logo

المرأة وتولي القيادة


بتاريخ : الأحد ، 8 جمادى الأول ، 1446 الموافق 10 نوفمبر 2024
المرأة وتولي القيادة

رؤية شرعية

على الرغم من أن الإسلام أباح للمرأة الخروج من المنزل للقيام بالمهمات المنوعة، لكن لم يجعل من بينها المشاركة في أي عمل سياسي، إضافة إلى أنه وضع لها ضوابط في ذلك الخروج؛ منها عدم الاختلاط بالرجال الأجانب، والخروج يكون لحاجة، ولا تكون خراجة ولاجة، ففي قوله عز وجل: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} [القصص: 25]، بيان لما ينبغي أن تكون عليه المرأة حال مخاطبتها للرجال الأجانب عنها.

فالأصل في المرأة هو القرار في البيت، قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: 33]، وعملها خارج بيتها خروج عن هذا الأصل، فمهمتها الأساسية أن تكون راعية لأسرتها مربية لأطفالها، والشرع قد تكفل لها بضمانات تجعل بقاءها في بيتها عزًا لها وكرامة، ومن ذلك إيجاب النفقة على الرجل، وإسقاط بعض الواجبات التي تستلزم الخروج كصلاة الجماعة، والجهاد، والحج إذا لم يتيسر لها محرم.

والعفة وحفظ العرض، مبدأ شرعي كلي متضمن في المقاصد الشرعية لحفظ ورعاية الضرورات الخمس المجمع على اعتبارها، التي ترجع إليها جميع الأحكام الشرعية، وهي: حفظ الدين، والنفس، والعرض، والعقل، والمال، وأي انتقاص لمبدأ العفة هو عدوان على الشريعة ومقاصدها، وانتهاك لحقوق المرأة والرجل، وإشاعة للفاحشة بين المؤمنين، وحفاظًا على هذا المبدأ العظيم حرم الإسلام الخلوة بالأجنبية، والاختلاط المستهتر، والخضوع بالقول، والسفر للمرأة بدون محرم ونحو ذلك، والمرأة قد تحتاج إلى العمل، أو يحتاج إليها المجتمع فتخرج، إلا أن هناك صعوبات تكتنف عمل المرأة؛ بسبب مخالفة العمل في بعض الأحيان لخصوصية المرأة، كالاختلاط، أو الخلوة، أو العمل خارج المدن مما يجعلها لا تأمن على نفسها؛ كما يشهد بذلك الواقع السيء لكثير من المستشفيات، أو توظيفها مندوبة مبيعات، أو سكرتيرة في الشركات أو المؤسسات (1). 

ومما يطرح في الساحة اليوم؛ الدعوة إلى مساواة المرأة بالرجل، والدعوة إلى فتح مجالات جديدة لعمل المرأة؛ كالعمل في الدفاع المدني، والشرطة، والمحاكم الشرعية، والبلديات، والغرف التجارية الصناعية، ومكاتب العمل والعمال، والمقاولات المعمارية، والأعمال المهنية (كالسباكة، والكهرباء، والنجارة، ونحو ذلك)، والعمل في المصانع، والعمل مضيفة في الطائرة، والسماح لمن يسمّين (سيدات الأعمال) بمقابلة الوفود التجارية، والسفر إلى الخارج، وغير ذلك من الأعمال، التي تخالف طبيعة وفطرة المرأة، أو تعرض للمرأة للمخاطر بدخولها على البيوت مع خلو تلك البيوت من النساء، أو تعرض النساء إلى الخلوة المحرمة، أو البقاء في مكان العمل في أوقات غير مناسبة؛ كالوقت المتأخر من الليل، أو العمل في أماكن بعيدة عن التجمعات السكانية، أو تعريضها للاختلاط؛ وكان يجب الاستفادة من تجارب الدول التي اقتحمت المرأة فيها العمل بقوة، ودون ضوابط أصبحت تتعرض لتحرشات غير أخلاقية في أماكن العمل والدراسة والمنتديات وفي الشوارع.

ومن الأدلة على منع المرأة من تولي الولايات العامة إجماع العلماء، فقد أجمع علماء الأمة على ذلك، وتوالت جميع العصور الإسلامية على منع المرأة من تولي الولايات العامة، عملًا بالنصوص الواردة في هذا الشأن، وقد قال الإمام ابن قدامه الحنبلي في المغني: ولا تصلح المرأة للإمامة العظمى، ولا لتولية البلدان، ولهذا لم يُوَلّ النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من خلفائه، ولا من بعدهم امرأةً قضاءً، ولا ولايةَ بلد، فيما يبلغنا، ولو جاز لم يَخْلُ منه جميع الزمان غالبًا (2).

ومن الأدلة على منع الشريعة الإسلامية من تولي المرأة الولاية العامة، القياس الصحيح المطرد، فقد وجدنا الشريعة تمنع المرأة من إمامة الرجال ولو كان رجلًا واحدًا، ولو كانت أعلم منه وأقرأ منه للقرآن، وتمنعها من الخطبة في الجمعة والأذان، ومن توليها عقد النكاح لنفسها، وذلك كله إشارات واضحة من الشريعة إلى منعها من الولايات العامة. 

إذ لا يعقل أن الشريعة الإلهية المعصومة من التناقض، تحظر على المرأة أن تتولى عقد النكاح لنفسها، ثم تجيز لها أن تكون وزيرة عدل، تتولى أمر كل القضاء ويرجع إلى حكمها كل عقود الأنكحة، والطلاق والرجعة والخلع، وغيره.

كما لا يعقل أن الشريعة الإلهية المعصومة من التناقض، تمنع المرأة من الإمامة في الصلاة، وتجيز لها أن تكون وزيرة لها سلطان تتولى به أمر كل أئمة الصلاة، كما لا يعقل أن تمنع الشريعة المرأة من خطبة المرأة والأذان للصلاة، ثم تجيز لها أن تكون نائبة عن الرجال في مجلس نيابي تحتاج فيه إلى أن ترفع صوتها بالخطب في مشاهد الصراع السياسي.

فأي تناقض -لو فرضنا أنها تحظر على المرأة إمامة الرجال في الصلاة والأذان والخطبة وتولي عقد النكاح لها أو لغيرها، ثم تجيز لها تولي الولايات العامة- أي تناقض توصم به الشريعة أقبح من هذا التناقض العجيب.

أقوال أهل العلم:

قال الإمام البغوي: اتفقوا على أن المرأة لا تصلح أن تكون إمامًا ولا قاضيًا؛ لأن الإمام يحتاج إلى الخروج لإقامة أمر الجهاد والقيام بأمور المسلمين، والقاضي يحتاج إلى البروز لفصل الخصومات، والمرأة عورة لا تصلح للبروز، وتعجز لضعفها عند القيام بأكثر الأمور؛ ولأن المرأة ناقصة، والإمامة والقضاء من كمال الولايات، فلا يصلح لها إلا الكامل من الرجال (3).

وقال الشوكاني: المرأة ليست من أهل الولايات ولا يحل لقوم توليتها؛ لأن تجنب الأمر الموجب لعدم الفلاح واجب (4).

قال الإمام الصنعاني بعد أن أورد حديث «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» (5): فيه دليل على عدم جواز تولية المرأة شيئًا من الأحكام العامة بين المسلمين وإن كان الشارع قد أثبت لها أنها راعية في بيت زوجها... والحديث إخبار عن عدم فلاح من ولي أمرهم امرأة، وهم منهيون عن جلب عدم الفلاح لأنفسهم مأمورون باكتساب ما يكون سببًا للفلاح (6). 

فكلمة «قوم» نكرة تشمل كل قوم، فكل قوم ولوا أمرهم امرأة فإنهم لن يفلحوا... المقصود أن عدم الفلاح رتب على كون الوالي امرأة، ولا فرق فيه بين الفرس والعرب والروم وغيرهم، فإذا كان لا يشمل من سوى الفرس بمقتضى اللفظ فإنه يشمله بمقتضى المعنى (7). 

وقال الإمام القرافي: لم يسمع في عصر من الأعصار أن امرأة وليت القضاء، فكان ذلك إجماعًا؛ لأنه غير سبيل المؤمنين... وقياسًا على الإمامة العظمى (8). 

قال الإمام ابن قدامه الحنبلي في المغني: ولا تصلح المرأة للإمامة العظمى، ولا لتولية البلدان، ولهذا لم يول النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من خلفائه، ولا من بعدهم امرأة قضاء، ولا ولاية بلد، فيما يبلغنا، ولو جاز لم يخل منه جميع الزمان غالبًا (9). 

وقال الشيخ السيد سابق: لا يصح قضاء المقلد ولا الكافر ولا الصغير ولا المجنون ولا الفاسق ولا المرأة؛ لحديث أبي بكرة رضي الله عنه قال: لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى قال: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» (10). 

وعلى ذلك فتولية المرأة واختيارها للرئاسة العامة للمسلمين لا يجوز، وقد دل الكتاب والسنة والإجماع على ذلك، فمن الكتاب: قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء: 34]، والحكم في الآية عام شامل لولاية الرجل وقوامته في أسرته، وكذا في الرئاسة العامة من باب أولى، ويؤكد هذا الحكم ورود التعليل في الآية، وهو أفضلية العقل والرأي وغيرهما من مؤهلات الحكم والرئاسة. 

ومن السنة: قوله صلى الله عليه وسلم لما ولى الفرس ابنة كسرى: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» (11). 

ولا شك أن هذا الحديث يدل على تحريم تولية المرأة لإمرة عامة، وكذا توليتها إمرة إقليم أو بلد؛ لأن ذلك كله له صفة العموم، وقد نفى الرسول صلى الله عليه وسلم الفلاح عمَّن ولاها، والفلاح هو الظفر والفوز بالخير. 

وأيضًا: فإن المصلحة المدركة بالعقل تقتضي عدم إسناد الولايات العامة لهن، فإن المطلوب فيمن يختار للرئاسة أن يكون على جانب كبير من كمال العقل، والحزم، والدهاء، وقوة الإرادة، وحسن التدبير، وهذه الصفات تتناقض مع ما جبلت عليه المرأة من نقص العقل، وضعف الفكر، مع قوة العاطفة، فاختيارها لهذا المنصب لا يتفق مع النصح للمسلمين، وطلب العز والتمكين لهم، والله الموفق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى وصحبه (12). 

وذهب أبو حنيفة إلى جواز توليها القضاء في الأموال دون القصاص والحدود، وقال محمد بن الحسن وابن جرير الطبري: يجوز أن تكون المرأة قاضية على كل حال، إلا أن ابن العربي: في أحكام القرآن نفى صحة ذلك عن ابن جرير الطبري، وتأول قول أبي حنيفة بأن مراده أن تقضي المرأة فيما تشهد فيه على سبيل الاستبانة في القضية الواحدة، لا أن تكون قاضية، قال: وهذا هو الظن بأبي حنيفة وابن جرير، واستدل الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة وأهل الحديث على قولهم بأدلة عديدة، منها: 

1- عدم تكليفها بهذه الولايات في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء الراشدين ومن بعدهم، وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ} [النساء: 105]، قال ابن قدامة في المغني: لم يول النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من خلفائه ولا من بعدهم امرأة قضاءً ولا ولاية بلد، فيما بلغنا، ولو جاز ذلك لم يخل منه جميع الزمان غالبًا (13). 

2- قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34]، قالوا: فهذه الولاية وهي ولاية الأسرة هي أصغر الولايات، وإذ منع الله المرأة من تولي هذه الولاية، فمن باب أولى منعها من تولي ما هو أكبر منها، كالقضاء والوزارة.

قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي بكرة: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة»، قال ابن حجر في الفتح: قال ابن التين: استدل بحديث أبي بكرة من قال: لا يجوز أن تولى المرأة القضاء، وهو قول الجمهور (14).

حديث بريدة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «القضاة ثلاثة: واحد في الجنة، واثنان في النار، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به، ورجل عرف الحق فجار في الحكم، فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار» (15)، قال الشوكاني: وهو دليل على اشتراط كون القاضي رجلًا (16).

الأحاديث النبوية المستفيضة في شأن المرأة، لا تجعل للمرأة ولاية على غيرها، بل ولا على نفسها في أخص شأن من شؤونها وهو النكاح، لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا نكاح إلا بولي....» (17)، وكذلك جاءت السنة بمنع المرأة من السفر وحدها دون محرم، ولا أن تخلو بغير محارمها. 

وآيات القرآن الكريم وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم تؤكد أن حجب النساء على الرجال أطهر للقلوب وأصلح للمجتمع، قال الله تبارك وتعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب: 32- 33]، وقال تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53]، قال ابن العربي في أحكام القرآن: فإن المرأة لا يتأتى منها أن تبرز إلى المجالس، ولا تخالط الرجال، ولا تفاوضهم مفاوضة النظير للنظير.. تجمعها والرجال مجلس تزدحم فيه معهم، وتكون منظرة لهم، ولم يفلح قط من تصور هذا ولا من اعتقده (18). 

إجماع الأمة على منعها من تولي منصب الإمامة الكبرى، أي الخلافة على جميع المسلمين أو بعضهم، ولم يخالف في ذلك أحد من علماء المسلمين في كل عصورهم، قالوا: والقضاء فرع عن الإمامة العظمى، فلا يجوز أن تتولاه امرأة، قال محمد بن أحمد الفاسي في «الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام» المعروف بشرح ميارة: واشترطت فيه -أي القضاء- الذكورة لأن القضاء فرع عن الإمامة العظمى، وولاية المرأة الإمامة ممتنع لقوله صلى الله عليه وسلم: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة»، فكذلك النائب عنه لا يكون امرأة، وبالجملة فمنصب الولاية غير مستحق للنساء(19). 

ويلاحظ من سرد هذه الأدلة أن الجمهور لم يستدلوا على عدم جواز تولي المرأة القضاء بحديث أبي بكرة فقط، بل ذكروا أدلة كثيرة، منها ما ذكره السائل من أن القضاء فرع من الإمامة العظمى. 

ومنصب القضاء الشرعي من الولايات العامة التي لا يجوز شرعًا للمرأة أن تتولاها، كما هو مقرر عند العلماء، وإن أبى ذلك الذين يدَّعون مناصرة قضايا المرأة، فمن المعلوم أن الإسلام قد أكرم المرأة أيما إكرام، وأعطاها كل حقوقها، بخلاف ما عليه الشرائع الأخرى والأنظمة الوضعية، وقضية تكريم الإسلام للمرأة قضية واضحة جلية من خلال نصوص الكتاب والسنة، وإن كان كثير ممن أعمى الله بصائرهم وأبصارهم لا يرونها كما قال الشاعر: 

قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد     وينكر الفم طعم الماء من سقم 

ولا شك أن الله جل جلاله قد خلق الذكر والأنثى وبينهما تفاوت في مجالات عدة، ومنها تفاوت وعدم تساوٍ في بعض الأحكام الشرعية كما قال سبحانه وتعالى: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى}

[آل عمران: ٣٦]، فليست الأنثى كالذكر في كل الأمور، فهنالك فوارق واضحة في الخلقة الطبيعية، وكذلك في الأحكام الشرعية بين الذكر والأنثى، فالمرأة تختلف عن الرجل في أحكام تتعلق بالصلاة والصيام والحج والنفقات والديات وولاية الحكم وغيرها، والتفريق بين الذكر والأنثى مقرر في شريعتنا وفي الشرائع السابقة، وحتى في الأنظمة الوضعية، فالدعوة إلى مساواة الرجل بالمرأة في كل شيء، كذب وافتراء على دين الإسلام، قال الله تعالى {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [القلم: ١٤]، إذا تقرر هذا فإن جماهير أهل العلم لا يجيزون للمرأة أن تتولى القضاء. 

قال الأمير الصنعاني عند شرحه للحديث «لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة»: فيه دليل على أن المرأة ليست من أهل الولايات، ولا يحل لقومها توليتها لأن تجنب الأمر الموجب لعدم الفلاح واجب (20).

وقال الشيخ ابن العربي المالكي: وهذا نص في أن المرأة لا تكون خليفة، ولا خلاف فيه (21). 

ومما يدل على أنه لا يجوز للمرأة أن تتولى القضاء أنه لم يثبت في تاريخ الإسلام وعلى مدى هذه القرون المتطاولة أن تولت امرأة القضاء، فلم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحدٍ من خلفاء المسلمين لا في عهد الراشدين ولا الأمويين ولا العباسيين ولا غيرهم أنهم ولوا امرأة القضاء، ولو حصل لنقل، قال الإمام القرافي: ولذلك لم يسمع في عصر من الأعصار أن امرأة وليت القضاء، فكان ذلك إجماعاً، لأنه غير سبيل المؤمنين (22). 

ولا شك أن فتح هذا الباب إنما هو فتح لباب شرٍ، والمسلمون في غنىً عنه، وهو من باب «من سن في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها، وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء» (23)، ومما يؤكد أنه لا يجوز للمرأة أن تتولى القضاء أن في ذلك مدخلًا للخلطة المنهي عنها شرعًا. 

ويضاف إلى ذلك ما يعتري المرأة من عوارض طبيعية كالحمل والرضاع والحيض والنفاس، وهذه أمور تتعارض مع توليها لمنصب القضاء الذي يحتاج إلى الصحة البدنية والنفسية، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يحكم الحاكم بين اثنين وهو غضبان» (24)، فكيف بالمرأة في حالة غير مستقرة نفسيًا بسبب الحيض أو الحمل أو النفاس.

-----------

(1) عمل المرأة رؤية شرعية/ صيد الفوائد.

(2) المغني لابن قدامة (10/ 36).

(3) شرح السنة للإمام البغوي (10/ 77).

(4) نيل الأوطار (9/ 168).

(5) أخرجه البخاري (4425).

(6) سبل السلام (2/ 576).

(7) الشرح الممتع على زاد المستقنع (15/ 273).

(8) الذخيرة للقرافي (10/ 22).

(9) المغني والشرح الكبير (11/ 380).

(10) الاختلاط بين الرجال والنساء (1/ 237- 239).

(11) سبق تخريجه

(12) مجلة المجتمع (العدد: 890).

(13) المغني لابن قدامة (10/ 36).

(14) فتح الباري لابن حجر (13/ 56).

(15) أخرجه أبو داود (3573).

(16) نيل الأوطار (8/ 303).

(17) أخرجه أبو داود (2085).

(18) أحكام القرآن لابن العربي (3/ 483).

(19) الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام (1/ 11).

(20) سبل السلام (٤/ ٩٦).

(21) أحكام القرآن لابن العربي (3/ 482).

(22) الذخيرة ١٠/ ٢٢).

(23) أخرجه مسلم (1017).

(24) أخرجه الترمذي (1334).