logo

ضوابط تربوية


بتاريخ : الخميس ، 26 شعبان ، 1437 الموافق 02 يونيو 2016
بقلم : تيار الإصلاح
ضوابط تربوية

لكل مؤسسة نظام وقواعد وضوابط، يتعامل على أساسها الجميع، ويعيشون من خلالها وبها، ومنها يتبين ما يجب على كل فرد وما يستحق، وماذا يحدث لو لم يتم المطلوب لسبب أولآخر، سواء كانت هذه المؤسسة البيت أو

المجتمع أو المدرسة أو العمل، فكل هذه الأماكن لها قواعد تسير بموجبها، وتنتظم الحياة فيها من خلال هذه الأنظمة والقواعد، ولو غابت هذه القواعد، أولم توجد أصلًا؛ فإن الحياة داخل هذا المكان ستكون صعبة للغاية، فالبيت والأسرةهناك حاجة ماسة أن يكون لهما قواعد وأنظمة ليست بالضرورة مكتوبة لكنها واضحة معروفة؛ بل وقابلة للنقاش والحوار لتعديلها أو تطويرها.

أهمية الضوابط للعمل التربوي:

 

ثمة اعتبارات عدة تؤكد على أن تحاط الجهود التربوية بسياج ضوابط الشرع منها:

أولًا:أن التربية عمل شرعي، وعبادة لله عز وجل، فلا بد لها أن تحاط بسياج الشريعة، وتضبط بضوابطها، وإن سلامة المقصد، وحسن النية، ونبل العمل ليست مسوغًا أو مبررًا لتسور السياج الشرعي وتجاوز الضوابط.

ثانيًا:التربية شأنها شأن سائر الوظائف الشرعية الأخرى؛ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الحكم بين الناس، الجهاد...، ولذلك ذكر أهل العلم آدابًا للمعلم والمتعلم، وذكروا طائفة مما ينبغي أن يرعاه ويتمثله كلٌ مِن معلم العلم وطالبه؛ حتى تتم العملية التربوية بأكمل وجه، وتكون مخرجاتها كما خطط لها، والتي من أبرز أهدافها تخريج جيل واعٍ مدرك لمسئولياته، وقادر على تأدية ما يناط بعنقه من أمانات، وساعٍ على ما فيه خيري الدنيا والآخرة.

 

ثالثًا:التربية قدوة قبل أن تكون توجيهًا، وعملًا قبل أن تكون قولًا، والمربي ينبغي عليه أن يربي الناس بفعله قبل قوله، فحين يجاوز حدود الشرع كيف سيربي على الورع والتقوى ورعاية حدود الله؟ بل إنه من خلال عمله هذا يربي من وراءه على الاستهانة بالضوابط الشرعية، ويغرس لديهم الجرأة على ارتكاب الحرمات وتجاوز الحدود.

رابعًا:وكما أن المربي ينظر إليه بعين القدوة؛ فهناك عيون أخرى ترقبه وتنظر إليه، فينظر إليه من الخارج باعتباره واحدًا ممن يعمل للإسلام، وعمله يمثل السمت والهدي الشرعي، وربما ينظر إليه بعين تبحث عن الخطأ وتفرح به؛ وذلك كله يدعو المربي إلى أن يتقي الله ويتحرى الضوابط الشرعية فيما يأتي ويذر.

خامسًا:أن التوفيق والنجاح ليس مرده إلى الجهد البشري وحده؛ بل قبل ذلك كله توفيق الله وعونه وتأييده، وهذا التوفيق له أسباب؛ من أعظمها وأهمها رعاية العبد لحرمات الله، وما أحرى أولئك الذين يتجاوزون الحدود الشرعية بالبعد عن توفيقه سبحانه وتأييده(1).

 

ويجب أن تكون الضوابط وفق النقاطالتالية:

 

1- أن تكون الضوابط واضحة ومفهومة:

 

عندما لا تكونالضوابط مفهومة فإنها تترك حيزًا كبيرًا لسوء الفهم، وربما التلاعب بها وبمعانيها،وتحدث صراعات كثيرة بين الأطفال أنفسهم أو مع والديهم لهذا السبب.

وبعض المربينيعتقد أن الطفل أو المراهق يفهم الضابط مثل الكبير، مع العلم أن الفارق في الفهم قديكون كبيرًا جدًا، بالذات في القضايا اليومية، مثلًا: تحديد موعد لا يمكن تحديده،فيقول الأب للأبناء: لا بد أن تناموا باكرًا، وهو يقصد الثامنة مساءً، أما هم فيفهمونأنها الحادية عشرة مساءً مثلًا، أو أن يأمر الأب ابنه المراهق بالعودة للبيت بعدالعشاء ولا يحدد وقتًا، فيكون هناك لبس شديد في هذا الأمر.

ولهذا يكون من الأفضلالتحديد كي يفهم أبناؤنا الأمر، وأحيانًا يَحْسُن كتابة مثل هذه الضوابط، ووضعها أمامالطفل أو المراهق إذا كان من النوع الذي ينسى أو لا يركز كثيرًا.

2- متابعة التطبيق:

 

المتابعة من أهم الأمور لتطبيق أي نظام أو ضابط، ونقله إلى أرض الواقع،سواء في الأنظمة الاجتماعية أو داخل المنزل.

وكيفية المتابعة ومدى شدتها يحددهاالواقع وطبيعة الأبناء، فالبعض يحتاج إلى متابعة قوية ولصيقة، وبعضهم لا يحتاجالكثير منها، لكن لا بد أن يشعر الأبناء بجديتك في تطبيق هذا النظام، وأنك ستتابع هذاالموضوع.

 

3- التطبيق الدائم:

 

أكثر ما يضر في هذا الموضوع هوالاستثناء الكثير، وعدم الاتفاق بين الوالدين في هذا الاتجاه أو ذاك، فيضعف اتباعالأبناء للضوابط والقواعد التي تصيغ جو الحياة الأسرية، والنظام الذي لا يطبق دائمًايفشل المربي في فرضه على الأطفال، وللعلم؛ فالطبيعي أن الأطفال ينسون، أو بعضهم يحاول كسر الضوابط ليختبر جدية الوالدين في هذا الأمر.

4- أن تكون عواقب مخالفتها فعالة:

 

لا بد من وجود عواقب لمخالفة الضوابط، وهذه تتفاوت من طفل لآخر،لكن لا بد من محاولة توحيدها داخل الأسرة الواحدة، وعدم وجود تفاوت، إلا ربما بحسبالعمر، وربما بعض الظروف الأخرى من مرض أو نحوه، كذلك ينبغي تحديدها بحسب رغباتالطفل وهواياته؛ فبعض الأطفال يستجيب للحرمان من الخروج والبعض لا يستجيب، والآخريستجيب للخصام وآخر لا يستجيب، ويتفاوت الأطفال تفاوتًا كبيرًا في هذا الباب، ولهذالا بد من مراعاة أن تكون العقوبة فعالة بالنسبة للطفل ذاته(2).

ضوابط هامة في تربية الأبناء:

1- الترابط الأسري:

 

الأسرة المترابطة والمتماسكة أول اللّبنات في بناء المجتمع السليم، فالأبناء قرّة أعين الآباء، وبهذه المحبة لا يرضون لهم منزلة أدنى من إمامة المتقين، والسير في موكب الصالحين.

2- احترام عقلية المتربي:

 

إن الأجيال المنشودة، عالية الجودة، نتاج تربية سليمة، تعتبر الطفل كائنًا ذا حقوق خاصة في الرعاية؛ كحقه في التعبير عن نفسه، وانفعالاته ومشاعره تجاه ما يحيط به، دون أن ينافي ذلك المحبة المتبادلة.

 

ودور المربي الناجح أن يعلّم الطفل صغيرًا أفضل الطرق في التعبير، وبذلك يضمن منه حين يكبر أن يبني معه والناس علاقة متينة، أساسها الأمان والثقة المتبادلة، ألم تقم فتاةٌ كَعاب في مجلس رسول الله، بين يدي كبار الصحابة والصحابيات، حين نهاهم رسول الله عن إفشاء سر ما بين الأزواج بعد أن يفضوا إلى بعضهم، فأحجموا جميعهم، بينما تقول الفتاة: والله يا رسول الله، إنهم ليفعلونه، وإنهن ليفعلنه.

 

ما نهرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا طلب إليها إحضار أبويها.

3- المنهجية الواضحة في التربية:

 

والتربية السليمة تقتضي أيضًا نهج وسائل وطرائق سليمة واضحة وواقعية؛ فقد يغرق الآباء في اتهام أبناء هذا الجيل بالجحود والعصيان؛ ويكون السبب راجعًا إليهم؛ إذ يتركون مجال التربية محكومًا بردود الأفعال، ولا يتحملون مسئولياتهم في المتابعة والاهتمام بأبنائهم.

4- واقعية الأهداف التربوية:

 

من المفيد جدًا أن تكون أهداف المربي واقعية ومعقولة، لا خيالية، ولا مبالغ فيها، فالآباء الذين يقنعون بما دون الكمال، ويشجعون أبناءهم، رغم ما يجدون لديهم من تعثر، يوفرون على أنفسهم الكثير من الاصطدام والإحباط.

 

5- التأديب بتحمل المسئولية:

 

وهذه مشكلة أغلب الآباء؛ إذ يلجئون للتأديب، إما بالعقاب أو بالمكافأة، لكنهم لا يجدون لذلك كثير تأثير في سلوك أبنائهم على المدى البعيد، فيتعلمون تحمل مسئولية أعمالهم وتبعاتها.

 

بل يجد الآباء أنفسهم مضطرين إلى إرغامهم على القيام بواجباتهم تحت ضغط العقاب، أو مضطرين إلى مكافأتهم عن كل واجب يقومون به، وهذا لا ينافي التشجيع أو المراقبة الحازمة؛ بل هما لازمتان من لوازم التربية على المسئولية.

6- حسن الاستماع والتوجيه:

 

يحزن كثير من الآباء لأن أبناءهم لا يتحدثون إليهم بشكل كاف، ولا يعلمون من أعمالهم الخاصة إلا ما يطلعونهم، أو ما يطلعون عليه بأنفسهم بطريقة أو بأخرى.

يعيش الطفل في بيئة متوترة؛ بيت ضيق، وأم منهكة من العمل خارج البيت وداخله، وأب يستهلكه البحث عن الرزق؛ مما لا يدع له مجالًا للانفتاح على أبنائه، فهل يكفي لتربية الأبناء أن نكد لإطعامهم وإيوائهم وتدريسهم.

 

يكبر الطفل، ويصبح مراهقًا، فلا يجد داخل بيته من يصغي لأفكاره، ويفهم مشاعره، إلا مراهقًا غض التجربة مثله، وحينما تشتد حاجته لوالديه يتقدمان له، في أحسن الأحوال، بنصائح لا تكون في الغالب مفيدة أو مؤثرة، فيمعنون في إبعاده عنهم بما يستعملون من النصائح والمساءلة والتحقيقات والتهديدات، وربما حتى الاستهزاء.

7-التصميم الدائم على النجاح:

 

فالتربية عملية مستمرة بدوام طرفيها: الآباء والأبناء، والضمان الأول لنجاحها هو استمداد العون من الله عز وجل لبناء علاقة ملؤها الحب والحنان، ثم تخصيص كل مرحلة من مراحل نمو الأبناء بما يلزمها من الرعاية(3).

8-ضرورة استحضار النية وحسن القصد في الأعمال:

 

الحذر كل الحذر أن تشوب هذه الأعمال، التي نظهرها للناس،شوائب الرياء أو السمعة، فيصيبها العطب، فتفسد فيضيع الجهد ونحرم الأجر.

التجرد التام في أعمالنا العامة، والدعاية لمناشطنا الدعوية، فلا تكون برامجنا ودعايتنا ردًا على دعاية اتجاه آخر، أو فيها تقليل من شأن غيرنا (هيئات أو أشخاص)، أو تظهر فيها رغبتنا فقط في البروز بأننا الأحسن والأقوى والأفضل، وغيرنا غير ذلك، ولكن يكون قصدنا منها دائمًا نشر الدعوة، وإشاعة الخير في الأمة، والخدمة والإصلاح، وبعد هذا كله نقصد من وراءها تحقيق العبودية الحقة لله تبارك وتعالى(4).

_________________

(1) افتقار العمل التربوي إلى الضوابط الشرعية، محمد بن عبد الله الدويش، مجلة البيان، العدد: 94.

(2) كيف تضع قواعد للحياة التربوية مع أبنائك؟ جريدة الرياض اليومية، العدد: 12516.

(3) ضوابط عامة في تربية الأبناء، خديجة عارف، منتدى: أخوات الآخرة.

(4) ضوابط تربوية في أعمال الدعوة العامة، محمد حامد عليوة، موقع: زاد السائرين.