logo

رمضانكِ كله عبادة


بتاريخ : السبت ، 11 رمضان ، 1439 الموافق 26 مايو 2018
بقلم : تيار الاصلاح
رمضانكِ كله عبادة

تسعى دائمًا المرأة المسلمة في رمضان إلى تحصيل الطاعات والفوز بالمغفرة والرحمات، فرمضان سوق يُنْصَب، يتاجر فيه الناس بطاعاتهم، وكل من يتعامل مع الله في هذا الشهر الكريم فهو الرابح، فالأجور فيه عالية، والمكافآت فيه مجزية؛ لذا فالمرأة المسلمة تسعى لكي تلحق بركب الصائمين، ولكن تظن أن العبادة في رمضان مقتصرة على الصلاة والقيام وقراءة القرآن، وهذا ظن خاطئ؛ لأنها يمكن أن تعيش رمضانها كله في عبادة.

يظن كثير من النساء المسلمات أن العبادة مقتصرة على الشعائر التعبدية، من صلاة وصوم وزكاة وحج، وكذلك يدخل فيها أعمال الطاعة؛ كالصدقة والإحسان والتبسم، لكن العبادة أشمل من هذا المعنى، فهي كما عرفها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة".

وعليه فكل عمل يقوم به الإنسان في حياته الدنيا، شعيرة تعبدية كان أو عملًا مشروعًا، إذا ابتغي به وجه الله تعالى فإنه يعتبر بمثابة عبادة لله عز وجل.

وبالتالي فإن كل عمل تقوم به المرأة المسلمة في رمضان تبتغي به وجه الله فهو عبادة، فعملها في المطبخ إذا ابتغت به وجه الله عز وجل فهو عبادة، إفطار الصائمين، وترتيب المنزل، والاهتمام بالأولاد، وطاعة الزوج والتزين له، كل هذا إذا كان في رضا المولى عز وجل فهو عبادة، وبالتالي تستطيع المرأة المسلمة أن تجعل رمضانها كله عبادة؛ بل حياتها أيضًا بعد رمضان تجعلها كلها عبادة، وتحقق قول المولى عز وجل: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:162].

وهذا هو المعنى الحقيقي للعبادة، هذا هو المعنى الحقيقي الذي أراده القرآن الكريم من قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]، فليس المقصود أن يظل الإنسان في صلاة وقيام وشعائر تعبدية طيلة حياته، كذلك فإن من الفهم الخاطئ للإسلام المناداة بفصل الدين عن الحياة، إذ لا انفصال بينهما، فطريق الدنيا وطريق الآخرة واحد، بلا افتراق أو تباعد، طريق واحد يشمل الدنيا والآخرة، طريق واحد يربط الدنيا بالآخرة، فليس للآخرة طريق واحد اسمه العبادة، وطريق للدنيا اسمه العمل، إنما هو طريق واحد يبدأ من الدنيا وينتهي في الآخرة، طريق أبدًا لا ينفصل فيه العمل عن العبادة، طريق لا ينفصل فيه الدنيا عن الآخرة، كل من العمل والعبادة والدنيا والآخرة يسيران جنبًا إلى جنب في هذا الطريق.

وعليه فالإنسان منذ أن خلق وهو في سفر إلى الآخرة، قطار عمره يسير به إلى محطة الآخرة بعد أن أقلع من محطة الدنيا؛ وبالتالي فإنه يجب عليه أن يتزود في رحلته هذه؛ لذا فقد جعل الله عز وجل له مواسم للخيرات يتزود فيها، ورمضان هو أخصب المواسم وأوفرها وأكثرها رخاءً، وبالتالي يجب على كل عاقل أن يتزود منه لأخراه، وهذا ما يجب أن تكون عليه المرأة المسلمة، أن تحاول استغلال كل لحظة من رمضان في مرضاة الله عز وجل، وعليها استجماع الإرادة والعزيمة لذلك، مع تجهيز النفس والمنزل كذلك للفوز في رمضان.

إن الاستعداد للطاعة علامة التوفيق، وكذلك دليل الصدق في رجاء الثواب من الله عز وجل، قال تعالى: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ} [التوبة:46]، فدليل الصدق الاستعداد، ورمضان خير ما يستعد له، إيمانيًا وماديًا وإداريًا كذلك، وأعني بماديًا أن تنظر المرأة ما تحتاجه ويكفيها في رمضان من أدوات ومشتريات فتقوم بتجهيزها قبل الشهر، وإداريًا بأن تقوم بترتيب هذه الحاجيات وتنظيف الأطعمة وتجهيزها ووضعها في المبرد، وعند الحاجة إليها في شهر رمضان لن تأخذ منها أي مجهود يذكر، وهكذا تكون قد استطاعت أن توفر الكثير من الوقت والمجهود.

وبالتالي تستطيع المرأة المسلمة أن تحصل الكثير من الطاعات في شهر رمضان، وتستطيع أن تتعبد لربها بالصلاة والقيام والدعاء، وأعمال الخير، من بر وإحسان وصلة أرحام وغير ذلك.

وحتى تستطيع المرأة أن تتقوى على العبادة بكل أنواعها في رمضان، من شعائر تعبدية وأعمال مشروعة، فإنها ينبغي عليها أن تعالج الآفات والمعاصي، ورمضان فرصة سانحة لذلك، فهو شهر حمية، وكسر للشهوات، وخضوع للنفس، والنفس أمارة بالسوء، والشهوات مادة العصيان، فضلًا عن أن مردة الجن والشياطين تصفد في رمضان، وهم أصل كل بلاء ومصيبة ومعصية لله عز وجل، كما وتفتح أبواب الجنان، وتغلق أبواب النار.

ومن أكثر ما يعين على الخير في رمضان جماعية الطاعة، فالتجمع على الطاعة يسهلها ويكثرها ويعين عليها، وهذه أحد أقوى الأسباب التي تساعد المرأة المسلمة على المواظبة على قراءة القرآن وصلاة القيام والتهجد، وغير ذلك من أعمال البر.

إن رمضان فرصة عظيمة لتغيير النفس نحو الأفضل، رمضان فرصة رائعة حتى تستطيع المرأة المسلمة أن تحول نفسها وبيتها وولدها وزوجها إلى رضا المولى عز وجل، أن تحول حياتها كلها لتسير في منهاج الإسلام، فلن تجد المرأة المسلمة فرصة أعظم من رمضان لأجل إحداث هذه الثورة الربانية في بيتها ونفسها وأسرتها، فمن فاز في رمضان فهو صاحب الفوز المبين، ومن خسر فقد أضاع الكثير والكثير.