logo

الاستهانة بلفظ الطلاق


بتاريخ : الجمعة ، 6 ذو الحجة ، 1439 الموافق 17 أغسطس 2018
بقلم : تيار الاصلاح
الاستهانة بلفظ الطلاق

لقد أوجبت الشريعة الإسلامية على الزوج والزوجة أن يراعي كل منهما مشاعر الآخر، وأن يحترما قدسية الحياة الزوجية، وأن يتعاملا فيما بينهما على وفق ما أمر الله ورسوله، وألا تكون الأحكام الشرعية المتعلقة بالأسرة محل تلاعب أو استهزاء أو سخرية من أي من الطرفين، وإلا تعرض للعقوبة الشرعية، ووقع تحت قول الله جل وعلا: {تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة:229]، وقوله تعالى: {وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللهِ هُزُوًا} [البقرة:231].

ولقد ظهرت عادات سيئة عند بعض الأزواج تدل على عدم توقيرهم للحياة الزوجية، وعدم حفظهم لحدود الله فيها، فظهر في المسلمين صور منكرة من الاستهزاء بالطلاق، ومن هذه الصور:

1- كثرة الحلف بالطلاق صادقًا أو كاذبًا، وهذا على الرغم من كونه مخالفًا لنصوص الشريعة، التي تحرم الحلف بغير الله تعالى، إلا أن بعض الأزواج يستعمل يمين الطلاق في أمور تدل على اللعب والاستهزاء بالطلاق، ناسيًا كونه حكمًا شرعيًا، فيحلف على أمور لا قيمة لها (تافهة) ويغلظ فيها الأيمان، لا يحلف بالله وإنما بالطلاق مستهزئًا وساخرًا من هذا الحكم الشرعي؛ بل إن أحدهم ليقسم بالطلاق كاذبًا متعمدًا، وآخر يقسم على الأمر الواحد عشرة أيمان بالطلاق، ويظن هذا الأحمق أنه يستهزئ بزوجته لا بحكم شرعي، بَيَّن رب العزة خطورة الاستهزاء به {وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللهِ هُزُوًا}.

قال الشيخ الفوزان: «لا يجوز للرجل أن يتخذ الطلاق على لسانه دائمًا ويحلف به؛ لأن الطلاق لفظ خطير، فالتلاعب به والتساهل في شأنه والحلف به والإكثار من ذلك كل هذا لا يجوز، فعلى المسلم أن يتقي الله سبحانه وتعالى، وإذا حلف بالطلاق وخالف ما حلف عليه فهذا لا يخلو من أحد أمرين: الأول: أن يكون قاصدًا للطلاق، وأنه يقصد أن امرأته تطلق إذا حصل هذا أو لم يحصل الذي حلف عليه، فإنها تطلق عند حصوله أو عدم حصوله، حسب ما يحلف على النفي أو على الإثبات.

أما إذا كان قصده ما يقصد باليمين؛ وهو المنع من الشيء أو الحث عليه أو التصديق أو التكذيب، فهذا على الصحيح أن فيه كفارة اليمين، يكفر كفارة اليمين بإطعام عشرة مساكين، أو كسوة عشرة مساكين، أو عتق رقبة إن أمكن، يعني أنه مخير بين هذه الأمور الثلاثة: العتق، أو الإطعام، أو الكسوة، فإذا لم يجد شيئًا من هذه الثلاثة ولم يستطع فإنه يصوم ثلاثة أيام، ويكون هذا كفارة ليمينه، والله تعالى أعلم»(1).

والمشروع للمسلم اجتناب استعمال الطلاق فيما يكون بينه وبين أهله من النزاع، وذلك لما يترتب على الطلاق من عواقب وخيمة، وكثير من الرجال يتهاونون بشأن الطلاق، فكلما حصل نزاع بينه وبين أهله حلف بالطلاق، وكلما اختلف مع أصحابه حلف بالطلاق، وهكذا، وهذا نوع تلاعب بكتاب الله، فكلما أراد منع زوجته من شيء أو حثها على فعل شيء حلف بالطلاق!

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: «هؤلاء السفهاء الذين يُطْلقون ألسنتهم بالطلاق في كل هين وعظيم، هؤلاء مخالفون لما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت»(2)، فإذا أراد المؤمن أن يحلف فليحلف بالله عز وجل، ولا ينبغي أيضًا أن يكثر من الحلف، لقوله تعالى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة:89]، ومن جملة ما فسرت به الآية أن المعنى: لا تكثروا الحلف بالله.

أمّا أن يحلفوا بالطلاق؛ مثل: علي الطلاق أن تفعل كذا، أو علي الطلاق ألا تفعل، أو إن فعلت فامرأتي طالق، أو إن لم تفعل فامرأتي طالق، وما أشبه ذلك من الصيغ؛ فإن هذا خلاف ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم»(3).

قال الشيخ ابن عثيمين: «الراجح أن الطلاق إذا استعمل استعمال اليمين؛ بأن كان القصد منه الحث على الشيء أو المنع منه أو التصديق أو التكذيب أو التوكيد؛ فإن حكمه حكم اليمين، لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم:1-2]، فجعل الله تعالى التحريم يمينًا، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى»(4)، وهذا لم ينو الطلاق، وإنما نوى اليمين أو نوى معنى اليمين، فإذا حنث فإنه يجزئه كفارة يمين، هذا هو القول الراجح(5).

وسئلت اللجنة الدائمة عمن قال لزوجته: علي الطلاق تقومين معي، ولم تقم معه، فهل يقع بذلك طلاق؟

فأجابت: «إذا كنت لم تقصد إيقاع الطلاق وإنما أردت حثها على الذهاب معك فإنه لا يقع به طلاق، ويلزمك كفارة يمين في أصح قولي العلماء، وإن كنت أردت به إيقاع الطلاق إذا هي لم تستجب لك وقع به عليها طلقة واحدة»(6).

قال الشيخ ابن باز عليه رحمة الله: «بل يجب أن يراعي ما شرع الله، وأن يحذر ما حرم الله، في طلاقه وفي سائر شئونه، المؤمن عبد مأمور، له شريعة إسلامية يجب أن يلتزم بها في كل شيء، وأن يتحرى ما أحل الله له في كل شيء، وأن يحذر ما حرم الله عليه، وليس له التساهل في كل شيء؛ بل يجب الحذر، وأن تكون أعماله وأقواله مقيدة بالشريعة، رزق الله الجميع التوفيق والهداية»(7).

2- الإكثار من الطلاق: لقد أصبح الطلاق ألعوبة يتسلى بها بعض المستهترين بأحكام الله، فيطلق ويرجع دون سبب أو حاجة غير قهر الزوجة وإذلالها، أو تهديدها، حتى تجد بعضهم يلقب بالمطْلاق؛ لكثرة استعماله للطلاق، وأحدهم لا يستقر له بيت؛ بمعنى لا يحافظ على زوجة، وهكذا.

وفي الإكثار من الطلاق وجريان الرسم بعدم المبالاة به مفاسد كثيرة، وذلك أن ناسًا ينقادون لشهوة الفرج، ولا يقصدون إقامة تدبير المنزل، ولا التعاون في الاتفاقات، ولا تحصين الفرج، وإنما مطمح أبصارهم التلذذ بالنساء، وذوق لذة كل امرأة، فيهيجهم ذلك إلى أن يكثروا الطلاق والنكاح، ولا فرق بينهم وبين الزناة من جهة ما يرجع إلى نفوسهم، وإن تميزوا عنهم بإقامة سنة النكاح، والموافقة لسياسة المدنية.

وأيضًا: فإن اعتيادهن بذلك وعدم مبالاة الناس به، وعدم حزنهم عليه يفتح باب الوقاحة، وألا يجعل كل منهما ضرر الآخر ضرر نفسه، وإن تخون كل واحد الآخر يمهد لنفسه إن وقع الافتراق، وفي ذلك ما لا يخفى من المفاسد والأضرار»(8).

وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على الاستهتار بالرباط المقدس والشراكة الزوجية، والاستهانة بما يعرضها للانهيار والدمار، فلا يبالي بأولاده ومصيرهم، ولا يهتم إلا بنفسه فحسب.

3- الطلاق الثلاث بكلمة واحدة: إن مما تعجلَ فيه الناس، وحرجوا أنفسهم، وشقُّوا عليها؛ الطلاق الثلاث بكلمة واحدة، فحرموا أنفسهم أناة الشرع وسعته، حيث شرع الطلاق مرتين، في كل طهر مرة، ومن ثَم فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، ولا يخفى أن في ذلك فرصة أن يراجع المرء نفسه، ويتدبر أمره، ويقف على ما ينفعه، غير أن كثيرًا من الناس قد تجاوزوا هذا، يدفعهم الغضب، ويستفزهم الشيطان، فيطلق الرجل امرأته ثلاثًا، وبعد الفيئة يدرك عِظَم فعله وفداحته، فينطلق هائمًا يلتمس مخرجًا من هنا أو من هناك.

وعن مالك أنه بلغه أن رجلًا جاء إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال: «إني طلقت امرأتي ثماني تطليقات»، فقال ابن مسعود: «فماذا قيل لك؟»، قال: «قيل لي إنها قد بانت مني»، فقال ابن مسعود: «صدقوا، من طلق كما أمره الله فقد بين الله له، ومن لبس على نفسه لبسًا جعلنا لبسه ملصقًا به، لا تلبسوا على أنفسكم ونتحمله عنكم، هو كما يقولون»(9).

فضيقوا على أنفسهم فيما وسع الله عليهم، وشددوا فيما يسر الله لهم، ولو صبروا لكان خيرًا لهم.

4- الطلاق لغير السنة: إن طلاق السنة، الذي يجب التقيد به طاعة لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم لمن عزم على الطلاق، أن يكون الطلاق في حال طُهْرٍ لم يحصل فيه جماع، أو في حال الحمل الذي تبين، وأن يكون بطلقةٍ واحدة فقط، وألا يتبعها بطلقةٍ أخرى حتى تنتهي عدَّتها.

وأما المحظور فالطلاق في الحيض، أو في طهر جامعها فيه؛ لأن المطلق خالف السنة، وترك أمر الله تعالى ورسوله، قال الله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق:1]، وقد بَيَّن النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمر لما طلق امرأة له وهي حائض تطليقة واحدة، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يراجعها، ثم يمسكها حتى تطهر، ثم تحيض عنده حيضة أخرى، ثم يمهلها حتى تطهر من حيضتها، فإن أراد أن يطلقها فليطلقها حين تطهر من قبل أن يجامعها، فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء(10).

ولأنه إذا طلق في الحيض طوَّل العدة عليها؛ فإن الحيضة التي طلق فيها لا تحسب من عدتها، ولا الطهر الذي بعدها عند من يجعل الأقراء الحيض، وإذا طلق في طهر أصابها فيه لم يأمن أن تكون حاملًا فيندم، وتكون مرتابة لا تدري أتعتد بالحمل أو الأقراء(11)؟

 لقد حوّل الطلاق من حلٍ لمشكلة إلى مشكلةٍ تحتاج إلى حل، وبدلًا من أن ينتظر الرجلُ المرأةَ حتى تطهر من حيضها أو يستبين حملها، ثم يفعل ما يشاء من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، اندفع إلى الطلاق بلا روية.

وهناك أيمان للطلاق تكون معلقة على فعل الزوجة شيئًا لا يريده الزوج؛ كقوله لها: إن فتحت الباب لفلان فأنت طالق، أو إن خرجت بغير إذن فأنت طالق، وفي هذه الحالة فإن الطلاق يقع إن فعلت ما علق عليه الطلاق، كما يقول الأئمة الأربعة؛ لأن المعلق هو شرط يقع عند حدوث هذا الشرط، ولكن نظرًا لكثرة اللغو في هذه الأيمان، فقد أخذ البعض برأي الإمام ابن تيمية، وهو أننا نسأل الزوج عن نيته عندما قال هذا الكلام، فإن كان يريد منه التهديد والزجر ولا يريد التطليق فإن عليه أن يكفر كفارة يمين ولا يقع الطلاق.

فالأحكام في الشريعة تدور على الألفاظ والمقاصد أو النيات وليس أحدهما فحسب.

وآيات الله التي بينها في العشرة والطلاق واضحة مستقيمة جادة، تقصد إلى تنظيم هذه الحياة وإقامتها على الجد والصدق، فإذا هو استغلها في إلحاق الإضرار والأذى بالمرأة، متلاعبًا بالرخص التي جعلها الله متنفسًا وصمام أمن، واستخدم حق الرجعة، الذي جعله الله فرصة لاستعادة الحياة الزوجية وإصلاحها، في إمساك المرأة لإيذائها وإشقائها؛ إذا فعل شيئًا من هذا فقد اتخذ آيات الله هزوًا، وذلك كالذي نراه في مجتمعنا الجاهلي الذي يدعي الإسلام في هذه الأيام، من استخدام الرخص الفقهية وسيلة للتحايل والإيذاء والفساد، ومن استخدام حق الطلاق ذاته أسوأ استخدام، وويل لمن يستهزئ بآيات الله دون حياء من الله(12).

5- الاعتداء في استعمال حق الطلاق: يقول الله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة:231].

هذا أمر من الله عز وجل للرجال، إذا طلق أحدهم المرأة طلاقًا له عليها فيه رجعة، أن يحسن في أمرها إذا انقضت عدتها، ولم يبق منها إلا مقدار ما يمكنه فيه رجعتها، فإما أن يمسكها؛ أي يرتجعها، إلى عصمة نكاحه، بمعروف؛ وهو أن يشهد على رجعتها، وينوي عشرتها بالمعروف، أو يسرحها؛ أي يتركها حتى تنقضي عدتها ويخرجها من منزله بالتي هي أحسن، من غير شقاق ولا مخاصمة ولا تقابح، قال الله تعالى: {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا}، قال ابن عباس ومجاهد ومسروق والحسن وقتادة والضحاك والربيع ومقاتل بن حيان وغير واحد: كان الرجل يطلق المرأة، فإذا قاربت انقضاء العدة راجعها، ضرارًا لئلا تذهب إلى غيره، ثم يطلقها فتعتد، فإذا شارفت على انقضاء العدة طلق لتطول عليها العدة، فنهاهم الله عن ذلك، وتوعدهم عليه، فقال: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ}؛ أي: بمخالفته أمر الله تعالى.

وقال مسروق: «هو الذي يطلق في غير كنهه، ويضار امرأته بطلاقها وارتجاعها لتطول عليها العدة»، وقال الحسن وقتادة وعطاء الخراساني والربيع ومقاتل بن حيان: «هو الرجل يطلق ويقول: كنت لاعبًا، أو يعتق أو ينكح ويقول: كنت لاعبًا»، فأنزل الله {وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللهِ هُزُوًا} فألزم الله بذلك.

وعن مجاهد عن ابن عباس قال: «طلق رجل امرأته وهو يلعب لا يريد الطلاق، فأنزل الله: {وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللهِ هُزُوًا} فألزمه رسول الله صلى الله عليه وسلم الطلاق».

وعن الحسن هو البصري قال: «كان الرجل يطلق ويقول: كنت لاعبًا، ويعتق ويقول: كنت لاعبًا، وينكح ويقول: كنت لاعبًا، فأنزل الله: {وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللهِ هُزُوًا}»(13).

قال الشوكاني: «{وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللهِ هُزُوًا}؛ أي: لا تأخذوا أحكام الله على طريقة الهزء، فإنها جد كلها، فمن هزل فيها فقد لزمته، نهاهم سبحانه أن يفعلوا كما كانت الجاهلية تفعل، فإنه كان يطلق الرجل منهم أو يعتق أو يتزوج ويقول: كنت لاعبًا، قال القرطبي: ولا خلاف بين العلماء أن من طلق هازلًا أن الطلاق يلزمه»(14).

قال ابن القيم رحمه الله: «تضمنت هذه السنن أن المكلف إذا هزل بالطلاق أو النكاح أو الرجعة لزمه ما هزَل به، فدل ذلك أن كلام الهازل معتبر وإن لم يُعتبر كلام النائم والناسي، وزائل العقل والمكرَه.

والفرقُ بينهما: أن الهازل قاصد للفظ غير مريد لحكمه، وذلك ليس إليه، فإنما إلى المكلف الأسباب، وأما ترتب مسبَّبَاتها وأحكامها فهو إلى الشارع، قَصَدَه المكلف أو لم يقصده، والعبرة بقصده السبب اختيارًا في حال عقله وتكليفه، فإذا قصده رتب الشارع عليه حكمه، جدَّ به أو هزل، وهذا بخلاف النائم والمبرسم [وهو الذي يهذي لعلة في عقله] والمجنون وزائل العقل، فإنهم ليس لهم قصد صحيح، وليسوا مكلفين، فألفاظهم لغو بمنزلة الطفل الذي لا يعقل معناها ولا يقصده.

وسر المسألة: الفرق بين من قصد اللفظ وهو عالم به ولم يُرد حكمه، وبين من لم يقصد اللفظ ولم يعلم معناه، فالمراتب التي اعتبرها الشارع أربعة:

إحداها: أن يقصد الحكم ولا يتلفظ به.

الثانية: ألا يقصد اللفظ ولا حكمه.

الثالثة: أن يقصد اللفظ دون حكمه.

الرابعة: أن يقصد اللفظ والحكم.

فالأوليان لغو، والآخرتان معتبرتان، هذا الذي استفيد من مجموع نصوصه وأحكامه»(15).

وقال الشيخ ابن عثيمين: «يقع الطلاق من الجاد ومن الهازل، والفرق بينهما أن الجاد قصد اللفظ والحكم، والهازل قصد اللفظ دون الحكم»(16).

ثم إن النظر يقتضيه؛ لأننا لو أخذنا بهذا الأمر وفتحنا الباب لادّعى ذلك كل واحد، وحينئذٍ لا يبقى طلاق على الأرض، فالصواب أنه يقع، سواء كان جادًا أو هازلًا.

ثم إن قولنا بالوقوع فيه فائدة تربوية؛ وهي كبح جماح اللاعبين، فإذا علم الإنسان الذي يلعب بالطلاق أنه يؤاخذ به فإنه لن يَقْدم عليه أبدًا.

***

___________

(1) حكم كثرة الحلف بالطلاق، موقع: طريق الإسلام

(2) أخرجه البخاري (2679).

(3) فتاوى المرأة المسلمة (2/ 753).

(4) أخرجه البخاري (1).

(5) فتاوى المرأة المسلمة (2/ 754).

(6) فتاوى اللجنة الدائمة (20/ 86).

(7) حكم الإكثار من الحلف بالطلاق، موقع ابن باز.

(8) عمل المرأة والاختلاط وأثره في انتشار الطلاق، مجلة البحوث الإسلامية (العدد:77، ص357).

(9) موطأ الإمام مالك (2/ 550).

(10) أخرجه مسلم (1471).

(11) المغني، لابن قدامة (7/ 364).

(12) في ظلال القرآن (1/ 252).

(13) تفسير ابن كثير (1/ 475).

(14) فتح القدير، للشوكاني (1/ 278).

(15) زاد المعاد (5/ 204-205).

(16) الشرح الممتع (10/ 461).