أخذ الطفل ما لا يملك
من الطبيعي والمعتاد لأي طفل صغير أن يأخذ وأن تمتد يداه إلى ما يشد انتباهه، وهذا السلوك يعتبره كثير من الآباء والأمهات سرقة، وهذا خطأ؛ ذلك لأن الطفل غالبًا ما دام دون الخامسة من عمره فإنه لن يستطيع التفرقة
بين ما هو مملوك له، فيجوز له أخذه، وبين ما هو مملوك لغيره، فلا ينبغي له أخذه.
فليس كل ما يأخذه الطفل الصغير يسمى سرقة، وإنما يسمى سرقة إذا علم الطفل أن هذا الشيء غير مملوك له ثم قام بأخذه، وفي هذه الحالة أيضًا لا ينبغي التعامل مع الطفل على أنه سارق إلا بعد النظر إلى الدافع الذي جعله يقوم بهذا العمل، حتى يتم على إثرها التعامل مع هذا الفعل.
فقد يسرق الطفل لأنه رأى أمه تأخذ من جيب أبيه نقودًا بغير إذن والده، وحينها يترسخ في ذهن الطفل أن هذا الفعل لا شيء فيه، وهذه الأفعال التي تقوم بها الأمهات أمام الأطفال إنما تترسخ في أفكارهم، وتتجذر في نفوسهم، فيرونها أمورًا طبيعية معتادة، فالطفل رأى أمامه القدوة ففعل مثلها.
لذا، يجب على الأمهات، وكذلك الآباء، أن يراعوا تصرفاتهم جيدًا أمام أطفالهم، حتى ولو كان مسموحًا للأم من قبل الأب بأخذ ما تريد، لكن الطفل لا يعلم ذلك، إنما الذي تعلمه من هذه الفعلة هو أخذ ما يريد، حتى ولو كان غير مملوكًا له.
كذلك قد يسرق الطفل إذا كان يريد أن يلعب وليس عنده لعبة، أو عنده رغبة في اللعبة التي في يد الطفل الفلاني، فيسرقها ليشبع رغبة اللعب.
كذلك قد يسرق الطفل بدافع الانتقام، وإثبات أنه يستطيع النيل من غيره الذي يعاديه، فعندما يسرقه يشعر بالانتصار.
إذن، فهناك دوافع كثيرة للسرقة، فينبغي على الوالدين معرفة الدافع قبل التعامل مع الطفل؛ لأن التعامل مع الطفل بدون معرفة الدافع قد يساهم في تفاقم المشكلة، فكم من الآباء والأمهات ساهموا بشكل غير مقصود في ضياع أبنائهم وانحرافهم، حين اتهموهم مباشرة بالسرقة، دون دليل أو معرفة سبب أو دافع خلف هذا الفعل المرتكب.
كذلك قد يرتكب الوالدان ما هو أشد من ذلك، حين يقوم الوالدان بالتحقيق مع الطفل لحمله على الاعتراف بسرقته، وهذا التصرف يؤدي إلى سلوك آخر غير مرغوب فيه، وهو سلوك الكذب، للتخلص من التهمة والدفاع عن النفس.
كذلك قد يلجأ الوالدان للتشهير بالطفل بين أصدقائه ومعارفه؛ مما يزيد الموقف سوءًا، وتبدأ المشاكل النفسية، والعداوات بين الطفل وبين أقرانه؛ لظهوره أمامهم بصورة ناقصة ضعيفة.
وأيضًا قد يقوم الوالدان بإطلاق ألفاظ نابية على الطفل تهدد صحته النفسية؛ كأن يقال له: يا لص، يا حرامي، وهذا من أشد الأمور التي تعزز السرقة داخل نفسية الطفل، ويحاول أن يثبت لغيره أنه فعلًا سارق، كما يقول والداه.
لأجل كل ما سبق كان على الآباء والأمهات واجب كبير وحمل ثقيل في توجيه طفلهما، وعليهما أولًا أن يكونا قدوة صالحة له، كذلك عليهما أن يعلما أطفالهما القيم والعادات والأخلاق الحسنة، وأن يحذرا أطفالهما من الأخلاق السيئة؛ كالسرقة والخيانة، وحثهم على المحافظة على ممتلكات الآخرين، حتى في حال عدم وجودهم، فنشوء الطفل في جو يتسم بالأخلاق والقيم الحميدة يؤدي إلى تبني الطفل لهذه المعايير.
كذلك يجب على الوالدين أن يجعلا لطفلهما مصروفًا ثابتًا يوميًا، يستطيع من خلاله شراء وجلب ما تهواه نفسه وما يشد انتباهه، حتى لو كان هذا المصروف صغيرًا، ولو كان مقابل عمل يؤديه في المنزل بعد المدرسة، يجب أن يشعر الطفل بأنه سيحصل على النقود من والديه إذا احتاج لها فعلًا.
كذلك يجب على الوالدين عدم ترك أشياء يمكن أن تشد انتباه الطفل وتغريه وتشجعه على السرقة؛ كالنقود مثلًا، فلا ينبغي تركها أمام الأطفال على المنضدة هكذا بلا رقيب.
كذلك ينبغي أن يكون هناك مراقبة وإشراف على الطفل، بحيث إذا ارتكب أي خطأ فإنه يتم تداركه سريعًا.
وأيضًا يجب تعليم الطفل معنى الملكية الخاصة والملكية العامة، فيستطيع الطفل التمييز بين ما يمكن أخذه وبين ما لا يمكن أخذه.
وكما قيل: الوقاية خير من العلاج، فلا يجب على الأب والأم أبدًا أن ينتظرا طفلهما يقع في السرقة حتى يتحركا لعلاج تلك المشكلة؛ بل يجب عليهما اتخاذ التدابير اللازمة والمانعة من وقوع تلك الحادثة، فيجب أن يكونا قدوة للطفل في القول والفعل؛ ذلك لأن نسبة كبيرة من المشكلات التي يتعرض لها الطفل سببها البيئة التي يعيش فيها الطفل، فإذا كانت البيئة صالحة صلح الطفل، وإذا كانت فاسدة فسد الطفل، فالطفل مثل النبتة، إذا اهتممت بها ورويتها وسقيتها وكانت تربتها خصبة، ازدهرت وأينعت، وإذا أهملتها ووضعتها في تربة غير خصبة ذبلت وماتت.
كون الآباء والأمهات يحاولون وقاية أطفالهم من السرقة وغيرها من السلوكيات الأخرى السيئة، فهذا معناه أنهم يحافظون على أسرهم من التفكك والضياع، فيجب أن يقوموا بإشباع حاجات أطفالهم النفسية قبل المادية؛ لأن حاجتهم للعطف والحنان مثل حاجتهم للأكل والشرب والملبس.
فيجب ألا يقتصر دور الأب فقط على إشباع حاجة ابنه المادية؛ من ملبس ومأكل ومشرب وغيرها، ويترك حاجات أخرى مهمة؛ كحاجته للأمن، والحب، وحاجته إلى إثبات واحترام الذات، وحاجته إلى الإنصات والاستماع، ومراعاة مشاعره حتى يحترم ذاته.
مع الأسف الشديد، إن الآباء والأمهات كثيرًا ما يعيبون على أطفالهم بسلوكياتهم السيئة، التي لا يرضون عنها، ولا يعيبون على أنفسهم وهم يمارسون الكذب أمامهم، والغش وعدم احترام مشاعر الآخرين، وعدم المحافظة على المواعيد، وعدم الإخلاص في العمل، وغير ذلك كثير.