logo

سكن ومودة لا جمود وغلظة


بتاريخ : الأحد ، 23 ربيع الأول ، 1437 الموافق 03 يناير 2016
بقلم : تيار الاصلاح
سكن ومودة لا جمود وغلظة

جعل المولى عز وجل بين بني الإنسان روابط وعلاقات، وجعل لهذه الروابط والعلاقات حلولًا إذا ما طرأ عليها طارئ عكر صفوها، وكدر ماءها، لكن المولى عز وجل جعل لرابطة الزوجية مميزات خاصة بها، فهي قائمة على المودة والسكن والمحبة والرفق واللطف واللين، وجعل المولى عز وجل هذه الأمور هي أول الحلول إذا ما طرأ على العلاقة الزوجية أي أمر يعكر صفوها، ويكدر ماءها العذب الزلال.

إن الزوجين؛ كما ذكر المولى عز وجل، قد أفضى كل منهما للآخر، وعلم كل واحد منهما سر الآخر، فلا بد في فض أي إشكال بينهما أن يكون بالمودة والمحبة واللين والرفق، وكذلك وجه القرآن الكريم الزوج إلى تقويم سلوك الزوجة بأرأف ما يكون، فإن خشي الزوج من زوجته النشوز والإعراض وعدم طاعته، وجهه المولى عز وجل أولًا إلى الموعظة الحسنة، والكلام اللين، والتذكير بحقه عليها، وواجبها تجاه زوجها، وفضل طاعة الزوج، وما إلى ذلك، فإن لم تستجب كان هجر الفراش مع استمرار المعاملة الحسنة؛ حتى لا تنشأ ضغائن داخلية أكثر فتصعب من المهمة.

فإن لم تستجب كان التأديب والضرب، والعجيب أن صفة الضرب لا يمكن أن يطلق عليها ضرب بالمعنى المتعارف عليه الآن؛ ذلك لأن المقصد بيان غضب الزوج وعدم رضاه، لا إيلام الزوجة في حد ذاته، فقد وضحت لنا السنة النبوية أن الضرب يجب أن يكون غير مبرح، كما أنه يكون بالسواك ونحوه.

كل هذه الأمور تبين كيف أن الإسلام راعى العلاقة الزوجية، وحافظ عليها، وجعلها دائمًا قائمة على المودة والرحمة والسكن والمحبة، لكن هذه المعاني الجميلة، والخلال الحميدة، والصفات العالية الرفيعة لن تنمو وتتكاثر وحدها من دون تواصل بين الزوج والزوجة، ومن دون تعامل يومي بين الزوج والزوجة؛ حيث ينبغي أن يكون على الأقل للزوجة والزوج يوميًا ما لا يقل عن ساعتين أو ثلاث يجلسان فيهما معًا يتسامران، ويتبادلان أطراف الحديث بدون أي عوامل أخرى.

وأعني بالعوامل الأخرى هنا: التلفاز، والحاسوب، والآي باد، وغير ذلك من الأجهزة الحديثة التي سهلت التواصل مع العالم الافتراضي، فالملاحظ والمشاهد أن كثيرًا من الأزواج إذا ما انتهى كل واحد منهم من عمله، وذهب إلى منزله، وتكون الزوجة أيضًا قد انتهت من ترتيب المنزل وإعداد الطعام، ثم يجلسان معًا على مأدبة الطعام، وبعد الانتهاء تجد كل واحد منهما يختلي بجهازه الشخصي، ويجلس على مواقع التواصل، هما بجانب بعضهما، وتلتصق الأجساد ببعضها، لكن الأرواح غير متلاقية، والقلوب متباعدة، وهذا من أخطر الأشياء التي تزيل المودة والرحمة والسكن بين الأزواج.

فقد تُحَدِّث الزوجةُ زوجَها وهو مشغول بما في يديه، أو مشغول في مشاهدة الفيلم الوثائقي، وتأخذ الزوجة في تكرار النداء وهو لا يسمع، وإن سمع فإنه يتأفف من الرد والإجابة، فهو مندمج تمامًا مع ما يفعله، وهذا يترك أثرًا نفسيًا خطيرًا عند المرأة، فتشعر أن زوجها لا يقدرها ولا يحترمها ولا يحبها؛ بل يفضل ما يشاهده عليها، وكذلك العكس، إذا ما تحدث الزوج إلى زوجته وهي مشغولة بمواقع التواصل الاجتماعي، أو بمتابعة قنوات الطبخ وغير ذلك.

إننا لا نطلب من الأزواج أن يتركوا مواقع التواصل الاجتماعي، أو البعد عن مشاهدة الأفلام الوثائقية، ولا نطلب كذلك من الزوجات عدم متابعة كل ما هو جديد في عالم الطبخ، وغيره لأجل الزوج، وإنما نريد أن يكون ذلك الوقت الذي يجلس فيه الزوج مع زوجته، والزوجة مع زوجها، وقت يخلو من كل ما يشغل الزوجة عن زوجها، والزوج عن زوجته، إن جلوس الزوج وزوجته وحدهما فقط، بدون أي مؤثرات خارجية، وحتى بدون حديث متواصل، يكفي؛ بل إن نظر كل منهما في عين الآخر، بمحبة ومودة، كفيل بأن يزيد رصيد السكن، والمودة، والرحمة، والمحبة أَضعاف أضعاف مشاهدة شيء فكاهي معًا على التلفاز مثلًا.

أما متابعة مواقع التواصل الاجتماعي، والجلوس لمشاهدة الأفلام الوثائقية، ومتابعة برامج الطبخ وغيره، فكل هذا له وقته، وهو عند انشغال الطرف الآخر بما لا يمكن للطرف الأول مساعدته فيه، وكذلك عند إنجاز كل منهما واجبه تجاه الآخر، فلا يستساغ للزوجة أن تتابع التلفاز، مثلًا، وهي لم تُعِد بعد الطعام، وترتب المنزل، والزوج قد يصل في أي لحظة من العمل، والأمر كذلك بالنسبة للزوج، فإذا ما أتم كل منهما ما عليه، وكان الآخر مشغولًا، فلا بأس بمتابعة ما يميل إليه ويحبه.

إن هذه الأوقات القليلة، التي يجلس فيها الزوج مع زوجته، إنما هي أوقات لا تقدر بثمن، فبها تتذلل كثير من الصعاب، وتُحل بها كثير من المشاكل، إن هذه الأوقات اليسيرة هي مفتاح لفهم الزوج زوجته والزوجة زوجها، هي مفتاح للوصول إلى قلب الزوجة وقلب الزوج، هي الأوقات التي تبقى في الذاكرة، هي الأوقات التي يتذكرها القلب دائمًا، هذه الأوقات تساعد على قرب الزوج من زوجته والزوجة من زوجها أكثر وأكثر، فتزداد بينهم المودة والرحمة والسكن والمحبة.

أما خلاف ذلك فينتج عنه الغلظة في التعامل مع الأزواج بعضهم البعض، ويكون الجمود في المشاعر والأحاسيس؛ فتكون العلاقة بينهم تمامًا كعلاقة كل منهما بجهازه الخاص به، فإن كان يعمل كما ينبغي تواصل معه، واستمر في حديثه الافتراضي معه، وإن كان الجهاز معطلًا لا يعمل أهمله وتركه، فتصبح العلاقة بين الزوج وزوجته علاقة جمود وغلظة، لا علاقة محبة وسكن ومودة، وهذا ما لا ينبغي أبدًا، فلا بد إذًا من الاهتمام بتلك الأوقات التي يجلس فيها الزوجان مع بعضهما، وأن تكون تلك الأوقات مما لا يمكن التفريط فيها إلا عند الضرورة القصوى؛ كسفر، أو مرض لا قدر الله، أو غير ذلك من الأمور التي تخرج عن إرادة الشخص.