logo

الحجاب المتبرج سفور مقنع


بتاريخ : الأربعاء ، 15 جمادى الأول ، 1442 الموافق 30 ديسمبر 2020
بقلم : تيار الاصلاح
الحجاب المتبرج سفور مقنع

الستر هو الأصل (دين الفطرة)، وإذا رجعنا بهذه المعركة إلى أصلها نجدها تبدأ مع بداية الخليقة من عهد أبينا آدم عليه السلام حينما أخرجه الشيطان من الجنة، وكشف عنه غطاءه وستره الذي خلق به، وذلك ما يخبرنا به الحق تبارك وتعالى في قوله: {يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا} [الأعراف: 27]، وقد اختلف العلماء في نوع اللباس والستر الذي كان يتمتع به أبونا آدم وأمنا حواء قبل ارتكابهما للخطيئة، لكنهم اتفقوا على أن هذا الستر هو جزء من الدين، ومن التكليف الذي أمر به أبونا آدم وذريته من بعده، وفي ذلك يقول الطاهر بن عاشور: وقد كان ذلك اللباس الذي نزل به آدم هو أصل اللباس الذي يستعمله البشر.

وهذا تنبيه إلى أن اللباس من أصل الفطرة الإنسانية، والفطرة أول أصول الإسلام، وأنه مما كرم الله به النوع منذ ظهوره في الأرض، وفي هذا تعريض بالمشركين إذ جعلوا من قربانهم نزع لباسهم بأن يحجوا عراة (1).

ومعلوم أن شروط العبادة المقبولة عند الله أن تكون خالصة له عز وجل، وأن تكون وفق سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك فإن من لبست الحجاب لإرضاء أهلها أو زوجها أو مسايرة بيئتها المحافظة أو عملها، أو من كانت تراعي في حجابها إرضاء أذواق الناس والحصول على استحسانهم بجمال حجابها.

فهذه المحجبة عندها خلل عظيم في الشرط الأول من شروط قبول العبادة وهي الإخلاص لله عز وجل، ولا يصلح هذا الخلل إلا بأن يكون رضا الله عز وجل هو الغاية والمقصد الوحيد لها.

ويتضح المقصد الحقيقي للمحجبة من حجابها من خلال موقفها من الشرط الثاني للحجاب؛ وهو مدى متابعتها وتقيدها بالطريقة النبوية في أداء العبادة، فمن كانت ترتديه لمسايرة الأهل أو الزوج أو البيئة، أو من كانت تشرك رضا الناس مع رضا الله عن حجابها تجدها في الغالب لا تتقيد بالطريقة النبوية للحجاب، بل هي أسيرة وتابعة لصرعات الموضة في الحجاب.

الطريقة النبوية في الحجاب كما أمر وبين النبي صلى الله عليه وسلم هي أن يكون الحجاب واسعًا فضفاضًا يغطي كامل بدن المرأة ما عدا الوجه والكفين، ولا يصف لون البشرة ولا يحدد معالم بدنها، ولا يكون زينة بنفسه ولا يشبه اللباس بالمختص بالرجال أو غير المسلمات.

ولكن أغلب المحجبات اللواتي لديهن خلل في شرط الإخلاص لله عز وجل بحجابها، لا تتقيد بهذه المواصفات النبوية، بل تتفنن في مخالفتها أو التحايل عليها، لأنها لا تستطيع تحقيق غاية الحجاب من الإخلاص لله والستر والعفة، وغايتها هي من إرضاء الناس والحصول على استحسانهم، ومن أمثلة الخروج عن متابعة النبي صلى الله عليه وسلم في الحجاب:

1- الأشكال المتعددة لربطة الرأس التي تكشف جزء من الرقبة أو الشعر أو الصدر أو الأذنين، سوى أنه يلفت بلونه وشكله النظر لجماله وزينته أو لغرابته، وعدم انسجامه مع مفهوم الحجاب لدى أصحاب الفطرة السوية.

2- تفصيل معالم البدن بلبس الضيق من اللباس، وخاصة البنطلون والبلوزة أو القميص الضيق.

3- لبس الشفاف والقصير من الثياب.

4- ارتداء الملابس على طريقة غير المسلمات مع وضع غطاء للشعر، كما في لبس الجاكيت الصدر القصير جدًا على بلوزة.

4- وضع المكياج والعطور خارج المنزل، يروى أن رجلًا نظر إلى امرأة جميلة، ثم قال: أهوى هوى الدين واللذات تعجبني، فكيف لي بهوى اللذات والدين؟ فقالت له المرأة: دع أحدهما تنل الآخر.

وهذا هو حال أخواتنا المحجبات حجاب الموضة (المتبرج)، لن تنال رضا الله إلا بترك الموضة والتبرج أو لن تنال الموضة والتبرج إلا بترك رضا الله (2).

تنوع صور حجاب المرأة المسلمة بين موافق للشرع وبين بعيد تمام البعد عما يجب على المسلمة تجاه ربها ونفسها، وتنوعت بالتالي مسمياته وتشكيلاته، من الحجاب الذي يغطي الشعر فقط، إلى البرقع والنقاب، واللثام، إلى العباءات بأنواعها عباءة الرأس وعباءة الكتف والعباءة المغربية وعباءة الفراشة وغيرها الكثير.

لقد ظهر علينا في هذه الأيام ما يسمى بالحجاب المتبرج، اسمه حجاب وواقعه التبرج، بل إن فتنته أشد من فتنة الكاشفات العاريات؛ فمن علامة إحداهن إذا ما تحجبت حفت الحواجب وجعلتهن كحواجب الشيطان، تنزع الشعر نزعًا وتضع مكانه خطًا أسودًا في اتجاه فاتن كعيون الشياطين، وتلقى المنديل على رأسها هكذا مستهزئة بالله ورسوله والمؤمنين، فيخرج شعرها فوق جبينها، لأنها لا تلفه ولا تستره، وتخرج أذناها فيها الأقراط الذهبية فتكون فتنتها أشد من فتنة المتبرجة.

ناهيك عن المكياج وكحل العيون وتلوين الجفون وصبغ الشفاه وتوريد الخدود والنظرات والحركات والابتسامات.

وهكذا يوحي الشيطان إلى أوليائه ويؤزهم إلى الخطيئة، فأصبحن يتابعن الموديلات والأزياء القادمة من بلاد الكفر، وأصبح أرباب الأزياء يتفننون في استخراج الأثواب والأشكال والألوان والزخارف حتى تحولت بعض المتحجبات إلى لعبة أشبه ما تكون براقصة على مسرح، تلبس حجاب على رأسها مزخرف بخيوط ذهبية وأهداب سوداء مخملية، ثم تجعل بعد ذلك شدة من الورد البنفسجي على إحدى جوانبه.

وتلبس فستانًا؛ إما أنه يشف أو أنه يصف وكلاهما حرامٌ شرعًا، ثم تضع الحزام في خصرها فيضغط عليه ليبرز مفاتن الجسد في أسفله وفي أعلاه، ثم بعد ذلك تضيق الفستان في أسفله لتسير كما تسير الحمامة.

ولعل السبب في ذلك:

1- الجهل الذي تتميّز به بعض النساء بحقيقة الحجاب الشرعي، ولزومه، وحكمة تشريعه.

2- التأثّر بالموضة، والأزياء الحديثة، وحب الظهور كالأخريات من بنات جنسها على الرغم انهنّ مخالفات للشريعة، والعرف الاجتماعي المحترم.

3- الضغط الاجتماعي السلبي العام في أوساط تعيشها بعض النساء فتستسلم له؛ ولو بالتدرّج .

4- تأثير الفضائيات التلفزيونية، وما تعرضه من مظاهر صاخبة، وغير محتشمة، وربما تفنّن بعض الفضائيات المحسوبة على الواقع الاسلامي للسفور المقنع؛ من خلال النساء اللواتي يظهرن مقدمات للبرامج، ونشرات الأخبار، والمسابقات، وغيرها مع عدم الاعتناء بالحجاب الشرعي، ومزيد من المساحيق، والزينة، والتفنّن في الاغراء، فيصبحن قدوة سيئة للفتيات؛ فتحصل المتابعة، والتقليد حتى تصبح حالة مستحكمة تعيشها الفتاة، بل وتظن أنها على خير من خلال ما ترتديه من الحجاب المشوّه تبعًا لأولئك النسوة في الفضائيات المنسوبة إلى الاسلام، ومع الأسف هذا هو الواقع المعاش.

5- تضييع فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي هي صمّام أمان المجتمع، وبضياعها تنفتح أبواب المفاسد، ويؤذن بعقاب من الله تعالى.

6- غياب التربية الصالحة داخل الأسرة، وفقد المثل والأسوة للاقتداء حال كون الأم لا تؤدي دورها التربوي الصحيح، وربما الأب لا يرى مانعًا في الحداثة، ومحاكاة الموضة، والموديل حتى لو كان ذلك على حساب العفة، والطهارة، والحجاب.

7- الحرب الإعلامية على كل القيم الدينية، حتى أصبحت فئة عريضة من النساء تساير الموضة إرضاء لخواطر المناوئين للحجاب، فوقعت بذلك في فخ المسايرة التي تبعدها عن المغزى الحقيقي للحجاب؛ وهو تحقيق الستر ودرء الفتن، فتكونت عندنا نمادج تسيء للإسلام من حيت أنها تظن أنها تحسن إليه، لأن خاصية التميز لم تصبح متحققة في لباسها وهيأتها المزركشة، ومن ثم فتحت المجال للكلام عن حجاب الموضة، وأصبح مستساغًا عند فئة عريضة من المحجبات، والأخطر في المسألة ما يتبع ذلك من انحرافات في السلوك والأخلاق.

وأهمس في أذن كل أخت أن حجابك رسالة ودعوة، فلتكوني على قدر المسؤولية التي أنيطت بك، واعلمي أن للحجاب ضوابط فالزميها واستحضري الجانب التعبدي للحجاب تحظي بخيري الدنيا والآخرة.

أصبح الحجاب المتبرج مصدر خطر على أعراضنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله، صحيح أن المرأة العفيفة الشريفة الملتزمة لا يجرؤ أحد أن يقدم عليها إلا إذا بدا منها ما يشجع الذئب البشري، ولكن علينا أن نأخذ الحيطة والحذر وأن نشدد الحيطة والملاحظة لهذه الأمور (3).

أضحت معظم المحجبات يرتدين الحجاب على اعتبار أنه «موضةٌ» تتغيَّر بين الحين والآخر كلما تغيَّرت خطوط الموضة، وظهرت الربطات المختلفة للحجاب، فتجد ربْطةً تُظهر الأذن وأخرى تُظهر الرقبة، ناهيك عن شكل الملابس التي يتم ارتداؤها أسفل الحجاب ذاته بصورةٍ تخلُّ بالحجاب نفسه كما فُرِض وشُرع.

لقد تم اختزال الحجاب في عملية تغطية، تغطية بأي شكل وبأي لون، تغطية تجري وراء خطوط الموضة التي تنافي الوقار وتلفت الأنظار، تغطية لا تحقق المعني الشرعي ولا العرفي للستر، تغطية جمعت بين الضدين وشملت المتناقضين، فلا سترت جسدًا ولا أرضت ربًا.

إنه حجاب يحتاج لحجاب، تحررت فيه المرأة المحجبة من أصالة معتقداتها الدينية، وذلك دون أن تتخلى عن دينها بزعمها، حيث أظهرت مفاتنها دون أن تنزع غطاء رأسها، ودخلت المسلمات إلى عالم الجمال والموضة بدون ضابط ولا رابط، وباتت العباءة الإسلامية قادرة على مواكبة الموضة، غربية كانت أم شرقية، حتى أنها فقدت من صرامتها ما يكفي لجعلها عباءة «كول».

ووصلت الأمية الدينية عند البعض لدرجة اعتبار الحجاب نوعًا من القيد الذي يفرضه المجتمع والعادات والتقاليد، الأمر الذي جعل الفتاة في صراع نفسي في كيفية التوفيق بين الحجاب ومسايرة رياح التغيير بارتداء كل ما هو جديد وجذاب.

فبعض النساء ينظرن إلى الحجاب على أنه «عادة» أو «واجب أسري» فُرض عليهن فرضًا، وبالتالي يحاولن التحايل عليه، فمنهن من تضعه أمام عائلتها وفي الخارج تخلعه، ومنهن من تضعه ولكن لا تلتزم بشروطه الشرعية، وربما أهلها -مع الأسف- يرضيهم هذا الحل الوسط، ويعتقدون أنه ما دامت بنتهم تضع خرقة على رأسها فقد التزمت بالحجاب.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا» (4).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وقد فسر قوله صلى الله عليه وسلم «كاسيات عاريات» بأن تكتسي ما لا يسترها، فهي كاسية وهي في الحقيقة عارية، مثل من تكتسي الثوب الرقيق يصف بشرتها، أو الثوب الضيق الذي يبدي تقاطيع خلقها، وإنما كسوة المرأة ما يسترها فلا يبدي جسمها ولا حجم أعضائها لكونه كثيفًا واسعًا.

ومن هنا يظهر الضابط في نهيه صلى الله عليه وسلم عن تشبه الرجال بالنساء وعن تشبه النساء بالرجال، وأن الأصل في ذلك ليس هو راجعًا إلى مجرد ما يختاره الرجال والنساء ويشتهونه ويعتادونه (5).

الحجاب شعار العفة:

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الأحزاب: 59].

يقول الشيخ المقدم: ليس الحجاب الذي نعنيه مجرد ستر لبدن المرأة؛ إن الحجاب عنوان تلك المجموعة من الأحكام الاجتماعية المتعلقة بوضع المرأة في النظام الإسلامي، والتي شرعها الله سبحانه وتعالى لتكون الحصن الحصين الذي يحمي المرأة، والسياج الواقي الذي يعصم المجتمع من الافتتان بها، والإطار المنضبط الذي تؤدي المرأة من خلاله وظيفة صناعة الأجيال، وصياغة مستقبل الأمة وبالتالي المساهمة في نصر الإسلام والتمكين له (6).

ولا شك أن زي الفتاة ومظهرها دليل عفتها وطهارتها أو علامة على عكس ذلك، ومن خلال ما تلبسه المرأة يمكن في أكثر الأحوال الحكم على نوع ما تحمله من فكر وخلق.

ولا يستطيع أحد أن ينكر أن المرأة كلما كانت محتشمة في زيها، متأدبة في مشيتها مع وقار في هيئتها؛ كل ذلك ينم عن داخل نقي ومنبت زكي ونفس طاهرة، وبقدر ما يظهر ذلك على الفتاة بقدر ما تبتعد عنها همم اللئام، وأنظار الذئاب، وأطماع الكلاب، وتطلعات مرضى القلوب، ولصوص الأعراض.

والفتاة التي تتفنن في إظهار مفاتنها من خلال الموضات المثيرة التي تظهر أكثر مما تخفي، سواء بإظهار مفاتن البدن من خلال لبس الأزياء العارية أو الضيقة التي تصف تقاطيع البدن، أو الخفيفة التي تشف عما تحتها، أو من خلال الموضات الصارخة والعجيبة والغريبة، التي تلفت الانتباه وتعلق عين الناظر، هذا كله يعرض الفتاة لأن يتعرض لها الفسقة ومرضى النفوس والقلوب، وهي في ذات الوقت تعرض نفسها لخطر هي في غنى عنه.

فطالما أختي المسلمة أنك ارتضيتِ أن تكوني من المحجبات والحمد لله، وممن تبحثُ عن رضا الله ورسوله، فالواجب عليكِ ارتداء الحجاب كما أمر صاحب الأمر جلَّ وعلا، لا كما تتطلب الموضة أو تشتهي النفس، وهذه الكلمات التي بين يديك إنما هي تذكرةٌ عما غفلتِ عنه، وبيانٌ لصورة الحجاب الشرعي الذي يرضى عنه الله ورسوله، عسى أن ينفع الله بكِ وبنا ويرزقنا سواء السبيل (7).

يقول حسام الدين عفانة: من شروط الحجاب أن لا يكون زينة في نفسه؛ لقوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور: 31]، فإنه بعمومه يشمل الثياب الظاهرة إذا كانت مزينة تلفت أنظار الرجال إليها، ويشهد لذلك قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب: 33]، وقوله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا تسأل عنهم: رجل فارق الجماعة، وعصى إمامه، ومات عاصيا، وأمة أو عبد أبق فمات، وامرأة غاب عنها زوجها، قد كفاها مؤنة الدنيا فتبرجت بعده، فلا تسأل عنهم» (8).

والتبرج: أن تبدي المرأة من زينتها ومحاسنها وما يجب عليها ستره مما تستدعي به شهوة الرجل.

والمقصود من الأمر بالجلباب إنما هو ستر زينة المرأة، فلا يعقل حينئذ أن يكون الجلباب نفسه زينة، وهذا كما ترى بيِّنٌ لا يخفى.

ولذلك قال الإمام الذهبي: ومن الأفعال التي تُلْعَن عليها المرأة، إظهار الزينة والذهب واللؤلؤ تحت النقاب، وتطيبها بالمسك والعنبر والطيب إذا خرجت، ولبسها الصباغات والأُزر الحريرية والأقبية القصار، مع تطويل الثوب وتوسعة الأكمام وتطويلها، وكل ذلك من التبرج الذي يمقت الله عليه، ويمقت فاعله في الدنيا والآخرة، ولهذه الأفعال التي قد غلبت على أكثر النساء، قال عنهن النبي صلى الله عليه وسلم: «اطلعت على النار فرأيت أكثر أهلها النساء» (9).

قلت: ولقد بالغ الإسلام في التحذير من التبرج إلى درجة أنه قرنه بالشرك والزنى والسرقة وغيرها من المحرمات، وذلك حين بايع النبي صلى الله عليه وسلم النساء على ألا يفعلن ذلك، فقال عبد الله بن عمرو: جاءت أميمة بنت رُقَيقة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تبايعه على الإسلام، فقال: «أبايعك على أن لا تشركي بالله شيئًا، ولا تسرقي ولا تزني، ولا تقتلي ولدك، ولا تأتي ببهتان تفترينه بين يديك ورجليك، ولا تنوحي، ولا تبرجي تبرج الجاهلية الأولى» (10).

قال العلامة الألوسي: ثم اعلم أن عندي مما يلحق بالزينة المنهي عنها؛ إبداؤها ما يلبسه أكثر مترفات النساء في زماننا فوق ثيابهن، ويستترن به إذا خرجن من بيوتهن، وهو غطاء منسوج من حرير ذي عدة ألوان، وفيه من النقوش الذهبية والفضية ما يبهر العيون، وأرى أن تمكين أزواجهن ونحوهم لهن من الخروج بذلك، ومشيهن به بين الأجانب، من قلة الغيرة، وقد عمت البلوى بذلك.

ومثله ما عمت البلوى به أيضًا من عدم احتجاب أكثر النساء من إخوان بعولتهن، وعدم مبالاة بعولتهن بذلك، وكل ذلك مما لم يأذن به الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأمثال ذلك كثير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم (11).

ويقول يوسف القرضاوي مبينًا ما يجب على المرأة في وجود الرجال الأجانب:

أن تلتزم الوقار والاستقامة في مشيتها وفي حديثها، وتتجنب الإثارة في سائر حركات جسمها ووجهها؛ فإن التكسر والميوعة من شأن الفاجرات لا من خلق المسلمات، قال تعالى: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب: 32].

وألا تتعمد جذب انتباه الرجال إلى ما خفي من زينتها بالعطور أو الرنين أو نحو ذلك. قال تعالى: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور: 31].

فقد كانت المرأة في الجاهلية حين تمر بالناس تضرب برجلها، ليسمع قعقعة خلخالها فنهى القرآن عن ذلك، لما فيه من إثارة لخيال الرجال ذوي النزعات الشهوانية، ولدلالته على نية سيئة لدى المرأة في لفت أنظار الرجال إلى زينتها.

ومثل هذا في الحكم ما تستعمله من ألوان الطيب والعطور ذات الروائح الفائحة، لتستثير الغرائز، وتجذب إليها انتباه الرجال، وفي الحديث: «المرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا»، يعني: زانية (12) (13).

_____________________

(1) التحرير والتنوير (8-ب/ 74).

(2) عبادة الحجاب/ أسامة شحادة.

(3) المحجبات المتبرجات/ ملتقى الخطباء.

(4) أخرجه مسلم (5704).

(5) مجموع الفتاوى (22/ 146).

(6) عودة الحجاب (2/ 628).

(7) الحجاب المتبرج ضياع المضمون وفقدان الغاية/ إسلام ويب.

(8) أخرجه أحمد (23943).

(9) الكبائر للذهبي (ص: 135).

(10) أخرجه أحمد (6851).

(11) روح المعاني (9/ 341).

(12) أخرجه الترمذي (2786).

(13) المرأة المتبرجة وهي ترتدي الحجاب/ إسلام أون لاين.