logo

رقية الأبناء وتحصينهم


بتاريخ : الاثنين ، 13 جمادى الأول ، 1442 الموافق 28 ديسمبر 2020
بقلم : تيار الاصلاح
رقية الأبناء وتحصينهم

إن ديننا الإسلامي الذي جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، قد علمنا وأحسن تعليمنا، وأدبنا وأحسن تأديبنا، وحذرنا من كل سوء وانحراف، وأعطى لنا المنهج الصحيح للوصول إلى السعادة والطمأنينة، والاستفادة من أوقات الليل والنهار، بما يعود علينا بالنفع الديني، والخير الدنيوي، وبما يقينا من الأخطار، ويبعدنا عن الأشرار.

ومن شفقة الأب على أبنائه أنه يخاف عليهم، وخوفنا على من نحب يكون من شيء محذور نراه ومحذور لا نراه؛ فالمحذور الذي نراه نعرف كيف ندفعه، ونستعين بالله عليه، أما المحذور الذي لا نراه فلا نعرف كيف ندفعه؛ لأننا لا نراه، فيكفينا فقط أن نستعين بالله جل وعلا عليه، فكان صلى الله وسلم عليه يضع يديه على رأس الحسن والحسين ويقول: «أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة» (1)، هذه الاستعاذة تربي الأبناء أول الأمر على أن هناك ربًا وإلهًا يكلأ ويحفظ ويرعى ويفعل ما يريد لا إله إلا هو، وأن ثمة شرورًا لا ترى بالعين ولا يدفعها إلا الرب تبارك وتعالى، فالله جل وعلا ولينا في كل نعمة، وملاذنا عند كل نقمة.

كما أن فيها أن المرء يستودع الله جل وعلا ثمرة فؤاده، والله تبارك وتعالى -كما قال يعقوب في كتاب الله- {فَاللهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف: 64]، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «قال لقمان الحكيم: «إن الله إذا استودع شيئًا حفظه» (2).

وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا فزع أحدكم في النوم فليقل: أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه وشر عباده، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون فإنها لن تضره» (3).

عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من أعين الجان وأعين الإنس، فلما نزلت المعوذتان أخذ بهما وترك ما سوى ذلك (4).

الاستشفاء بالقرآن:

أخبرنا الله سبحانه وتعالى بأن القرآن شفاء لما في الصدور، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 57]، وقال: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82]، وقال: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ} [فصلت: 44]، ونعلم أن الشفاء إنما يكون من المرض، أي: أن القرآن يسلب المضرة أولًا، ثم يأتي لنا بالمنفعة بعد ذلك وهي الرحمة.

واختلف العلماء في كونه شفاء على قولين: أحدهما: أنه شفاء للقلوب بزوال الجهل عنها وإزالة الريب، ولكشف غطاء القلب من مرض الجهل لفهم المعجزات والأمور الدالة على الله تعالى.

الثاني: شفاء من الأمراض الظاهرة بالرقى والتعوذ ونحوه (5).

والشفاء الذي اشتمل عليه القرآن هو شفاء النفوس من أوهام الباطل، وشفاء العقول من رجس الوثنية والأخلاق الجاهلية ومفاسد الأخلاق والرذائل الأثيمة، وتلك تخلية وبعدها التحلية، وتلك هي الرحمة، فتملأ النفوس بمكارم الأخلاق، وتنظم المعاملات بين الناس في شريعة محكمة وحقائق ثابتة، وتنظم أعمال الناس بنظم اجتماعية واقتصادية تحفظ للفرد حقه في التصرف والامتلاك، وتصريف أموره في ظل جماعة عادلة رحيمة مترابطة غير متقاطعة، ولا متنازعة لَا تسلب فيها الحقوق بكلام لَا معنى له.

وإن هذا النص الكريم يتقارب في مراده مِن قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَوْعِظَةٌ من رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ للْمُؤْمِنِين} [يونس: 57]، وإن المؤمنين هم الذين ينتفعون بالغذاء الطيب الذي يغذي النفوس والدواء الناجع الذي يزيل أمراض القلوب، أما غير المؤمنين فلأنهم أعرضوا عن الحق، وصموا آذانهم عنه إذا سمعوا القرآن لَا يشفيهم ولا يُغذيهم؛ بل يزيدهم خسارًا (6).

فالقرآن شفاء من كل داء بإذن الله تعالى، وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة على الرقية بالقرآن حين رقوا اللديغ بفاتحة الكتاب وأعطوا على ذلك قطيعًا من الغنم، فعن أبي سعيد الخدري، أن ناسًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا في سفر، فمروا بحي من أحياء العرب، فاستضافوهم فلم يضيفوهم، فقالوا لهم: هل فيكم راق؟ فإن سيد الحي لديغ أو مصاب، فقال رجل منهم: نعم، فأتاه فرقاه بفاتحة الكتاب، فبرأ الرجل، فأعطي قطيعًا من غنم، فأبى أن يقبلها، وقال: حتى أذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال: يا رسول الله، والله ما رقيت إلا بفاتحة الكتاب، فتبسم، وقال: «وما أدراك أنها رقية؟»، ثم قال: «خذوا منهم، واضربوا لي بسهم معكم» (7).

قال الحافظ ابن حجر: وفي الحديث جواز الرقية بكتاب الله ويلتحق به ما كان بالذكر والدعاء المأثور، وكذا غير المأثور مما لا يخالف ما في المأثور (8).

قال الذهبي: قال الخطابي رحمه الله: إذا كانت الرقية بالقرآن أو بأسماء الله تعالى فهي مباحة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرقي الحسن الحسين رضي الله عنهما (9).

وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين، ويقول: «إن أباكما كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق: أعوذ بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة» (10).

قال عثمان بن أبي العاص الثقفي: قدمت على رسول الله وبي وجع قد كاد يبطلني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجعل يدك اليمنى عليه، وقل بسم الله أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد»، سبع مرات ففعلت ذلك فشفاني الله (11).

كفوا صبيانكم:

وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلي الله علية وسلم: «إذا كان جنح الليل -أو أمسيتم- فكفوا صبيانكم، فإن الشيطان ينتشر حينئذ، فإذا ذهب ساعة من الليل فخلوهم، وأغلقوا الأبواب، واذكروا اسم الله، فإن الشيطان لا يفتح بابًا مغلقًا، وأوكوا قربكم، واذكروا اسم الله، وخمروا آنيتكم واذكروا اسم الله، ولو أن تعرضوا عليها شيئًا، وأطفئوا مصابيحكم» (12).

وقال ابن بطال: خشي صلى الله عليه وسلم على الصبيان عند انتشار الجن أن تلم بهم فتصرعهم، فإن الشيطان قد أعطاه الله تعالى قوة عليه (13).

وقال ابن الجوزي: إنما خيف على الصبيان في تلك الساعة لأن النجاسة التي تلوذ بها الشياطين موجودة معهم غالبًا، والذكر الذي يحرز منهم مفقود من الصبيان غالبًا، والشياطين عند انتشارهم يتعلقون بما يمكنهم التعلق به؛ فلذلك خيف علي الصبيان في ذلك الوقت، والحكمة في انتشارهم، أي الشياطين حينئذ؛ أن حركتهم في الليل أمكن منها لهم في النهار؛ لأن الظلام أجمع للقوي الشيطانية من غيره، وكذلك كل سواد (14).

قال المناوي: وإنما أمر بكفهم في ذلك الوقت؛ لأن الشمس سلطان قاهر فلا تقاومها الأرواح المارجية؛ بل تمسك عن التصرفات ما دام ظاهرًا في العالم السفلي، فإذا استتر عنه في مغيبه صارت الشياطين كأنهم قد انطلقوا من حبس، فتندفع دفعة رجل واحد، فمهما صادفوه من الصبيان في تلك الحالة أصابوه فآذوه، فإذا ذهبت فوعة العشاء تفرقوا وتبددوا، فهذا سر أمر المصطفى صلى الله عليه وسلم بذلك (15).

العين حق:

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «العين حق» (16).

وعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «العين حق ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين وإذا استغسلتم فاغسلوا» (17).

وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرها أن تسترقي من العين (18).

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرقية من العين، والحمة، والنملة (19).

قال الحافظ ابن حجر: رقية النملة والنملة: قروح تخرج في الجنب وغيره من الجسد (20).

وعن محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه سمع أباه يقول: اغتسل أبي سهل بن حنيف بالخرار، فنزع جبة كانت عليه وعامر بن ربيعة ينظر، قال: وكان سهل رجلًا أبيض حسن الجلد، قال: فقال له عامر بن ربيعة: ما رأيت كاليوم، ولا جلد عذراء، قال: فوعك سهل مكانه واشتد وعكة، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر أن سهلًا وعك، وأنه غير رائح معك يا رسول الله، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره سهل بالذي كان من شأن عامر، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «علام يقتل أحدكم أخاه؛ ألا بركت، إن العين حق، توضأ له»، فتوضأ له عامر، فراح سهل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس به بأس (21).

فتوضأ الحاسد، ومعنى بركت قلت تبارك الله أحسن الخالقين، اللهم بارك فيه بكلمات الله التامة.. إلخ وعلى الحاسد أن يتوضأ وأن يقول، تبارك الله أحسن الخالقين عند ما يرى شيئًا {وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ} [الفلق: 5] (22).

ومما ينبغي مراعاته من كل من الطرفين من ابتلي بالعين، فليبارك عند رؤيته ما يعجبه لئلا يصيب أحدًا بعينه، ولئلا تسبقه عينه، وكذلك من اتهم أحدًا بالعين، فليكبر ثلاثًا عند تخوفه منه، فإن الله يدفع العين بذلك، والحمد لله.

وقد ذكروا للحسد دواء كذلك، أي يداوي به الحاسد نفسه ليستريح من عناء الحسد المتوقد في قلبه المنغص عليه عيشه الجالب عليه حزنه، وهو على سبيل الإجمال في أمرين؛ العلم ثم العمل.

والمراد بالعلم هو أن يعلم يقينًا أن النعمة التي يراها على المحسود، إنما هي عطاء من الله بقدر سابق وقضاء لازم، وأن حسده إياه عليها لا يغير من ذلك شيئًا، ويعلم أن ضرر الحسد يعود على الحاسد وحده في دينه لعدم رضائه بقدر الله وقسمته لعباده; لأنه في حسده كالمعترض على قوله تعالى: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الزخرف: 32]، وفي دنياه؛ لأنه يورث السقام والأحزان والكآبة ونفرة الناس منه ومقتهم إياه، ومن وراء هذا وذاك العقاب في الآخرة.

أما العمل فهو مجاهدة نفسه ضد نوازع الحسد، كما تقدمت الإشارة إليه في الأسباب، فإذا رأى ذا نعمة فازدرته عينه، فليحاول أن يقدره ويخدمه.

وإن راودته نفسه بالإعجاب بنفسه، ردها إلى التواضع وإظهار العجز والافتقار.

وإن سولت له نفسه تمني زوال النعمة عن غيره، صرف ذلك إلى تمني مثلها لنفسه. وفضل الله عظيم (23).

وعن حميد بن قيس المكي أنه قال: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بابني جعفر بن أبي طالب فقال لحاضنتهما: «ما لي أراهما ضارعين»، فقالت حاضنتهما: يا رسول الله إنه تسرع إليهما العين، ولم يمنعنا أن نسترقي لهما إلا أنا لا ندري ما يوافقك من ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استرقوا لهما، فإنه لو سبق شيء القدر لسبقته العين» (24).

وعن سليمان بن يسار، أن عروة بن الزبير حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل بيت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وفي البيت صبي يبكي، فذكروا له أن به العين قال عروة: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا تسترقون له من العين» (25).

عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أكثر من يموت من أمتي بعد كتاب الله وقضائه وقدره بالأنفس»، قال البزار: يعني العين (26).

قال أبو عمر ابن عبد البر: لا أعلم خلافًا بين العلماء في جواز الرقية من العين أو الحمة وهي: لدغة العقرب، وما كان مثلها إذا كانت الرقية بأسماء الله عز وجل ومما يجوز الرقي به، وكان ذلك بعد نزول الوجع والبلاء وظهور العلة والداء، وإن كان ترك الرقى عندهم أفضل وأعلا لما فيه من الاستيقان بأن العبد ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأنه لا يعد شيء وقته، وأن الأيام التي قضى الله بالصحة فيها لم يسقم فيها من سبق في علم الله صحته (27).

عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «العين حق، ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا» (28).

والمقصود أن العائن حاسد خاص، وهو أضر من الحاسد، ولهذا والله أعلم إنما جاء في السورة ذكر الحاسد دون العائن؛ لأنه أعم، فكل عائن حاسد ولا بد، وليس كل حاسد عائنًا، فإذا استعاذ من شر الحسد دخل فيه العين، وهذا من شمول القرآن الكريم وإعجازه وبلاغته.

وأصل الحسد هو بغض نعمة الله على المحسود وتمني زوالها.

فلهذا والله أعلم قرن في السورة بين شر الحاسد وشر الساحر؛ لأن الاستعادة من شر هذين تعم كل شر يأتي من شياطين الإنس والجن، فالحسد من شياطين الإنس والجن، والسحر من النوعين، وبقي قسم ينفرد به شياطين الجن وهو الوسوسة في القلب.

فالحاسد والساحر يؤذيان المحسود والمسحور بلا عمل منه؛ بل هو أذى من أمر خارج عنه، ففرق بينهما في الذكر في سورة الفلق.

والوسواس إنما يؤذي العبد من داخله بواسطة مساكنته له وقبوله منه، ولهذا يعاقب العبد على الشر الذي يؤذيه به الشيطان من الوساوس التي تقترن بها الأفعال والعزم الجازم؛ لأن ذلك بسعيه وإرادته، بخلاف شر الحاسد والساحر فإنه لا يعاقب عليه إذ لا يضاف إلى كسبه ولا إرادته، فلهذا أفرد شر الشيطان في سورة، وقرن بين شر الساحر والحاسد في سورة، وكثيرًا ما يجتمع في القرآن الحسد والسحر للمناسبة (29).

قال تعالى: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ} [القلم:51]، أي: ينظرون إليك تغيظًا وحقدًا وحسدًا، لماذا؟ {لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ} [القلم:51]، أي: عند سماعهم للقرآن.

ومن أسباب دفع العين أن يغتسل وأن يتوضأ الحاسد العائن ليغتسل بفضل مائه المحسود المعيون، وهذا أيضًا ثبت عن أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام.

والحسد من أمراض القلوب الفتاكة، وقلما تجد قلبًا يخلوا من الحسد، والحسد: هو تمني زوال النعمة عن الغير، وهذا المرض هو الذي دفع بعض العلماء ليكتب عن تحاسد العلماء، وأحيانًا قد تجد القرناء يتصارعون حسدًا فيما بينهم، وهذا لا ينبغي أن يكون، لكن الغبطة موجودة، ولذلك ما الذي دفع إخوة يوسف ليأخذوه وهو غلام بلا عطف ولا رحمة ويلقوه في الجب وحيدًا؟! إنه الحسد، يقول الله تعالى مصورًا ذلك: {قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (8) اقْتُلُوا يُوسُفَ} [يوسف: 8- 9]، فانظر ماذا صنع الحسد؟ فقد يقتل الأخ أخاه حسدًا.

وكذلك ما الذي دفع ابن آدم ليقتل آخاه كما في سورة المائدة: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ} [المائدة: 27]؟ لماذا؟ ما ذنبه؟ إنه لم يرتكب إثمًا، لكن تجد دائمًا من وفقه الله في عمل ما محسودًا، بل دائمًا وأبدًا تجد عيونًا تتبع، وتقذف، وتعقد، وتشيع، وتحطم حسدًا، {قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ} [المائدة: 27- 30]، الخبيثة والحاسدة، {قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ} [المائدة: 30]، الله أكبر، فالحسد يدفع للقتل.

وما الذي دفع إبليس بأن يرفض السجود لآدم؟ إنه الحسد، قال تعالى: {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف: 12]، وما الذي جعل بني إسرائيل يرفضون ملك طالوت؟ إنه الحسد، قال تعالى: {قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 247].

لذا يستحب أن يعوذ الرجل أولاده أو المرأة أولادها، خاصة عند الصباح وعند المساء حتى لا يمسهم الشيطان لا في نهارهم ولا في ليلهم.

_________________

 (1) أخرجه البخاري (3371).

(2) أخرجه النسائي (10273).

(3) أخرجه الترمذي (3528).

(4) صحيح الجامع (4902).

(5) تفسير القرطبي (10/ 316).

(6) زهرة التفاسير (8/ 4442).

(7) أخرجه مسلم (2201).

(8) فتح الباري (4/ 457).

(9) الكبائر للذهبي (ص: 16).

(10) أخرجه البخاري (3371).

(11) أخرجه ابن ماجه (3522).

(12) أخرجه مسلم (2012).

(13) عمدة القاري شرح صحيح البخاري (21/ 197).

(14) فتح الباري لابن حجر (6/ 341).

(15) فيض القدير (1/ 407).

(16) أخرجه مسلم (2187).

(17) أخرجه مسلم (2188).

(18) أخرجه البخاري (5738)، ومسلم (2195).

(19) أخرجه مسلم (2196).

(20) فتح الباري (10/ 196).

(21) أخرجه مالك في الموطأ (1678).

(22) التفسير الواضح (2/ 193).

(23) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (9/ 169).

(24) أخرجه مالك (1680)، وأحمد (27510).

(25) أخرجه مالك موطأ (1681).

(26) كشف الأستار (3052).

(27) الاستذكار لابن عبد البر (8/ 405).

(28) أخرجه مسلم (2188).

(29) بدائع الفوائد لابن القيم (2/ 458- 459).