logo

أمسك عليك هذا


بتاريخ : السبت ، 2 صفر ، 1437 الموافق 14 نوفمبر 2015
بقلم : تيار الاصلاح
أمسك عليك هذا

إن مراحل عمر الطفل الأولى تمثل للطفل جزئيات فكرته عن نفسه وقدراته وإمكاناته وطموحه كذلك، ثم مع مرور الوقت تتأصل تلك الفكرة في داخل الطفل حتى تصبح جزءًا منه؛ فيكون من الصعب جدًا محاولة تغيير هذه الصورة الذهنية التي تأصلت داخل الطفل عن نفسه.

وهذه الصورة الذهنية إنما تتأصل في نفس الطفل من خلال كلام الوالدين، وما يصفان به طفلهما من كلمات المدح أو الذم، ومن خلال التشجيع والتحفيز أو التحقير والحط من همته، ووصفه بأنه لا يمكن أن يعول عليه في الأمور، أو أن صديقه أحسن منه وأشد ذكاءً منه، إلى غير ذلك.

وبناءً على هذه الفكرة تتمحور مسيرة الحياة بعد ذلك للطفل، فتجده بعد أن كبر ووصل إلى المرحلة المتوسطة مثلًا، ويتحدث عن نفسه، أنه لا يمكن له أن يكمل دراسته ويواصل التعليم، ولا يمكن له أن يتعلم اللغات الأجنبية؛ ذلك لأن قدراته العقلية وإمكاناته لا تسمح بذلك، فضلًا عن أنه لا يستطيع الفهم ولا يمكنه الفهم.

في الحقيقة، هذه الكلمات سمعتها بحذافيرها من فتى في المرحلة المتوسطة، وليس له أي أمل في أن يواصل تعليمه بشكل طبيعي، أو أن يكون إنسانًا يمكنه فهم المواد الدراسية، وعندما أكمل حديثه علمت أن والده كان السبب في كل ما يحدث لهذا الفتى، وما ترسب في نفسه ورسم في خياله عن نفسه، وهذه الصورة الذهنية التي يرى نفسه فيها، فقد كان والده دائمًا ما يصفه بأنه لن يكمل تعليمه، ولن ينجح في حياته، وأنه دائمًا ما يفشل في كل شيء.

فكثيرًا ما يتلفظ الآباء والأمهات بكلمات تدمر الأبناء، وتمسح مستقبلهم، وتضيع طموحهم، وهذه ليست تربية ولكنها هدم وتخريب.

إن أثر الكلمة على الأبناء كبير جدًا، فالآباء والأمهات يوجهون أبناءهم بالكلام، ويشجعونهم بالكلام، ويمدحونهم بالكلام، ويذمونهم بالكلام، ويحاسبونهم بالكلام، ويعاقبونهم بالكلام؛ وعليه، فسوء اختيار الألفاظ يساهم في هدم طموح الأبناء، وصعوبة تربيتهم؛ بل يساهم بشكل كبير في انحرافهم وبعدهم عن الطريق الصحيح.

كما أن لهذا الكلام السيئ، الذي يلقيه الآباء والأمهات على مسامع الأبناء وتوبيخهم ووصفهم بالصفات السيئة، أشد الأثر على الأبناء، فحسب ما نشرته جريدة البيان الإماراتية أنه قد وجدت دراسة جديدة أن ضرب الطفل والصراخ عليه يزيد خطر إصابته بالسرطان، وأمراض القلب والربو لاحقًا، وذكرت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية أن باحثين في جامعة "ملايماوث" وجدوا أن الأهل الذين يصرخون أو يضربون أولادهم يجعلونهم أكثر عرضة للإصابة بمشكلات صحية لاحقًا، بينها السرطان، وأمراض القلب والربو.

وقال العلماء: إن سبب هذا الرابط، بين التأنيب والإصابة بالأمراض المذكورة، قد يكون وضع الأطفال تحت إجهاد نفسي.

وأشارت الدراسة إلى أن زيادة معدلات الإجهاد النفسي تسبب تغييرات بيولوجية عند الشخص؛ ما قد يؤدي إلى مشكلات صحيّة خطيرة.

وقال الباحث المسئول عن الدراسة، مايكل هايلاند: «إن الإجهاد النفسي في الحياة المبكرة، على شكل سوء معاملة وأذى، يخلق تغييرات طويلة المدى، تجعل الشخص عرضة لاحقًا للمرض».

وقد خلصت دراسة اجتماعية مؤخرًا إلى أن الآباء الذين يعتمدون في تربية وتهذيب أطفالهم على الصوت المرتفع، الذي يبلغ حد الصراخ أحيانًا، إنما يتسببون بذلك لأبنائهم بالكآبة، خاصة إذا كان الصراخ مصحوبًا بالتوبيخ والشتائم.

وتوصل علماء من جامعة بيتسبيرغ الأميركية لهذه النتيجة بعد دراسة خضع لها نحو ألف أسرة.

وأفاد العلماء بأن الصراخ على الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 13 عاما يتسبب بخلل عاطفي، ويحفز مشاعر الغضب لدى المراهقين؛ فيصبح الولد أكثر عدوانية، ويبدأ باستخدام قوته الجسدية لحل مشاكله.

ونصح أخصائيون أولياء الأمور بالتواصل مع أطفالهم بنفس أطول، ومحاولة التعرف على مشاكلهم، والإسهام في حلها، عوضًا عن الصراخ وكيل الشتائم؛ حتى لا يستسلموا للتشاؤم والكآبة"(1).

يظن بعض الآباء والأمهات أنه طالما لم يقوما بضرب طفلهما فهم مرحلة الأمان، ويقومان بنهر الطفل وتوبيخه، وهذا خطأ، فقد تكون بعض النظرات للطفل من والديه أو معلمه كفيلة بأن تكون مؤذية له، خاصة كلما كان سن الطفل أقل، وكل هذا يؤثر على نفسية الطفل، وعلى صورته عن نفسه.

إن الآباء والأمهات حين يصفون أطفالهم بالغباء أو الفشل أو حتى الكسل، وتكرار تلك الألفاظ على مسامعه، فإن الطفل لن يحقق أي نجاح أو تقدم؛ ذلك لأنه قد ترسخت داخله تلك المعاني والمفاهيم، وسيحاول بكل جهد إثبات أنه كذلك فعلًا.

وبالتالي فحينما يخطئ الطفل، ويفلت من يده كوب الماء، فيجب على الوالد أو الوالدة أن يقولا له: كن أكثر حرصًا المرة القادمة، ولا يقولا له: أنت مستهتر.

وإذا ما تكلم الطفل بغير احترام فيُقال له: تكلم بتهذيب أكثر، ولا يقال له: أنت غير مهذب وغير محترم.

فيجب على الآباء والأمهات البعد كل البعد عن شتم الأبناء ووصفهم بالأوصاف السيئة، كقولهم: يا حمار، يا حيوان، يا فاشل، يا كسول، وغير ذلك من الألفاظ الهدامة.

كذلك على الوالدين أن يبتعدا تمامًا عن المقارنة بين طفلهما وغيره ممن هو أفضل منه، فهذه المقارنة تقتل الطفل وتئد إمكاناته العقلية والجسدية داخله، فالمقارنة تشعره بالنقص، وتقتل داخله ثقته بنفسه؛ بل وتجعله يكره من يُقارن به.

وأيضًا يجب على الوالدين البعد عن إحباط الطفل؛ كقولهم: أنت لن تفهم، أنت لا يُرجى منك نفع، وهذا من أشد ما يصيب الطفل، حيث إنه يصبح إنسانًا بلا قيمة حقيقية حين يكبر، ولا يمكنه أبدًا تحمل أي مسئولية.

إذن، يجب على الآباء والأمهات أن يراعوا ألفاظهم في التعامل مع أبنائهم، وأن ينتقوا الألفاظ الإيجابية التي تشجع وتنمي وتُقَوِّم السلوك الخاطئ للطفل.

________________

المراجع:

(1) موقع الحقيقة.