًا، ولكن الذي لا يتغير هو كون الهدية هدية كما هي، الذي لا يتغير هو حب الزوج لزوجته وجلبه لهديتها.
إن الزواج الحقيقي الذي يبني البيت السعيد، والذي ينشئ علاقة زوجية ناجحة، هو هذا الزواج الذي يفكر كل طرف فيه يوميًا في كيفية إسعاد الطرف الآخر، فالزوج في صباح كل يوم هو الذي يطرح على نفسه هذا السؤال: كيف أستطيع إسعاد زوجتي اليوم؟
وسيجد الزوج أن هناك كثيرًا من الأمور الصغيرة والبسيطة واليسيرة يمكن تأديتها، يستطيع بها الزوج إدخال السرور على زوجته وإسعادها، فيقوم مثلًا بالاتصال هاتفيًا بها أثناء عمله للاطمئنان عليها، أو إرسال رسالة رقيقة بها كلمات الغزل العفيف وغيره، أو شكرها على عشاء الأمس الرائع، أو مدحه للحلوى الرائعة التي تعدها.
كلها أمور بسيطة، ولكنها هدية حقيقية للمرأة، أوصل إليها مشاعرك الحقيقية نحوها، فكثير من الأزواج يشكر في زوجته أمام أصحابه وأهلها وأهله، ولكنه أبدًا ما أخبرها بهذا الحب والتقدير لها، فتجده يشكر ويمدح طعام زوجته، وعند سؤاله: هل أعلمت زوجتك بهذا؟ فإنه سرعان ما يجيب: إنها تعلم ذلك ولا حاجة لها لتسمعه مني.
الحقيقة أن المرأة بحاجة لترجمة هذا الحب والتقدير بداخل زوجها لها، وهذه الترجمة تكون من خلال الهدية؛ كلمة رقيقة، قبلة على وجنتها، عناق خاطف على غير استعداد، هدية رمزية بدون مناسبة معينة، رسالة غزل تستيقظ عليها، إطراء عليها أمام أهلها، مدح لها في نفسها وخَلقها وخُلقها.
"كل رجل يعرف أنه يستطيع أن يغري امرأته على أن تفعل من أجله أي شيء، لو أنه أهداها بين الفينة والفينة شيئًا من الهدايا التي لا تكلف مالًا يذكر، مكافأة على حسن تدبيرها للبيت، أو إجادة طهوها لطعامه، وكل رجل يعلم أنه لو قال لامرأته: "كم يبدو جمالك رائعًا وضاءً، في ثوب العام الماضي"، لما رضيت أن تستبدل بهذا الثوب القديم أحدث المبتكرات من الأزياء، وكل رجل يعرف أن في وسعه أن يُقبل عيني زوجته، فيغمضها حتى تكاد تكون كالعمياء، وأنه يستطيع أن يطبع على شفتيها قبلة تفقدها القدرة على النطق" [كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس، ديل كارنيجي، ص276].