logo

الغيرة بين الأبناء


بتاريخ : الثلاثاء ، 25 صفر ، 1439 الموافق 14 نوفمبر 2017
بقلم : تيار الاصلاح
الغيرة بين الأبناء

الغيرة مشكلة منتشرة جدًا بين الأبناء، وفي كثير من الأسر، وتزداد بين الأبناء عند وجود طفل جديد, والأسرة في بعض الأحيان تعجز عن التصرف في حال الغيرة بين الأبناء، وأحيانًا أخرى تكون الأسرة نفسها هي سبب في إشعال نار الغيرة بين الأبناء.

الطفل عادة يغار؛ لأنه يعتبر إخوته منافسين له على محبة الوالدين وتقديرهم، ويشعر الطفل بأن وجودهم معه يمكن أن يكون تهديدًا لعلاقته مع الوالدين؛ إذ إنه يمكن أن يؤثر على درجة اهتمام الوالدين به أصلًا، خاصة إذا ظهر هذا الأمر من قبلهم، فالطفل عنده نزعة فطرية إلى حب الاستئثار بالأشياء، ومن ضمنها الاستئثار بالأشخاص، وفي المراحل المبكرة من الطفولة قد لا يفرق بين نفسه وبين العالم، ثم ينزع إلى اعتبار أن العالم كله له، ثم يعود شيئًا فشيئًا إلى الواقعية في مرحلة لاحقة، ويبدأ بإدراك أن العالم ليس له كله.

والغيرة قد تتطور لتصبح مرضًا من الأمراض النفسية أو القلبية التي تصيب الشخص؛ كالكذب والغش والتحايل والحسد، وضعف تقدير الذات، وقد تبدأ من المراحل الأولى من العمر؛ مما يتسبب في سلب طاقة الشخص وفاعليته وحيويته؛ كالمرض حينما يسري في الجسد.

والأسوأ أن تستمر مع الشخص سمة مميزة له طوال حياته، فيصبح يعرف عنه أنه شخص كثير الغيرة من الآخرين، لا يحب الخير لهم، وأناني يحب الخير لذاته أو لأبنائه فقط دون الآخرين، فيكرهه من حوله(1).

العوامل التي ساعدت على ظهور الغيرة:

عوامل اجتماعية وثقافية:

إن عدم المساواة بين الأبناء في التعامل، من قبل الوالدين، وعدم العدل معهم في كل النواحي؛ كالمساواة في نوعية الملابس والأدوات والحاجيات، وفي تقديم مشاعر الحب والحنان والتعاطف، وفي التقبيل والاحتضان والابتسام والنظرات الحانية، وفي الرعاية الجيدة، والعطايا والهدايا والمصروف، هي السبب الرئيسي والمحرك الأكبر لمشاعر الغيرة بين الإخوة، فشعور الابن بعدم العدل والمساواة بينه وبين إخوته في البيت يؤدي إلى ثورة نفسية تنشأ داخله، لإحساسه بالظلم.

عوامل فسيولوجية:

إن أغلب الأطفال لديهم شعور بالغيرة من الأخ الذي يولد جديدًا؛ وذلك لاعتقادهم أنه سلبهم مركزهم المميز، ونقلهم من محور الاهتمام إلى زاوية الإهمال والنسيان باعتباره الأكبر(2).

عوامل نفسية:

الخوف من فقدان محبة والدَيهم أو أحدهما سبب رئيس في الغيرة بين الإخوة، ومن المنطقي أن يحاول الطفل الغيور، بصورة لا شعورية غالبًا، إزالة منافسه بالاعتداء عليه، أو بالاستهزاء منه؛ بمحاولة تحقيره بالمنافسات، أو بالمشاجرات، أو بالأحقاد أحيانًا، وأحيانًا أخرى بتفريغ غيرته بصورة رمزية بالانقضاض على لعبة أو أي شيء يخص منافسه، فيضربها بقسوة، أو يدوسها ويحطمها، أو يرسم منافسه (أخاه) بصورة غير جميلة، وقد يكبِت الطفل الميول العدوانية نتيجة تأثير والديه، ويسبب هذا الكبت تأثيرًا نفسيًا حسب شدته ومدى استمراره.

المقارنة بين الأبناء:

والمقارنة من أسوأ ما يفعله الوالدان، وقد تكون بين الأبناء بعضهم ببعض أو أمام الناس، بمدح بعضهم من دون بعض، فقد يمدح الأب أحد أبنائه دومًا، أمام الأقارب والأصدقاء لتفوقه أو مهاراته، أو لموهبة لديه، أو لقدراته القيادية، أو لجمال في شكله...، وفي المقابل، لا يذكر أي شيء إيجابي عن طفله الآخر، ويتكرر ذلك الموقف مرات ومرات؛ مما يشكل عقدًا نفسية لدى الطفل المهمَل، تتحول مع الوقت إلى مشاعر غيرة وكراهية وعدوان، أو انعزال وقنوط.

وأحيانًا قد لا تتم المقارنة أمام الناس والأقارب والأصدقاء؛ بل مُوجّهة للطفل نفسه، بتوجيه التقريع إليه بمقارنته بأخيه؛ مما يحطم قدراته، ومع الوقت يؤمن بما يقوله عنه والداه؛ فتضعف ثقته بنفسه، وتضمحل قدراته، وتزداد غربته عن أسرته ومجتمعه(3).

ضعف الثقة بالنفس:

إن ضعف الثقة بين الطفل ومن حوله يشكل عاملًا مساعدًا على ظهور الغيرة، كذلك ضعف ثقة الطفل بذاته وبقدراته يؤدي للشعور الشديد بالغيرة، كونه ينظر إلى الآخرين دومًا بأنهم أفضل منه، ولا يستطيع إدراك قدراته الشخصية التي يتميز بها عنهم، خاصة عندما يكون هذا الطفل معاقًا أو مريضًا، وشاعرًا بالاختلاف بينه وبين الأطفال الآخرين(4).

الأنانية:

من أهم العوامل التي تجعل الطفل راغبًا في حيازة أكبر قدر من عناية والدَيه، وخاصة عندما يلاحظ الطفل اهتمام الوالدَين، أو أحدهما، بأحد الإخوة لوجود تشابه بينهم وهذا الأخ، وقد ظهر هذا في معاملتهم له، ويمس هذا التغيير صميم توزيع الحنان في الأسرة وعنايتها بالإخوة الآخرين.

التفوق والتميز:

وهو شعور الأخ بتفوق أخيه عليه في جانب معين؛ كتفوقه عليه في دراسته أو شكله وجماله الخَلقي، أو تميزه في مهاراته أو مواهبه؛ كالرسم والرياضة، أو في محبة الآخرين له، أو تفوقه في عمله ورزقه؛ مما يثير لديه مشاعر الغيرة، التي لو عولجت منذ الصغر بشكل جيد لكان تعود الابن حب الخير لغيره، وتقبل الفروقات بين البشر.

مظاهر الغيرة:

العدوانية:

يظهر الطفل الغيور مشاعر عدم السعادة بشكل عام نتيجة شعوره بأنه فقد الحب والحنان الذي كان يحظى به من والديه، وقد تتحول هذه المشاعر إلى سلوك عدواني، إما نحو الطفل الصغير، الذي يعتبر منافسًا له بعد أن استولى على عرشه في حضن أمه، أو موجهًا نحو الوالدين، أو الممتلكات الشخصية بمحاولة إتلافها وتخريبها، إضافة إلى التقلب المزاجي وعدم الرضا بالهبات التي قد تقدم له من المحيطين، مهما كانت غالية الثمن، كمحاولة منهم عن تعويضه بما فقده من حنان، وإن قبلها فيكون ذلك وقتيًا وسرعان ما يتذكر الهبة الأكبر التي فقدها؛ وهي حضن الأم الدافئ، التي لا يستبدلها بأي ثمن.

يقرر الابن أن يقوم ببعض التصرفات الغاضبة، أو الإجراءات التي يراها مناسبة لمعاقبة والديه، أو لإشعارهما برفضه لتلك التفرقة؛ فنلحظ بعض الأبناء يعبر، بشكل صريح، عن امتعاضه من هذه التفرقة، وقد يبدأ بتهديد الوالدين، خصوصًا إن كان في سن المراهقة، بأنه سيفعل كذا وسيفعل كذا إن لم يعاملاه كما يعاملان بقية إخوته، وغالبًا ما ينفذ تهديداته إن لم يعمل الوالدان على تغيير أسلوب تعاملهما معه.

بل قد تكون الغيرة سببًا لخلافات أبدية مستمرة بين الإخوة، وسببًا في العداء والكراهية الدائمة، وهل قتل قابيل هابيل إلا نتيجة مشاعر الغيرة، التي جعلته يشعر بأن الله تعالى تقبل من هابيل قربانه ولم يتقبل منه! فما كان من غيرته إلا أن أفرغها في أمر عنيف لا رجعة فيه، ولا ينفع معه الندم، ألا وهو التخلص من أخيه، ليحمل وزره ووزر كل من قتل بعده(5).

البكاء والعناد:

وغالبًا ما يظهر لدى الصغار، فبكاء الأخ الصغير لأتفه الأسباب، وعناده، وضرب رأسه في الأرض أو بيديه، ورميه للحاجيات بعصبية؛ كلها مظاهر تشير، في أحيان كثيرة، إلى مشاعر الغيرة لدى هذا الطفل، وأحيانًا كثيرة تكون نتيجة ولادة طفل جديد في الأسرة، فيشعر كأنه أخذ مكانه فيبكي، ويعلو صراخه لأي سبب؛ مثل عدم تلبية طلباته بالسرعة اللازمة، أو لسقوطه على الأرض، أو لأخذ شيء من حاجياته، وكثيرًا ما يحدث ألا تعرف الأم سبب هذا البكاء والعناد والنكد والفوضى التي يحدثها، ولكن لو راجعت سلوكياتها وطريقة تعاملها فستعرف.

الخجل والانطواء والعزلة عن أهل بيته:

الانزواء وترك مخالطة الآخرين هما من أسوأ ما يصل إليه الابن نتيجة الغيرة، ففي الوقت الذي يتصور فيه الوالدان أنه يلعب في غرفته وحده، ويمارس هواياته، فلا يقدمان له الاهتمام، وأنه هادئ ووديع، يكون هو يعاني من مشكلة نفسية بداخله، لا يعرف كيف يعبر عنها، وكيف يصارح والديه بما يجد، فتتفاقم وتتحول إلى عقد نفسية وحقد وكراهية للآخرين، فإهمال الوالدين لطفلهما المنعزل خطير للغاية، ولا يعلم الوالدان أن الغيرة حين تصل إلى مستوى كبير تقضي على مرح الطفل ونشاطه وحيويته، التي لا بد أن يتصف بها في مرحلة الطفولة، وأن لهذا الانطواء أثرًا سلبيًا على الطفل في المستقبل، حيث يصبح يخاف الاختلاط بالناس؛ مما يقلل ثقته بنفسه وبنجاحه في الحياة.

مظاهر فسيولوجية وجسمية:

تظهر لدى الابن الذي تعتريه مشاعر الغيرة والغيظ سلوكيات ظاهرة للعيان؛ كقضم الأظافر، والتبول اللاإرادي، أو العبث في حاجيات البيت بفوضى، أو التظاهر بالمرض، لمحاولة الحصول على الاهتمام والتقرب من الوالدين، وجذب انتباههما وعطفهما، ولكن للأسف كثيرًا ما تبوء محاولاته بالفشل؛ نتيجة عدم إصغاء الوالدين لصوت طفلهما، ولعدم تحرك الجهاز العاطفي لديهما، والذي قد لا يتحرك بالدرجة نفسها لكل الأبناء! الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم مشكلة الغيرة بينهم، والتي تستمر حتى عندما يكبرون، فتكبر معهم مشاعر الغيرة والاستياء، وأحيانًا الكراهية أو التباعد والجفوة بينهم، ويستمر الوضع حتى بعد أن يتزوجوا، ويصبح لكل منهم بيت وأسرة! بل قد تزداد أكثر بعد ذلك.

ومن الأعراض التي قد تنجم عن الغيرة حالة التبول اللاإرادي، التي لم تكن موجودة من قبل، وكأن الطفل يتمنى أن يرجع إلى المرحلة العمرية السابقة لتعتني به أمه كما تعتني بأخيه الصغير، وهذا السلوك ما هو إلا واحد من سلوكيات لفت الانتباه، التي يلجأ إليها الطفل لمطالبة والديه بحقه المفقود(6).

أساليب وطرق التغلب على المشكلة:

المساواة بين الأبناء:

المفاضلة بين الأولاد خطيرة، ومن أعظم العوامل التي تسبب الانحراف عن منهج الشريعة الصحيحة، والصراط المستقيم؛ بل سبب مباشر للعقوق، وقد يسبب القتل والعياذ بالله، والواقع خير شاهد على ذلك.

والمفاضلة تختلف؛ فمنها المفاضلة في العطاء، والمفاضلة في المعاملة، والمفاضلة في المحبة، أو غير ذلك من المفاضلة والتمييز الذي ذمه الشرع وحرمه ومنعه؛ لما يسببه من أسباب وخيمة، وعواقب جسيمة، وهناك من الآباء والأمهات من لا يعدل بين أبنائه ظلمًا وجورًا، وإجحافًا وتعسفًا، فيقع في الحرام وقد لا يدري.

وكم هي المآسي والأحزان التي تعج بها بعض البيوت نتيجة للظلم والتمييز العنصري، والتفريق بين الأبناء، وعدم العدل بينهم؛ مما تسبب في وجود الكراهية والبغضاء بين الإخوة في البيت الواحد، والسبب هم الآباء، وعدم اتباع الكتاب والسنة في مثل تلك الأمور والمنحدرات الخطيرة، التي تؤدي بالأسرة إلى الهاوية والعياذ بالله.

إن رسولنا صلى الله عليه وسلم أرشدنا إلى طرق علاج الغيرة بين الإخوة، عندما دعا إلى المساواة بين الأبناء حتى في القُبلة، «اتقوا الله واعدلوا في أولادكم»(7).

وخاصة أن هناك فروقًا في القدرات والطباع بين الأبناء في الأسرة الواحدة، وهذا قد يقود الأم إلى التفرقة بينهم دون أن تعلم خطورة امتداح أحد الأبناء لنبوغه، أو توجيه اللوم إلى الآخر بسبب فشله في الدراسة، فتقع الغيرة بين الأبناء، وقد تصبح هذه الغيرة مدمرة.

العلاج النفسي:

قبل الولادة:

تختلف ردود أفعال الأطفال حين يكتشفون حمل الأمهات؛ فالبعض يشعر بالسعادة، وبعضهم لا، وربما لا يتفهم الأمر في الأساس.

تكلمي مع طفلك، واسمحي له بطرح الأسئلة، واشرحي الأمر له على قدر عقله، شجّعي طفلك ليكون صديقًا للمولود الجديد قبل ولادته، قولي له أنه سيسمعه إذا كلمه، ووضع يديه على بطنك، وقولي له عن حملك به وولادته وغير ذلك، تشاركيه بذلك خلال فترة حملك كلها، واطلبي رأيه في ملابس أخيه أو أخته وهكذا.

بعد الولادة:

اصبري على صغيرك حتى يرسم علاقته بشقيقه، ولا تلحي عليه في شكل العلاقة، إن وجدته يقبله بشدة أو يضربه أو غير ذلك، فلا تظهري أنك انتبهت، لكن أنقذي المسكين الصغير من يديه.

فيما بعد احرصي على ألا تتركيهما معًا وحدهما تمامًا، واروي لطفلك كيف كانت شقيقتك الكبرى تحبك، أو كيف كنت تحبين شقيقك الأصغر، احكي له قصصًا وحكايات عن ذلك المعنى وغير ذلك.

بيّني لطفلك الأكبر كيف أنه الأكبر، وأن له حقوقًا أكثر وامتيازات أكثر، كأن تتركيه يختار ثيابه بنفسه، أو أن تدعيه يسهر قليلًا بعد خلود المولود الجديد للنوم، باعتبارها امتيازات أفضل.

وقد تسهم الأم في إحداث الغيرة داخل الأسرة من خلال طبيعتها إذا كانت تتسم بالغيرة؛ فيتشرب الأبناء هذا الطبع، وعمومًا فإن الأمر يتطلب أخذ الاعتبارات التالية باهتمام:

- تهيئة الأم لطفلها الأكبر لاستقبال المولود الجديد بإخباره قبل شهر أو شهرين بقدوم أخ جديد جميل مثله، ويمكن للأم أن تطلب من طفلها أن يساعدها، إن أمكنه ذلك، في رعاية هذا المولود الجديد؛ في إعداد طعامه، أو إحضار حاجياته للأم، أو مداعبته واللعب معه، بشرط ألا يكون ذلك فيه أذى لأي من الطفلين.

- لا يجب إبعاد الطفل الكبير عن البيت مع قدوم المولود الجديد؛ لأن ذلك يجسد مخاوفه في إمكانية التخلي عنه، مع عدم الانهماك مع المولود الجديد، وإظهار أنهما ما يزالان يهتمان بطفلهما الأكبر ويحبانه، مع مراعاة عدم مدح المولود الجديد كثيرًا أمام الطفل الأكبر.

- توبيخ الطفل الأكبر إذا أظهر غيرته من أخيه الأصغر غالبًا ما يثير مخاوف الطفل وغيرته، ومن الأفضل ترك الطفل يعبر عن شعوره الحقيقي، فهذا التصرف يريحه وينفس عنه الحقد والغيرة، دون أن يلحق الأذى بالطفل الصغير.

- عند محاولة الطفل الأكبر تقليد الأصغر بشرب الحليب، أو أن تتولى الأم إطعامه بنفسها، فلا مانع من تلبية رغباته وعدم صده؛ لأن ذلك سيساعده على التخلص من النكوص ومن تقليد أخاه الأصغر.

- أحيانًا يطلب الطفل الأكبر من أحد والديه أن يكون حكمًا بينه وبين أخيه الأصغر (من أقوى – من أحسن - من أجمل) فعلى الوالدين أن يُرضيا غروره وأنانيته، وألا يطلقا لنفسيهما العنان في إظهار تفضيلهما لأحد الطفلين، ومن المستحسن أن نجعل الطفل يشتهي أن يكبر بدون إكراه ولا مبالغة.

- قد يبالغ الوالدان في خوفهما من غيرة ابنهما؛ فيمنحانه امتيازات تجعله أكثر غلظة وغيرة، فيجب الاعتدال في المعاملة.

- لا مكان للعقاب الجسدي في علاج الغيرة؛ لأن استخدام العنف يولد شعورًا بالإحباط والانتقام.

- من المستحسن أن نوجه الإرشادات والتنبيهات لكل طفل على حدة لا أمام إخوته.

- فيما يتعلق بتدخل الوالدَين في المشاجرات بين الأبناء؛ فالأمر يتعلق بطبيعة هذه المشاجرات وعنفها، فإذا تحولت إلى اقتتال فعلى الوالدين أن يوقفا هذا فورًا، وعندما يعود الهدوء إلى المنزل تبدأ الإرشادات والتحقيق في الموضوع، أما إذا كانت المشاجرة لا تتسم بالعنف الشديد، فمن المستحسن عدم التدخل، وتركهم يحلون مشاكلهم بأنفسهم، ومن الطرق الناجحة لتخفيف المشاجرات استضافة أصدقاء الأبناء لقضاء بعض الوقت، والخروج إلى المتنزهات وتغيير الجو.

- الحذر من الأخ المحتال، الذي يحاول الإيقاع بأخيه، ويجره إلى المشاكل ليجبر الأهل على التدخل ومعاقبته بحجة أنه المعتدي، وعلينا أن نواجه ذلك بالإيضاح الهادئ للطفل، بلغةٍ بسيطةٍ مفهومةٍ، بحنان وتفاهم، أما من قام بسلوك غير لائق ينبغي تجنبه، ولا بد أن يفهم الطفل أن له مكانة وأهمية لا تتغير أبدًا مهما حدث.

- إذا حدث وظهرت علامات الغيرة على الطفل فينبغي ألا نجعلها مصدرًا للفكاهة، وينبغي على الوالدين أن يقنعا الطفل بأن الصغير ما زال بحاجة إلى العطف والاهتمام والرعاية لبعض الوقت.

- لا يصح أن ينبهر الوالدان بما يقوم به بعض أبنائهم، من مبالغة في الطاعة وإظهار الحب؛ لأن بعض الأبناء لا يجيدون التعبير، وقد يعتادون النفاق بعد ذلك لكسب رضا الآخرين، وعلى الوالدين تعليمهم التوسط والاعتدال في المشاعر.

وزع المهام والمسئوليات بين أبنائك:

شارك أبناءك جميعهم بعض المهام والمسئوليات التي تشعرهم بالحب والاهتمام والألفة، وتزيد من ثقتهم بأنفسهم، وتدعم مسيرتهم في الحياة، فلا تجعل تلك المسئوليات ملقاة على عاتق بعض الأبناء دون الآخرين، بحجة أن هذا قادر وهذا غير قادر، أو هذا الكبير وهذا الصغير، وإلا فستكون أنت من يسبب التفرقة والغيرة بين أبنائك.

استمع لأبنائك كلهم:

استمع لجميع أبنائك ولآرائهم ومشاكلهم وأفكارهم، خصوصًا المراهقين منهم، ولا تجعل استماعك مقتصرًا على واحد منهم دون الآخرين، واحترم آراءهم؛ لأن الاستماع إليهم يزيد من ثقتهم بحبك لهم، ويقلل مشاعر الغيرة والحسد بين الإخوة، خصوصًا إن كنت تفعل ذلك مع جميع أبنائك، وبجلسات تحاورية، أما إن كنت تستمع إلى بعضهم وتحترم مثلًا آراء الكبير دون الصغير؛ فإنك تؤجج مشاعر الغيرة والغيظ لديهم، فتكون أنت، أيها الوالد أو الوالدة، سببًا للتفرقة بين أبنائك، وكراهية بعضهم لبعض!

ازرع الثقة والمحبة فيما بين أبنائك:

تقع على الوالدين مسئولية زرع المحبة المتبادلة بين الإخوة في البيت، فذكر ابنك دومًا أن هذا أخوك، وهو جزء منك، وأنه يحبك، وأنك تحبهم بالمقدار نفسه، وعلمه أن لدى إخوته مواهب معينة، كما أن لديه مواهب مختلفة، وأن عليه تحسين نفسه وتطوير مواهبه ومظهره وإنتاجه، مع تركيز الوالدين على تنمية موهبة كل ابن على حدة؛ لزرع الثقة بنفسه وبقدراته، فتتطور بدلًا من أن تضمحل وتتلاشى بمرور الزمن.

لا تقارن أبدًا بين أبنائك:

إن المقارنة بين الأبناء سبب رئيسي للغيرة، فلا تقارن أبدًا بين ابنك وآخر أمام إخوته، ولا أمام الآخرين، ولا حتى في نفسك، لأن لكل ابن مواهبه وقدراته وطاقاته وميوله وأهدافه في الحياة، فالمقارنة بين الأبناء هي من أكثر الأسباب المحبطة، التي تثير مشاعر الغيرة والحقد الدائم، فلا تقل: ابني فلان أكثر ذكاءً من الآخر، أو متى ستصبح مثل أخيك؟ أو أنت لا تتقن شيئًا، وانظر إلى أخيك وتعلم منه، فهذه عبارات تقريع قاتلة للمواهب والقدرات ومشاعر الحب بين الإخوة؛ بل بالعكس، ازرع الثقة النفسية في أبنائك؛ بمدح كل واحد منهم على ميزاته وقدراته ومواهبه، واتق الله في رعاية أبنائك(8).

نصائح عامة مهمة لتربية الصغار والمساواة بينهم:

- لا تنظر النظرة نفسها لكل طفل من أطفالك؛ لأن كل طفل له خصاله الفريدة وله احتياجاته الشخصية، لكن عليك أن تساوي بينهم في الحب والمعاملة الطيبة.

- لا تصف أطفالك بألقاب الشقي أو المخرب، أو تسخر منه بلفظ العبقري ولا تسبه، فهذا يُشعره بأنه غير محبوب.

- خصص لك طفل وقتًا خاصًا به وتواصل معه فيه، ووقتًا آخر لهم معًا لتكون فرصة لهم للتواصل كإخوة.

- لا تقارن أبناءك بعضهم ببعض في الدراسة أو في الطباع أبدًا.

- لا تكل بمكيالين؛ فتعاقب الكبير وتدلل الصغير، أو تعاقب الفتاة وتترك الفتى وغير ذلك، القوانين واحدة في المنزل، والعقاب يجب أن يطبق على الجميع.

- لا تتدخل في كل مشاجرة تقع بين الإخوة؛ بل اتركهم يحلون الأمر أحيانًا بأنفسهم.

- علم أطفالك أن يعبروا عن مشاعرهم بالكلام وليس بالضرب، وكن قدوة لهم في ذلك.

وخلاصة القول أنه يجب أن نعلم أن الغيرة هي أحاسيس إنسانية خلقها الله، فوجودها طبيعي عند الطفل، فالقليل منها يُشكِّل دافعًا نحو تطور المنافسة، لكن الكثير منها يُفسِد الحياة، فعندما نرى سلوكًا عدوانيًا عند أبنائنا، عندها يجب أن نعلم أنه من الآثار الناجمة عن الغيرة بين الأطفال، ولا بد من معرفة أسبابها وعلاجها فورًا.

فلكل ابنٍ من الأبناء شخصية فريدة به، ومختلفة عن الآخرين اختلاف بصمات اليد الواحدة، وهذا الاختلاف في طباع وشخصية الأبناء هو من أهم جوانب التشابه بينهم، وعلى الآباء إدراك ذلك واحترامه.

يجب ألا نقارن بين أبنائنا، ولا نسمح للآخرين بعقد هذه المقارنات إن أمكن، ولا نشجع أبناءنا على أن يقارنوا أنفسهم بالآخرين.

وعلى الآباء استثمار ظاهرة الغيرة إيجابيًا إذا شعرنا بوجودها بين أبنائنا؛ كإيصال الطفل الكبير لمراحل مُتقدِّمة من النضج، بأن نَغرِس في نفسه قِيم النضج العقلي.

ويمكن استثمار الغيرة بين الأطفال؛ كتوليد المنافسة الإيجابية للوصول إلى الأفضل، على ألَّا تصل المنافسة لمستوى الصراع، ودون مقارنة الأبناء بعضهم ببعض، واحترام قدراتهم جميعًا(9).

***

_____________

(1) 6 نصائح لتقليل الغيرة بين الأبناء، آندي حجازي، مجلة الوعي الشبابي (العدد:596).

(2) طفلك الغيور كيف تتعاملين معه؟ شبكة الألوكة.

(3) 6 نصائح لتقليل الغيرة بين الأبناء، مرجع سابق.

(4) الغيرة بين الأبناء.. لماذا تحدث، وكيف نتعامل معها؟ موقع: المستشار.

(5) 6 نصائح لتقليل الغيرة بين الأبناء، مرجع سابق.

(6) الغيرة بين الأبناء، موقع: أكاديمية علم النفس.

(7) أخرجه مسلم (1623)، من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما.

(8) 6 نصائح لتقليل الغيرة بين الأبناء، مرجع سابق.

(9) الغيرة بين الأبناء.. متى ولماذا، موقع: المربي.