logo

على أعتاب الدراسة


بتاريخ : الأحد ، 14 ربيع الآخر ، 1437 الموافق 24 يناير 2016
بقلم : تيار الاصلاح
على أعتاب الدراسة

ها هي الدراسة على الأبواب، ويستعد الآباء والأمهات لتهيئة الأبناء للدارسة، وذلك من خلال جلب لوازم الدراسة ومتعلقاتها، وكذلك التأهيل النفسي للأبناء، فكثير من الأبناء ترتبط الدراسة في أذهانهم بالتقيد والتعب والمشقة، وكذلك الخوف من عدم أداء الواجبات، فهم يماطلون في أداء الواجبات، ويتهربون من أدائها، وذلك، في أحيان كثيرة، بسبب عدم معرفتهم أدائها والإجابة عليها.

وإذا كانوا على علم ودراية بأدائها وإجاباتها، فإنهم يؤدونها بسرعة شديدة، ودون بذل أدنى جهد ودون تركيز، وهنا يصاب الآباء والأمهات بالإحباط وخيبة الأمل في كلتا الحالتين؛ فهم يريدون لأبنائهم أن يحصلوا على أعلى الدرجات، ولا شك أن الواجبات المنزلية تقوي مهارات الأبناء، فالممارسة تصنع التفوق.

والأبناء إنما يماطلون في أداء الواجبات ويتهربون منها بسبب عدم معرفتهم أدائها والإجابة عليها، كما ذكرنا سابقًا، وكذلك لأنهم يرون هذه الواجبات المنزلية عملًا متكررًا ومملًا؛ بل ربما نظروا إليها كلون من ألوان العقاب.

وهنا الدور المهم للآباء والأمهات لتصحيح تلك النظرة الخاطئة، تجاه الدراسة المدرسية والواجبات المنزلية، وفي البداية لا بد أن نؤكد على أنه إذا لم يكن داخل الابن الدافع الداخلي لأداء واجباته المنزلية، فلن تجدي المحاولة الخارجية لإلزامه بأداء الواجبات المنزلية، بمعنى أنها لن تؤتي الثمرة المرجوة منها، وهي حب أداء الواجبات المنزلية والاهتمام بها.

وبالتالي فإن أول ما يجب على الآباء والأمهات هو أن يعلموا أن أداء الواجبات المنزلية هي مهمة الأبناء، وليست مهمة الآباء والأمهات، وهذا أمر مهم جدًا، فكثير من الآباء، والأمهات خصوصًا، حينما يرون الابن بعد الدراسة متعبًا أو يشتاق إلى بعض اللهو بألعابه، فإنهم يسمحون له باللعب ويقومون بأداء الواجب نيابة عنه، وهذا من أشد الأخطاء التي يقعون فيها.

إن دور الآباء والأمهات، تجاه الواجبات المنزلية المنوط بالأبناء أدائها، يقتصر على المساعدة والمعاونة فقط، وليس القيام بأداء الواجبات المنزلية بدلًا منهم.

فلا ينبغي أبدًا أن يقع الأب أو الأم في هذا الخطأ، وإذا كان أحد من الآباء أو الأمهات قد وقع في هذا الخطأ فيجب عليه فورًا أن يتوقف.

وبعد أن يعلم الآباء والأمهات أن الدور المنوط بهم إنما هو المساعدة والمعاونة، يجب عليهم بعدها أن يُعلِّموا الأبناء أن مهمتهم تجاههم إنما هي المساعدة والمعاونة.

ثم يجب على الآباء والأمهات أن يقوما بتحديد موعد ثابت للقيام بالواجبات المنزلية، ويا حبذا لو تم تحديد هذا الموعد بالتشاور مع الأبناء، ومن الأفضل كذلك تحديد مواعيد النشاطات الأخرى؛ كالرياضة والتنزه وغير ذلك.

فإذا ما أتى موعد أداء الواجبات المنزلية، وبدأ الابن في القيام بواجبه، ووقفت أمامه بعض الأسئلة التي يصعب عليه حلها، فيمكن أن يقوم الوالدان بمساعدته، وذلك عبر نقاش هذه الأسئلة معه، ومحاولة تبسيطها، وتقريب الحلول إلى عقله، فيدرك حينها أن لكل مشكلة حل.

ومن المهم جدًا أن يقوم الآباء والأمهات بتشجيعه على كل خطوة من خطوات الحل، فيقال له: لقد قمت بأداء الخطوة الأولى بشكل صحيح، وأنا واثق من أنك ستقوم بأداء الثلاث خطوات التالية بدون مساعدتي.

وبهذه الطريقة يستطيع الابن أداء واجباته المنزلية، وكذلك استطعنا أن نغرس في أبنائنا ملكة التفكير الإبداعي، فمساعدة الطفل على أداء واجباته المنزلية بهذه الطريقة هي طريقة عملية للتفكير الإبداعي، وتحليل المواقف، ومحاولة حلها والاستفادة منها.

وقد يلاحظ الآباء والأمهات أن الابن بعد ذلك، وفي بعض الأحيان، قد أدى واجباته بسرعة، وهنا يجب عليهم أن ينظروا إلى واجباته، فإن أداها بدقة وعلى الوجه المراد فلا حاجة لمعاقبته أبدًا؛ بل نرى أنه ابن نابغ، ويملك موهبة يجب الاستفادة منها وتنميتها، أما إذا كان أداء الواجبات المنزلية غير دقيق وعلى غير المراد، فيمكن حينها أن يطلب منه والداه إعادة الواجبات مرة أخرى بدقة وبتأن.

وهناك أمر مهم يقع فيه الآباء والأمهات كثيرًا، وهو حصر الهدف من الدراسة وأداء الواجبات المنزلية في الحصول على الدرجات العليا فقط، وهذا أمر خاطئ؛ لأن هذا الأمر لا يرشده إلى حب العلم، أو معرفة قيمة العلماء بقدر ما يشعره أن عليه اقتحام المادة الدراسية ليحفظها، ويتفوق على أقرانه وزملائه.

إنما لا بد وأن يعلم أن هناك هدفًا أسمى للعلم، وهو تعمير هذه الحياة، وإعلاء قيمة الإنسان، ومعرفة الله عز وجل ورفع دينه.

إن الآباء والأمهات وهم يدربون الابن على أداء واجباته المنزلية، وتدريبه على كيفية حل المسائل التي يشكل حلها عليه، فإنهم إنما يفتحون أمامه آفاقًا واسعة وعالية، فالتدريب يُكسب الابن معرفة وعلمًا، فعندما يبدأ جسده بالنمو، ويبدأ في تشغيل يديه في عمل من الأعمال فإن ذلك يثير في عقله الانفتاح، واليقظة، وحب الاطلاع على خبايا هذا العمل الذي يقوم به، وحينها يخرج النابغة الذي يستطيع اكتشاف ما لم يكتشفه غيره، وكل هذا من خلال هذه النفسية التي نشأت على التدريب، وعلى إتقان العمل، وعلى التفكير الإبداعي لحل المسائل المعضلة التي تواجهه.

ولا يوجد أفضل من التجارب العملية في تدريب الطفل، فهي التي تفتح له آفاق معرفته، وتوسع له مدارك فهمه، وتجعل ذهنه وعقله متقدًا دائمًا.

ولقد كان هذا أسلوب النبي صلى الله عليه وسلم في تعامله مع الغلمان، وتنمية مداركهم، وتوسيع آفاق تفكيرهم، فقد أخرج أبو داود عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بغلام يسلخ شاة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تنح حتى أريك»، فأدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يده بين الجلد واللحم فدحس بها، حتى توارت إلى الإبط، وقال: «يا غلام، هكذا فاسلخ»(1).

وهكذا هي المساعدة والمعاونة والتدريب، فكل هذا يساعد الابن على تجاوز العقبات، وحل المشكلات، وفهم الحياة.

________________

(1) صحيح أبي داود (179).