أفراحنا بين المشروع والممنوع
الزواج نعمة أنعم الله بها على عباده، وآية من آياته سبحانه وتعالى امتن بها على عباده، قال سبحانه: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21]، قال السعدي رحمه الله: فحصل بالزوجة الاستمتاع واللذة والمنفعة بوجود الأولاد وتربيتهم، والسكون إليها، فلا تجد بين أحد في الغالب مثل ما بين الزوجين من المودة والرحمة (1).
والزواج من سنن المرسلين، وهدي الصالحين، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} [الرعد: 38].
عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة» (2).
وقد حث عليه ربنا جل وعلا في كتابه بقوله: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} [النساء: 3].
كما رغب فيه سيد المرسلين بفعله، وحث عليه بقوله صلى الله عليه وسلم، ففي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدًا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فقال: «أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني» (3).
ولهذا وجه النبي صلى الله عليه وسلم شباب الأمة إلى المبادرة بالزواج حيثما يجد القدرة على تحمل المسؤولية، والقيام بشؤون الحياة الزوجية، ففي الحديث عن علقمة، قال: بينا أنا أمشي مع عبد الله رضي الله عنه، فقال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء» (4).
تيسير الزواج مطلب شرعي:
ولأجل ذلك كان لزامًا علينا أن يكون النكاح مبناه على اليسر قال تعالي: {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 199].
عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: «ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما، ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه» (5).
وعن سهل بن سعد، قال: أتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة، فقالت: إنها قد وهبت نفسها لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، فقال: «ما لي في النساء من حاجة»، فقال رجل: زوجنيها، قال: «أعطها ثوبًا»، قال: لا أجد، قال: «أعطها ولو خاتمًا من حديد»، فاعتل له، فقال: «ما معك من القرآن؟» قال: كذا وكذا، قال: «فقد زوجتكها بما معك من القرآن» (6).
قال عمر بن الخطاب: ألا لا تغلوا صدق النساء، فإنه لو كان مكرمة وفي الدنيا، أو تقوى عند الله عز وجل، كان أولاكم به النبي صلى الله عليه وسلم، ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه، ولا أصدقت امرأة من بناته، أكثر من ثنتي عشرة أوقية، وإن الرجل ليغلي بصدُقة امرأته، حتى يكون لها عداوة في نفسه (7).
فالزواج في الإسلام من أيسر الأمور، وكان السلف الصالح يتزوجون على القرآن، وعلى الشيء اليسير، ولهذا فشت البركة في حياتهم.
من صور التيسير في العهد النبوي:
هذه أم سُليم رضي الله عنها جعلت مهرها الإسلام كما في الحديث عن أنس، قال: خطب أبو طلحة أم سليم، فقالت: والله ما مثلك يا أبا طلحة يرد، ولكنك رجل كافر، وأنا امرأة مسلمة، ولا يحل لي أن أتزوجك، فإن تسلم فذاك مهري وما أسألك غيره، فأسلم فكان ذلك مهرها، قال ثابت: فما سمعت بامرأة قط كانت أكرم مهرًا من أم سليم الإسلام، فدخل بها فولدت له (8).
قال الله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [النور: 32].
عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف» (9).
أي المتزوج بقصد عفة فرجه عن الزنا واللواط أو نحوهما، وإنما آثر هذه الصيغة إيذانًا بأن هذه الثلاثة من الأمور الشاقة التي تكدح الإنسان وتقصم ظهره لولا أنه يعان عليها لما قام بها، قال الطيبي: وأصعبها العفاف لأنه قمع الشهوة الجبلية المذكورة في النفس، وهي مقتضى البهيمية النازلة في أسفل سافلين، فإذا استعف وتداركه عون إلهي ترقى إلى منزلة الملائكة في أعلى عليين (10).
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض، وفساد عريض» (11).
الزواج في ظل الإسلام من أيسر الأمور وأسهلها، فلا يحمل أي تعقيد، ولا تكون له أية مشقة.
أما اليوم فقد أصبحت الأفراح والأعراس تحمل أنظمة شاقة وتكاليف باهظة وقوالب معقدة، وعادات ليست جامدة؛ بل قابلة للزيادة، وفيه الكثير والكثير من الشكليات والرسميات التي لا يقرها شرع ولا يقبلها عقل، ولم ينزل الله سبحانه وتعالى بها من سلطان، بل أصبح الزواج يحمل منكرات كبيرة وموبقات عظيمة تخالف كتاب الله وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقع فيها بعض الناس وللأسف بعلم وليس بجهل.
فمن هذه المخالفات العظيمة الذهاب إلى بعض الدجالين والمشعوذين والكهنة والعرافين، واستشارتهم وأخذ رأيهم في الإقدام أو الإحجام في قبول الخاطب أو اختيار المخطوبة؛ وهذا منكر شنيع وذنب فظيع لا يفعله إلا من كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من أتى كاهنًا، أو عرافًا، فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد» (12)، فالمؤمن في مثل هذه الأمور يستخير الله سبحانه وتعالى ويصلي ركعتين صلاة الاستخارة ويستشير أهل الحكمة والمعرفة لا أن يذهب إلى المنجمين والدجاجلة.
ومن المخالفات؛ العزوف عن ذات الدين، والتهافت والتسابق على ذوات الدنيا والمال والجمال، أو رفض تزويج صاحب الدين والملتزم بدينه، ونسي هؤلاء أن المال والجمال ينتهي ويزول، وتبقى الأخلاق وصيانة الأعراض وحفظ البيوت ومراعاة الحقوق، وتربية الأولاد التربية الصالحة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض، وفساد عريض» (13)، ويقول صلى الله عليه وسلم: «تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك» (14).
والمعنى أن اللائق بذي الدين والمروءة أن يكون الدين مطمح نظره في كل شيء لا سيما فيما تطول صحبته، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بتحصيل صاحبة الدين الذي هو غاية البغية (15).
روي أن رجلًا جاء إلى الحسن وقال: إن لي بنتًا وقد خطبها غير واحد، فمن تشير علي أن أزوجها؟ قال: زوجها رجلًا يتقي الله، فإنه إن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها (16).
ومن المخالفات؛ تأخير تزويج الشباب أو الشابات، وعضلهم عن الزواج، والحيلولة بينهم وبين الزواج؛ إما عنادًا ومكابرة، وإما طمعًا وجشعًا، وإما تقليدًا ومتابعة لدعوات أعداء الله في تحديد سن الزواج، وإما انتظارًا لمن هو أرفع ويدفع، وإما احتجاجًا بحجج واهية؛ كحجة إكمال الدراسة وانتظار الوظيفة، يقول الله سبحانه وتعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [النور: 32].
من المخالفات أيضًا؛ إكراه الولد على الزواج بامرأة لا يرغب الزواج بها، أو إجبار البنت على قبول الزواج من شاب لا ترغب فيه، أو تزويجها بغير إذنها، أو بدون أخذ رأيها، وهذا خطأ ظاهر وغلط فاحش.
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «البكر تستأذن» قلت: إن البكر تستحيي؟ قال: «إذنها صماتها» (17).
وعن عائشة أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن البكر تخطب، فقالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «تستأمر النساء في أبضاعهن» قالت: يا رسول الله البكر تستحي فتسكت، قال: «سكوتها إقرارها» (18).
من المخالفات التي شاعت وانتشرت وتباهى البعض بها؛ المغالاة في المهور، وإثقال كاهل الخاطب بمبالغ باهظة وكبيرة، تدخله في دوامة وديون وإعراض عن الزواج؛ بل ظن بعض الآباء أنه كلما زاد المهر كلما زاد شرف ابنته وقدرها، وما علم أن العكس هو الصحيح، فكلما ارتفعت المهور كلما ارتفعت العنوسة وكثر الفساد وزاد الإحباط، وكلما كان التيسير والتسهيل وعدم التعسير كلما عظمت البركة وعمت الفرحة وتمت الأمور على خير، فالعاقل من سهل ويسر لييسر الله لأهله أهل الخير والتواضع والصلاح، والجاهل من عسر وتكبر ليأتيه أهل الكبر والمكر والشقاق وسيء الأخلاق أو لا يأتيه لا هؤلاء ولا هؤلاء.
من المخالفات الكبيرة التي بدأت تظهر وتنتشر؛ ما يحدث قبل الزواج بين الخاطب والمخطوبة من أفعال بلهاء وتجاوزات خرقاء؛ كالسماح لهما بتبادل الهدايا والصور والكلام الطويل عبر الهاتف أو الجوال، أو الخروج معًا للنزهة والتعارف، وغيرها من الحماقات التي أودت بالكثيرين إلى الوسوسة والانفصال قبل الدخول الحقيقي والاتصال الشرعي، فالشرع لم يسمح إلا بالنظرة الشرعية إلى الوجه والكفين فقط، وما عدا ذلك فإنما هو تسويل الشيطان.
ومن أبرز المنكرات التي تقَع من النساء في الأفْراح: ما يقع منهن من لبس غير السَّاتر من الثياب في ليلة الفرح، ثياب رقيقة، وأخرى عارية، تبدي جزءًا من المرأة، وكذا القصيرة والمفتوحة والضيقة التي تصف حجْم الأعضاء، والحجة عند النساء أن ذلك هو المتاح في الأسواق، ونحن أمام النساء فلا حرج في ذلك، وقد قالت اللجنة الدائمة للإفتاء لمن تلبس ما شاءت وتحتج أنها أمام النساء: قد دل ظاهر القرآن على أن المرأة لا تبدي للمرأة إلا ما تبديه لمحارمها، مما جرت العادة بكشفه في البيت، كانكشاف الرأس واليدين والعنق والقدمين، وأما التوسع في الكشف، فعلاوة على أنه لم يدل دليل على جوازه، فهو طريق لفتنة المرأة وتشبه بالكافرات والبغايا الماجنات في لباسهن، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من تشبه بقوم فهو منهم» (19).
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا» (20).
يسترن بعض بدنهن ويكشفن بعضه إظهارًا لجمالهن وإبرازًا لكمالهن، وقيل: يلبسن ثوبًا رقيقًا يصف بدنهن وإن كن كاسيات للثياب عاريات في الحقيقة، أو كاسيات بالحلى والحلي، عاريات من لباس التقوى (21).
إن خروج النساء من بيوتهن متطيبات متبرجات وهن في أكمل زينتهن وأبهى حلتهن، ومرورهن على الرجال الأجانب، وخلوتهن مع السائقين، وقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا من ريحها، فهي زانية» (22).
من منكرات الأفراح؛ إحياء ليلة العرس بالأغاني الماجنة ومزامير الشيطان التي تدوي في الآذان ويخرق صوتها الجدران، وفيها من العبارات الساقطة والكلمات السافلة، من كلمات الهوى والحب والعشق ما يفسد القلوب وينبت فيها النفاق روى عن ابن مسعود، وابن عباس وجماعة من أهل التأويل في قوله: {وَمِنْ النَّاس مَنْ يَشْتَرِي لَهْو الْحَدِيث لِيُضِلّ عَنْ سَبِيل الله} [لقمان: 6]، أنه الغناء، وحلف على ذلك ابن مسعود بالله الذي لا إله إلا هو ثلاث مرات، وقال: الغناء ينبت النفاق في القلب، وقاله مجاهد وزاد: ان لهو الحديث في الآية الاستماع إلى الغناء وإلى مثله (23).
وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليكونن من أمتي أقوام، يستحلون الحر والحرير، والخمر والمعازف» (24).
وعن سهل بن سعد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سيكون في آخر الزمان خسف وقذف ومسخ»، قيل: ومتى ذلك يا رسول الله؟ قال: «إذا ظهرت المعازف والقينات، واستحلت الخمر» (25).
هذا إضافة إلى ما تحتويه هذه المخاطر من هدر للأموال وتحمل للآثام وأذية للجيران، وخاصة الذين لا يرغبون في سماع الأغاني، ويجتمع فيها من السفهاء والمحششين وشياطين الإنس وقطاع الصلاة كثير وكثير...
فلماذا يقابل المتزوج نعمة ربه بهذه المعصية، ويفتتح حياته الزوجية بهذا الذنب، ويؤسس بنيانه بهذه الخطايا التي تكون لها أسوأ الآثار فيما بعد على مستقبل حياته الأسرية، وتنغيص معيشته الزوجية يقول الله جل جلاله: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ} [التوبة: 109].
من المخالفات الخطيرة التي تقع في ليلة الزفاف، وهذه المخالفة تصادم الغيرة وتناقض الفطرة؛ تصوير العروسة وهي في ثوب زفافها وبكامل زينتها وأبهى حلتها، والذهاب بتلك الصور إلى محلات التصوير لتحميضها وتصفيتها.
أين ذهب الحياء عند هؤلاء؟ وكيف غابت الغيرة في نفوسهم فسمحوا بتصوير نسائهم وهن متجملات متزينات؛ ألا يستحون حينما يرى صاحب المحل هذه الصور، فإن قالوا إن المحمض لها امرأة ألا يخشون من تسربها وانتشارها فيما بعد من يد إلى يد حتى تصل إلى أيدي الذئاب، كيف يرضى العاقل الغيور بهذا الأمر في زمن أصبحت الصور تنتشر فيه انتشار النار في الهشيم، وخاصة على مواقع الانترنت والشات والفيس بوك، كيف يرفض بعض الآباء السماح للخاطب برؤية ابنته ثم يسمح بتصويرها في قمة إبداء زينتها ومفاتنها؟
فلنتق الله في هذا الأمر ولنمنعه منعًا باتًا، وليحذر الرجل من الاستجابة لكلام النساء أو رغبتهن في تلبية هذا الطلب، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6].
التكاليف الباهظة، والنفقات المذهلة، والعادات الاجتماعية السيئة، من اختلاط وغيره، تقليدًا وتبعية، مفاخرة ومباهاة، إسرافًا وتبذيرًا، قال الله: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبّهِ كَفُورًا} [الإسراء: 27].
قال السعدي رحمه الله: لأن الشيطان لا يدعو إلا إلى كل خصلة ذميمة فيدعو الإنسان إلى البخل والإمساك فإذا عصاه، دعاه إلى الإسراف والتبذير، والله تعالى إنما يأمر بأعدل الأمور وأقسطها ويمدح عليه، كما في قوله عن عباد الرحمن الأبرار {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67] (26).
ما هو العلاج؟
يتمثل العلاج في:
1- العودة إلى هدي السلف في حياتهم كلها ومنها الأفراح، وأن نلزم طريق الجادة، وامتثال هدي النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: «وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به، كتاب الله، وأنتم تسألون عني، فما أنتم قائلون؟» قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فقال: بإصبعه السبابة، يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس «اللهم، اشهد، اللهم، اشهد» ثلاث مرات (27).
2- الابتعاد عن المنكرات كلها، والخوف من عاقبة الذنب وخطره، فقد هلكت أمم بسببه، قال تعالى: {وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (9) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً (10)} [الحاقة: 9- 10].
قال تعالى: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت: 40].
وقال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41].
3- أن نتعاون على إزالة المنكر بالحسنى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» (28).
4- أن نعلم أن نعمة المال لا تدوم، فلنستعمله في طاعة الله، فالمال ظلٌ زائل، وعارية مسترجعة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لعمرو بن العاص رضي الله عنه: «يا عمرو، نِعمًا بالمال الصالح للرجل الصالح» (29).
5- أن نعلم أننا سنبني بيتًا، فلا بد أن يكون على طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم حتى يبارك الله في البيت وأهله: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} [الكهف: 82].
فاتقوا الله عباد الله وكونوا على حذر ولا تحولوا الزواج إلى نقمة ومذمة وهدم للفضيلة وترويج للمنكر والرذيلة، {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور: 19].
فالمؤمن الحكيم هو الذي لا يبني زواجه على معصية، ولا يؤسسه على ذنب، ولا يبتدئه بما يسخط الله، ولكنَّ كثيرًا من الناس سُلبت منهم الحكمة وأخطأوا طريق الصواب، ودخلوا زواجهم من أول يوم بذنوب وخطايا ومعاصٍ وسلبيات، قد يكون لها أسوأ الآثار على مستقبل حياتهم الأسرية، وتنغيص حياتهم الزوجية، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
بالشكر والإيمان تدوم النعم، وبالجحود والعصيان تحل النقم، فحافظوا على نعم الله التي بين أيديكم يدومها الله عليكم، واحذروا كل الحذر من كفر النعم فيذهبها الله من بين أيديكم، يقول الله تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7]، ويقول عز وجل: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}
[النحل: 18]، إن من أجل نعم الله علينا نعمة الزواج، فالزواج راحة وسكن واطمئنان، فالزوج لا يجد من يبث له همومه من أهل الدنيا إلا زوجته، والزوجة كذلك، فكل منهما سكن لصاحبه، وبيت يضع فيه رحاله.
------------
(1) تفسير السعدي (ص: 639).
(2) أخرجه مسلم (1467).
(3) أخرجه البخاري (5063).
(4) أخرجه البخاري (1905).
(5) أخرجه البخاري (3560)، ومسلم (2327).
(6) أخرجه البخاري (5029).
(7) أخرجه النسائي (3349).
(8) أخرجه النسائي (3341).
(9) أخرجه الترمذي (1655).
(10) فيض القدير (3/ 317).
(11) أخرجه الترمذي (1084).
(12) أخرجه أحمد (9536).
(13) سبق تخريجه.
(14) أخرجه البخاري (5090)، ومسلم (1466).
(15) فتح الباري لابن حجر (9/ 135).
(16) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (5/ 2043).
(17) أخرجه البخاري (6971).
(18) أخرجه ابن حبان (4081).
(19) أخرجه أبو داود (4031).
(20) أخرجه مسلم (2128).
(21) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (6/ 2302).
(22) أخرجه النسائي (5126).
(23) شرح صحيح البخاري لابن بطال (9/ 70).
(24) أخرجه البخاري (5590).
(25) صحيح الجامع الصغير (5810).
(26) تيسير الكريم الرحمن (ص: 456).
(27) أخرجه مسلم (1218).
(28) أخرجه مسلم (49).
(29) أخرجه أحمد (17763).