إبداع اللسان واستماع الأذنين
إن أي نجاح لأي علاقة زوجية يتوقف على هذين العضوين، اللسان والأذنين، فإذا ما كان الكلام موزونًا وفي موضعه، وغير جارح أو مستفز، والطرف الآخر منصتًا ومستمعًا بكلتا أذنيه، فلا شك أن التواصل بين الزوجين سيكون ناجحًا جدًا وفي أوج قوته، أما إذا كان اللسان يطلق كلماتٍ جارحة وعباراتٍ تدعو للاستفزاز فلا شك أن العلاقة ستسوء بين الزوجين، ناهيك أن اللسان قد لا يطلق مثل هذه الكلمات؛ بل قد تكون كلمات غير مؤذية، ومع ذلك تؤدي إلى توتر العلاقة بين الزوجين، والسبب هو سوء فهم تلك العبارات العادية غير المؤذية، أو عدم إنصات الأذنين للكلام، وعدم الاستماع لما ينطق به اللسان.
وأعني هنا الاستماع وليس السمع، فكل الأزواج يسمعون لبعضهم، لكن النادر منهم من يستمع وينصت إلى شريكه بكلتا أذنيه، فالسمع هو وصول الكلام إلى الأذن دون حضور للوجدان أو فهم لهذا الكلام، أما الاستماع فهو الإنصات لهذا الكلام والشعور به والانفعال معه؛ وبالتالي فهم هذا الكلام وإمكانية الرد عليه بطريقة صحيحة، ترضي الطرف الآخر.
إن علماء التنمية البشرية عندما تحدثوا عن التواصل الفعال والاتصال الناجح وفن الإنصات، كانوا لا يوجهون كلامهم إلى أرباب العمل وإلى الموظفين والمدرسين والطلاب فقط، وإنما إلى أي طرفين في أي علاقة إنسانية، وأسمى العلاقات الإنسانية هي العلاقة الزوجية، وبالتالي كان من الضروري جدًا على الأزواج أن يتعلموا الاتصال الناجح وفن الإنصات، فالعلاقة بينهم قائمة على التواصل اليومي المباشر، والذي يربو على أي تواصل آخر لكل طرف منهما مع غيرهما، كما أن أي إنسان منا إذا وجد من يستمع إليه وينصت له، فإنه يحبه، وكلما زاد الإنصات وقوي الاستماع زاد الحب.
إن أي رسالة بين اثنين قوامها حركة الجوارح ومنطوق اللسان؛ أي إشارة اليدين وتفاعل العينين وقسمات الوجه، وكذلك كلمات اللسان، ومع الزوجين يكون عامل ثالث هام جدًا وهو ثقة طرفي العلاقة الزوجية في بعضهما، ولست أعني بها الثقة التي تقوم عليها العلاقة الزوجية، وإنما أعني بها ثقة كل منهما في أن الطرف الآخر لن يبث هذا الكلام الذي يقوله لغيره، فالمرأة دائمًا ما يكون لها صديقة أو قريبة أو حتى أمها، تبث إليها غالب أمورها، وكثيرًا ما تقع الزوجة هنا في الكلام عن زوجها وحاله، وعندها تذكر ما أخبرها به زوجها، وهو ما يضايقه، وعند هذه اللحظة يشعر الزوج بعدم ثقة تؤدي به إلى عدم البوح لزوجته ببعض الأمور التي لا يحبها أن تخرج خارج نطاق علاقته الزوجية.
وبناءً على ما سبق فإن من أراد حسن الاستماع والإنصات، وبالتالي علاقة زوجية ناجحة، عليه أن يتصف بتلك الصفات:
"أولًا: أن يستخدم عينيه ووجهه وكيانه جميعًا، لا أذنيه وحسب، فالانتباه يعني تركيز الوظائف جميعًا، وحاول، إن استطعت، أن تشرح شيئًا لشخص يسرح ببصره في أنحاء الغرفة، ويدق بأصابعه على حافة مقعده، ويميل بجسمه بعيدًا عنك.
إنما المستمع الواعي هو الذي ينظر إليك وأنت تحدثه، ويميل بجسمه قليلًا تجاهك، ويتجلى أثر حديثك على قسمات وجهه.
فإذا أراد كلا الزوجين أن يكونا مستمعين جيدين وجب عليهما أن يفعلا ما ينم عن شغفهما بالحديث واهتمامهما به.
ثانيًا: أن يتعلم المستمع كيف يسأل أسئلة توجيهية:
فما هو السؤال التوجيهي؟
هو سؤال يوجه المسئول من طرف خفي إلى جواب معين في ذهن السائل نفسه؛ فالأسئلة المباشرة كثيرًا ما تكون ثقيلة على المسئول، أما الأسئلة التوجيهية فتضفي بهجة وحياة على المناقشة.
والبراعة في توجيه الأسئلة التوجيهية براعة مطلوب توافرها في كل من يرغب في أن يكون مستمعًا جيدًا، وهو فن يمكن أن تمارسه الزوجة أو الزوج لتوجيه شريك الحياة الوجهة الصحيحة، دون أن يبدو أنه، أو أنها، يسدي، أو تسدي، النصيحة أو الإرشاد، كأن تسأل الزوجة زوجها: أتعتقد يا عزيزي أن مزيدًا من الإعلان قد يجعل تجارتك أكثر رواجًا، أم أنها مجازفة لا داعي لها؟
فليس في مثل هذا السؤال إسداء للنصيحة، ولكن في نتيجته بالنصيحة أشبه.
ثالثًا: ألا يخون المستمع ثقة المتحدث فيه:
لعل من أهم الأسباب التي من أجلها يعزف بعض الأزواج عن مناقشة مسائل أعمالهم مع زوجاتهم، أنهم لا يثقون في كتمانهم للسر، ولا يأمنون أن تثرثر الزوجات بهذه المسائل لصديقاتهن ومعارفهن" [ادفعي زوجك إلى النجاح، دورثي كارنيجي، ص39-43، بتصرف واختصار].
فبتوافر هذه الصفات السالفة الذكر يصبح الحوار بين الزوجين ناجحًا، ثم يتم تكليل هذه الصفات بالاستماع والإنصات الجيد، مع التأكد من الفهم، وذلك أن يعيد المستمع، بعد كل عدة جمل، ما سمعه، أو يلخص الأفكار الأساسية المتضمنة لهذا الكلام، حتى يتأكد الطرفان من وصول المعنى الصحيح فيما بينهما، فإذا كان الكلام غير صحيح كان على الطرف الآخر أن يوضح للمستمع أن هذا لم يكن مفهوم الكلام الذي قاله، وإنما أراد أن يقول كذا وكذا، وهكذا، حتى يصل الزوجان إلى الهدف الحقيقي للكلام، وعندها يستطيعان التوصل إلى نتيجة مرضية لهذا الحوار، ولا ينتج عن هذا الحوار مشكلة أخرى.
إن محاولة الاستماع مع التأكد من الفهم، من خلال إعادة عبارة المتكلم، وبيان المغزى منه، مع إقرار المتكلم بذلك، يجعل الأمور واضحة، ويجعل الكلام له معنى واحد عند الطرفين، فمن شأن هذه الطريقة أن "تقوي الرابط الزوجي، من خلال تحقيق حاجة كل طرف إلى أنه قد استُمع إليه، وأنه قد فُهم تمامًا من قِبل الآخر، ويتكلم في هذه الطريقة أحد الزوجين، بينما الآخر يقوم بالاستماع، ومن ثم يحاول أن يعكس أو يكرر ما قاله الأول، وذلك للتأكد من أنه قد سمع وفهم تمامًا ما أراده" [التفاهم في الحياة الزوجية، د. مأمون مبيض، ص117].