فأبواه يغيرانه
تعتبر الأسرة المكونة من الأبوين أقدم مؤسسة اجتماعية للتربية عرفها الإنسان، ولا زالت الأسرة في المجتمعات المختلفة هي مصدر التربية والمعرفة بالنسبة لأبنائها، فإذا صلَحَت الأسرة صلح الفرد، وإذا صلح الفرد صلحت الأسرة، وصلح المجتمع؛ فالأسرة هي التي يتشرب منها الفرد العقيدة والأخلاق، والأفكار والعادات والتقاليد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة؛ فأبواه يهوِّدانه وينصِّرانه ويمجِّسانه، كما تُنتَج البهيمةُ بهيمةً جمعاء، هل تحسُّون فيها من جدعاء؟»(1).
يقول ابن حجر رحمه الله: «يريد أنها تولد لا جدع فيها، وإنما يجدعها أهلها»(2).
قال القرطبي: «فذكر الأبوين إنما هو مثال للعوارض التي هي كثيرة، وقال شيخنا في عبارته: إن الله تعالى خلق قلوب بني آدم مؤهلة لقبول الحق، كما خلق أعينهم وأسماعهم قابلة للمرئيات والمسموعات، فما دامت باقية على ذلك القبول، وعلى تلك الأهلية أدركت الحق ودين الإسلام وهو الدين الحق، وقد دل على صحة هذا المعنى قوله: «كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟»، يعني أن البهيمة تلد ولدها كامل الخلقة سليمًا من الآفات، فلو ترك على أصل تلك الخلقة لبقي كاملًا بريئًا من العيوب، لكن يتصرف فيه؛ فيجدع أذنه ويوسم وجهه، فتطرأ عليه الآفات والنقائص؛ فيخرج عن الأصل، وكذلك الإنسان، وهو تشبيه واقع ووجهه واضح»(3).
وعن أنس رضي الله عنه قال: «كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقعد عند رأسه فقال له: (أسلم)، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: (أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم) فأسلم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (الحمد لله الذي أنقذه من النار)»(4).
والأسرة هي التي تُكسِب الطفل قيمه فيعرف الحق والباطل، والخير والشر، وهو يتلقى هذه القيم دون مناقشة في سنيه الأولى، حيث تتحدد عناصر شخصيته، وتتميز ملامح هويته على سلوكه وأخلاقه؛ لذلك فإن مسئولية عائل الأسرة في تعليم أهله وأولاده القيم الرفيعة، والأخلاق الحسنة، وليس التركيز فقط على السعي من أجل الرزق والطعام والشراب واللباس...، قال: «ألا كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام الذي على الناس راع، وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته، وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده، وهي مسئولة عنهم»(5)، وكان يقول صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضوان الله عليهم: «ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم»(6).
يقول ابن القيم رحمه الله: «فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سدى، فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغارًا، فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كبارًا»(7).
والاتجاهات الوالدية يستدل عليها من الأساليب التربوية التي يستخدمها الآباء مع أبنائهم في المواقف اليومية التي تجمعها؛ لذا فهي تتصف بالاختيارية والذاتية؛ حيث إن نمط شخصية الآباء، ومستواهم التعليمي والاجتماعي، ونظرتهم للطفولة، وثقافة المجتمع الذي تنتمي له الأسرة - كل ذلك يؤثر في اتجاهاتهم السوية، وتعرف الاتجاهات الوالدية على أنها: ما يراه الآباء ويتمسكون به من أساليب معاملة الأطفال في مواقف حياتهم المختلفة.
إذًا، فالاتجاهات الوالدية تتحدد بأساليب الآباء والأمهات نحو تنشئة الطفل في المواقف اليومية، والأساليب التربوية هي ما يمارسه أحد الوالدين بهدف إحداث تغيير أو تعديل في سلوك الطفل، وإكسابه سلوكًا جديدًا يتماشى مع معايير الراشدين(8)، فالأخلاق هي جوهر الإسلام.
من الجدير بالذكر أن سلوك الآباء مع أطفالهم ومع الآخرين يشكل نموذجًا للصغار، للاقتداء به، كما أن فترة الطفولة المبكرة تتطلب من الآباء الصبر والفهم وسعة الصدر تجاه أبنائهم، ومنحهم فرصة للقيام ببعض المهام السهلة لخدمة أنفسهم، والأخذ بأيديهم عند الصعاب(9).
فالسلوك الإنساني كله عبارة عن نتيجة لكل من العوامل الوراثية الحيوية، والعوامل البيئية، والعوامل الخاصة بالعمر الزمني للإنسان؛ أي أن النشاط النفسي الذي يتجلى في صورة سلوك هو نتاج للتفاعل بين الوراثة والبيئة، وكل ما يمكن أن ينتقل من الوالدين إلى الأبناء هو المحددات الوراثية، التي تحدد الشكل الذي سيكون عليه السمة أو الصفة في الأبناء فيما بعد(10).
إن سلوك أطفالنا يرتبط بالحالة التي نعيشها في بيوتنا؛ ولذلك تتغير تصرفات الطفل حسب الأحوال المحيطة به سلبًا أو إيجابًا(11).
والإنسان يسعى دائمًا لخلق توازن فكري عن طريق الملائمة بين معلوماته واتجاهاته وسلوكه، وبين ما يرى على أرض الواقع من تطبيق لهذا السلوك، فكيف لطفل يُنهر ويقال له: عيب، إذا تلفظ بكلمات نابية أو عبارات بذيئة، وهو يسمع هذه الكلمات من والده عندما يضربه أو يؤنبه لأي سبب كان، سواء استوجب هذا السبب العقاب والشتم أم لم يستوجب.
وكيف لفتاة تعتاد العفاف والحشمة، وهي ترى أمها تتابع آخر صيحات الموضة، وتشتري لكل مناسبة فستان، وتسرف في الزينة والمكياج، وترمي ببقايا الطعام والألعاب والألبسة والمفارش، وما شابه من أشياء منزلية، يمكن الاستفادة منها، ربما لأنها لا تزال جديدة بعد، وربما لأنه كان بالإمكان الاستفادة من كل شيء يمكن أن يستغل قبل طرحه ونبذه؛ ليتعلم الأولاد المحافظة على ما لديهم من ممتلكات، ويسلموا من التبذير والإسراف.
إذًا، علينا أولًا، نحن الآباء، تربية أنفسنا، وتهذيب أخلاقنا، وتصحيح مسارنا، وتثقيف عقولنا، وفتح قلوبنا وصدورنا لنسيم عليل قادم من صحراء باتت رياض غناء، عبر أثير قرآني رحيم، بسلوك محمدي رشيد، يحلق بنا في صفاء ملكوت الكون الشاسع، ويسمو بنا برقي العفاف والغنى، ولنأخذ بيد أبنائنا، فلا يد تحنو على طفل كيدي والديه، ولْنَرْم بالمظاهر والبهارج الخداعة، ولنكن قدوة لأبنائنا، يكونون لنا طوعًا وذخرًا، وطريقًا إلى الجنة(12).
وتتكون الأساليب غير السوية والخاطئة في تربية الطفل إما لجهل الوالدين في تلك الطرق، أو لاتباع أسلوب الآباء والأمهات والجدات، أو لحرمان الأب أو الأم من اتجاه معين، فالأب عندما يُحْرم من الحنان في صغره تراه يغدق على طفله بهذه العاطفة، أو العكس، بعض الآباء يريد أن يطبق نفس الأسلوب المتبع في تربية والده له على ابنه، وكذلك الحال بالنسبة للأم.
وهذه بعض الاتجاهات غير السوية والخاطئة، التي ينتهجها الوالدان أو أحدهما، مع تربية الطفل، والتي تترك آثارها سلبًا على شخصية الأبناء، ومن ذلك:
التسلط أو السيطرة:
ويعني تحكم الأب أو الأم في نشاط الطفل، والوقوف أمام رغباته التلقائية، ومنعه من القيام بسلوك معين لتحقيق رغباته التي يريدها، حتى ولو كانت مشروعة، أو إلزام الطفل بالقيام بمهام وواجبات تفوق قدراته وإمكانياته، ويرافق ذلك استخدام العنف أو الضرب أو الحرمان أحيانًا، وتكون قائمة الممنوعات أكثر من قائمة المسموحات.
ونتيجة لذلك الأسلوب المتبع في التربية ينشأ الطفل ولديه ميل شديد للخضوع واتباع الآخرين، ليس لديه قدرة على الإبداع أو التفكير، وعدم القدرة على إبداء الرأي والمناقشة، كما يساعد اتباع هذا الأسلوب في تكوين شخصية قلقة خائفة دائمًا من السلطة، تتسم بالخجل والحساسية الزائدة، وتفقد الطفل الثقة بالنفس، وعدم القدرة على اتخاذ القرارات، وشعور دائم بالتقصير وعدم الإنجاز.
وقد ينتج عن اتباع هذا الأسلوب طفل عدواني، يخرب ويكسر أشياء الآخرين؛ لأن الطفل في صغره لم يشبع حاجته للحرية والاستمتاع بها.
الحماية الزائدة:
يعني قيام أحد الوالدين، أو كلاهما، نيابة عن الطفل بالمسئوليات التي يفترض أن يقوم بها الطفل وحده؛ حيث يحرص الوالدان أو أحدهما على حماية الطفل والتدخل في شئونه، فلا يتاح للطفل فرصة اتخاذ قراره بنفسه، وعدم إعطائه حرية التصرف في كثير من أموره.
وهذا الأسلوب، بلا شك، يؤثر سلبًا على نفسية الطفل وشخصيته، فينمو الطفل بشخصية ضعيفة غير مستقلة، يعتمد على الغير في أداء واجباته الشخصية، وعدم القدرة على تحمل المسئولية ورفضها، إضافة إلى انخفاض مستوى الثقة بالنفس وتقبل الإحباط.
كذلك نجد هذا النوع من الأطفال، الذي تربى على هذا الأسلوب، لا يثق في قراراته التي يصدرها، ويثق في قرارات الآخرين، ويعتمد عليهم في كل شيء، وتكون نسبة حساسيته للنقد مرتفعة.
وتحصل له مشاكل في عدم التكيف مستقبلًا؛ بسبب أن هذا الفرد حرم من إشباع حاجته للاستقلال في طفولته؛ ولذلك يظل معتمدًا على الآخرين دائمًا.
الإهمال:
يعني أن يترك الوالدان الطفل دون تشجيع على سلوك مرغوب فيه، أو الاستجابة له، وتركه دون محاسبته على قيامه بسلوك غير مرغوب، وقد ينتهج الوالدان أو أحدهما هذا الأسلوب؛ بسبب الانشغال الدائم عن الأبناء وإهمالهم المستمر لهم.
والأبناء يفسرون ذلك على أنه نوع من النبذ والكراهية والإهمال، فتنعكس بآثارها سلبًا على نموهم النفسي، ويصاحب ذلك أحيانًا السخرية والتحقير للطفل؛ فمثلًا عندما يقدم الطفل للأم عملًا قد أنجزه وسعد به تجدها تحطمه وتنهره وتسخر من عمله ذلك، وتطلب منه عدم إزعاجها بمثل تلك الأمور التافهة، كذلك الحال عندما يحضر الطفل درجة مرتفعة ما في أحد المواد الدراسية لا يكافأ ماديًا ولا معنويًا، بينما إن حصل على درجة منخفضة تجده يوبخ ويسخر منه، وهذا، بلا شك، يحرم الطفل من حاجته إلى الإحساس بالنجاح، ومع تكرار ذلك يفقد الطفل مكانته في الأسرة، ويشعر تجاهها بالعدوانية وفقدان حبه لهم.
وهذا يفسر، بلا شك، هروب بعض الأبناء من المنزل إلى شلة الأصدقاء؛ ليجدوا ما يشبع حاجاتهم المفقودة هناك في المنزل، وتكون خطورة ذلك الأسلوب المتبع، وهو الإهمال، أكثر ضررًا على الطفل في سني حياته الأولى؛ بإهماله وعدم إشباع حاجاته الفسيولوجية والنفسية لحاجة الطفل للآخرين، وعجزه عن القيام بإشباع تلك الحاجات.
ومن نتائج اتباع هذا الأسلوب في التربية ظهور بعض الاضطرابات السلوكية لدى الطفل؛ كالعدوان والعنف، أو الاعتداء على الآخرين، أو العناد أو السرقة، أو إصابة الطفل بالتبلد الانفعالي، وعدم الاكتراث بالأوامر والنواهي التي يصدرها الوالدان.
إثارة الألم النفسي:
ويكون ذلك بإشعار الطفل بالذنب كلما أتى سلوكًا غير مرغوب فيه، أو كلما عبر عن رغبة سيئة، أيضًا تحقير الطفل والتقليل من شأنه والبحث عن أخطائه ونقد سلوكه؛ مما يفقد الطفل ثقته بنفسه، فيكون مترددًا عند القيام بأي عمل خوفًا من حرمانه من رضا الكبار وحبهم.
وعندما يكبر هذا الطفل فيكون شخصية انسحابية منطوية، غير واثق من نفسه، يوجه عدوانه لذاته، وعدم الشعور بالأمان يتوقع الأنظار دائمة موجهة إليه، فيخاف كثيرًا، لا يحب ذاته، ويمتدح الآخرين ويفتخر بهم وبإنجازاتهم وقدراتهم، أما هو فيحطم نفسه ويزدريها.
التذبذب في المعاملة:
ويعني عدم استقرار الأب أو الأم من حيث استخدام أساليب الثواب والعقاب، فيعاقب الطفل على سلوك معين مره ويثاب على نفس السلوك مرة أخرى.
وذلك نلاحظه في حياتنا اليومية، من تعامل بعض الآباء والأمهات مع أبناءهم؛ مثلًا: عندما يسب الطفل أمه أو أباه نجد الوالدين يضحكان له ويبديان سرورهما، بينما لو كان الطفل يعمل ذلك العمل أمام الضيوف فيجد أنواع العقاب النفسي والبدني؛ فيكون الطفل في حيرة من أمره؛ لا يعرف هل هو على صواب أم على خطأ، فمرة يثيبانه على السلوك، ومرة يعاقبانه على نفس السلوك.
وغالبًا ما يترتب على اتباع ذلك الأسلوب شخصية متقلبة مزدوجة في التعامل مع الآخرين، وعندما يكبر هذا الطفل ويتزوج تكون معاملة زوجته متقلبة متذبذبة، فنجده يعاملها برفق وحنان تارة، وتارة يكون قاسيًا بدون أي مبرر لتلك التصرفات، وقد يكون في أسرته في غاية البخل والتدقيق في حساباته، ودائم التكشير، أما مع أصدقائه فيكون شخصًا آخر؛ كريمًا متسامحًا ضاحكًا مبتسمًا، وهذا دائمًا نلاحظه في بعض الناس.
التفرقة:
ويعني عدم المساواة بين الأبناء جميعًا، والتفضيل بينهم بسبب الجنس، أو ترتيب المولود، أو السن، أو غيرها، نجد بعض الأسر تفضل الأبناء الذكور على الإناث، أو تفضيل الأصغر على الأكبر، أو تفضيل ابن من الأبناء بسبب أنه متفوق أو جميل أو ذكي، وغيرها من أساليب خاطئة.
وهذا، بلا شك، يؤثر على نفسيات الأبناء الآخرين وعلى شخصياتهم؛ فيشعرون بالحقد والحسد تجاه هذا المفضل، وينتج عنه شخصية أنانية، يتعود الطفل أن يأخذ دون أن يعطي، ويحب أن يستحوذ على كل شيء لنفسه؛ حتى ولو على حساب الآخرين، ويصبح لا يرى إلا ذاته فقط والآخرين لا يهمونه، ينتج عنه شخصية تعرف ما لها، ولا تعرف ما عليها، تعرف حقوقها ولا تعرف واجباتها(13).
وعلى الأسرة مراعاة الآتي؛ لتنمية وتشجيع وتعظيم الظروف الميسرة للتميز لدى أبنائها:
1- توفير المناخ التربوي السليم والمناسب لتنشئة أبنائها، ويعتبر المناخ الإيماني، الذي يطبق معاني الشورى والحرية المقننة، هو أفضل بيئة ينشأ فيها الأبناء تنشئة سليمة، ويحقق هذا المناخ الأفكار الجيدة والمؤثرة للأبناء، وأن تحترم فيهم حب الاستطلاع وتساؤلاتهم، وتحرص على أن تكون الإجابة عليها دون تذمر أو تقليل من شأنها، ويساعد هذا المناخ على تعظيم دور الحوار كأسلوب للوصول للحقيقة، فضلًا على أنه لا يحقر ولا يعاقب المخالف له في الرأي، ويفترض أن الرأي الأصوب هو الذي يأتي بعد مناقشة، ويحظى بموافقة الأغلبية، مع عدم نفي حق الأقلية في التعبير.
ولتوليد التفكير الإبداعي لدى الأطفال نحتاج إلى إعطائهم الثقة في نفوسهم، ودفعهم إلى التصرف بمفردهم في المواقف، وهذا يتطلب الاهتمام بالحوار والنقاش الموضوعي؛ لطرح المزيد من الأفكار الجيدة، وعرض وجهات النظر المختلفة، لإثراء وتعميق القدرات الذهنية والفنية والعلمية، والأبناء الذين يعيشون في مناخ ديمقراطي هم أقرب الناس إلى الشعور بالثقة بالنفس والاستقلال، وإكسابهم صفات التعاون والاعتماد على النفس، والقدرة على الإبداع وتربية العقول المفكرة والمبدعة.
ولقد حذر العلماء من بعض أنماط التربية التي تعوق الإبداع، ومنها:
النمط الديكتاتوري المتسلط:
وهو يتصف بالقسوة والتسلط وفرض الطاعة العمياء، مع عدم الاستماع إلى الأبناء وعدم احترام آرائهم، ومن أهم نتائج هذا النمط من الأسر أن ينشأ الأبناء ضعفاء في مواجهة المتغيرات، وتقل قدراتهم الإبداعية في مختلف المجالات؛ بل ويخلق ذلك عقولًا سلبية وعاجزة؛ بل قد يصيب أبناءه بأعراض مرضية؛ كالميل إلى العزلة والخوف.
والنمط المتسامح:
يتصف الآباء في هذا النمط بالتسامح الشديد مع الأبناء، الذي يصل إلى حد التدليل، وقبول الأخطاء دون توجيه؛ مما يكون له تأثيرات سلبية على سلوك الأبناء، وغالبًا ما ينتج عن هذا النمط أبناء يتَّسِمون بالفشل والانحراف، وصنع عقول سلبية وعاجزة؛ لأنه إذا كان واجب الآباء مساعدة الأبناء في إشباع حاجتهم، فإن عليهم ألا يبالغوا في مساعدتهم إلى الحد الذي يجعل الأبناء يفقدون القدرة على الاستقلال عنهم؛ وبالتالي يكونون غير قادرين على تكوين علاقات اجتماعية سوية.
ويجب أن أشير إلى أن المناخ الشوري الإسلامي في التربية يقضي على التفرقة في معاملة الأبناء، ويساعد على عدم تذبذب سلوك الآباء تجاه الأولاد؛ لأن عدم ثبات هذا السلوك يشعر الأولاد بالقلق، ويفقدهم القدرة على توقع ردود الفعل تجاه سلوكهم، فيصبحوا مترددين غير قادرين على اتخاذ أي قرار؛ وبالتالي تفقدهم القدرة على الابتكار والإبداع.
2- يجب أن تعمل الأسرة والأبوان على تنمية العديد من الحاجات لدى الابن؛ والتي من أبرزها الحاجة إلى الطمأنينة، والحاجة إلى المغامرة، والحاجة إلى تقدير الآخرين، والحاجة إلى الحب المتبادل، وغيرها؛ نظرًا لأن هذه الحاجات من خلال مراعاتها لدى الابن تستطيع أن تقضي على الكثير من المشكلات التي قد تنشأ لدى الابن، كما أن الإشباع وطريقته يعتبر الأساس في تربية الابن، فهو يولد وهو مزود ببعض القابليات، إلا أنه يعيش في بيئة معينة، يتفاعل معها وتتفاعل معه، والبيئة السلوكية التي يعيش فيها تضطره إلى تعديل بعض دوافعه الأولية، وتكوين بعض العادات الانفعالية، ويجب على الأب تقبل الأفكار الجديدة، واحترام حب الابن للاستطلاع، دون التقليل من شأنه أو قهره أو احتقاره؛ لأن هذا يقلل من شعور الابن بذاتيته؛ مما يعتبر معوقًا في نمو القيم لديه(14).
***
________________
(1) أخرجه مسلم (2658).
(2) فتح الباري (3/ 250).
(3) تفسير القرطبي (14/ 29).
(4) أخرجه البخاري (1356).
(5) أخرجه البخاري (893)، ومسلم (1829).
(6) أخرجه البخاري (631).
(7) تحفة المودود بأحكام المولود، ص139.
(8) التربية والتنشئة الاجتماعية، ص106.
(9) الأسرة والطفولة، ص31.
(10) دور الأسرة في تربية الأبناء، ص37.
(11) المصدر السابق، ص41.
(12) دور الأسرة في تنشئة الطفل، شبكة: الألوكة.
(13) الأساليب الخاطئة في تربية الأبناء وأثرها على شخصياتهم، موقع: صيد الفوائد.
(14) الأسرة وأهمية دورها التربوي في إعداد الأجيال، أكاديمية بناة المستقبل.