logo

القصة وتغيير السلوك


بتاريخ : الاثنين ، 18 صفر ، 1437 الموافق 30 نوفمبر 2015
بقلم : تيار الاصلاح
القصة وتغيير السلوك

لا شك أن الأبناء يقعون في كثير من الأخطاء والسلوكيات التي لا ينبغي لهم الوقوع فيها، وهذا يستتبع عليهم عواقب كثيرة؛ لذا، فينبغي على الآباء والأمهات أن يتداركوا تلك السلوكيات الخاطئة بسرعة وبحكمة، ومن جملة الأمور التي يمكن بها تدارك خطأ الأبناء بالحكمة، وبطريقة سريعة كذلك، القصة.

إن الأبناء قد يُجهدوا فكريًا إذا صدرت إليهم الأوامر تلو الأخرى بعدم ارتكاب سلوك ما بعد ذلك، ثم تصدر كذلك أوامر أخرى بعدم الاقتراب من فعل معين، وهكذا، حتى تصبح تلك الأوامر حملًا ثقيلًا على الأبناء، تتعب كاهلهم، وتجعلهم يملون تلك الأوامر، ولا يريدون إطاعتها.

ومن هنا تبرز الأهمية القصوى للقصة؛ لذا، فقد جاءت كثيرًا في القرآن الكريم، وأخبر تعالى عن شأن وحال كتابه فقال: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ} [يوسف:3]، وقال سبحانه: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [يوسف:111]، وهكذا يتعامل القرآن الكريم مع المؤمنين، فإذا ما ظهر من الصحابة رضوان الله عليهم أمر لا ينبغي أن يكون؛ ككونهم رأوا أن النصر قد تأخر، أو رأوا أن الظلم قد علا وغلب، أو رأوا أنهم غير آمنين على أنفسهم، وغير ذلك من الأفكار والمواقف التي قد تمر بالإنسان حينما يكون تعلقه بالله عز وجل ليس في أحسن حالاته، في مثل هذه الظروف ينزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن، ويحكي لهم قصص الأمم السابقة؛ ليأخذوا منها العبر والعظات والدروس، ويتعلموا كيف يغيرون تفكيرهم، وكيف يغيرون سلوكهم، وكيف يتعاملون مع تلك المواقف إن حدث وتكررت.

"لقد استخدم القرآن القصة استخدامًا واسعًا جدًّا في تثبيت القيم الإيمانية، وترسيخها وتعميقها في نفوس المؤمنين، يستوي في ذلك قصص الأنبياء، وقصص المؤمنين الذين ابتلوا فصبروا حتى جاءهم النصر، أو قدموا أنفسهم شهداء للحق، وقصص المكذبين وطغيانهم الموقوت، الذي يمد الله لهم فيه فترة من الوقت ليزدادوا طغيانًا وتجبرًا، ثم يدمر عليهم في النهاية ويسحقهم، أو مشاهد القيامة الشبيهة بالقصة، المساوية لها في التأثير إن لم تكن أعظم تأثيرًا.

واستخدام القرآن للقصة في التربية يقررها كمبدأ من مبادئ التربية الإسلامية، علينا أن نستخدمه ونستغل قوة تأثيره في الكبار والصغار سواء"(1).

وكذلك استخدم النبي صلى الله عليه وسلم هذا المنهج والأسلوب، ولقد حفلت السنة النبوية بالكثير من المواقف التي يحكي فيها النبي صلى الله عليه وسلم قصة من القصص؛ لتوجيه أصحابه إلى السلوك الأقوم والأفضل والأحسن.

فمن ذلك ما حدث مع خباب بن الأرت حينما بلغ به أذى المشركين مبلغًا عظيمًا، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو إليه، وكأنه قد رأى تأخر النصر ويريد تعجله، فقد روى البخاري في صحيحه عن خباب بن الأرت قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة، وهو في ظل الكعبة وقد لقينا من المشركين شدة، فقلت: يا رسول الله، ألا تدعو الله، فقعد وهو محمر وجهه، فقال: «لقد كان من قبلكم ليمشط بمشاط الحديد، ما دون عظامه من لحم أو عصب، ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأسه، فيشق باثنين ما يصرفه ذلك عن دينه، وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله»(2).

فيستطيع الابن أن يتعلم من هذا الموقف وهذه القصة الصبر على الشدائد، والتمسك بالعقيدة، والثقة في الله وفي نصر الله لعباده المؤمنين.

ومن الممكن غرس قيمة مراقبة الله عز وجل في نفس الابن من خلال قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع راعي الغنم، حينما أراد عمر أن يختبره وطلب منه أن يبيعه شاة من الغنم التي يرعاها لصاحبها، فيقول الراعي: أنا مملوك، أي هذه الغنم لا يملكها، وبالتالي لا يحق له التصرف فيها، فيريد عمر رضي الله عنه أن يزيد عليه الضغط حتى يرى ما هي ردة فعله، فيقول له: قل لسيدك أكلها الذئب، فيقول الراعي: فأين الله؟، وهنا يبكي عمر رضي الله عنه، ويغدو مع المملوك حتى يعتقه من سيده، ويخبره أن هذه المراقبة لله عز وجل قد أعتقته في الدنيا، ويرجو من الله أن تعتقه في الآخرة.

وكذلك يمكن غرس خلق المراقبة في نفوس الأبناء من خلال قصة بائعة اللبن مع أمها، فالأم تريد أن تزيد الماء على اللبن حتى يزيد الربح، وابنتها تذكرها بمنع أمير المؤمنين ذلك الأمر، فتخبرها الأم أن أمير المؤمنين لا يرانا، فترد البنت المؤمنة قائلة: إن كان أمير المؤمنين لا يرانا فإن رب أمير المؤمنين يرانا.

ويمكن كذلك بيان أهمية الصدق وبشاعة الكذب، وغرس هذا المعنى في نفوس الأبناء من خلال قصة الولد الذي كان يسبح ويدعي الغرق، وكلما حاول الناس إنقاذه ضحك، وبين لهم أنه يمزح، وهو في الحقيقة يكذب، حتى تكرر الأمر مرات عديدة، وفي آخرها كان الأمر جد، وظن الناس أنه يكذب، كما كان يفعل، ولم يتحرك أحد لإنقاذه، حتى كاد أن يهلك.

ويمكن كذلك غرس أهمية البذل للفقراء والمساكين، والإنفاق في سبيل الله من خلال قصة أصحاب الجنة، وهكذا ينبغي على الآباء والأمهات أن يختاروا القصص التي يرونها مناسبة لمعالجة أمر ما في نفوس أبنائهم، أو تقويم سلوك معين، أو زرع خلق حسن في نفوسهم.

إن القصة "تجسد الأحداث على شكل أشخاص، يتحرك معها القلب، ويدور معها الفؤاد، وتنشط لها الآذان والعقول، فهي بذلك تثير الانتباه والحواس لمتابعة أحداث القصة، ماذا يجري؟ وماذا سيحدث؟ وماهي مجريات القصة؟ وما هي نهاية القصة؟ فإن كانت مفرحة تجد القلب قد ارتاح واطمأن، وإن كانت محزنة تجد القلب قد أخذ العبرة والعظة، فالقصة موجه غير مباشر نحو الخلق النبيل، والمعاملة الحسنة، والتفكير الصحيح"(3).

________________

(1) منهج التربية الإسلامية (2/391).

(2) صحيح البخاري (3852).

(3) فنون الحوار والإقناع، لمحمد ديماس (184).