logo

علمه الكدح في الحياة


بتاريخ : السبت ، 27 ربيع الآخر ، 1437 الموافق 06 فبراير 2016
بقلم : تيار الاصلاح
علمه الكدح في الحياة

يظن كثير من الآباء والأمهات أنهم بمجرد تعليم أبنائهم تعاليم الدين الإسلامي، وتلقينهم آدابه وأخلاقه، فإنهم لا شك يستطيعون العيش في هذه الحياة والنجاح والكد فيها، ومواجهة الصعاب، والحقيقة أن مجرد التعليم والتلقين وحده لا يكفي؛ ذلك لأن هذا الدين لم يأت ليعمل في الإنسان دون أي مجهود مقابل من الإنسان نفسه تجاه دينه ونفسه وحياته.

"إن البعض ينتظر من هذا الدين، ما دام منزلًا من عند الله، أن يعمل في حياة البشر بطريقة سحرية خارقة غامضة الأسباب، ودون أي اعتبار لطبيعة البشر، ولطاقاتهم الفطرية، ولواقعهم المادي، في أي مرحلة من مراحل نموهم، وفي أية بيئة من بيئاتهم.

وحين لا يرون أنه يعمل بهذه الطريقة، وحين يرون أن الطاقة البشرية المحدودة، والواقع المادي للحياة الإنسانية، يتفاعلان معه، فيتأثران به، في فترات، تأثرًا واضحًا، على حين أنهما في فترات أخرى يؤثران تأثيرًا مضادًا لاتجاهه، فتقعد بالناس شهواتهم وأطماعهم، وضعفهم ونقصهم، دون تلبية هتاف هذا الدين، أو الاتجاه معه في طريقه.

حين يرون هذا فإنهم يصابون بخيبة أمل لم يكونوا يتوقعونها، ما دام هذا الدين منزلًا من عند الله، أو يصابون بخلخلة في ثقتهم بجدية المنهج الديني للحياة وواقعيته، أو يصابون بالشك في الدين إطلاقًا!.

وهذه السلسلة من الأخطاء تنشأ كلها من خطأ واحد أساسي؛ هو عدم إدراك هذا الدين وطريقته، أو نسيان هذه الحقيقة الأولية البسيطة.

إن هذا الدين منهج إلهي للحياة البشرية، يتم تحقيقه في حياة البشر بجهد البشر أنفسهم في حدود طاقتهم البشرية؛ وفي حدود الواقع المادي حينما يتسلم مقاليدهم، ويسير بهم إلى نهاية الطريق في حدود طاقتهم البشرية، وبقدر ما يبذلونه من هذه الطاقة". [هذا الدين، لسيد قطب، ص5-6].

وبالتالي فإذا ما وجدنا أبناءنا، وأبناء المسلمين جميعًا، في مرتبة متأخرة بين أبناء الأمم الأخرى، فلا يعني هذا أبدًا أن مشكلة تخلف أبناء المسلمين هي بسبب الدين، وهو ما يروج له أعداء هذا الدين، من بني جلدتنا وغيرهم، وإنما هي مشكلة مجتمع نعيش فيه، لا مشكلة دين نؤمن به.

إن الإسلام حق لا يجادل فيه إنسان منصف، ولكن الإنسان المسلم، مثله مثل غيره، تنطبق عليه السنن الكونية التي لا تحابي أحدًا، ولا تقدم أحدًا على أحد، وإنما لا ينجح في هذه الحياة إلا من كد وجد وعمل.

لذلك لا بد وأن نعلم أبناءنا أن العمل والكد والجد والكدح في هذه الحياة هو الذي يكتب تاريخ المسلمين، هو الذي يضمن لهم الحضارة والتقدم والرقي، هو الذي يضمن لهم الحياة الكريمة والعيشة الهانئة، فلا بد من عمل وبذل جهد وتعب في هذه الحياة؛ حتى تؤتي ثمارها، فإن ملكية الحق لا تكفي للنصر، وإنما ينبغي لمن يملك هذا الحق أن يكد، ويجد، ويكدح، ويعمل، ويجتهد، ويضحي في سبيل هذا الحق.

هذا هو اليقين الحق الذي ينبغي أن يكون عليه الإنسان المسلم، أن يعلن أنه ضد الكسل والقعود والخمول والاتكال، وأنه يرفض أن يعيش في هذه الحياة عيشة سلبية لا إيجاب فيها، فهو يرفض أن يعبر هذه الحياة دون تغيير أو إعمار، إنما هو إنسان يجعل العمل والإبداع والكد والكدح والجد والاجتهاد والمثابرة عنوانه، من لحظة وعيه في هذه الحياة الدنيا إلى لحظة مماته.

ذلك لأن المرء المسلم يعلم أن الكد والعمل في واقع هذه الحياة ولأجل هذا الدين هو العبادة الدائمة لله عز وجل، والذي يتزود لهذا الكدح والعمل بذلك الزاد الروحي المتمثل في الشعائر التعبدية، حين يقوم بها على صورتها الحقيقية التي أرادها المولى عز وجل.

تلك هي الصورة الصحيحة للإسلام؛ أنك تتزود بشعائر هذا الدين في كدحك في هذه الحياة، لا أن شعائر هذا الدين وحدها كفيلة بأن تجعلك تعيش في الحياة دون عمل وكدح.

إن عبودية الله توجب على الإنسان المسلم "ألَّا يفرط في نصيبه من مقومات الحياة الدنيا، كشأن أهل التصوف الخطأ والدروشة؛ بل لا بد له من خوض معركة الحياة، وتسخير جميع الماديات، واكتساب ما أمكن منها بالطريقة المباحة؛ ليتمكن من أداء رسالته في الحياة، بالإنفاق في سبيل الله من كافة الوجوه، ويتماسك مع إخوانه المؤمنين، فتكون لهم اليد الطولى التي يقدرون بها على الصلاح والإصلاح في الأرض؛ لأن ما في الدنيا من المقومات المادية الهائلة سلاح خطير، إذا سبق إليه أهل الباطل وظفروا به كان وسيلة فعالة للتحكم في الناس، وإفساد دينهم ودنياهم، وما جرى للمسلمين إنما هو بسبب الأفكار التي أقعدتهم عن الأخذ بأسباب القوة والهيمنة على الدنيا، والتفوق على أهلها، وفسحت المجال لأهل الكفر". [صفوة الآثار والمفاهيم من تفسير القرآن العظيم، عبد الرحمن الدوسري (79)].

فعلى الآباء والأمهات أن يخبروا أبناءهم أن للوقت قيمته، وكلما قاموا باستغلال هذا الوقت في العمل والاجتهاد والكد كلما كانت النتيجة في صالحهم، فإن نصيب أمة الإسلام من الوقت هو كنصيب أي أمة أخرى من الأمم، ولكن الفارق فيمن يعرف قيمة الوقت ويقدره، فيجب على الآباء والأمهات، كما أخبر مالك بن نبي في شروط النهضة، أن يدربوا الأبناء على تخصيص نصف ساعة يوميًا، على سبيل المثال، لأداء عمل معين؛ لأن هذه النصف ساعة تؤكد في عقل الابن أهمية الوقت، فلا يضيعه سدى، ومن ثم يرتفع حصاده العقلي، واليدوي، والروحي، وهذه هي الحضارة.

إن المال والذهب والنفط ليس هو الشرط الأساسي كي تنجح الأمم وتتقدم وتنهض، وإنما تنهض الأمم وتتقدم وتسير في ركب الحضارة بالإنسان الكادح، وهو الرصيد الأساسي للحضارة.