logo

علاقة الأب بأبنائه


بتاريخ : الاثنين ، 23 شعبان ، 1442 الموافق 05 أبريل 2021
بقلم : تيار الاصلاح
علاقة الأب بأبنائه

قص علينا القرآن الكريم بعضًا من سير الأنبياء والصالحين عن علاقتهم بأبنائهم، مثل نوح وإبراهيم وإسماعيل ويعقوب وشعيب عليهم السلام؛ لتبقى قصصهم عبرة للمربين، فلا شيء في الطفولة مهم بقدر الحاجة إلى تربية صالحة، وما نلاحظه من القصص التي ذكرت في القرآن الكريم اعتمدت على تربية الأب وعلاقته بالولد، كما نقرأ في سورة يوسف عليه السلام، هذه السورة التي تقص عليك أجمل القصص، وتبين مدى حرص يعقوب عليه السلام على تربية أولاده، حتى في اللحظة الأخيرة: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 133]، يوصيهم بتوحيد الله ولم يوص بماله ولا بشيء آخر، ولو تدبرنا سورة يوسف لوجدنا فيها أساليب ممتازة للتربية، وإن كان أبناؤه قد دخل في قلوبهم الحسد ليوسف في البداية، لكنهم تابوا من ذلك واستغفروا الله، فغفر الله لهم، وسامحهم أبوهم وأخوهم.

وهذا ما تؤكده الدراسات المشيرة لتفعيل دور الأب في تنشئة الأطفال، وما يغنيهم في التغلب على المشاكل السلوكية، وأهمية وجود الأب في حياة أبنائه كعامل مهم جدًا في التميز اجتماعيًا وتعليميًا، وإن من أعظم ما افترضه الله علينا تجاه نعمة الذرية أن نقوم على أمر تربيتهم، وتعاهدهم بما يصلح لهم أمور دنياهم وآخرتهم.

وفي هذا المقال بيان النقاط التربوية التي جسدها الوالد مع أبنائه؛ لنتخذ منها سبيلًا في تربيتنا لأطفالنا، قال تعالى في كتابه الكريم: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4) قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (5) وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6)} [يوسف: 4- 6].

نلاحظ من بداية السورة تقريب الأب لولده الصغير بحيث يصل لدرجة أنه يقص عليه الرؤيا، وهذا يدل على قوة العلاقة والتواصل بين الأب والابن، ثم نرى متابعة الأب لحسد أبنائه، لذا ينصح ابنه بعدم قص الرؤيا على إخوته خوفًا عليه، وتعريف الأب لابنه بفضل الله عليه واختياره لحمل الأمانة، ونرى المحن والفتن التي تعترض الأسرة، كما نرى النصر والجلوس على سدة الحكم بكل تواضع، وكذلك العفو والتسامح؛ فعندما رموا أخيهم الصغير في الجبت للتخلص منه، عفا عنهم في كبره، مقتديًا بوالده الذي عفا عن إخوته قبلًا، ويتعرفون إلى أن سبب ذلك نزغ الشيطان بينهم.

قوة العلاقة بين الأب والابن، وهذا ما نلمسه حقيقة في هذه القصة، التي تصل قوتها إلى درجة أن يخبر الطفل والده بكل شيء يحدث له، حتى على مستوى الرؤى والأحلام التي يراها الصغير في منامه، وهذه العلاقة تفتح آفاق الحوار بين الأب والابن، مما يعني إطلاع الأب على كل المستجدات التي تطرأ في حياة ابنه، بحيث تسهل له علمية التعامل مع هذه المستجدات بحسب طبيعتها في الوقت المناسب، فهذه وصايا عظيمة وتوجيهات تربوية غالية من الأب لابنه، ينبغي لكل أب أن يحفظها ويربي أولاده عليها (1).

والقصة فيها فوائد كثيرة منها:

ما تقدم من قرب الوالد من ابنه، ويتضح ذلك من خلال حديث يوسف مع أبيه عما رآه بالمنام، وهذا يدل على حميمية العلاقة بين الطرفين وقوتها، وهي سر النجاح التربوي.

والفائدة الثانية: النظرة المستقبلية للآباء، فقد أخبره أبوه بأن الله (سيجتبيه) أي يختاره في المستقبل ليكون له شأنًا وقد كان؛ بأن صار نبيًا ووزيرًا.

والفائدة الثالثة: معرفة الواقع الاجتماعي، وكيفية التعامل معه؛ وخاصة بيئته العائلية، فقد تحدث والده معه عن الحسد والغيرة الموجودة لدى إخوانه غير الأشقاء، وأن عليه أن يكتم ما رآه من بشارات مستقبلية عنهم؛ حتى لا يتسلل الشر إلى قلوبهم.

والفائدة الرابعة: وجّه الأب ابنه نحو العدو الأكبر؛ وهو الشيطان الذي يهمه تفكيك الأسرة وعدم استقرارها والتفرقة بين الإخوان، فقال: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يوسف: 5]، وكأنه في هذه اللفتة يركز الجهود نحو الشيطان بدلًا من كراهية الإخوان.

والفائدة الخامسة: المحافظة على الهوية وتاريخ العائلة وسمعة الأجداد، وأن هذه نعمة عظيمة، فقد قال: {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ} [يوسف: 6]، وواضح من هذه اللفتات التربوية أن الأب يعرف دوره التربوي جيدًا، ويستوعب واقعه، ويعرف كل ولد من أولاده كيف يفكر ويخطط، ولهذا ركز على خمس قيم تربوية مهمة، وهي: القرب والتخطيط، ومعرفة الواقع، وتوحيد الجهود نحو العدو الأول، والمحافظة على التاريخ والهوية، فهذه خمس فوائد يوسفية خاصة بالآباء نحتاجها في حياتنا التربوية (2).

علاقة الأب بأبنائه منذ المراحل الأولى في حياته، فهو مسئول عن رعيته يرعاهم ويرشدهم بأسلوب يفيض رقة وعطفًا وحنانًا، ويخاطب به العاطفة والعقل والمشاعر والوجدان، في بناء جسد قوي، وتهذيب للروح صافية نقية في توازن واتزان بينهما على السواء، وبذلك تصلح الأسرة لتكون خلية حية وقوية في تشكيل المجتمع الإسلامي قويًا عزيز الجانب، فيسمو بحضارة الإسلام المتجددة في كل عصر ولكل جيل (3).

أنواع العلاقات بين الآباء والأبناء:

يُمكن تصنيف أنواع العلاقة بين الآباء والأبناء على النحو الآتي:

العلاقة الآمنة: وهي أقوى أنواع العلاقات بحيث يشعر الابن أنّه يعتمد على والديه، كما يعلم أنّهم جاهزون دائمًا لدعمه عند الحاجة.

العلاقة التجنّبيّة: وهي علاقة غير آمنة؛ بحيث يعلم الطفل أنّ اللجوء لوالده لن يجلب له الأمان، ممّا يدفعه لتعلّم كيفية الاعتناء بنفسه.

العلاقة المتناقضة: وتُعتبر صورةً أخرى من العلاقات غير الآمنة، وفي هذه العلاقة يعلم الطفل أنّه يتم تلبية حاجاته بالشكل الصحيح أحيانًا، ولا يتم ذلك في أحيان أخرى، لذا يبحث بشكل مُستمر.

العلاقة غير المُنظّمة: في هذه العلاقة لا يستطيع الابن التنبؤ بأفعال والديه.

أمور يجب مراعاتها في العلاقة بين الأبناء والآباء:

لتوفير علاقة جيّدة بين الآباء والأبناء لا بد من توفر عدد من الشروط، ومنها ما يأتي:

توفير الأمان اللازم للطفل وإشعاره بالدفء والحنان.

تنظيم العاطفة، حيث تلعب دورًا كبيرًا في تطوّر العلاقة الصحيّة بين الآباء وأبنائهم.

التناغم، ويُمثل التفاهم والتفاعُل المُتبادل بين الأبناء والآباء، وهو عامل مُهم في العلاقة بحيث يسبّب أيّ اختلاف، أو تنافر اضطرابًا وقلقًا لكُلّ من الأبناء والآباء.

تجنُّب التعامُل بعدوانيّة مع الطفل، حيث إنّ عداء أحد الوالدين أو كلاهما يؤثّر على سلوك الطفل وطريقة تعامله.

الحفاظ على علاقة بعيدة عن التوتر والضغوطات التي يواجهها الوالدان في حياتهم اليوميّة (4).

ومن المهم أن تبدأ العلاقة بين الأب وأبنائه في وقت مبكر حتى يشعروا بوجوده، ويتعاملون معه دون حاجز من الخجل أو الاغتراب، ويتواصلون معه كأب ومرشد وناصح، وليس كأداة ترهيب تستخدمها الأمهات عند ارتكاب الأطفال للأخطاء.

نصائح واقتراحات لتقوية علاقة الآباء بالأبناء:

1- الطفل مرآة للوالدين فانتبه إلى تعاملك:

الطفل يشبه صفحة بيضاء، يمكنك أن تكتب عليها ما تشاء، فهو مرآة لأفعالك وتصرفاتك، لذلك إذا أردت أن تؤثر فيه، فلا بد أن تكون قدوته في التعامل مع الآخرين، فبدلًا من أن تطلب من الطفل التصرف بطريقة معينة، يمكن أن تقوم أنت بهذا التصرف، وسيقوم الطفل بتقليدك، لأن الأطفال بوجه عام يعتقدون أن تصرفات الأب مثالية.

2- معاملة الأب مع الأم أمام الأطفال:

رؤية الولد والفتاة لوالدهما أثناء تعامله مع الأم بشكل جيد، يجعلهما يشعران بالتوازن النفسي، ويكتسبان القدرة على التعامل مع الآخرين بطريقة جيدة، وبشكل متميز، ولن يقبلا أن يتهاون أحدهم في حقهما، ولن يفعلا العكس، وتقع هنا على الأم مهمة التقريب بين الأب وأبنائه.

3- تخصيص وقت للأبناء:

تحديد الأب موعد ثابت لا يمكن إلغاءه لقضاء بعض الوقت مع أبنائه، يساعده على التقرب منهم، ويشعرهم بأنهم جزء مهم من حياة الأب، ويزيد شعورهم بالأمان والثقة بالنفس.

4- تناول وجبة طعام مشتركة مع الأبناء:

يعتبر حرص الأب على تناول وجبة حتى، وإن كانت واحدة فقط على مدار اليوم يمكن أن تساعد في التقرب بينه وأبنائه، فهي فرصة سانحة للتحدث عن كل ما مروا به على مدار اليوم، ويمنحه مناسبة جيدة لتوجيههم وإرشادهم بشكل مثالي، فيمارس دوره الرقابي بدون سيطرة أو انفعالات تنفر الأبناء منه.

5- التدخل في حياة أبنائه بشكل حميمي:

تأسيس علاقة صحية بين الأب والأبناء قائمة على الاحترام المتبادل والاستماع إليهم أكثر من انتقادهم، يمكن أن يجعلهم يتحدثون عن كل ما يدور في حياتهم، ويتقبلون الاستماع إلى نصائح والدم، بدلًا من أن يكون الأب مختفي طوال الوقت، وينحصر دوره في الأوامر أو الترهيب.

6- اختيار نشاط مشترك بين الأب والأبناء:

يجب أن يكون هناك نشاط مشترك يقوم به الأب مع أبنائه، مثل قراءة قصة قبل النوم، أو ممارسة رياضة معينة، أو أي شيء من هذا القبيل، حيث تقرب هذه الأنشطة بينه وأبنائه، وتدخلهم في علاقة الصداقة الأبوية.

7- تجنب التفرقة بين الأبناء:

كثير من الآباء يفضلون جنس عن الآخر، وعلى الأخص في الوطن العربي الذي يفضل الآباء الذكور عن الإناث مما يجعل الفتاة تشعر بالغيرة من شقيقها، وتشعر بقلة قيمتها، بل ويصل الأمر للشعور بالاضطهاد، مما يؤثر على نفسيتها، لذلك يجب إظهار العاطفة والحب لجميع الأبناء.

8- دور الأب مستمر في جميع المراحل:

دور الأب في حياة أبنائه لا ينتهي أبدًا، وعليه أن يتواجد دائما، وأن يكون على دراية بكل تفاصيل حياتهم، ولا يجب أن يجعل مشاغله تلهيه عن متابعة تطورهم ونموهم وانتقالهم من مرحلة إلى أخرى.

وقد أكدت بعض الدراسات في مجال علم النفس أن تواجد الأب باستمرار في حياة أبنائه يخلق لديهم توازن أسري ويبعدهم عن التفكك والشعور بالعدوانية والوقوع في الكثير من الأخطاء الاجتماعية.

9- استخدام أسلوب الثواب والعقاب:

تعتبر أفضل طرق تربية الأبناء، القرب والمشاركة في كل ما يفعلون، لتقديم النصح والإرشاد، وخلق مساحة من التحاور والتفاهم وإزالة الفجوة في التفكير خاصة الفجوة بين الأجيال.

ويجب على الأب إدخال طرق الثواب والعقاب في التربية، وبالطبع ليس المقصود العقاب الجسدي، وإنما العقاب المعنوي، بتجنب الحديث معهم وقت قصير، أو حرمانهم من الأشياء التي يحبونها، والعكس، فإذا تصوفوا بأسلوب حسن، يقدم لها المكافآت (5).

مسؤولية الأب تجاه أبنائه الأطفال:

تربية الأطفال ليست بالأمر الهين، فحتى لو كانت الأم قادرة على سد جميع الثغرات، والحفاظ على كيان الأسرة، فإن دور الأب في المنزل غاية في الأهمية، فهو عماد البيت، ولا يقتصر دوره على الإنفاق فقط، خاصةً أن العديد من الأمهات لهن دخلهن المادي الثابت، ويقدرنّ على إعالة الأسرة، ولكن النصح والإرشاد والدعم والتربية، كلها أيضًا من واجبات الأب ومسؤولياته تجاه أبنائه، ونوضحها لكِ جميعًا فيما يلي:

تقديم الدعم العاطفي:

يجب أن يشعر الأبناء بحنان أبيهم، ودعمه لهم عاطفيًّا، من خلال الاستماع إليهم، وحل مشكلاتهم، ومؤازرتهم في المواقف المختلفة، وتفهم مشاعرهم وتصرفاتهم في المراحل العمرية المختلفة.

هذه الأمور الضرورية قد يغفلها العديد من الآباء، وهو ما يؤثر بشكل كبير في نفسية الأبناء، وعلاقتهم بأبيهم، التي تختل مع الوقت، ويصيبها البرود.

مشاركتهم في الأنشطة المختلفة:

في معظم الأوقات تتحمل الأم مسئولية الذهاب مع الأبناء لتدريباتهم الرياضية، وحفلاتهم المدرسية، واستدعاءات المدرسة وغيرها، ويغيب الأب عن كل هذه الأنشطة التي تمثل أمرًا مهمًّا لأبنائه، فيعتادون على عدم وجوده بجانبهم في كل شيء.

لذا من الضروري من وقتٍ لآخر أن يصطحب الأب أبناءه إلى تدريبات النادي أو المدرسة وهكذا، ويشعرهم بأنه على دراية بما يجري في حياتهم، وأنه موجود في جميع مناسباتهم.

الالتزام بالمسئوليات المادية:

المسؤولية المادية للأب تجاه أبنائه أمر لا جدال فيه، وحتى إذا شاركت الأم في تحمل بعض الالتزامات باتفاق مسبق معه، فلا يعني هذا أن تصبح هي الملزمة بجميع احتياجات أطفالها المادية، كما هو الحال في بعض البيوت، فالأب هو العائل المادي الأساسي للأسرة، والمسؤول عن توفير احتياجات أبنائه من طعام وملابس ونفقات دراسية وترفيهية وغيرها.

في الوقت نفسه، على الأم الاعتدال فيما يخص احتياجات المنزل والأبناء، خاصةً مع وجود أكثر من طفل، أو إذا كانت ميزانية الأب محدودة، حتى لا يضطر لتعويض النقص المادي بالعمل فترات إضافية، ما يجعله غير قادر على المشاركة في تربية أبنائه نتيجة غيابه معظم الوقت.

النصح والإرشاد:

على الأب توجيه أبنائه للصواب والخطأ، خاصة إذا حادوا عن الطريق، فيجب أن يشعروا بأنهم يمكنهم دائمًا العودة للأب للحصول على النصيحة والتوجيه، وأن وجوده يعطيهم الثقة للمضي قدمًا، واتخاذ القرارات، ولا يجب أن يكون أسلوب النصح شديدًا أو يحمل سخرية أو تعنيفًا، فالنقاش الهادئ، والإقناع بلطف وحب، دائمًا الأفضل في تربية الأبناء. 

مسؤولية الأب تجاه أبنائه المراهقين:

التعامل مع الأبناء في سن المراهقة أمر أكثر صعوبة مقارنة بالأطفال، ويزداد الأمر سوءًا مع غياب الأب عن الصورة، فعندها قد تفقد الأم السيطرة عليهم، خاصةً أنهم في هذه المرحلة يميلون للتمرد وكسر القواعد، إعلانًا منهم بأنهم لم يعودوا أطفالًا.

لذا فإن وجود الأب بشكل مستمر في هذه المرحلة مهم جدًّا، إذ يشير عدد كبير من الإحصاءات أن الأبناء يتعرضون لمخاطر الإدمان بنسبة كبيرة في مرحلة المراهقة، وتزداد مع غياب الأب، لذا على الأب أن يعرف مسؤولياته تجاه أبنائه المراهقين وهي: شرح تحديات فترة المراهقة: في مرحلة المراهقة يمر الأبناء بتغيرات كبيرة، وتلعب التغيرات الهرمونية -بصفة خاصةً- دورًا كبيرًا في سلوكهم، لذا فمن واجبات الأب في هذه المرحلة -خاصةً تجاه الأولاد الذكور- أن يشرح لهم طبيعة التغيرات الجسدية التي يمرون بها، وكيفية التعامل مع مشاعرهم، والتحكم في سلوكياتهم، وأن يشاركهم قلقهم ومخاوفهم، دون أن يشعرهم بالضغط، أو النصح المستمر، فالمراهقون لا يستجيبون للنصح المباشر، والأفضل تخصيص مساحة للتحدث بصفة عامة معهم، وتوجيه النصيحة في سياق الكلام.

احترام المساحة الشخصية:

مشاركة الأب في الأنشطة الحياتية المختلفة لأبنائه، لا تعني عدم احترام مساحتهم الشخصية، إذ إنهم يحتاجون في هذه السن إلى المزيد من الحرية والخصوصية، حتى لا يشعروا بالحصار، ويبحثوا عن متنفس لهم خارج المنزل.

المساعدة على اتخاذ القرار:

المراهقة من المراحل الفاصلة في حياة الأبناء، خاصةً عندما يتعلق الأمر باتخاذ قرارات مصيرية، سواء تعليمية أو شخصية، لذا فهم في حاجة مستمرة لدعم الأب، وتوجيههم بطريقة غير مباشرة، حتى يستطيعوا اتخاذ قراراتهم بأنفسهم بطريقة صحيحة، فإذا كان الابن يشعر بالحيرة حول اختيار أحد التخصصات الدراسية مثلًا، فعلى الأب شرح مميزات كل تخصص وعيوبه، ثم سؤال الابن عن ميوله ونقاط قوته وضعفه، وطرح كل الجوانب أمامه حتى يحصل على رؤية أوضح للأمور، ويتخذ قراره بنفسه بكل ثقة.

مراعاة التصرفات الشخصية:

الأب قدوة لأبنائه، الذين يركزون في هذه المرحلة العمرية الحرجة في جميع التفاصيل والتصرفات التي يقوم بها.

لذا لا بد أن يراعي الأب جيدًا تصرفاته الشخصية أمامهم، حتى يتطلعوا لأن يكونوا مثله في المستقبل (6).

دور الآباء في التنشئة الاجتماعية للأبناء هو دور مباشر، فشعور الأبناء بالثقة والقوة يأتي من تأكُّدهم من وجود الأب معهم، فالأب والأم هما العنصر الرئيس في تكوين الطفل من جنين، أو مادة عضوية لا تتحرك، إلى شخص قادر على التفاعل مع المجتمع، وقادر على الاندماج في أي بيئة، والأب عليه أن يتوخَّى الحذر في تصرفاته أمام الطفل؛ لأنه يعتبر القدوة، أو المثال المكبَّر لِمَا سيكون عليه هذا الطفل في المستقبل، فهو الذي يتعلم منه الطفلُ طريقةَ التواصل مع الأم والأب والإخوة، وطريقة مواجهة المشكلات، والجدية في العمل من عدمها، والنجاح أو الفشل في إقامة الحياة الأُسرِية، أو في كثير من المجالات الأخرى، كما أن الأب هو المُلقِّن الأول للأطفال، وهو المعلم الأول لهم، وهو مَن يغرس القيم الاجتماعية والعادات والقيم والمبادئ، ويضع الوازع الديني المناسب لهذا الطفل، تلك الأشياء التي تعتبر من أهم مكونات الشخصية السَّوية.

الأب الصديق:

أفضل تعامل بين الابن والأب، أو العَلاقة المثلى بين الأب وابنه هي التي يتَّخذ فيها الأبُ ابنَه كأنه صديقٌ، فهناك كثير من الآباء ندِموا ندمًا كبيرًا بعدما أصبح أبناؤهم شبابًا، أو دخلوا الجامعة، وفاتتهم فرصة مصادقة الابن، ومن الممكن أن تحدُثَ للابن مشكلات كبيرة جدًّا، ولكنه يخجل أن يحكي تلك المشكلات لأبيه؛ لأنه سيُعنِّفه أو سيضربه، ولا يدري الأب بهذه المشكلة إلا بعد فوات الأوان، فالأب لا بد أن يكون الشخصَ المحبَّ والراعيَ لأبنائه، من الممكن أن يستخدم العصا أو الغلظة مع أبنائه، ولكن لتعزيز السلوك الطيِّب لدى الأبناء فقط، ويجب على الأب أيضًا أن يكون مهتمًّا بأبنائه، وأن يقودَهم نحو الطريق الصحيح، فإذا ما جاءت المرحلةُ التي سيترك فيها الأبناءُ المنزلَ من أجل السفر أو العمل أو الزواج، لا يخرجون إلا ولديهم صديق حميم وهو الأب، ولديهم مشير يرجعون إليه في الظروف الصعبة وهو الأب أيضًا، فلا بد أن يتواصل الأب مع أبنائه بأكثرَ من وسيلة، حتى وإن كانوا خارج المنزل لا بد أن يظل على تواصل معهم دائمًا.

خطأ تربوي:

من أسوأ الأشياء التي يقع فيها الآباء أن يضربوا أبناءهم أمام الناس وفي الأماكن العامة، فهذا نسميه جرح تحقير، وهذا الجرح بوجه خاص لا يستطيع الطفل نسيانَه بسهولة؛ بل يظل متذكرًا إياه طيلة حياتِه تقريبًا، فإذا كان الأب منفعلًا، وفعل الابن شيئًا خاطئًا، فيمكن للأب أن يأخذه إلى مكان لا يراهم فيه أحد ويعاقبه أو يُعنِّفه، ثم بعد ذلك يعود به أمام الناس ويحترمه أمامهم، وأن يكون عقابه للابن ليس أمام الناس، حتى لا يُسبِّب له الإحراج، والأبناء يتخذون نفس طريقة تعامل الآباء معهم، أو مع أمهم، أو مع عائلتهم، ويطبقون ذلك في حياتهم الخاصة بعد ذلك، إذا كان الأب والأم واضحينِ مع الأبناء منذ البداية في الاعتراف بأخطائهم، فإن هذا يُعزِّز سلوك الاعتراف بالخطأ، وبضرورة تقويم السلوك الخاطئ.

نصائح لعَلاقة طيِّبة بين الأب وأبنائه:

هناك بعض النصائح التي يجب على الآباء اتِّباعها خلال تعامُلِهم مع الأبناء، فيجب عليهم أولًا أن ينزلوا إلى مستوى تفكير الأبناء أثناء التحدث معهم، أو أثناء التعامل معهم بشكل عام.

كما يجب أيضًا أن يكون الأب قدوةً لأبنائه، بمعنى ألا يقول لهم: لا تفعلوا شيئًا، ويفعل هو في نفس الوقت هذا الشيء، فهذا يُولِّد شعورًا سيئًا لدى الأبناء بأن الأب يقول ما لا يفعل.

ويجب أيضًا على الأب أن يتلاشى المقارنة بين الأبناء وبين قدراتهم أمام الآخرين، أو أمام الأقارب، خاصة وإن كانت هذه المقارنة في المستوى الدراسي لكلا الولدينِ.

كما أن الأب يجب أن يبتعد عن أن يأمر الأبناء بأشياء كثيرة، ولا يتابعهم في ذلك، كأن يقول للابن: اليوم عليك أن تصلي كل الفروض، ثم لا يسأله في نهاية اليوم عن الفروض التي لم يُصلِّها، فهذا يجعل الابن ينظر إلى أبيه وكأنه شخصية ضعيفة غير قادرة على الحزم.

ويحاول الأب بقدر الإمكان أن يُبسِّط من أسلوب حديثه مع الأبناء؛ لأن مستواهم الفكري ضعيف جدًّا.

كما أنه يجب الحرص على أن يُنادي الأب أبناءه بأسمائهم، ولا يحقرهم من خلال مناداتهم بأسماء أخرى؛ كالأسماء التي يُطلقها الأطفال على بعضهم البعض على سبيل المداعبة.

هناك أشياء كثيرة يخطئ فيها الآباء أثناء تعاملهم مع أبنائهم، فكثير من الآباء يُفرِّق بين أبنائه في المعاملة، وكثيرٌ منهم يضعُ على عاتق أحد الأبناء أعباءً كثيرةً، وفي نفس الوقت هناك ابن آخر يلعب ويلهو.

ويجب أيضًا ألّا يُصدِّع الآباء رؤوس أبنائهم بالمطالبة بالمذاكرة دومًا، بل يجب أن يُنظِّموا للأولاد وقتهم، بحيث تكون هناك أوقات محددة ومعروفة للمذاكرة، وأوقات أخرى للعب.

وأخيرًا يجب ألّا يغيب الأب لفترة طويلة عن أسرته، ويترك أبناءه يفعلون ما يشاؤون.

وعليه أن يعلم أن الكلمة الطيبة مع الأبناء من أهم أساليب حب الأبناء للآباء، والمعاملة الطيبة ستجعل الطفل يشعر بأنه الآن له شخصية، وله قيمة، وسيبحث عن سبل للتعديل من نفسه (7)

______________

(1) دور الآباء التربوي وإنشاء الأسرة الصالحة/ شبكة النبأ.

(2) 11 فائدة تربوية يوسفية/ موقع معين.

(3) أدب الطفولة بين القرآن الكريم والسنة الشريفة (ص: 16).

(4) العلاقة بين الآباء والأبناء/ موضوع.

(5) طرق تساعد الأب على تقوية علاقته بأبنائه/ منتديات حلوها.

(6) ما مسؤولية الأب تجاه أبنائه؟/ سوبر ماما.

(7) كيف يتحول الأب من أب شكلي إلى أب فاعل/ منتديات الألوكة.