logo

كيف نربي أبناءنا بالابتسامة ..؟


بتاريخ : الأحد ، 5 ربيع الأول ، 1446 الموافق 08 سبتمبر 2024
كيف نربي أبناءنا بالابتسامة ..؟

 أعزائي الآباء والأمهات.. أهلًا بكم

تأتي تربية الأبناء على رأس قائمة المسئوليات الملقاة على عاتق الوالدين، عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله سائل كل راع عما استرعاه، أَحفِظ ذلك أم ضيّع؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته– رواه ابن حبان وصححه الألباني - خاصةً في هذا الزمان الذي تتزايد فيه المؤثرات السلية التي تسير في الاتجاه المعاكس لعملية التربية الصالحة.. هذا الواقع الذي يدفع الكثير من المربين إلى الأخذ بأساليب الشدة والغلظة في التربية ظنًّا منهم أنهم بذلك يسيطرون على الأبناء ويحافظون عليهم ويقيموهم على الطاعة والانضباط...! في حين أن هذا الأسلوب يؤثر بشكل سيء على المربي نفسه قبل الابن فيجعله دائم التوتر، مشدود الأعصاب، وبالطبع عابسًا في معظم أوقاته؛ فلنحتكم إذًا إلى المربي الأول الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم، ولنرَ كيف كان يربي أصحابه وأهله وأطفال المسلمين بالرفق ودوام البشر والابتسام، وكيف كان انجذابهم إليه وشدة تعلقهم به صلى الله عليه وسلم على الرغم من كمال هيبته، وأنه لم يستخدم العنف ولم يضرب بيده خادما ولا امرأة ولا طفلا قط إلا أن يكون تأديبًا على خطأٍ أو مخالفة.

فهم تربوي خاطئ...!

يظن بعض المربين أن دوام التبسم والانبساط مع الأبناء يفسد عليهم عملية التربية، وأنّ العبوس وتقطيب الجبين يمثلان الانضباط والحزم اللازم لنجاح التربية!

ولكنّ العكس هو الصحيح؛ فدوام البِشْر والإبتسام عند رؤية الأبناء من أهم ملامح القوة والقدرة على الإحتواء في شخصية المربي، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق " – رواه مسلم - عن عبد الله بن الحارث رضي الله عنه قال: " ما رأيت أحداً أكثر تبسماً من رسول الله صلى الله عليه وسلم " - رواه الترمذي -.

إنما يقدح في شخصية المربي وأدائه أن يكون مهزارًا، ليس له وقارٌ أو هيبة، بينما المربي الحكيم يستطيع أن يوجّه أبناءه من خلال البسمة والنظرة والهمسة.. ويضم ولده إلى صدره ويقبله ويلاعبه ويصبر على معالجة أخطائه. (محمد بدري: اللمسة الإنسانية، ص:551)

وعليه أن يتوازن بين الإنبساط والإنقباض في سائر شأنه، ولكن مع أسرته وأبنائه يغلّب كثرة التبسّم وطلاقة الوجه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"وتبسمك في وجه أخيك صدقة" وهذا عام، يخصّصه مع ويؤكده في حق الأهل والأبناء قوله صلى الله عليه وسلم:" خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي" – رواه الترمذي –

وورد في كيفية أخذ النفس بالتوازن في هذا الأمر قول الإمام الذهبي رحمه الله:"ينبغي لمن كان ضحوكا بسَّامًا أن يَقْصُرَ من ذلك ويلوم نفسه حتى لا تمجّه الأنفس، وينبغي لمن كان عبوسًا منقبضًا أن يبتسم ويحسّن خُلقه، وكل انحراف عن الاعتدال فمذموم، ولابد للنفس من مجاهدة وتأديب"..وهذا الكلام الهام وإن كان عامًا إلا حاجة المربي إليه أشد من أي أحد نظرًا لأنه يحتاج إلى هذا التوازن – مع تغليب البِشْر والإبتسام – مع أسرته وأبنائه، فالأب المنقبض يجلب إلى أبنائه الغم والهم، ويغلب على حالهم الخوف والتوجس منه، فتصير حبال الود والتواصل بينهم ضعيفة جدا، وفي المقابل إذا غلب عليه الضحك الممقوت وكثرة المزاح سقطت هيبته من أعين أبنائه، مما يضعف قدرته على التأثير والتوجيه لأبنائه.

أهم رسائل الإبتسامة التربوية

والذي نعنيه هنا هو (الابتسامة الموجّهَة)، التي تبعث الرسائل التربوية المختلفة للأبناء بحسب الموقف الذي يستدعي تلك الرسالة، ومن أمثال تلك الرسائل:

-       رسالة الفرح والسعادة به:

وذلك في مواقف التفاعل الحميمة مع الأبناء، مثل اللعب أو الخروج معهم أو أثناء الجلسات الأسرية الدافئة في المنزل، عن جابر رضي الله عنه قال:كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فدُعينا إلى طعام فإذا الحسين يلعب في الطريق مع صبيان فأسرع النبي صلى الله عليه وسلم أمام القوم ثمّ بسط يده فجعل يفرُّ هاهنا وهناك فيضاحكه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أخذه، فجعل إحدى يديه في ذقنه والأخرى بين رأسه وأذنيه ثُمّ اعتنقه وقبّله،ثُمّ قال:"حسين منّي وأنا منه أحبَّ اللهُ من أحبَّه، الحسن والحسين سبطان من الأسباط" (رواه البخاري في كتاب الأدب)

-       رسالة الحب والقبول:

تأتي الحاجة إلى التقدير والقبول في التريب قبل الأخير في هرم الحاجات الإنسانية الذي رتّبه عالم النفس الشهير"إبراهام ماسلو"، ووفقا للقاعدة فإن الطفل لن يستطيع أن ينتقل إلى قمة الهرم ليُشبع الحاجة إلى "تقدير الذات " عبر تكرار النجاح إلا إذا أُشبعت لديه الحاجة إلى التقدير والقبول، والتي يتلقاها من المجتمع المحيط به، وتبدأ من أفراد أسرته وخصوصًا والديه، والإبتسامة عند رؤية الطفل، وتلقيه بها عند استيقاظه من نومه، واستقباله بها عند عودته من المدرسة، تبعث له برسالة متكررة مفادها حب والديه وقبولهما له حتى لو كان له ظروف خاصة مثل الإعاقة أو التشوه، أو المرض المزمن.

-       رسالة الرعاية والنمو الجيد

أيضًا أثبتت الدراسات التي قام بها علماء النفس الألمان أن:" الضحك وخاصة من الأعماق له أثر فعّال في نمو الطفل في سنوات عمره الأولى، وأكد العلماء في هذه الدراسة أن الضحك لا يقل أهمية عن الطعام، وأن الطفل الذي يتلقى البشر ويتبادل الضحك والإبتسام مع والديه كثيراً ينمو نمواً سليماً ويكون أكثر قدرة على التغلب على مشاعر الغضب"

-       رسالة التشجيع والتفوق

يؤكد علماء النفس الأثر الإيجابي للابتسامة في التربية والتعلّم، فقد أكدت إحدى الدراسات أنَّ المرح يوجد مناخاً نفسياً مشحوناً بالسرور والغبطة والارتياح، ومثل هذا النموذج الصحي يطلق القدرات العقلية للتعلم بسهولة ويسر، فالانشراح يهيئ الطاقات العقلية للامتلاء والتمدد، بخلاف مناخ الكآبة والحزن أو التشاؤم الذي يعلم دروساً متشنجة عن الحياة.

-       رسالة العتاب عند الخطأ

إنها "ابتسامة المُغضب" وهذه الابتسامة من أقوى الأساليب تأثيرًا في عتاب المخطيء وإشعاره بذنبه دون توبيخ أو تقريع، وفي ذات الوقت تمنح المخطيء الأمان الكافي لتصحيح الخطأ والتوبة من الذنب. يقول كعب بن مالك رضي الله عنه -كما في الصحيحين- في قصة تخلفه وما كان من شأنه في غزوة تبوك، قال: "فلما قفل النبي صلى الله عليه وسلم راجعاً حضرني همّي - ثم ساق كلاماً- قال: فجئته، فلما رآني تبسَّم تبسُّم المغضب، وقال لي: ما خلّفك؟"  

وأخيرًا.. عزيزي المربي

 لتكن الإبتسامة وطلاقة الوجه هي الأصل في معاملة الأبناء، أما العبوس وتقطيب الجبين فغاية كل منهما أن يوضع في قائمة العقوبات التربوية، التي تستخدم بانضباط إذا لزم الأمر، وكما قال الفاروق رضي الله عنه " "ينبغي للرجل أن يكون في أهله كالصبي، فإذا التمس ما عنده وُجٍدَ رجلاً" (كنز العمال:16/573)

فالأُنس والبِشْرَ وسهولة الخلق، والمداعبة، والمضاحكة مع الأهل والأبناء، هي الطريق الأصْوَب لقيادتهم، وبحسب العابسِين أن يرد فيه مثل هذا الأثر، عن أبي أمامة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "شر الناس الضيق على أهله، قالوا: يا رسول الله وكيف يكون ضيقا على أهله؟ قال: الرجل إذا دخل بيته خشعت امرأته وهرب ولده وفرّ، فإذا خرج ضحكت امرأته واستأنس أهل بيته") مجمع الزوائد حديث رقم: (12700

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع:

-       اللمسة الإنسانية: د. محمد بدري

-       منهج التربية النبوية للطفل: محمد نور بن سويد

-       كيف تكون أحسن مربي في العالم؟:محمد سعيد مرسي

-       أطفال المسلمين كيف رباهم النبي صلى الله عليه وسلم ؟: جمال عبد الرحمن