logo

بين تقويم الفعل وتقويم الفاعل


بتاريخ : الأحد ، 10 صفر ، 1437 الموافق 22 نوفمبر 2015
بقلم : تيار الاصلاح
بين تقويم الفعل وتقويم الفاعل

لا شك أن الخطأ وارد في حق كل إنسان، وخاصة الأبناء؛ وذلك نتيجة لقصر فهمهم، وقلة خبرتهم بالحياة، وعدم وعيهم الكامل بالصحيح وغير الصحيح، وكذلك قلة تفقههم في الدين لصغر سنهم؛ لذا، يجب على الآباء والأمهات أن يتعاملوا مع هذه الأخطاء بتلك الخلفية السابقة عن الأبناء، فإذا ما أخطأ الابن فلا شك أن تقويم الفعل أنه فعل خاطئ، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن الابن فاشل أو كسول أو غبي؛ بل يجب أن نقول له: هذا عمل خاطئ، وأنت ولد صالح، ولا ينبغي لك أن تفعل مثل تلك الأمور.

أما أن نقول للابن: أنت فاشل وغير مهذب؛ لأنه ارتكب فعلًا غير صحيح، فهذا خطأ فادح، فهناك فرق بين الفعل والفاعل، فتقويم الفعل أنه غير صحيح، ثم يجب تقويم الفاعل وتشجيعه، وذكر الإيجابيات التي بداخله والتي يتقنها، فيبحث الابن في نفسه عن السلبيات ويحاول تغييرها، كما أن هذا التشجيع والتحفيز، وترديد الإيجابيات على مسامعه يدفعه نحو الاستزادة من الصفات الطيبة، والحرص على أداء الأعمال الطيبة.

إذن، ينبغي للآباء والأمهات أن يتعاملوا مع الابن غير تعاملهم مع الخطأ الذي وقع فيه الابن؛ بل عليهم أن يركزوا على الجانب الإيجابي في فعل الابن، فربما فعل أمرًا خاطئًا، ولكن هذا الأمر كان يتطلب شجاعة وجرأة، فحينها يستطيع الآباء والأمهات أن يثنوا على شجاعة الابن وإقدامه، مع بيان أن هذا الفعل غير صحيح، ولا ينبغي لإنسان عنده شجاعة وإقدام أن يفعل مثل تلك الأمور.

والنبي صلى الله عليه وسلم يضرب لنا المثال الحي في ذلك، فقد روى النسائي في السنن الصغرى عن أبي محذورة قال: «لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين خرجت عاشر عشرة من أهل مكة نطلبهم، فسمعناهم يؤذنون بالصلاة، فقمنا نؤذن نستهزئ بهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد سمعت في هؤلاء تأذين إنسان حسن الصوت»، فأرسل إلينا، فأذنا رجلٌ رجلٌ، وكنت آخرهم، فقال حين أذنت: «تعال»، فأجلسني بين يديه، فمسح على ناصيتي، وبرَّك علي ثلاث مرات، ثم قال: «اذهب فأذن عند البيت الحرام». قلت: كيف يا رسول الله؟ فعلمني كما تؤذنون الآن بها»(1).

لا شك أن أبا محذورة قد ارتكب خطأً كبيرًا، ومع ذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوبخه على فعله هذا ولم يعنفه، وإنما توجه مباشرة إلى النقطة الإيجابية في أبي محذورة، وكأنه صلى الله عليه وسلم يريد أن ينبه أصحابه إلى كيفية التعامل مع الفتيان، فهو صلى الله عليه وسلم يقول لهم: «قد سمعت في هؤلاء تأذين إنسان حسن الصوت»، ثم حين يأتون بالفتية يطلب منهم الأذان، كل واحد منفرد عن صاحبه؛ حتى يعلم صلى الله عليه وسلم من هو صاحب الصوت الحسن، وبهذا يوجهنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى جانب جيد في سلوك هذا الفتى الذي استهزأ بالأذان، وهذا الجانب الجيد هو صوته الحسن، فعزز النبي صلى الله عليه وسلم فيه هذه الصفة الحسنة، حتى أصبح أبو محذورة مؤذن رسول الله في مكة، كما كان بلال مؤذنه في المدينة.

لقد كان الثناء على الأمر الحسن، الذي يتمتع به الشخص، هو عادة النبي صلى الله عليه وسلم في تعامله مع أصحابه عامة، فها هو صلى الله عليه وسلم يطلق على عمه حمزة لقب "أسد الله"؛ لجرأته وشجاعته، ويطلق على خالد بن الوليد رضي الله عنه لقب "سيف الله المسلول"؛ لحنكته في الحرب ومهارته في استخدام السيف، ويطلق على أبي بكر الصديق رضي الله عنه لقب "الصديق"؛ لأنه بادر إلى تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم ولازم الصدق، ويطلق على عمر بن الخطاب رضي الله عنه لقب "الفاروق"، وعلى عثمان رضي الله عنه لقب "ذو النورين"، وعلى أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه لقب "أمين الأمة"، وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما "ترجمان القرآن وحبر الأمة"، وهكذا دائمًا كان النبي صلى الله عليه وسلم في تعامله مع أصحابه، حتى أصبح كل واحد منهم مثالًا فذًا فيما وصفه به النبي صلى الله عليه وسلم.

"الخير والشر، والتفوق والخمول، لدى أبنائنا هي أشياء نسبية، وليست مطلقة، وينبغي أن نكون على وعي بذلك، وعلينا أن نتساءل: ما الذي نجنيه إذا نظرنا إلى أسوأ ما في أبنائنا، ومن ثم أوقعناهم في دوامة اليأس واحتقار الذات؟ وماذا نستفيد إذا نظرنا إلى نقاط القوة لديهم وأخذنا في تشجيعهم، وبث روح الأمل والرجاء فيهم؟

إن تشجيع الابن وتذكيره بنقاط القوة لديه، وما يمكن أن ينجزه ويقوم به يظل أعود عليه بالنفع من إيقاعه في القنوط، ووضع العقبات في طريقه.

فلماذا لا نتخذ من إيجابيات أبنائنا رأس جسر لبناء إيجابيات أكثر وأعظم؟"(2).

إن على الآباء والأمهات أن يكتشفوا ما في أبنائهم من المميزات الجيدة والصفات الحسنة، وما يتمتعون به من مواهب وبوادر خير وسمات طيبة، ثم عليهم أن يركزوا على تلك السمات والصفات، ويثنوا عليها، ويشجعوا الأبناء على التمسك بها، فهم بذلك ينشطوا تلك الصفات والسمات، ويفعلوها في نفوس الأبناء، وهو ما يسمى بمهارة اكتشاف الإيجابيات.

حيث يجب على الآباء والأمهات أن يتقنوا هذه المهارة؛ ذلك لأن اكتشاف السلبيات يقدر عليه أي أحد، أما اكتشاف الإيجابيات يحتاج من الآباء والأمهات إلى اهتمام وتروٍ في إصدار الأحكام على الأبناء، وعلم بملابسات الخطأ الذي وقع فيه الابن، وحينها يستطيع الآباء والأمهات اكتشاف الإيجابيات داخل هذا الفعل الخاطئ؛ ومن ثم الثناء على الابن وتشجعيه على تلك الإيجابية، مع بيان أن هذا الخطأ لا ينبغي أن يصدر منه، وبالتالي يشب الابن على هذه المعاني الطيبة والصفات الحسنة.

ـــــــــــ

(1) سنن النسائي (633)، وصححه الألباني.

(2) بناء الأجيال، للدكتور عبد الكريم بكار، ص64-65، بتصرف.