logo

رهاب الزواج (جاموفوبيا)


بتاريخ : الثلاثاء ، 6 صفر ، 1445 الموافق 22 أغسطس 2023
بقلم : تيار الاصلاح
رهاب الزواج (جاموفوبيا)

الزواج نعمة من الله عظيمة، ومنّة كبيرة، فبالزواج تعم السعادة أرجاء الأرض، وتكثر الذرية والولد، وعن طريقه تنشأ المودة والرحمة، وبه يعف الشباب والبنات، وتطمئن عن طريقه القلوب والأجساد، ففيه السعادة والراحة والسكن، والمودة والرحمة، والعطف والحنان، ترى المتزوجين ينعمون بالحلال، ويطمئنون براحة البال، وتسعد جنبات بيوتهم بأصوات العيال، فكل هذا بسبب طاعتهم لأمر ربِّهم الذي أمرهم بالزواج؛ كي يسعدوا، ويحفظوا أنفسهم من الوقوع في براثن الذنوب والمخالفات.

ومع ذلك بعض الناس يهاب من الزواج، ويخاف من تبعاته ومسئولياته، وقد يصاب بالجاموفوبيا (رهاب الزواج)، وتشير الجاموفوبيا إلى الخوف الشديد الغامض والمستمر من الزواج والالتزام به.

وما يخيف الشخص من الزواج تحديدًا هو قضاء حياته بأكملها مع شخص واحد، ويشابه أيضًا خوفه من الزواج خوفه من الموت.

ما هي أسباب رهاب الزواج (الجاموفوبيا)؟

الجاموفوبيا رهاب شائع بين الناس وخاصة الرجال، إذ يأتي هذا الخوف من الزواج بسبب المخاطر الشخصية والمالية والاجتماعية المترتبة على حدوث الزواج، لذلك قد تكون أسباب رهاب الزواج ما يلي:

انعدام الأمان الشخصي:

قد يكون انعدام الأمان الشخصي سببًا أساسيًا في حدوث الجاموفوبيا عند الناس، فالزواج ليس أمرًا سهلًا؛ إذ تُلقى مئات المسؤوليات على عاتقك، فأنت لا تخوض علاقة فقط؛ بل تشارك جميع أمورك الشخصية والاجتماعية والمالية والقانونية، لذلك قد يتطور الخوف من الزواج من خلال الخوف من هذه المخاطر العديدة.

حادث مؤلم:

قد يرتبط رهاب الزواج أيضًا بأي واقعة مؤلمة وغير مرغوب بها، والتي يمكنها زرع نظرة سلبية عن الزواج في دماغ الشخص، ومن أمثلة هذه الحوادث:

 انفصال الوالدين أثناء مرحلة الطفولة وطلاقهما.

 سوء المعاملة من الوالدين.

 رؤية أحد الوالدين أو غيرهما من المتزوجين في حالة شجار وخلاف.

 فشل زواج سابق.

 خيانة من الشريك أو سماع قصص زواج فاشلة وغير ناجحة.

ويمكن لأي شيء من هذا القبيل أن يكون مسؤولًا عن رهاب الزواج لدى الأشخاص.

الاكتئاب:

يمكن ربط حدوث رهاب الزواج أيضًا بظروف اكتئابية أخرى، فقد يرغب الشخص بالزواج فعلًا ويكون مستعدًا له، لكنه فقط خائف منه وبنفس الوقت متشوق للذهاب إليه.

وقد يؤدي ضعف الثقة بالنفس وضعف صورة الذات (ضعف تقدير الشخص لقيمته أو قدراته) وضعف الثقة بالقدرة الجنسية وغيرها من أنماط الاكتئاب المختلفة إلى رفض الشخص لفكرة الزواج والابتعاد عنه (1).

الفقر وقلة ذات اليد:

بحيث لا يستطيع دفع تكاليف الزواج من مهر وسكن ونفقة فهذا معذور، وقد أرشد الله عز وجل إلى الصبر والتعفف عن الحرام حتى يصلح الحال قال تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيهِمْ اللَّه مِنْ فَضْله} [النور: 33].

وينبغي لمن كانت هذه حاله أن يشتغل بالعبادة من صوم وغيره؛ كما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم لتضعف شهوته ويعظم تعلقه بالآخرة ليعينه ذلك عن التورع عن تعاطي أسباب الشهوات حتى لا يقع في الفواحش، وينبغي له أن يبتعد عن المؤثرات التي تهيج شهوته وتزين له الحرام من صحبة الفساق والنظر للحرام والسفر لأماكن الفساد، ويشتغل بما ينفعه من برامج ومناشط مباحة تسليه وتروح عنه وتصرف عنه الحرام.

العلاقات المحرمة والسير في طريق الفواحش:

فترى الرجل ما أظرفه وما أعقله وما أجمله، قدرته المالية حسنة، وليس فيه مانع يمنع من الزواج، فتتساءل ماذا يمنعه من إعفاف نفسه وقد تجاوز الثلاثين، ثم يتبين لك أنه واقع في بحر الرذيلة، فهذا قد سلك سبيل الشيطان وأضاع شبابه وأفسد ماله وأفنى عمره في لذة عابرة وإثم مكتوب وحسرة دائمة، وحين يبلغ الكبر سيعض أصابع الندم إذا صار عالة على أقاربه، وسيفوته خير كثير، وممن أعظم النعم التي سيضيعها نعمة الولد بر في الدنيا وثواب في الآخرة، وقد ذم السلف هذه الحال وحذروا أشد التحذير، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأبي الزوائد: ما يمنعك عن النكاح إلا عجز أو فجور (2).

وقد ورد التحذير عن مقارفة الزنا وورد الوعيد الشديد وأنه من الكبائر، قال تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء: 32].

وكذلك من استبدل الزواج بتفريغ شهوته في الاستمناء وقع في الحرام وأضاع قوته وشبابه في سراب، وقد استدل الإمام الشافعي بقوله تعالى: {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} على تحريم الاستمناء باليد.

ومن ترك الزواج بلا عذر وهو يخشى على نفسه الوقوع في الزنا فهو آثم ومتعرض للوعيد؛ لأن الزواج في حقه واجب، قال ابن قدامة: والناس في النكاح على ثلاثة أضرب؛ منهم من يخاف على نفسه الوقوع في المحظور إن ترك النكاح؛ فهذا يجب عليه النكاح في قول عامة الفقهاء؛ لأنه يلزمه إعفاف نفسه وصونها عن الحرام وطريقه النكاح (3).

وقد عظمت فتنة النساء في هذا الزمان، ومما شجع الشباب على هذا السلوك ضعف الإيمان وسهولة الحرام، فيقضي الشاب وطره بلا التزام بأي مسؤولية، وغياب الأنظمة الرادعة، وهذه الحال كثيرة الوقوع عند الشباب هداهم الله وردهم إلى ساحة الفضيلة وسترهم الله بستره.

رغبته في الحرية وتخليه عن المسؤولية بلا عذر معتبر:

بحيث يريد أن يكون حرًا في حله وترحاله، طيلة حياته لا يرتبط بزوجة ولا ولد، وليس مطالب بأي واجب مالي أو اجتماعي، يقضي وقته بين العمل والأنس والراحة مع الأصحاب في الاستراحات والرحلات والسفريات، وربما تظاهر ببعض الأعذار الواهية المختلقة، فهذه حال مذمومة، ووالله إنها لحياة البطالين بلا فائدة ولا هدف وعدم الشعور بالمسؤولية، وضعف في البصيرة ومظنة للتهمة ونقد المجتمع، وإن سلم من الوقوع في الحرام إلا أنها حياة تافهة ومخالفة للفطرة السوية والسنة الصحيحة وأقوال الصحابة ومقاصد الشريعة، ومهما اشتغل بوسائل اللهو والترفيه فلن يجد الراحة والطمأنينة والسعادة النفسية إلا بالزواج الذي وصفه الله بالسكن والمودة والرحمة كما قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}.

وسيندم كثيرًا حين يتفرق عنه الأصحاب ويفقد الأحباب، وتقتله الوحدة في مشيبه ويحرم الولد وينقطع ذكره ويكون عالة حال كبره وضعفه، وقال عمر رضي الله عنه: إني لأقشعر من الشاب ليست له امرأة، ولو أعلم أنه ليس عيش من الدنيا إلا ثلاثة أيام لأحببت أن أتزوج فيهن (4).

وقال عمرو بن دينار: أراد عبد الله بن عمر ألا يتزوج بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت حفصة: أي أخي تزوج فإن ولد لك فمات كان لك فرطًا، وإن بقي دعا لك بخير (5).

وقال الحسن: قال معاذ في مرضه الذي مات فيه: زوجوني إني أكره أن ألقى الله عزبًا (6).

أفكار تسيطر على ثقافة الشاب:

كأن يقول لن أتزوج حتى أكون ثروة، أو حتى أنال منصب مرموق وأحقق لي مكانة، أو لا بد من تكوين علاقة حب بشريكة حياتي قبل الزواج ليكون الزواج ناجحًا، أو يشترط شروط تعجيزية في الزوجة، أو يغلب عليه سوء الظن ببنات المسلمين ويعتقد صعوبة وجود العفيفة، أو خوفًا من الوقوع في مشاكل، أو الوقوع في الفقر ونحو هذه من العوائق، وكل هذه الأفكار مجرد أوهام من تلبيس الشيطان لا تنسجم مع روح الإسلام، وهي دخيلة علينا ومخاطرة وسير في طريق غير مضمون، والعمر يمضي وتفوت الفرص، وكم وكم من نادم على فوات الشباب وضياع السنين، وحين يستيقظ الشاب فلن يجد غالبًا فتاة مميزة تقبل به، وسيضطر للقبول بأي امرأة ليلحق بالركب، وقد لا يستيقظ فتكون النتيجة بائسة، ولو استمع لصوت العقل والتجربة من والديه لأفلح وكان النجاح حليفه.

أما من كانت لديه ظروف حقيقية تمنع من الزواج وهو عازم عليه عند زوالها؛ كطبيعة عمله، أو ابتعاثه للدراسة، أو كثرة سفره للتجارة، أو انشغاله بعلاج والديه ونحو ذلك من الظروف الشاغلة؛ فهذا معذور لأنه لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، وعليه يحمل تأخير بعض أئمة السنة تأخير الزواج لانشغالهم بالرحلة في طلب الحديث (7).

التوافق: لكي يكون الزواج ناجحًا، من المهم أن يكون الشخصان متوافقين، إذا كان لدى شخصين قيم أو أهداف أو اهتمامات مختلفة تمامًا، فقد يكون من الصعب عليهما بناء علاقة قوية ودائمة.

مشاكل العلاقة: لكل علاقة تحدياتها، والزواج ليس استثناء؛ إذا كان الزوجان يواجهان بالفعل مشاكل في علاقتهما، مثل مشكلات الاتصال أو مشكلات الثقة، فإن الزواج قد لا يحل هذه المشكلات بل قد يزيدها سوءًا.

التوقعات المجتمعية: في بعض الحالات، قد يشعر الأفراد بالضغط للزواج من أسرهم أو أصدقائهم أو المجتمع ككل؛ إذا لم يكونوا مستعدين للزواج أو لا يرغبون في الزواج، فقد يكون هذا الضغط مرهقًا ويصعب التعامل معه.

الاعتبارات المالية: يمكن أن يكون الزواج مكلفًا، خاصة إذا قرر الزوجان إقامة حفل زفاف كبير أو الانتقال إلى منزل جديد معًا؛ بالنسبة لبعض الأفراد، قد لا تستحق تكلفة الزواج كل هذا العناء، خاصة إذا كانوا سعداء بوضعهم المالي الحالي، لذا من المهم للأفراد أن يفكروا بعناية في احتياجاتهم ورغباتهم وظروفهم قبل أن يقرروا ما إذا كان الزواج هو الخيار الصحيح لهم، من المهم بالنسبة لنا قبول جميع الخيارات التي نتخذها نحن والآخرون.

كيف يُعالج رهاب الزواج؟

أولًا: العلاج السلوكي المعرفي:

العلاج السلوكي المعرفي هو من أكثر المعالجات فعالية لعلاج رهاب الزواج، إذ يناقش المعالج السلوكي الشخص ويحاول إخراج الأفكار السلبية التي تراوده تجاه الزواج، فقد يقع الشخص الذي يعاني من رهاب الزواج في الخوف نتيجة الصور السلبية المزعجة المرتبطة بالزواج وليس بسبب الزواج مباشرة، فيُجري المعالج السلوكي جلسات حوار ومشاركات مفيدة وصحية، ويرشد المريض لكيفية استبدال الصور السلبية بأخرى إيجابية.

العلاج بالتعرض:

العلاج بالتعرض هو أيضًا علاج نفسي فعال يستخدم لعلاج رهاب الزواج، ويجعل فيه الطبيب المعالج المريض يواجه وضعًا مماثلًا للزواج أو يطرح نقاشًا حوله، إلى جانب ذلك، يوجه المعالج أيضًا المريض إلى الحفاظ على هدوئه والاسترخاء أثناء الجلسة، وسيعتاد المريض على ذلك من خلال التعرض المنتظم وسيكون قادرًا على تطوير قدرته على تحمل خوفه وقلقه.

العلاج العائلي أو الأسري:

العلاج العائلي هو عنصر مهم جدًا خلال عملية المعالجة، إذ يعمل الطبيب المعالج مع أفراد العائلة ويجعلهم على دراية بالحالة الرهابية.

في الحقيقة، تُطور جلسات المشورة والإرشاد المنتظمة مع العائلة دعمًا ودافعًا لدى المريض من مصادر أسرية، ويمكن لهذا الشيء أن يحقق نتائج عظيمة.

لماذا يتخوف الرجل من خطوة الزواج؟

الزواج مشوار آلاف الأميال التي ستمشيانها وتركضانها وتزحفانها معًا، هو اتفاقكما وتعارضكما، هو اقترانكما بالحلو والمر، هو تقبل بعضكما البعض في الفقر والغنى وأن تفيا لبعضكما في الصحة والمرض.

الرجل بطبعه لا يحب أبدًا أن يظهر كالعاجز عن تدبير أموره وتحمل مسئولياته، حتى وإن كان لا يتحملها من الأساس! هو يحب دومًا أن يظهر في هيئة الرجل المسيطر على زمام الأمور، المتحكم في كل شيء، كالقائد الماهر الذي يقود عربته بيد واحدة، وبالتالي فكرة أن الزواج قد يكون سببًا في إحراجه ماديًا وإظهاره بالرجل المقصّر هي فكرة لا يستهويها على الإطلاق. الزواج يتطلب نوعًا ما من التقيد خاصة بعد إنجاب الأطفال لذلك يتردد الرجال على هذه الخطوة، فمن الصعب أن ينتقل الرجل من مرحلة عازب إلى متزوج مسؤول عن أسرة بأكملها، قد يعتقد البعض أنه يقضي على حريته بهذا القرار.

سبب آخر ينفر الرجال من الزواج وهو الخوف.. فكيف؟ يخاف ألا يكون زوجًا صالحًا لك على مستوى توقعاتك له، يخاف الوقوع في أخطاء؛ وخاصة إذا كان هذا هو زواجه الأول، وإذا لم يكن زواجه الأول، فربما وقع في أخطاء سابقة لا يريد أن يكررها معك، يأخذ بعض الرجال الذين تزوجوا ودمروا بسبب زوجاتهم نموذجًا له يخشى تكراره، إذا كان قد تزوج وانتهى زواجه بكارثة، فهو لا يريد أن يعاني كارثة أخرى، يخشى المرور بالتجربة الأليمة مع زواج آخر.

مؤخرًا نتيجة الأوضاع الاقتصادية السيئة التي تمر بها بعض الدول العربية أخذ الكثير من شبابها قرارًا بالامتناع عن الزواج، لما أصبح يمثله من ضغط نفسي لمتطلباته المادية التي لا يستطيعون توفيرها، فأصبح قرار الزواج يحتاج في بعض الأحيان إلى الاقتراض من البنك لسداد مصاريف الزواج، وأيضًا شراء المسكن، والأثاث بنظام التقسيط، وهو ما يعني المزيد من الضغوط.

من الأسباب التي أراها شخصيًا سببًا رئيسيًا وقد تقف عائقًا وراء قبول أي شاب أن يكون أسرة ويستقر هو الروتين، يخشى بعض الرجال من الرتابة والملل الذي قد يحل بعد الزواج، وهنا يجب أن نطرح هذا السؤال، وهو لماذا يحدث الروتين في الحياة الزوجية؟ أهذا يعني العزوف عن الزواج وهدم الحياة الزوجية؟

الروتين والملل مرض ولكل مرض على هذه الأرض دواء، وأنسب الأدوية لعلاج مثل هذه الأمراض التي تصيب الحياة الزوجية هو حرص الطرفين على فعل كل ما يجدد روح العلاقة بينهما، وعدم الاستسلام للملل، كما أنه لا يمكن أبدًا أن يتوقف علاج المرض على مجهودات طرف واحد دون الآخر، وعلى الزوجين معًا أن يجتهدا بكل ما في وسعهما لتحصين حياتهما من هذه الأمراض.

ومن هنا يجب أن يدرك كل رجل يرى في حياة التنقل بين امرأة وأخرى متعة زائفة، الزواج هو العلاقة الوحيدة التي ستحقق له الاستقرار النفسي، وبه سيرى أبناء له، ولا مجال أبدًا للخوف من الروتين طالما أن رغبة الطرفين في الحفاظ على حياتهما موجودة، الزواج مشوار آلاف الأميال التي ستمشيانها وتركضانها وتزحفانها معًا، هو اتفاقكما وتعارضكما، هو اقترانكما بالحلو والمر، هو تقبل بعضكما البعض في الفقر والغنى وأن تفيا لبعضكما في الصحة والمرض.

الزواج تجربة صعبة تسهل بالحب والاحترام، وأن تكونا صديقين وفيين وزوجين وسندين لبعضكما، ما يريد أن يقتله الملل أحيوه بالحب والتجديد، يمكنك أن تأخذ بيد زوجتك إلى الشاطئ ويأخذ كلاكما قسطًا من الراحة، يمكنك أن تحضري طبقًا بسيطًا بكل حب وتقدميه في ليلة مضيئة بالشموع، سيساعدكما حتمًا على تجاوز ونسيان رتابتكم.

اخرجا معًا وتكلما عن مخاوفكما وحاولا إقناع بعضكما، الابتعاد ليس حلًا دائمًا، تفهمي خوفه وابتعاده عنك وانغلاقه على نفسه، تفهم إلحاحها على معرفة ما بك لأن حبها لك يدفعها إلى فعل ذلك، ارتبطا بحبل متين كي لا يسقط كلاكما في فخ الفشل والفراق.

في الماضي، كان يُنظر إلى الزواج في كثير من الأحيان على أنه ضرورة لتكوين أسرة وضمان الأمن المالي لكل من الزوج والزوجة.

في حين أنه في العديد من الثقافات، كان الزواج أيضًا وسيلة للأفراد للحصول على مكانة اجتماعية والوفاء بالالتزامات الدينية أو الثقافية.

في حين أن الزواج لا يزال جزءًا مهمًا من العديد من الثقافات والأديان، إلا أنه لم يعد يُنظر إليه على أنه الطريقة الوحيدة أو الأفضل للأفراد لتكوين علاقات طويلة الأمد وملتزمة.

في كثير من الحالات تغيرت الأدوار والتوقعات التقليدية المرتبطة بالزواج بشكل عام، خضعت مؤسسة الزواج لتغييرات كبيرة مع مرور الوقت، مع زيادة أهميتها في الماضي وتراجع في السنوات الأخيرة، تعكس هذه التغييرات المشهد الاجتماعي والاقتصادي المتطور، فضلًا عن المواقف والقيم المتغيرة.

لماذا يتزوج البعض؟

هناك العديد من الأسباب المختلفة التي تجعل الناس يختارون الزواج، تتضمن بعض الأسباب الشائعة ما يلي:

الحب: بالنسبة لكثير من الناس، السبب الأساسي للزواج هو الحب، لقد وقعوا في حب شخص ما ويريدون قضاء بقية حياتهم مع هذا الشخص.

قال تعالى: {وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21]، فلا ألفة بين روحين أعظم مما بين الزوجين، ولهذا ذكر تعالى أن الساحر ربما توصل بكيده إلى التفرقة بين المرء وزوجه (8).

الرفقة والأمن: يمكن أن يوفر الزواج إحساسًا بالرفقة والدعم، عندما يتزوج شخصان، يصبحان فريقًا ويمكنهما دعم بعضهما البعض خلال تقلبات الحياة؛ وبالتالي، يمكن للزواج أن يوفر إحساسًا بالأمان، عاطفيًا وماليًا، يمكن أن توفر الاستقرار والشعور بالانتماء.

إنَّ الإنسان رجلًا كان أو امرأةً إنَّما يتزوَّج ويرتبط بشخصٍ من الجنس الآخر بحثًا عن الشّعور الممتع بالأمان الّذي كان يجده في حضن أمِّه ثمَّ افتقده عندما استقلَّ بنفسه كفردٍ له ذاتيّته وكينونته وفرديّته.

إذن هو الأمن والسّكن النّفسيِّ الّذي من أجله يتعلَّق رجلٌ بامرأةٍ، وتتعلَّق امرأةٌ برجلٍ، يربط كلٌّ منهما مصيره ومسيره في هذه الحياة بالآخر.

الأطفال: كثير من الناس يختارون الزواج لأنهم يريدون إنجاب الأطفال وتربية الأسرة، يمكن أن يوفر الزواج بيئة مستقرة لتربية الأطفال.

عن معقل بن يسار قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أصبت امرأة ذات حسب وجمال وإنها لا تلد أفأتزوجها؟ قال: «لا»، ثم أتاه الثانية فنهاه، ثم أتاه الثالثة فقال: «تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم» (9)، فهذا الحديث يدل على الترغيب في نكاح المرأة الولود أو كثيرة الولادة؛ حتى تكثر الأمة، ويحصل بذلك مباهاة النبي صلى الله عليه وسلم بأمته سائر الأمم، وفي ذلك الترغيب في كثرة الأولاد.

وقد ذكر الغزالي: أن الرجل إذا تزوج ونوى بذلك حصول الولد كان ذلك قربة يؤجر عليها من حسنت نيته، وبين ذلك بوجوه:

الأول: موافقة محبة الله عز وجل في تحصيل الولد لإبقاء جنس الإنسان.

الثاني: طلب محبة الرسول صلى الله عليه وسلم في تكثير من يباهي بهم الأنبياء والأمم يوم القيامة.

الثالث: طلب البركة، وكثرة الأجر، ومغفرة الذنب بدعاء الولد الصالح له بعده (10).

ومن المعلوم أن الأولاد منذ القديم كانوا أمنية الناس حتى الأنبياء والمرسلين وسائر عباد الله الصالحين، وسيظلون كذلك ما سلمت فطرة الإنسان، فالأولاد نعمة تتعلق بها قلوب البشر وترجوها، دعا إبراهيم عليه السلام ربه قائلًا: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات:100]، وقال تعالى عن زكريا عليه السلام: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6)} [مريم: 3 - 6] وأثنى الله تعالى على عباده الصالحين بمحامد كثيرة منها قوله: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان:74]

الأعراف الاجتماعية: تهدف المجتمعات المتطلعة نحو العلوّ والسؤدد إلى تمتين البنية الاجتماعية، وتضع شرط بناء الأسرة في مقدمة أولوياتها، بوصفها اللبنة المجتمعية الأصغر والأهم لبناء المجتمع، فلا توجد أمة متقدمة من دون عائلة متطورة، والأخيرة لا يمكن صنعها من دون إقامة علاقات زوجية متوازنة بين شريكيّ الحياة الرجل والمرأة.

إذًا يعتمد تطور المجتمع على تطور الأسرة، وتطور الأسرة يقوم على التوازن والتكافؤ في العلاقة بين الزوجين، وأي خلل يصيب هذه العلاقة سوف يخلخل البناء العائلي، وهذا بدوره ينعكس شيئًا فشيئًا على البناء الاجتماعي، لذلك يركّز العلماء المختصون على أهمية بناء الأسرة وتوازن العلاقة بين الزوج وزوجته، كونها تقع ضمن الشروط المهمة لضمان حياة أسرية ناجحة.

وبالزواج تنمو الصلات الاجتماعية، فيضم الإنسان عشيرة إلى عشيرته، وأسرة إلى أسرته، أولئك هم أصهاره وأخوال أولاده وخالاتهم. وبذلك تتسع دائرة الألفة والمودة، والترابط الاجتماعي، فقد جعل الله المصاهرة لحمة كلحمة النسب، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا} [الفرقان: 54].

الدين: يعتبر الزواج بالنسبة لبعض الناس من الطقوس الدينية الهامة ووسيلة لتحقيق معتقداتهم الروحية، قال عبد الله: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم شبابًا لا نجد شيئًا، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب، من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء» (11).

عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين، تربت يداك» (12).

عن ثوبان، قال: لما نزل في الفضة والذهب ما نزل، قالوا: فأي المال نتخذ؟ قال عمر: فأنا أعلم لكم ذلك، فأوضع على بعيره، فأدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا في أثره، فقال: يا رسول الله، أي المال نتخذ؟ فقال: «ليتخذ أحدكم قلبًا شاكرًا، ولسانًا ذاكرًا، وزوجة مؤمنة، تعين أحدكم على أمر الآخرة» (13).

عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من رزقه الله امرأة صالحة، فقد أعانه على شطر دينه، فليتق الله في الشطر الثاني» (14).

------------

(1) رهاب الزواج: الأسباب والأعراض والعلاج/ أنا أصدق العلم.

(2) سنن سعيد بن منصور (1/ 164).

(3) المغني لابن قدامة (7/ 4).

(4) كنز العمال (16/ 488).

(5) مصنف عبد الرزاق الصنعاني (6/ 172).

(6) الدر المنثور في التفسير بالمأثور (3/ 149).

(7) ظاهرة عزوف الشباب عن الزواج/ صيد الفوائد.

(8) تفسير ابن كثير (3/ 474).

(9) أخرجه أبو داود (2050).

(10) إحياء علوم الدين (2/ 24).

(11) أخرجه البخاري (5066).

(12) أخرجه البخاري (5090).

(13) أخرجه ابن ماجه (1856).

(14) أخرجه الحاكم (2681).