logo

كيفية حل المشاكل العائلية


بتاريخ : الأحد ، 6 ذو القعدة ، 1443 الموافق 05 يونيو 2022
بقلم : تيار الاصلاح
كيفية حل المشاكل العائلية

العائلة هي أساس بناء المجتمع، ويجب أن يكون هذا الأساس سليمًا وصالحًا، لأن تربية الأبناء تقوم في جو العائلة الذي يفترض به أن يكون إيجابيًا، ولهذا فإن مجرد حدوث المشاكل العائلية يعد تهديدًا لكيان الأسرة، وخطر على الأبناء، وهدم لأواصر المحبة.

والمشاكل العائلية لا يمكن حصرها، وأحيانًا لا يمكن منع حدوثها، لأنها متجددة ومتعددة الأسباب، وهي ظاهرة طبيعية تحدث في أي عائلة، لكنها قد تتحول إلى تهديد لكيان العائلة إذا امتدّت جذورها، فتتسبب بتنغيص حياة الأفراد في هذه العائلة وحدوث شرخ في العلاقة الأسرية، وربما تمتد لباقي الأفراد، ويسيطر الشعور بعدم الراحة والهدوء على أجواء العائلة، وهذا يحدث خللًا في مجريات حياتها، إذ لا بد من العمل على إنهاء هذه المشكلات بكل الطرق وبأسرع وقت، والتخلص من المسببات التي أدت إلى نشوء المشكلة لعودة السكينة والهناء والمودة لهذه العائلة.

وتؤثر عدة عوامل على طبيعة المشكلة وحدتها، ومدى صعوبة أو سهولة التخلص منها، مثل: حجم العائلة، وطبيعة العلاقة بين أفراد العائلة، وحجم المشكلة، وثقافة الأفراد القيمية والدينية ومفهومهم لمعنى العائلة وأهميتها، كل تلك العوامل لها التأثير الإيجابي أو السلبي في حل المشكلات العائلية.

أنواع المشاكل الأسرية:

يوجد العديد من أنواع المشاكل الأسرية، والتي من الممكن أن تواجه الأسرة في حياتها اليومية، ومن هذه المشاكل:

مشاكل اجتماعية: التغيرات الاجتماعية لها دور رئيسي في المشاكل الأسرية، فالعلاقة الصحيحة بين الزوجين والأبناء هي أساس لبناء الأسرة السعيدة؛ فمثلًا انفصال الزوجين أو الزواج الثاني يتسبب في تفكك العائلة أو اضطرابها، كما يؤثر على نفسية وسلوك الأبناء.

المشاكل النفسية والعاطفية: طبيعة العلاقة العاطفية بين أفراد الأسرة والمشاعر التي يكنها كل منهم للآخر تؤثر بشكل مباشر على استقرار الأسرة وسعادة أفرادها وعلاقاتهم مع بعضهم البعض، فعدم وجود الحب والتفاهم بين الأبوين وطغيان مشاعر التحدي والتنافس والخيانة أو الغيرة بينهما سوف يلقي بأثره على طبيعة حياة الأسرة وجميع أفرادها.

وأيضًا؛ طبيعة عمل الأب الصعبة التي تبعده عن أسرته لفترة طويلة أيضًا لها تأثير على علاقته بزوجته وأبنائه، بالإضافة لأن التربية الخاطئة يمكن أن تشيع مشاعر الغيرة والبغض بين الإخوة، وكل ذلك سيكون أثره سلبي حتمًا على حياة الأسرة ككل.

مشاكل ثقافية: تظهر المشاكل الثقافية في الأسرة في حال كان الزوجان من بيئة ثقافية دينية أو عرقية مختلفة، أو طبقة اجتماعية مختلفة، وينعكس هذا الاختلاف على الحياة اليومية، كما تظهر هذه المشاكل في تربية الأطفال، لذلك على الزوجين التعامل مع هذا الاختلاف بنضج وحذر لبناء أسرة مستقلة ومترابطة.

المشاكل الصحية: مثل وجود مرض مزمن في الأسرة قد يؤدي إلى زيادة الضغوط النفسية والمادية، مما يسبب تغير في سلوك أفراد الأسرة؛ مثل إصابة أحد أفرادها بمرض أو عاهة يؤدي لآثار كبيرة، ومن نواحي مختلفة على طبيعة الأسرة؛ كأن يكون الأب مريض وغير قادر على العمل، أو الأم مريضة وغير قادرة على رعاية الأبناء وإدارة شئون المنزل، أو أحد الأبناء مريض ويحتاج علاجه بتكاليف كبيرة، فيجب على الزوجين التحلي بالصبر للتخفيف من هذه الضغوط وتأثيراتها على بقية الأفراد.

المشاكل الاقتصادية: فتردي الوضع المعيشي والبطالة التي ممكن أن يعاني منها الرجل أو أي فرد من العائلة ممكن أن تؤدي إلى مشاكل أسرية، خاصةً إذا لم يستطع الرجل تأمين احتياجات الأسرة الرئيسية، مثل عدم القدرة على توفير منزل مناسب لسكن الأسرة أو عدم القدرة على تحمل تكاليف تعليم الأولاد وعلاجهم.

المشاكل التربوية: قد يجد الوالدان أحيانًا صعوبات تربوية في التعامل مع أبنائهما؛ مثل عدم القدرة على السيطرة على المراهقين، أو الخلاف بين الزوجين على طريقة التربية الأنسب أو الفشل الدراسي لأحد الأبناء، فكلها مشاكل تربوية تؤثر على نوعية الحياة لجميع أفراد الأسرة (1).

أسباب المشاكل العائلية:

قبل شرح كيفية حل المشاكل العائلية، لا بد من التطرق إلى أسبابها، خصوصًا أن كيفية حل المشاكل العائلية يأتي بالأساس من فهم الأسباب وتجنبها ومعرفة التعامل معها، لأنّ حل المشاكل العائلية الخاطئ يسبب تفاقمها والوصول إلى طرق مسدودة، وأبرز أسباب المشاكل العائلية كما يأتي:

ضياع حقوق أفراد العائلة؛ فيقع الظلم على بعض الأفراد دون غيرهم نتيجة التمييز بين الأبناء مثلًا، أو بسبب الميل إلى فرد من العائلة دون آخر، أو محاباة أحدهم وتفضيله على الآخرين، مما يُعطي شعورًا بالظلم، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ (7) إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (8) اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ (9)} [يوسف: 7- 9].

وهذا يولد الكثير من المشاكل، ويسبب تقصير أفراد العائلة في حقوق بعضهم البعض.

عدم التماس الأعذار؛ كأن يُوقع ربّ العائلة عقابه على زوجته وأبنائه نتيجة عدم الانصياع لأوامره دون وجه حق، ودون التماس العذر لأحدٍ منهم، أو كأن تحدث مشكلة بين الإخوة لسبب ما دون أن يلتمس أحدٌ منهم عذرًا للآخر.

الاستهانة بالمعاصي والذنوب، مما يخلق حالة من عدم الاستقرار لدى أفراد العائلة، فالذنوب والمعاصي سبب في الضياع والشتات وعدم القدرة على العيش بسعادة، وهي أكبر سبب للوقوع في المشاكل العائلية التي تمتد غالبًا إلى العمل والدراسة والحياة الاجتماعية.

تدخل أشخاص من خارج العائلة، تدخل أشخاص من خارج العائلة في المشاكل العائلية، سواء من الأسرة الممتدة أم من الجيران يوسّع دائرة المشاكل غالبًا، ويسبب زيادة الخلافات وانتشارها، مما يعزز رغبة أفراد العائلة بالخروج منتصرين على بعضهم البعض أمام الآخرين.

نقص التواصل بسبب بعد المسافات: من المشاكل العائلية التي تؤدي إلى تدمير كيان الأسرة الواحدة هي تباعد المسافات بين أفراد الأسرة، سواء بسبب العمل أو لأسباب أخرى، يمكن أن تشكل ضغطًا على علاقة صحية، لأنه لا يوجد تواصل بين العائلة؛ وبالتالي يؤثر على شكل العلاقة، ويجعل كل فرد يعيش في عالمه الخاص، ويكون صدقات بديلة عن العائلة حتى يشعر بالأمان والانتماء، مما يجعل أفراد الأسرة يتشتتون ولا يجتمعون على أمر واحد، ولا يرتبط بعد المسافة من خلال السفر أو العمل طوال الوقت خارج المنزل، ولكن تباعد الأفكار والمشاعر ووجهات النظر رغم قرب المسافات؛ فكل فرد مشغول بعالم يختلف عن باقي أفراد الأسرة مما يؤثر على كيان الأسرة.

جدول مزدحم: العائلة كيان مهم في حياة الأفراد، وقد ساهمت انشغالات أفراد العائلة بالقيام بالأعباء اليومية، ولا يوجد وقت للتواصل مع العائلة، وجدول اليوم مزدحم بأحداث أطفالك وعملهم وأعمالك المنزلية؛ مما يترك القليل من الوقت للأشياء التي تريد القيام بها، هذا من شأنه أن يقلل من فرصة المشاركة في أحداث العائلة وقضاء وقت ممتع معهم بدون التفكير في الأمور والضغوط الحياتية؛ مما يساهم في إحداث مشكلة كبيرة.

الحجج والخلافات: لا يخلو بيت الزوجية من الحجج والخلافات؛ فهي أمر طبيعي ناتج عن اختلاف وجهات النظر إزاء الأمور، ولكن عندما يتطور الأمر ويتحول الخلاف إلى إهانة والتقليل من شأن الطرف الأخر أو السب والضرب، هذا يؤدي إلى خلق جو من التوتر والقلق وعدم الشعور بالتفاهم داخل الأسرة، مما يؤثر على نفسية أفراد الأسرة والشعور بالسعادة والأمان.

تدخل أفراد العائلة في تربية الأبناء: الأطفال هما مسئولية كبيرة وتحتاج إلى خبرات السابقين مع مزيد من التعلم والتطبيق من الوالدين للوصول إلى طريقة مثلى للتربية، وهذا لا يحدث في كل الأوقات؛ فقد يتدخل أفراد العائلة بإملاء تعليقات وسخرية مستمرة على طريقة التربية، وتقديم بدائل لكل طريقة يقوم بها الوالدين لتربية الأطفال، مما يجعل الزوجين لا يشعرون بالراحة وأنهم مسئولون، إلى جانب التشتت في معرفة أي طريقة هي الأفضل، فكل فرد له وجهة نظر مختلفة، وبالتالي يؤثر على الأطفال بالسلب، ويشعر الزوجين بالضغط للرغبة في إرضاء الجميع وتلبية احتياجات الطفل.

صعوبة إرضاء أهل الزوج: من المشاكل التي تعاني منها الزوجة في بيت العائلة هي صعوبة الوصول إلى درجة إرضاء مناسبة لأفراد عائلتها الجديدة، وفي الغالب تجد عدم الرضا والسخط على كافة التصرفات التي تقوم بها -وإن كانت إيجابية- وتشعر بالتسلط، ودائمًا على انتظار وقوعها في خطأ، وهذا ما يجعل الحياة أصعب؛ لأن الإنسان يشعر دائمًا أنه مراقب ويعمل تحت ضغط، مما يشكل عبء عليه، وبشكل تراكمي قد يتسبب في مشاكل كبيرة.

خدمة أهل الزوج: ترى بعض الأسر أن خدمة أهل الزوج واجبة وإلزامية على الزوجة القيام بها، والمطلوب من الزوجة السمع والطاعة وعدم الرفض حتى تحظى بحياة أفضل، وهذا ما يشكل عبء كبير على الزوجة التي تقضي وقت طويل في تلبية احتياجات الأطفال والزوج وأعباء المنزل، بالإضافة إلى العمل خارج المنزل، إلى جانب خدمة أهل الزوج، وهذا ما يجعلها تشعر بالتعب والإرهاق، وعندما تحتاج للراحة لا تجدها، والمطلوب منها التحمل والصبر والقيام بكل تلك الأعباء دون ضجر.

مشاكل مالية: تشكل المشاكل المالية ضغوطًا كبيرة في حياة العديد من العائلات، والتي تؤدي إلى مزيد من الضغط والتوتر على الأفراد؛ لأن على الفرد توفير هذه الاحتياجات المادية، ومع ارتفاع الأسعار والركود الاقتصادي أدي إلى ظهور مشكلة مادية في إطار كل عائلة، وأصبح من الصعب إيجاد طريقة لإدارة المال وضبط الميزانية حتى يمكن تحقيق التوازن، مما يشكل ضغط وعبء على أفراد الأسرة (2).

طرق لحلول المشكلات العائلية:

تعتبر عملية التواصل بين الأم والأب لها دور كبير بنجاح الحياة العائلية خصوصًا عند حلّ المشاكل، إذ يُمكن التركيز ببعض من الوسائل التي قد تساند في حلّ المشكلة واختيار ما يُناسب العائلة، لذلك يجب السعي لحل المشاكل بعيدًا عن الأبناء بطريقة صحيحة والاعتراف بالخطأ والاعتذار ليشعر الطرف الآخر بالود والحب والتفاهم لنجاح الزواج.

تحديد وقت للنقاش والحوار:

ينبغي أن يواجه الزوجان بعضهما البعض مع الالتزام بالهدوء والصبر على الآخر، والرغبة بالتخلّص من الوضع الصعب الذي يمرّان بها بطريقة سهلة وبكل إيجابية، والاهتمام بكلام الآخر والاستماع له، والمساعدة على الإحساس بالتماسك والانسجام مع بعضهما، فالحوار الهادف هو وسيلة لاستمرار الحياة الأسرية.

اتخاذ القرار من خلال التعاون:

إنّ المقدرة على اتخاذ القرار بطريقة فردية لا يُعد من الطرق المفضلة، حيث إنّ مناقشة المشاكل والتحدث بها بين الزوجين ثمّ التوّصل إلى مجموعة من الحلول للحصول بالنهاية إلى حلّ متفق عليه من قبل الطرفين سويًّا؛ هو الحل المناسب لاتخاذ القرار بين الزوجين.

التسامح مع الطرف الآخر:

يجب على كلا الشريكين أن يتفهم ويعمل على مغفرة ومسامحة أخطاء شريكه، بمعنى أنه يتوجب على كلّ من الزوجين أن يفهم ويستوعب ويبذل أقصى جهد لديه في العلاقة، وعند وقوع أي خطأ ما من الشريكين فيمكنهما استخدام هذا الخطأ للوصول إلى أفضل حل بالنسبة لهما، ومن ثمّ التصرّف بطريقة أفضل.

التعبير عن الأحاسيس بصدق:

تحتاج المشاكل الزوجيّة لحلها أن يمتلك كلا الزوجين المقدرة بإعطاء المساحة الكافية والأمان اللذين يستطيعان من البوح عن الأحاسيس المتعلقة بالطرف الآخر، وخاصة إحساس عدم الرضا أو فقدان الأمل من بعض السلوكيات التي يمارسها أحد الطّرفين، حيث يُعد إخفاء هذه الأحاسيس أحد الأسباب وراء حدوث الخلافات الزّوجية.

تجنب النقاش أثناء الغضب:

من الواجب عند مواجهة أية مشاكل أسريّة أن تتمّ مُناقشة المشكلة بعد التخلُّص من الغضب والانزعاج؛ وذلك لأنّ الانتظار حتى يهدأ الطرفين يسمح للشخص بالتعامل مع الخلل بصورة منطقية وتروي أكثر، بدلًا من الاندفاع بصورة عاطفية، وقد يكون التراجع عن نقاش الأمر أحيانًا فرصةً حسنة للتفكير بصورة جيده قبل التعامل مع المشكلة، كما أنّ الاقتراب من الشخص الذي يشعر بالغضب، يزيد من تفاقم المشكلة، وبالتالي يصبح من الصعب حلّ المُشكلة (3).

دراسة المشكلة:

ومعرفة جميع جوانبها وفهمها بشكلٍ جيد لإيجاد حل مناسب لها، ومعرفة جميع أبعادها ومدى تأثيرها على العائلة ككل دون إهمال أي جانب فيها.

الحفاظ على التماسك النفسي والصلابة:

وعدم الانهيار أمام المشكلات أو الاستسلام لصعوباتها، والحفاظ على التوازن، وعدم التأثر بالآراء السلبية التي تُغلق جميع الحلول.

التفكير في الحلول الممكنة واختيار أسلمها:

وعدم المعاندة والمكابرة والاستمرار في الخطأ، وتطبيق الحل الأكثر ملائمة لأفراد العائلة، وتغليب مصلحة الجمع على مصلحة الفرد.

التماس رضى الله تعالى وطاعته:

وتجنب الحلول التي توقع الظلم على أحد مهما كان الأمر عند إيجاد أي حل للمشاكل العائلية.

تقبل الأمر الواقع:

فالفرد يمكنه أن يختار صديقه، ولكن لا يمكنه أن يختار عائلته وهو مجبر عليها، وبالتالي من الممكن أن يتقبل أخطاء صديقه، ولكن مع تكرر الأخطاء التي يقع فيها قد تتجنبه وتبعد عنه، وهذا لا يمكن أن يحدث مع عائلتك، لذلك عليك بتقبل أخطاء أفراد عائلتك والتعامل معها على أساس أنها أخطاءك أنت، وهذا يسهل عليك الأمر في إيجاد حلول لها والشعور بالتقبل والرضا، مما يساعدك على إيجاد حلول بغض النظر عن مدى عمق الخلاف.

اترك كبرياءك:

الكبرياء والإحساس بعزة النفس صفات حميدة تجعل الفرد يشعر بقيمة الذات؛ وهي مطلوبة في جميع الأوقات، ولكن في مسألة المشاكل العائلية ينبغي أن تضعها جانبًا حتى تجد حل لهذه المشاكل التي من الصعب أن تجد لها حلول مع الشعور بالكبر وعدم الرغبة في التنازل عن موقفك مما قد يزيد الأمر سوءًا، خاصة أن الخلاف العائلي لا أحد يفوز فيه، وإنما الفائز الوحيد هي العداء المستمر، وبالتالي ينبغي الوصول إلى حل وسط يرضي جميع الأطراف للوصول بالعلاقة إلى بر الأمان.

اجعل هدفك هو المصالحة وليس الفوز:

عند حل المشاكل العائلية ينبغي أن تضع المصالحة بين أفراد العائلة الواحدة هدف رئيسي نصب عينيك، حتى يمكنك الوصول إليه وجعل الهدف من المصالحة هي تحسين الأمور، وسريان مركب الحياة نحو شاطئ الأمان وليس الهدف الفوز، وإنما حل القضية من أجل الشعور بالرضا العائلي.

اكتشف ما هي المشكلة بالضبط:

قد يشتد النزاع والصراع بين أطراف العائلة، ويتجاهل العديد السبب الرئيسي وراء وجود هذه المشكلة، ويبحثون عن أخطاء أخري، مما يؤدي إلى تفاقم المشكلة والشعور بالإحباط وتذكر الأفعال والكلمات المؤلمة، ولكن إذا توقفنا عن النزاع واجتمع أفراد العائلة من أجل إيجاد السبب الرئيسي للمشكلة، ومحاولة البحث عن حلول فعلية للمشكلة يساعد على حلها بشكل جذري دون الدخول في تفاصيل أخرى مؤلمة لكافة الأطراف.

التحدث إلى بقية أفراد الأسرة:

يساعد التواصل والتحدث مع أفراد الأسرة الموثوق بهم، وشرح النوايا ووجهات النظر إزاء الأمور إلى توضيح الأمر والكشف عن الحقائق، وهذا قد يؤدي إلى تفهم سلوكك والتعرف على هدفك عند القيام بأفعال معينة، مما يساهم في تحسين الأمور وزيادة درجة التفاهم والود بين أطراف العائلة.

لا تدعوهم إلى المناقشة:

قد يكون التجمع العائلي مفيدًا في فض النزاع بين الأفراد المتخاصمين داخل الأسرة الواحدة وتوفير الدعم لهم، ولكن ليس في كل الأوقات؛ فقد يشتد الجدال ويؤدي إلى تفاقم المشكلة، لذلك ينبغي أن تتحدث بشكل جانبي مع الفرد المتنازع معه حتى يمكنك توضيح وجهة نظرك دون نزاع- حتى وأن توقف الأمر على الاتفاق أو عدم الاتفاق معك-؛ فأنت لا تخسر شيء ويصبح الجميع في سلام مع بعضهم البعض.

كن صادقًا لكن محترمًا:

قد يتحدث الفرد بصراحة كاملة ويرغب في الأفضل للجميع، ولكن قد يؤدي اندفاع لغة جسده وطريقة تعبيره عما بداخله إلى فهمه بطريقة خاطئة -حتى وإن كان على حق- لذلك عند التحدث اشرح بالضبط كيف تشعر، ولكن من الضروري أن تكون مدركًا تمامًا لهجتك وتأكد من عدم نطق الاتهامات، حاول معرفة مشاعرهم في نفس الوقت للتأكد أنك تسير في الطريق الصحيح ولا ترتكب أخطاء تجاههم، كما يفضل التحلي بالهدوء والصبر والتحدث بصوت منخفض وتجنب الصوت المرتفع، ووضع الهدف من التواصل هو التصالح، مما يساعدك على الوصول إليه بسهولة.

اختيار الوقت المناسب للتحدث عن المشكلة:

قد يؤدي تجاهل المشكلة أثناء تفاقمها إلى زيادة الأمر سوءًا، ومن الأفضل أن تعبر عما تشعر، وتجد حل سريع للمشكلة، لذلك اختيار الوقت والطريقة المناسبتين للقيام بذلك أمر ضروري، وينبغي أن يوضع في الاعتبار، وهناك علامات ومؤشرات تؤكد على الوقت المناسب لعدم تجاهل المشكلة، مثل موجة الغضب والاستياء، وكثرة التحدث عن موضوع المشكلة وتناقل الأحاديث، وتجنب التعامل واختيار نمط حياة المتخاصمين، مما يؤثر على الحياة بالسلب، لذلك ينبغي التسرع في إيجاد حلول، وإن كان أمر التواصل وجهًا لوجه صعب أن يحدث، فيمكنك كتابة ملاحظة أو خطاب وتركه ليجدوه، أو يمكنك إرسال رسالة نصية لمناقشة مشكلة والسؤال عن التحدث لاحقًا، خاصة أن الخلافات والنزاعات لن تختفي بين البشر نتيجة اختلاف الآراء، اختلاف القيم أو المعتقدات الثقافية.

ومن الضروري إيجاد نقاط الاتفاق بين الأفراد تتناسب مع أنماط الحياة المختلفة والتفضيلات أو المعتقدات الشخصية (4).

 العفو والتغافل والتنازل:

الكثير من المشكلات يمكن تجاوزها بالتنازل عن بعض الحقوق، والتغافل والعفو عن بعض التقصير، قال تعالى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237].

ومعنى كون العفو أقرب للتقوى: أنَّ العفو أقرب إلى صِفة التقوى من التمسك بالحق؛ لأن التمسك بالحق لا ينافي التقوى، لكنه يؤذن بتصلُّب صاحبه وشدته، والعفو يؤذن بسماحة صاحبه ورحمته، والقلب المطبوع على السماحة والرحمة أقرب إلى التقوى من القلب الصلب الشديد؛ لأن التقوى تقرب مقدار قوَّة الوازع، والوازع شرعي وطبيعي، وفي القلب المفطور على الرأفة والسماحة لينٌ يزعه عن المظالم والقساوة، فتكون التقوى أقرب إليه؛ لكثرة أسبابها فيه (5)، فربما لو تشبث كل طرف بحقوقه لخسر كلُّ طرف أكثر ممَّا كان يريد، وأخطر من ذلك هو أن يطالب أحد الزوجين بأشياء ليست من حقه.

فعلى الإنسان أن يكون حليمًا أثناء حدوث المشكلة، فالحلم من أعظم الصفات وأنبلها، قال الحسن البصري رحمه الله: ما تجرَّع عبد جرعة أعظم من جرعة حلم عند الغضب.

يقول ابن تيمية معلِّقًا: وذلك لأنَّ أصل ذلك هو الصبر على المؤلم، وهذا هو الشجاع الشديد الذي يصبر على المؤلم، والمؤلم إن كان مما يمكن دفعه أثار الغضَب، وإن كان مما لا يمكن دفعه أثار الحزن؛ ولهذا يحمر الوجه عند الغضب؛ لثوران الدَّم عند استشعار القدرة، ويصفر عند الحزن لغور الدم عند استشعار العجز (6)، فهنيئًا لمن جعل الحلم دأبه ومبدأه، فإنما الحلم بالتحلم.

ترك الغضب:

ومما يقلِّل المشاكل ويقلصها ترك الغضب، وهذا توجيه نبوي حثَّ عليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «لا تَغضب»، فردَّد مرارًا، قال: «لا تَغضب» (7).

فمما ينبغي على الإنسان لحظة حدوث المشكلة أن يترك الغضب، ولا يحاول التغلُّب على المشكلة بالقوة والانفعال والغضب، أو القضاء عليها في وقتها بأي طريقة كانت؛ لأن ذلك يؤثر تأثيرًا سلبيًّا على الغاضب وتصرفاته، ويؤثر أيضًا على من كان سببًا في حدوث المشكلة.

وإنما عليه الاستعاذة بالله من الشيطان، والهدوء والصبر، والتصرُّف بحكمة؛ ولهذا يقول الله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأعراف: 200].

فالاستعاذة من الشيطان الرجيم أول ما يَنبغي قوله بدلًا من الرد على الطرف الآخر، أو الصراخ في وجهه.

وعن سليمان بن صرد قال: كنتُ جالسًا مع النبي صلى الله عليه وسلم ورجلانِ يستبَّان، فأحدهما احمرَّ وجهه، وانتفخت أوداجه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنِّي لأعلم كلمة لو قالها، ذهب عنه ما يجِد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان، ذهب عنه ما يجد» (8).

والحديث يدلُّ على أن أقوى علاج لتسكين الغضب والقضاء عليه الاستعاذة بالله من الشيطان، بنيَّةٍ صادقة، وعزيمة قوية، ويقين وإخلاص؛ لأنَّ الغضب نزعة شيطانية شريرة، والاستعاذة أقوى سِلاح لمحاربة الشيطان، فإذا لم يستعمل هذا السلاح، سخره في كلِّ ما يغضب الله من أعمال إجراميَّة؛ إشباعًا لغريزة التشفِّي والانتقام (9).

وبالغضب يَخرج الإنسان من اعتدال حاله، فيتكلم بالباطل، ويرتكب المذموم، وينوي الحقدَ والبغضاء، وغير ذلك من القبائح المحرمة، كل ذلك من الغضب أعاذنا الله منه.

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَن كظم غيظًا وهو يَستطيع أن ينفِّذه، دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيِّرَه في أيِّ الحور شاء» (10).

قال الطيبي: وإنما حمد الكظم؛ لأنَّه قهر للنَّفس الأمَّارة بالسوء؛ ولذلك مدحهم الله تعالى بقوله: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} [آل عمران: 134]، ومَن نهى النفس عن هواه، فإن الجنة مأواه، والحور العين جزاه (11).

وقد روى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا غضب أحدكم وهو قائم، فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلَّا فليضطجع» (12).

بل انظر إلى ردة فعل النبي صلى الله عليه وسلم على زوجته عائشة رضي الله عنها، حينما كان النَّبي صلى الله عليه وسلم عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمَّهات المؤمنين بصحفة فيها طعام، فضربَت التي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها يدَ الخادم، فسقطت الصحفة، فانفلقت، فجمع النَّبي صلى الله عليه وسلم فلق الصحفة، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة، ويقول: «غارَت أمُّكم»، ثم حبس الخادم حتى أتي بصحفة من عند التي هو في بيتها، فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كُسِرَتْ صحفتها، وأمسك المكسورة في بيت التي كَسَرَت (13).

احذر من سوء الظن:

كثير من المشكلات تبنى على سوء الظن، وعلى الأوهام والخيالات، أو يزيد في تأجيجها سوء الظن، فعلى المسلم تجنُّب سوء الظن، والتعامل بواقعية مع كل مشكلة تمر به.

وعليه حسن الظن بالشخص صاحب المشكلة ما أمكن، فقد يكون لديه تصور معين، أو فهم خاطئ، أو بلَغَه أمر غير صحيح؛ ولهذا إحسان الظن بالمسلم مما يريح النفس، وتلمُّس الأعذار مما يهوِّن المصيبة، ويعين على حلها بروية، وحسن تفكير.

وهذا المعنى نراه جليًّا في تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجل المتهم ضمنيًّا زوجتَه بالفاحشة، فعن أبي هريرة أن أعرابيًّا أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن امرأتي ولدت غلامًا أسود، وإني أنكرته، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل لك مِن إبل؟»، قال: نعم، قال: «فما ألوانها؟»، قال: حُمرٌ، قال: «هل فيها من أورق؟»، قال: إن فيها لورقًا، قال: «فأنَّى ترى ذلك جاءها؟»، قال: يا رسول الله، عرقٌ نزعها، قال: «ولعلَّ هذا عرقٌ نزعه»، ولم يرخص له في الانتفاء منه (14).

قال الطيبي: وفائدة الحديث المنع عن نفي الولد بمجرد الأمارات الضعيفة، بل لا بد من تحقُّق وظهور دليل قوي كأن لم يكن وطئها، أو أتت بولد قبل ستة أشهر من مبتدأ وَطئها، وإنما لم يعتبر وصف اللون ها هنا لدفع التهمة؛ لأن الأصل براءة المسلمين، بخلاف ما سبق من اعتبار الأوصاف في حديث شريك، فإنه لم يكن هناك لدفع التهمة، بل لينبه على أن تلك الأمارات الجليَّة الظاهرة مضمحلة عند وجود نصِّ كتاب الله، فكيف بالآثار الخفية؟ (15).

البحث في أسباب المشكلة:

لأن غالب المشاكل لا توجد فجأة، بل لها مسببات وعوامل تذكيها حتى تقع، والوقوف على أسباها يعين على حلِّها، ففي جانب التربية مثلًا لا ينحرف الشاب أو الفتاة هكذا فجأة في يوم وليلة، بل بتدرُّج، مع وجود عوامل مساعدة للانحراف؛ كصديق السوء مثلًا، أو القنوات، أو الهاتف، أو غيرها؛ ولهذا فإن من عوامل علاج المشكلة معرفةَ جذورها، ومعالجتها معالجة تامَّة، وليست آنية ووقتية فقط، وقد يطول العلاج بحسب الإهمال السابق، وبحسب العامل المؤثر وقوَّته، وكذلك بحسب شخصية المنحرف وغيرها (16).

حفظ اللسان:

وبعض المشاكل يكون وقودها اللسان، فقد يُنقل كلام إلى الطرف الآخر، والأمور متيسرة فإذا بها تتعسر؛ فاللِّسان مما يزيد في لهيب المشاكل وتطوراتها، والسب والشتم واللعن عوامل تأجج المشاكل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّ المؤمن ليس باللعان ولا الطعان، ولا الفاحش ولا البذيء» (17).

فليمسك الإنسان لسانه؛ فاللعن والسب والشتم هو متنفس العاجزين، وبوابة إشعال فتيل المشاكل في البيوت.

ومما ينبغي مراعاته في التعامل مع المشاكل الأسرية:

الكتمان للخلافات الزوجيَّة، ومحاولة حصر الخلافات الزوجية بين الزوجين، والحذر من توسيع دائرتها بإدخال الأهل والأقرباء في مشكلاتهما بقدر الإمكان، فيتحمَّس كل فريق لمناصرة قريبه، ولو كان مخطئًا، وتتحوَّل المشكلة إلى قضية يتعصب فيها كلُّ فريق لآرائه، ويتبع أهواءه، وتتعقد الأمور، ويصعب الحل، وإن كان ولا بد من توسيع الدائرة بعدما يَيأس الزوجان من حلِّ خلافاتهما، فليكن في أضيق نطاق، ولأكثر الأهل حكمة وخبرة.

المشكلة بلاء، وما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة، قال الله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30]، فلتكن المشكلات محطَّات يتزود الزوجان منها بالإيمان؛ وذلك بالتوبة والاستغفار، والعمل الصالح.

وكذلك الرضا بقضاء الله وقدره؛ لتهون عليه المشكلة أو المصيبة؛ وليستطيع التعامل معها بنفس هادئة مطمئنَّة.

نسأل اللهَ تعالى أن يجنِّب بيوتنا وبيوت المسلمين المشاكلَ والفتن (18).

----------

(1) أسباب وأنواع المشكلات الأسرية وحلولها/ حلوها.

(2) أفضل طرق حل المشاكل العائلية/ مفاهيم.

(3) المشاكل الأسرية وكيفية حلها/ عربي.

(4) أفضل طرق حل المشاكل العائلية/ مفاهيم.

(5) التحرير والتنوير (2/ 464).

(6) الاستقامة (2/ 272).

(7) أخرجه البخاري (6116).

(8) أخرجه البخاري (3282).

(9) منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري (4/ 175).

(10) أخرجه أبو داود (4777).

(11) تحفة الأحوذي (6/ 140).

(12) أخرجه أبو داود (4782).

(13) أخرجه البخاري (5225).

(14) أخرجه البخاري (5305)، ومسلم (1500).

(15) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (5/ 2165).

(16) 40 قاعدة في حل المشاكل/ لعبد الملك القاسم، بتصرف.

(17) أخرجه أحمد (3938).

(18) كيفية التعامل مع المشكلات الأسرية/ شبكة الألوكة