logo

غياب المسئولية داخل الأسرة


بتاريخ : الاثنين ، 12 محرّم ، 1439 الموافق 02 أكتوبر 2017
بقلم : تيار الاصلاح
غياب المسئولية داخل الأسرة

تعد الأسرة اللبنة الأساسية لبناء المجتمع، حيث يحمل كل من الأب والأم مجموعة من المسئوليات والمهام، التي من أهمها اكتسابهم مجموعة من المهارات الهادفة للوصول لأسرة مستقرة، تتمتع بعلاقة متوازنة بين جميع أفرادها، ويعد الرجل من أهم العناصر المكونة للأسرة؛ حيث إن العديد من القرارات والمهام تناط به، وبالتالي يحمل الرجل، سواء كان أبًا أو أخًا أو ابنًا، مسئولية كبيرة في بناء أسرة سليمة، والوصول بالأسرة لحياة يسودها التوازن النفسي.

وأصبح غياب الأب، في ظل الأحوال العامة التي يعيشها المجتمع العربي, وما تعصف بالأسرة من مشاكل اجتماعية واقتصادية وسياسية وحروب, ظاهرة خطرة وحساسة، ليس فقط على كيان الأسرة الظاهري؛ بل فيما تحدثه من آثار سلبية في نمو أفرادها وتطور شخصياتهم.

إن غياب الأب يأخذ عدة أشكال؛ منها الغياب الاضطراري بسبب عوامل كثيرة مثل الوفاة، أو الزواج من أخرى وإقامته معها بعيدًا عن الأسرة، أو الهجرة خارج البلاد، أو الانشغال بالعمل طوال الوقت، حيث هناك آباء يخرجون من الصباح ولا يعودون إلا منتصف الليل، أو بسبب الطلاق، وهذا الغياب يكون مبررًا وتأثيره واضح على مستوى التنشئة الاجتماعية للأطفال، وقد يكون أحد الأسباب الرئيسية لتفكك الأسرة، لكن هناك نوعًا ثانيًا من الغياب، وهو الغياب المعنوي؛ أي أن الحضور المادي للأب موجود لكن دوره الفعلي غائب، وهذا النوع له تأثيراته التي لا تقل خطورة عن النوع الأول من الغياب على الأطفال والأم أيضًا.

تؤكد بعض الدراسات أن هناك آباءً يقضون مع أولادهم ما يقارب دقيقة في اليوم بشكل فعلي، وتشير إلى أن هؤلاء الآباء يكتفون بتوفير الماديات، ولا يدركون أهمية التواصل الفعلي، والجلوس مع الطفل ومرافقته بما يسد الجانب المعنوي لديه، في حين تعاني بعض الأمهات من تواجد فجوة كبيرة بين الأبناء والأب، نتيجة استمرار الغياب وعدم الالتفات للأبناء، خاصة في مراحل النمو، وهناك من أكدت أن نظام حياة زوجها لم يتغير منذ أكثر من 15 سنة من الزواج، بحيث يأتي من العمل ينام قليلًا ثم يغادر البيت لمقابلة أصدقائه ليعود إلى البيت في وقت متأخر وينام من جديد، وتستمر قصص الإهمال وغياب فهم الرجل لأدواره في الأسرة؛ مما يُنتِج جيلًا هشًا قابلًا للعطب في أي وقت(1).

ثبت في الصحيح قول النبي صلى الله عليه وسلم: « كلُّكم راع فمسئول عن رعيَّته، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسئول عنهم، والرجلُ راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسئولة عنهم، والعبدُ راع على مال سيِّده وهو مسئول عنه، ألَا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته»(2).  

فرعاية الرجل لأهل بيته هي سياسته لأمرهم، وإيصالهم حقوقهم الواجبة، قال الحافظ ابن حجر في الفتح في شرح هذا الحديث: وجاء من حديث أنس: «فأعدوا للمسألة جوابًا»(3)، وسنده حسن، ولابن عدي بسند صحيح عن أنس رضي الله عنه: «إن الله سائل كل راع عما استرعاه، حفظ ذلك أم ضيعه»(4).

آثار غياب الأب لدى الأطفال:

- يؤثر في نمو الطفل وعلى ثقافته وشخصيته.

- يعاني الطفل من الحرمان والعطف.

- انعدام التوازن العاطفي عند الطفل وتولد صراعات نفسية.

- يؤدي إلى الاضطرابات السلوكية والجنوح.

- يكون ضعيف الثقة بالنفس وأقل التزامًا بالنظام.

- ويكون قليل الانتباه والتركيز والاستجابة.

- يؤثر في النمو النفسي والعقلي، فالطفل الغائب عنه والده يشعر بالخوف والاكتئاب.

- ويؤثر على مستوى التحصيل الدراسي(5).

يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6]، يقول الزمخشري: «قوا أنفسكم بترك المعاصي وفعل الطاعات، وأهليكم بأن تأخذوهم بما تأخذون به أنفسكم»(6).

ويقول سيد قطب رحمه الله حول هذه الآية: «إن تبعة المؤمن في نفسه وفي أهله ثقيلة رهيبة، فالنار هناك وهو متعرض لها هو وأهله، وعليه أن يحول دون نفسه وأهله، ودون هذه النار التي تنتظر هناك»(7).

فهذا أمر من الله تعالى يتضمن معنى النصيحة، بأن يبذل الإنسان جهده في إصلاحه نفسه وأهله؛ حتى يحول صلاحه نفسه وأهله دون النار.

ورد عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأن يؤدب الرجل ولده خير من أن يتصدق بصاع»(8).

وجاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما نحل والد ولدًا أفضل من أدب حسن»(9).

وروى أبو داود في سننه بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم: «مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها»(10).

فهذه الأحاديث كلها تبين مسئولية الوالد تجاه أبنائه، فعليه أن يتقي الله ويحسن تربيتهم، فهم أمانة في عنقه، وعليه أن يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ومن أهم المعروف ربطهم بالمساجد وحلق الذكر وتعليم القرآن، وربطهم بالشباب الصالح الأتقياء، الذين يدلونهم على كل خير، ويحذرونهم من كل شر.

وعليه أن ينهاهم عن المنكر، ومن أعظم المنكرات اتصالهم بالشباب الفاسد المنحرف، الذين يدلونهم على كل شر، ويبعدونهم من كل خير(11).

ولا ننسى أن للمرأة دورًا كبيرًا في تربية أولادها، وحتى مع وجود والدهم؛ لأن المرأة جالسة في البيت طيلة الوقت بخلاف الرجل، فهي تعرف أمورًا لا يعرفها الرجل، فعليها أن تتقي الله وتحسن تربية أولادها، وتأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر، وتنفذ خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم الذي خاطبها به بقوله: «والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده، وهي مسئولة عنهم»(12).

فهذا نص صريح من الرسول صلى الله عليه وسلم بأن المرأة مسئولة عن تربية أولادها وإصلاحهم.

كل إنسان له مسئولية يُسأل عنها يوم القيامة، فيجب أن يقوم بها حسب الأمر الشرعي، فالقرون المفضلة كانوا يهتمون بهذا الأمر كثيرًا، فكانوا يضربون الصبيان على العهد أو الشهادة التي لا يكون لها أثر؛ إذ إن شهادة الصبي وحلفه ليس له أثر وغير مؤاخذ بها، ومع ذلك يؤدبونهم على هذا الشيء، حتى يشبوا وهم يألفون الحق ويبتعدون عن الباطل.

يقول أبو بكر الجصاص حول قول الله تعالى عن أم مريم عليها السلام: {رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [آل عمران:35].

يقول: «يدل على أن للأم ضربًا من الولاية على الولد في تأديبه وتعليمه وإمساكه وتربيته، لو أنها لا تملك ذلك لما نذرت في ولدها»(13).

فليس الرجل وحده مسئولًا؛ بل المرأة في بيتها راعية ومسئولة عن رعيتها، ترعى أهل بيتها وتراعي أحوالهم، ومسئولة عن نفسها، هل حفظت نفسها؟ هل حصنت نفسها؟ هل منعت نفسها عن الخَلْق إلا عن زوجها؟ هل قامت بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ فهنا طاعة الله سبحانه وتعالى في نفسها وفي زوجها، هل حافظت على مال زوجها أم أنها ضيعت مال زوجها؟

فمن الخداع والكذب والتزوير والتضليل أن تسمى المرأة التي تنقطع لأداء وظيفتها المقدسة: امرأة عاطلة، والثانية يسمونها: امرأة عاملة، هي ليست عاملة؛ بل هي هاربة من وظيفتها.

انظر الموظف الذي يهرب من العمل كيف يعامل، وكيف يعاقب، وكيف ينظر إليه؟! فهذه المرأة في الحقيقة هي ليست عاطلة وليست خالية؛ بل عندها أهم وأخطر وظيفة، قارن بين وظيفة المرأة في البيت في رعاية الزوج والأولاد، وبين وظيفتها في الأعمال الخارجية، يعني: هل هناك أم في العالم تسمعون أنها أخذت إجازة سنوية قدرها شهر أو كذا أو كذا حتى تنقطع من خدمة الأولاد وخدمة الزوج؟! أي واحد يعمل عملًا خارجيًا فإنه يعمل عدة ساعات، لكن الأم ليس لها وقت محدد من الساعة للعمل، هل سمعتم أمًا تقول: أنا دوامي انتهى؟! هل هذا يحصل؟! فهذا عمل أم ليس بعمل؟ هذا عمل دائم في الليل والنهار.

يقول الشاعر:

ليس اليتيم من انتهى أبواه من       هـــــم الحياة وخلفاه ذليلًا

إن اليـــــتيم هو الذي تلـــــــقى له       أمًا تخلت أو أبًا مشغولًا

فهذا هو اليتيم الذي حُرِم من الأبوة أو الأمومة(14).

ومعلوم أن الرعاية تستلزم الأمانة، والاجتهاد في حفظ الرعية، والنظر في المصالح، والإبعاد عن أسباب الضرر والهلاك، فإذا شعر العبد بأنه مسترعى على أهل بيته، فإنه يحرص على من استرعاه الله إياهم، ويبذل جهده في إصلاحهم، وجلب الخير لهم، وحراستهم عن الشرور والأضرار وأسباب الهلاك والتردي، فلا بد أن يعد للسؤال جوابًا صوابًا.

كما أن العاقل يعلم أن مصلحته في حماية الرعية التي تحت يده؛ حيث إن صلاحهم واستقامتهم يجلب له السعادة، والحياة الطيبة، وقرة العين عندما يرى ثمرة عنايته قد أينعت وأسفرت عن ذرية صالحة، تبر بالوالد، وتحنو على الولد، وتطيع الله تعالى، وتعمل الأسباب في النجاة من عذابه، فإن أصل الرعاية في رعي بهيمة الأنعام؛ أي: إسامتها، كما قال تعالى: {وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ} [النحل:10]، وقال تعالى: {كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ} [طه:54].

فرعاة الدواب المأمونون الناصحون يلاحظونها، ويقصدون بها الأماكن المعشبة، ويراقبونها بنظرهم، ويحفظونها عن السباع واللصوص والضياع، فمتى فرط الراعي في الحفظ والانتباه فإنه مسئول عما ند منها وملزم بالضمان، وقد قال الشاعر:

ومن رعى غنمًا في أرض مسبعة      ونام عنها تولى رعيها الأسد(15).

وهكذا يكون أولياء الأمور متى فرط أحدهم، وأهمل أولاده، وغفل عن مصلحة رعيته، فإنه يعتبر ملومًا، وسوف يحاسب على ذلك.

فالأب الذي يترك أولاده بلا توجيه ولا تربية هذا اعوجاج في فطرته، وتراخ وإهمال سيسأل عنه يوم القيامة، قيل في الأثر: أول من يتعلق بالرجل زوجته وأولاده، فيوقفونه بين يدي الله عز وجل فيقولون: يا ربنا، خذ لنا حقنا من هذا الرجل.

وتناسى أن هذه أمانة قد حملها الله له، ناظرًا إليك ماذا ستفعل فيها، فإن رعيتها حق الرعاية كافأك وأثابك في الدنيا برؤية أولادك صالحين مصلحين، وبالدرجات العليا في الآخرة.

قال النووي: «إن على الأب تأديب ولده وتعليمه ما يحتاج إليه من وظائف الدين، وهذا التعليم واجب على الأب وسائر الأولياء قبل بلوغ الصبي والصبية»(16).

فالطفل كما قال الغزالي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية عن كل نقش وصورة، وهو قابل لكل نقش، وقابل لكل ما يمال به إليه، فإن عود الخير وعلمه نشأ عليه، وسعد في الدنيا والآخرة، يشاركه في ثوابه أبواه وكل معلم له ومؤدب، وإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيم عليه والوالي له(17).

ومن المعلوم بالنظر والاعتبار أنه ما أفسد الأبناء مثل إهمال الآباء في تأديبهم وتعليمهم ما يصلح دنياهم وآخرتهم، وتفريطهم في حملهم على طاعة الله وزجرهم عن معصيته، وإعانتهم على شهواتهم، يحسب الوالد أنه يكرمه بذلك وقد أهانه، وأنه يرحمه وقد ظلمه وحرمه، ففاته انتفاعه بولده، وفوت عليه حظه في الدنيا والآخرة(18).

بعض النصائح للطرفين:

- قبل التفكير في بناء أسرة، على المرأة والرجل أن يخططا لكيفية بناء هذه الأسرة، وألا يتركا ذلك كله إلى ما بعد الزواج، حيث يتصرفا باعتباطية بناءً على أفكار مسبقة وخاطئة يحملها كل واحد منهما عن الآخر.

- تقسيم الأدوار الاجتماعية وعدم إلغاء دور الآخر، مهما بدا أنه غير مقنع من وجه نظر الآخر.

- الاتفاق على أسلوب موحد لتربية الأبناء من خلال الحوار الهادئ، بدل الدخول في مجادلات يومية، يحاول من خلالها كل واحد أن يفرض رأيه على الآخر.

- الأعمال اليومية داخل البيت مهما كانت بسيطة أو تافهة قد تتحول ضمنيًا إلى أحد الأسباب غير المباشرة لنشوء الخلافات؛ لذلك ننصح بتوزيع المهام داخل المنزل وخارجه.

- عدم السماح للمشاكل، مهما كانت صغيرة، بالتراكم؛ لأن المرأة تتنازل كثيرًا في بداية الزواج، وتسكت عن أمور كثيرة لا ترضى عنها، ونفس الأمر بالنسبة للرجل، بحجة الصبر وعدم تعريض الأسرة للانهيار، لكن بعد ذلك تأتي مرحلة التمرد من الطرفين معًا أو أحدهما، بعد أن يكون قد فات الأوان، وكل واحد قد تعود على نمط معين من السلوك يصعب تغييره(19).

***

________________

(1) غياب دور الأب وراء انهيار الأسرة وخلق جيل هش، جريدة الاتحاد الإلكترونية.

(2) أخرجه البخاري (2554) ومسلم (1829) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

(3) فتح الباري (13/ 113).

(4) الكامل (1/ 307).

(5) غياب الأب وأثره على الطفل، البداية الجديدة.

(6) تفسير الكشاف (6/ 130).

(7) في ظلال القرآن (6/ 3618).

(8) أخرجه الترمذي (1951)، وأحمد (20938).

(9) أخرجه الترمذي (1952).

(10) أخرجه أبو داود (494).

(11) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأثرهما في حفظ الأمة، ص560.

(12) أخرجه البخاري (7138)، ومسلم (1829).

(13) أحكام القرآن (1/ 12).

(14) تفسير القرآن الكريم، للمقدم (32/ 23).

(15) سير أعلام النبلاء (6/ 53).

(16) شرح النووي على صحيح مسلم (8/ 44).

(17) إحياء علوم الدين (3/ 62).

(18) تحفة المودود، ص147.

(19) خلل توزيع الأدوار بين الأزواج، جريدة الشرق الأوسط (العدد:9270).