أخْذٌ وَرَدٌّ، لا حائطَ صَدٍّ
حين يكون الزواج حلمًا رائعًا نديًا، يتعانق الزوجان نفسًا وجسدًا، وتكون العاطفة الوجدانية التي تجمعهما قوية ومتينة، ثم مع تقلب أحوال الحياة وتغير الأوضاع بمختلف الأحوال والأحداث، تمضي الحياة الزوجية وكأنها قطار سريع لا يتوقف أبدًا، ومع هذه السرعة المفرطة للحياة الزوجية لا يشعر الزوجان بهذه العاطفة الجياشة، وهذا التواصل الروحي الذي كان موجودًا في أول الزواج، والعجيب أن هذا القطار يتوقف عند محطات المحاسبة والمعاتبة، ولا يتوقف عند محطات التفاهم والتوافق، وبالتالي تصبح العلاقة الزوجية بين شخصين متعارضين متضادين، ومن ثم لا بد من الاحتكاك والصراع بينهما، فيصطدمان بحائط صد، لا يستطيع بسببه كل طرف أن يتواصل مع الآخر بشكل ودي وصحي، وغالبًا ما يؤدي هذا إلى احتقار كل طرف لتصرفات الطرف الآخر، ودائمًا ما يقوم كل طرف بانتقاد تصرفات الطرف الآخر، وهذا يؤدي بالتبعية إلى الحرص الدائم والمستمر في الدفاع عن ذاته وآرائه وتصرفاته.
إن الحياة الزوجية يشترك فيها طرفان، وبينهما أمور كثيرة تجمعهما، فهناك الأكل والشرب والنوم والعمل والأحزان والأفراح، وكل هذه الأمور تمثل أولوية لدى الآخر قد لا تتوافر لدى الطرف الأول، بمعنى أنها قد تكون بمنزلة أقل، ومن هنا تتضارب الاحتياجات والأشياء المفضلة المختلفة لكل فرد عن الآخر، ويكون الاختلاف أمرًا طبيعيًا؛ بل يكون بالفعل أمرًا متوقعًا؛ لأن كلًا من الزوجين في حياته قبل الزواج كانت أنماط سلوكية ومفاهيم وعادات وثقافات وتأثير للبيئة، في الغالب، تختلف عن شريك حياته، ولذلك فقد وجب على كل من الزوجين أن يبذلا جهدًا لا بأس به، ومستمر، من أجل أن يحدث هذا التكيف الزوجي بينهما، وذلك في محاولة لإحداث تقارب فكري وثقافي ووجداني بينهما، تمامًا كما يحدث التقارب الجسدي والحسي بينهما.
"فعندما يلتقي الزوجان في بيت واحد، بعد تنشئة أدت إلى أن يكون لكل منهما عالم مختلف، يبدأ التصادم، ذلك التصادم الذي يرجع أيضًا إلى التوقعات المختلفة للدور الذي ينتظره كل منهما من الآخر، فإذا نشأ الزوج على أن الزوجة هي مجرد وظيفة لتحضير المأكل والملبس، ونشأت الزوجة بمطالب أخرى، فالتصادم أمر ضمني في هذا الزواج، والعلاقة الحميمة هي العلاقة الوحيدة في عالم الحياة التي نجد فيها خليتين تلتحمان دون أن تلتهم أي منهما الأخرى؛ بل على العكس، تزداد حجمًا وتكاثرًا؛ لتعكس الحب بأسمى معانيه في ذوبان الذات والأنا في الأنا الأخرى، دون اعتداء أو تنازل من أي من الطرفين" [د. محمد شعلان، من مقال بجريدة الأهرام].
وبالتالي فمهما تكون العلاقة الزوجية القائمة صادقة وحانية وعطوفة، وبها من الحب الشيء الكثير، فلا بد من أن يحدث هذا التضارب والخلاف بين فكر وثقافة بيئة كل من طرفي العلاقة، وعليه فيجب على كل من الزوجين أن يتوصلا لحل بشأن هذه الأمور العارضة التي تعترض طريقهما، حتى لا تتراكم هذه العوارض، وتصبح عقبة كئودًا تمنع استمرار الحياة الزوجية، أو على الأقل تنزع منها روح حياتها، وسر نجاحها وبهائها.
في حالة حدوث التعارض بين الزوجان، ونشوب صراع أو نزاع بينهما، فغالبًا في البداية ما تنسحب المرأة وتهرب من المواجهة، ثم يمر الوقت، ساعات أو أيامًا على الأكثر، ثم ترى المرأة أن حياتها رجعت إلى استقرارها، وقد تستمر المرأة على هذا الهروب والانسحاب من المواجهة سنوات، لكنها تشعر بعد ذلك بعدم القدرة على التحمل، فتضطر إلى المواجهة، والعجيب أن الزوج يصبح أشد حزمًا، وأكثر عصبية من ذي قبل؛ ذلك لأنه يرى أن المشاكل والتصرفات المتعارضة معه قد كثرت، فلم يعد يطيق ذلك، ومن هنا ينشب الصراع والنزاع بلا هوادة.
ليس بمستغرب أن يختلف الزوجان كثيرًا، حيث إن رفض كل منهما للفروق الفردية لدى الآخر، وعدم استعداده للإقرار بها، واختلاف وجهات النظر بينهما، هو من الأمور الشائعة في العلاقات الزوجية، وليس المقصود بالطبع قبول الاختلافات الكبيرة والجسيمة بينهما؛ لأن هذا أمر غير صحي على العلاقة الزوجية، وهذه من الطوام التي يقع فيها كثير من المقبلين على الزواج، فربما توجد بينهما فروق كثيرة وهائلة، ولكن يتذرع كل منهما بأن الأمر بعد الزواج سيتغير وسيتحسن، ثم يحدث التصادم بعد ذلك.
والأعجب أن كل منهما يعول على الآخر أنه سيتغير، وسيصبح كيفما يريد هو.
وبالتالي عند وجود الفروق الفردية البسيطة فلا بد من أن يتعلم كل منهما كيفية التعامل والاختلاف مع الآخر، فلا بد من أخذ ورد، لا أن يكون هناك حائط صد.
والمقصود بذلك أن يكون هناك حوار وتواصل لمعرفة كيفية التعامل مع هذه الفروق الفردية، لا أن يحدث تجاهل لهذه الاختلافات، فكثير من الأزواج لا يذكر أبدًا أنه دار خلاف بينهما، وعندما يصدر الزوج أي رأي في الأمور العامة والسياسة فإن زوجته توافقه الرأي تمامًا دون إبداء لرأيها الشخصي، وكذلك الزوج يوافق زوجته ولا يناقشها في القرارات التي تتخذها في أمور المنزل والأبناء.
وحينها تكون النتيجة: ليس هناك خلاف على الإطلاق؛ حيث إن تجنب كل منهما للآخر وعدم التدخل في أمور وشئون عمله، يجعلهما يريان أن هذا سر الزواج السعيد، والحقيقة أن صلب الموضوع هو خوف كل منهما من الاعتراف بوجود فروق واختلافات فردية بينهما، وهما يفعلان ذلك حتى لا يعرقلا العلاقة الزوجية بينهما، وهذه ليست الطريقة الصحيحة والصحية للحياة الزوجية، فتجاهل المشكلات والاختلافات قد يؤدي بعد زمن، ربما ليس بالبعيد، إلى الانفجار، حيث لا يستطيع أحد الأطراف أن يكمل مسيرة حياته هكذا، فلكل شخص ذوقه وعواطفه وميوله واحتياجاته وأولوياته؛ وبالتالي لا يمكن دفن هذه الفروق وتجنبها، وإنما العلاقة الزوجية الناجحة هي التي تتعامل مع هذه الفروق، وتتكيف معها بحكمة وموضوعية.