logo

قل للمؤمنات يغضضن


بتاريخ : الخميس ، 2 محرّم ، 1437 الموافق 15 أكتوبر 2015
بقلم : تيار الإصلاح
قل للمؤمنات يغضضن

إن الله، عز وجل، أنزل كتابه الكريم على رسوله محمد، صلى الله عليه وسلم، بشيرًا ونذيرًا، فخاطب به العلمين أجمعين، برهم وفاجرهم، مؤمنهم وكافرهم، محسنهم وفاسقهم، وتنوعت نداءات القرآن للعالمين أجمعين.

فحينما يقول ربنا، عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 21].

أو يقول: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة: 168].

وعندما يقول ربنا، عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 57].

فإن ربنا، عز وجل، يخاطب العالمين أجمعين، الناس كل الناس يخاطبهم الله ، عز وجل بهذا النداء.

وعندما يقول المولى، عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 153].

أو يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة: 172].

أو يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 278].

فإن المولى، عز وجل، يخاطب المؤمنين، ذكرانًا وإناثًا، وربنا في هذا الخطاب خاطب الذين آمنوا دون أن يخص المؤمنين أو المؤمنات بالذكر، وإنما جمع هذا الخطاب بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}، ذلك لأن الأمر المخاطب به ليس فيه لبس في كونه يراد به الرجل ولا يراد به المرأة، أو العكس، وإنما يراد الرجل والمرأة.

وعندما يقول ربنا، عز وجل: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: 30، 31].

فإن هذا الخطاب موجه للمؤمنين وقد خصهم المولى، عز وجل، بالذكر، وأيضًا الخطاب موجه للمؤمنات، وقد خصهن المولى، عز وجل، بالذكر كذلك، لكن في هذا الواقع الذي نعيشه ظن كثيرات من المؤمنات أنهن غير مطالبات بغض أبصارهن كما الرجال مطالبون، وذلك ليس جحودًا أو نكرانًا منهن لكلام الله، وإنما هو ضعف في الثقافة الدينية عندهن.

إن كثيرات من المسلمات في زماننا هذا، يحسبن أن غض البصر منوط بالرجال فقط، حتى أنك لترى المرأة إذا جلست مع زوجها تشاهد التلفاز وعند المرور بالقنوات وإذا بإحدى المشاهد الخليعة، فإنها على الفور تضع يدها على وجه زوجها حتى لا ينظر، وكذلك إذا كانت المرأة في الطريق فإنها ترى أنه لا يجوز لزوجها أبدًا أن ينظر إلى النساء، وهذا كلام صحيح، في حين أنها لا ترى غضاضة في أن تنظر إلى الرجال، بحجة أن النساء غير محجبات مثلًا، أما الرجال فهم غير مظهرين لعوراتهم، وما علمت المرأة المسلمة أن خطاب الله، عز وجل، وأمره بغض البصر هو عام غير منوط بالعورة؛ بل غض البصر وسيلة من وسائل الوقاية للمجتمع المسلم.

أختي المسلمة، إن الله، عز وجل، وهبكِ آلة الإبصار، وجعلها بريدًا للقلب المتعقل، ونافذة إلى الروح، وإن المتأمل في كتاب الله تعالى وسنة نبيه، صلى الله عليه وسلم، ليدرك يقينًا أن العين تتقلب في حال إبصارها في منازل متعلقة بالقلب وما يدركه من مشاعر؛ بل ومن عقائد تسير وفقها باقي الجوارح، فليست العين عند غرضًا وآلة للرؤية وحسب؛ بل إن لها أثرًا بالغًا في كيان الإنسان بأكمله، لذا، فقد اتخذ إبليس هذه الوسيلة الكبرى لإغواء آدم، عليه السلام، وزوجه.

ثم ما زالت تلك الوسيلة أداة الفتنة الأكثر خطرًا، تدك بمعاولها حصون قلوب ذرية آدم، وذلك بإيهامهم بأن العين هي أداة للرؤية فقط، وأنها نعمة ننظر بها ما شئنا، وأن رؤية الأشياء هو أمر يوصلنا بما حولنا بطريق غير محسوس، فنتلذذ بالحياة، وننعم بمتاعها، ومن ثم فإن النظرة لن تضر البدن، ولذا فإنها لن توقع ضررًا يذكر بالروح، فلماذا تُمنع إذًا، أو يُطلب الحد من امتدادها؟!.

كل ذلك مما اعتادت الشياطين إلقاءه في صدور الناس، وهي تبعد عن تفكيرهم مهام البصر الأخرى، والتي خلقت العين لأجلها، وبأنها في الحقيقية تستميل هوى القلب، فيتعطل التعقل، وتنجرف الحواس تبعًا لتلك الأهواء، فتملي الشياطين عندها ما شاءت من أوامر ونواه، وتحتنك الإنسان حيث أرادت فتهلكه، والعياذ بالله.

يقول ابن القيم، رحمه الله: "فأما اللحظات: فهي رائد الشهوة ورسولها، وحفظها أصل حفظ الفرج، فمن أطلق بصره أورد نفسه موارد المهلكات.

وقال النبي، صلى الله عليه وسلم: «لا تتبع النظرة النظرة، فإنما لك الأولى وليست لك الأخرى»(1).

وفي المسند عنه صلى الله عليه وسلم: «النظرة سهم من سهام إبليس، من تركها خوفا من الله آتاه الله إيمانا يجد حلاوته في قلبه»(2).

وقال: «غضوا أبصاركم، واحفظوا فروجكم»(3)، وقال: «إياكم والجلوس على الطرقات»، فقالوا: ما لنا بد، إنما هي مجالسنا نتحدث فيها، قال: «فإذا أبيتم إلا المجالس، فأعطوا الطريق حقها»، قالوا: وما حق الطريق؟ قال: «غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر»(4).

والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان، فالنظرة تولد خطرة، ثم تولد الخطرة فكرة، ثم تولد الفكرة شهوة، ثم تولد الشهوة إرادة، ثم تقوى فتصير عزيمة جازمة، فيقع الفعل ولا بد، ما لم يمنع منه مانع، وفي هذا قيل: الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده.

قال الشاعر:

كل الحوادث مبداها من النظر         ومعظم النار من مستصغر الشرر

كم نظرة بلغت في قلب صاحبها       كمبلغ السهم بين القوس والوتر

والعبد ما دام ذا طرف يقلبه           في أعين العين موقوف على الخطر

يسر مقلته ما ضر مهجته             لا مرحبًا بسرور عاد بالضرر

ومن آفات النظر: أنه يورث الحسرات والزفرات والحرقات، فيرى العبد ما ليس قادرًا عليه ولا صابرًا عنه، وهذا من أعظم العذاب، أن ترى ما لا صبر لك عن بعضه، ولا قدرة على بعضه.

ومن العجب: أن لحظة الناظر سهم لا يصل إلى المنظور إليه حتى يتبوأ مكانًا من قلب الناظر.

وأعجب من ذلك: أن النظرة تجرح القلب جرحًا، فيتبعها جرح على جرح، ثم لا يمنعه ألم الجراحة من استدعاء تكرارها، وقد قيل: إن حبس اللحظات أيسر من دوام الحسرات"(5).

أختي المسلمة، نعلم علم اليقين أنك ما تريدين بتلك النظرات أمرًا سيئًا، ولكن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وخطاب الله تعالى لنا بغض البصر جاء مخصوصًا للرجال والنساء على السواء، ولم يقرنه المولى، عز وجل، بقرينة كشف العورة، أو أي قرينة غيرها، إن غض البصر هو عن كل ما قد يوقع في الفتنة، والنظر إلى الرجال من أشد ما قد يوقع في الفتنة، خاصة إذا كان الرجل وسيمًا، وقد يقع نظرك على الرجل وأنتِ لا تدرين فتسترسلين في النظرة بحجة أن غض البصر هو على الرجال فقط، ثم يقع في قلبك ما قد يقع، ويظهر لكِ وسامة الرجل، وحينها قد يتعلق القلب، وتكون الكارثة.

أما إذا علمتِ من أول وهلة أن غض البصر، واجب على النساء كما الرجال، حينها إذا وقعت عينك على رجل، فإنك ستديرين وجهك منذ أول وهلة، ولن تَصِلي إلى المحذور، وعندها فقط يكون لدينا مجتمع إيماني نظيف.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مسند الإمام أحمد (1373).

(2) مسند الشهاب القضاعي(292)، قال الألباني: ضعيف جدًا (سلسلة الأحاديث الضعيفة: 1065).

(3) المعجم الكبير للطبراني (8018).

(4) صحيح البخاري (2465).

(5) الجواب الكافي لابن القيم، بتصرف يسير (152).