logo

أبجديات في التربية على بر الوالدين


بتاريخ : السبت ، 7 شوّال ، 1438 الموافق 01 يوليو 2017
بقلم : تيار الاصلاح
أبجديات في التربية على بر الوالدين

عزيزي المربي، أهلًا بك.

هل يقبل أبناؤك صداقتك على الفيس بوك؟

كيف يسجلون اسمك على هواتفهم المحمولة؟

هل أنتما أصدقاء؟ هل الاحترام هو السمة الغالبة على علاقتكما؟

ما هي الألفاظ التي يخاطبك بها أبناؤك؟

هل يساعدك أبناؤك إذا رأوك منهمكًا في عمل ما؟

في مجتمعاتنا العربية المسلمة قد نتفق جميعًا أن ثمة عوامل أدخلت تغييرًا ملحوظًا على علاقة الأبناء بوالديهم، لا سيما في العقود الثلاثة الأخيرة الماضية، وفي ظل التقدم الهائل في وسائل الاتصال الحديثة، وحضور مواقع التواصل الاجتماعي التي فرضت نفسها على الشباب والفتيات.

حيث كثرت المشاهد التي تعرض مواقف تتضمن العنف اللفظي من الأبناء تجاه والديهم، والتحدي وتعيين أخطاء الوالدين ومواجهتهما بها.

كذلك تعرُّض الشباب والفتيات إلى بثّ الثقافات الوافدة عبر المدبلجات، التي تنقل واقع مجتمعات غير مسلمة، تحكمها قيم وتقاليد تختلف شكلًا ومضمونًا عن القيم الإسلامية، التي تحكم مجتمعاتنا العربية المسلمة، التي تتميز بطابعها المحافظ، الذي يقدس قيمة احترام الكبير، ولا سيما الوالدين.

وقد يضاف إلى ذلك افتقاد الأبناء، من الشباب أو الفتيات، إلى القدوة العملية في بر الوالدين وتوقيرهما.

ولا ننسى التأثر بجلساء السوء، أحد أهم الأسباب التي تؤدي بالأبناء إلى الاستهتار بتحقيق بر الوالدين والإحسان إليهما، خاصةً وأن تأثير الرفاق في مرحلة الصبا (المراهقة) يكون كبيرًا على الفتى أو الفتاة.

عزيزي المربي،

قد يظن البعض أن صدور البر من الأبناء أو ميلهما للعقوق والمخالفة مسألة لا دخل للوالدين فيها، ويتعللون بأن هذه المسألة محض هداية من الله تعالى، وليس للوالدين دور فيها!

والحق بخلاف ذلك؛ فإن بر الوالدين خلق إسلامي أصيل، يتربى عليه الناشئ ويُعَوَّد عليه، وليس ذلك إلا للوالدين، وما يصدر من عقوق الأبناء قد يبدأ بتساهل الآباء والأمهات في تقبل أسلوب معاملة وخطاب متدنٍ من الأبناء، وتمريره دون محاسبة أو رفض حاسم.

وإليك، عزيزي المربي، هذه الوقفات الهامة في طريقة تنشئة الأبناء على البر بوالديهم:

إذا أردنا غرس أي قيمة أو خلق في نفوس الأبناء علينا أن نجمع في عملنا التربوي بين ثلاثة أركان:

1- القدوة الحسنة.

2- التلقين النظري.

3- التدريب العملي.

ولذلك سوف نرفق بكل خطوة عملية الدليل النظري الخاص بها، والنموذج العملي الفريد الذي ضربه لنا سلفنا الصالح من الصحابة والتابعين عليهم جميعًا رضوان الله تعالى.

- تلقين الأبناء تعظيم حق الوالدين:

فيحفظ الأبناء منذ الصغر قول الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُواْ إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء:23-24].

ومن السنة الشريفة ما يسهل عليهم حفظه، فعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رضا الله في رضا الوالد، وسخط الله في سخط الوالد» [رواه ابن حبان وحسنه الألباني].

- الاحترام المتبادل بين الوالدين:

لينشأ الابن في بيئة يسودها الاحترام المتبادل، فلا يقلل أحد الوالدين من شأن الآخر أمام الأبناء؛ فيقل شأنه في أعينهم، ويعتادوا عدم احترامه أو تقديره، ولا يدع أحد منهما الطفل ينقّص من شأن الوالد الآخر، خاصة في وقت اختلافهما، دون أن يزجره على ذلك.

- التزام الأدب في خطاب الوالدين:

يعوّد الطفل أن يذكر والديه عند الخطاب بألفاظ الاحترام؛ مثل: (حضرتك، ولو سمحت، ومن فضلك)، وأن يخفض صوته إذا خاطبهما، وإذا تحدث إليه أحدهما يستمع إليه حتى ينتهي من كلامه ولا يقاطعه، ولقد ضرب لنا التابعي الجليل محمد بن سيرين أروع مثل في حسن الخطاب، فقد رُوِي عنه أنه كان يكلم أمه كما يُكَلَّم الأمير الذي لا يُنتصف منه، وعن بعض آل سيرين قال: «ما رأيت محمد بن سيرين يكلم أمه قط إلا وهو يتضرع!»، وعن ابن عون قال: «دخل رجل على محمد بن سيرين وهو عند أمه، فقال: ما شأن محمد، أيشتكي شيئًا؟ قالوا: لا، ولكن هكذا يكون إذا كان عند أمه».

- أن يخفض النظر أثناء الحديث معهما:

ألَّا يحدّ النظر إلى والديه، ويثبّت عينيه في عينيهما، فإن ذلك من التبجح والعقوق، وخاصة عند الغضب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما برّ أباه من سدد إليه الطرف بالغضب».

- أن يبدأهما بالتحية عند لقائهما:

يعوّد أدب تحية الوالدين عند الدخول عليهما، وعند استقبالهما إذا دخلا عليه، وعند الانصراف من مجلسهما لنوم أو نحوه، وذلك بالعبارات الرقيقة المهذبة، المعبرة عن الحب والاحترام معًا، ومن أروع ما يروى في ذلك فعل الصحابي الجليل أبي هريرة مع أمه رضي الله عنهما، فعن أبي مرة أن أبا هريرة كان يستخلفه مروان، وكان يكون بذي الحليفة، فكانت أمه في بيت وهو في آخر، قال: «فإذا أراد أن يخرج وقف على بابها، فقال: السلام عليكِ يا أمتاه ورحمة الله وبركاته، فتقول: وعليك يا بني ورحمة الله وبركاته، فيقول: رحمك الله كما ربيتني صغيرًا، فتقول: رحمك الله كما بررتني كبيرًا، ثم إذا أراد أن يدخل صنع مثله» [رواه البخاري في الأدب المفرد (12)].

- إذا أراد أحد الوالدين ارتداء ملابسه أو حذائه يحضره له، ويقف به يحمله له حتى يرتديه، وكذلك إذا أراد أن يخلع ملابسه، يقف ويأخذها منه ويعلقها في مكانها، ويكون جميلًا أن يعتاد فى بعض المرات أن يجعل الحذاء فى رجليه، أو يخلعهما من رجليه، فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم لغلام من الأنصار: «ناولني نعلي»، فقال الغلام: «يا نبي الله، بأبي أنت وأمي، اتركني حتى أجعلهما فى رجلك»، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم إن عبدك هذا يترضاك فارض عنه» [رواه الطبرانى].

- تعويده على الدعاء لهما:

تعويد الولد على الدعاء للوالدين في حياتهما وبعد مماتهما، فعن عامر بن عبد الله بن الزبير قال: «مات أبي، فما سألت الله، حولًا، إلا العفو عنه» [سير أعلام النبلاء (6/ 388].

وكان عروة بن الزبير يقول في صلاته، وهو ساجد: «اللهم اغفر للزبير بن العوام، ولأسماء بنت أبي بكر» يعني والديه رضي الله عنهما. [بر الوالدين، للطرطوشي، ص77].

وكان أبو يوسف الفقيه يقول عقب صلاته: «اللهم اعفر لأبويَّ، ولأبي حنيفة» [المصدر السابق].

وكان الإمام أبو حنيفة رحمه الله برًّا بوالديه، وكان يدعو لهما، ويستغفر لهما مع شيخه حماد، وكان يتصدق كل شهر بعشرين دينارًا عن والديه. [أبو حنيفة النعمان، ص102].

وأخيرًا..

إذا كانت تربية الأبناء حقًا هي التجارة الرابحة؛ التي يمتد وصول ربحها إلينا ونحن في الدار الآخرة، قد فارقنا الحياة بالفعل، فيرفع الله تعالى لنا الدرجات بدعاء الولد الصالح وباستغفاره أو صدقته عنا، فإن علينا أن نعتني أشد العناية بتنشئة الأبناء على الصلاح والتقوى، ومعرفة حق الوالدين وكيفية برهما، وأن هذا البر هو أعظم ما يمكن أن يتقرب به العبد إلى خالقه جل وعلا بعد التوحيد.

رزقنا الله وإياكم بر أبنائنا، وجعلهم قرة أعين لنا، اللهم آمين.