مسئولية الآباء تجاه الأبناء
إن طبيعة الإنسان، النفسية والفكرية والبدنية، تتأثر تأثرًا كبيرًا بمراحل نموه وترعرعه في طفولته؛ حيث إن هذه الجوانب، النفسية والبدنية والفكرية، ترتبط ارتباطًا وثيقًا بما يلازم تلك الطفولة في مراحل تكوينها.
وقد دلت الدراسات، التربوية والنفسية والاجتماعية، على أن أخصب مراحل عمر الإنسان، وأكثرها قابلية للتربية وللتكوين النفسي، وللتشكيل الفكري هي مرحلة الطفولة.
ومعلوم قطعًا أن أهم دور في هذه العملية التربوية الهامة هو دور الوالدين، ثم يأتي بعدهما دور المدرسة والمجتمع والبيئة المحيطة بهم، ولا أدل على ذلك من حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء"(1).
ومع انتشار وسائل الاتصال الحديثة، ووسائل العرض الإلكترونية، والقنوات الفضائية، والتي أصبح منها قنوات كثيرة جدًا تخاطب الأطفال فقط، وذلك من خلال عرض الأفلام المدبلجة باللغة العربية، والتي كثير منها يقوم على ما يخالف تعاليم الإسلام؛ بل يقوم على ما يهدم عقيدة المسلم بالكلية، وكذلك تؤسس لعقيدة فاسدة، تُبنَى على الإيمان بالكواكب والنجوم، وكذلك الإيمان بتعدد الآلهة، تمامًا كما في عصر الجاهلية الأولى.
وعليه؛ فإنه يلزم الوالدين أن يبذلا قصارى جهدهما؛ لتنشئة الأولاد على تعاليم وقيم ومفاهيم الإسلام وثوابته؛ لتحصينهم من تلك التيارات الفكرية، والأفعال المنحرفة كليًا عن طريق الإسلام، والتي تبثها تلك القنوات الفضائية المخصصة للأطفال.
وبالتالي نكون قد أبرأنا الذمة، وبذلنا ما في وسعنا في إخراج جيل رائد، يقوم هو أيضًا بدوره في تربية الجيل التالي، وفي مجابهة القوى المعادية للإسلام بالمِثْل، وبما تستوجبه رسالة المسلم نحو نفسه وولده وإخوانه المسلمين والناس أجمعين.
قال ابن القيم: "قال بعض أهل العلم: إن الله سبحانه يسأل الوالد عن ولده يوم القيامة قبل أن يسأل الولد عن والده، فإنه كما أن للأب على ابنه حقًا فللابن على أبيه حق، فكما قال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} [العنكبوت:8]، قال تعالى: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6].
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: علموهم وأدبوهم.
وقال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى} [النساء:36].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اعدلوا بين أولادكم"(2).
فوصية الله للآباء بأولادهم سابقة على وصية الأولاد بآبائهم، قال الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ} [الإسراء:31]، فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سدًى، فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قِبَل الآباء وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغارًا، ولم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم كبارًا.
كما عاتب بعضهم ولده على العقوق، فقال: يا أبت إنك عققتني صغيرًا فعققتك كبيرًا، وأضعتني وليدًا فأضعتك شيخًا"(3).
فمتى ما صلح الولد واستقام ورشد أمره كان خيره لنفسه ولوالديه ولمجتمعه ولأمته، ومتى ما كان ملتزمًا بتعاليم دينه، متمسكًا بشرائعه، متبعًا لهدي نبيه صلى الله عليه وسلم، فقد فاز بخيري الدنيا والآخرة.
وتعليم الوالد لولده ذلك كله، وإرشاده إليه، وتبصيره به، هو من أهم مسئولية الوالدين تجاه أبنائهما، وهو من أعظم ما استرعاهما الله عز وجل عليه، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها"(4).
إن الواجب من الوالدين تجاه الأبناء لا ينحصر في توفير المأكل، والمشرب، والملبس، والمسكن، وتعليم الأبناء اللغات المختلفة، وحصولهم على أرقى الشهادات العلمية؛ بل إن مهمة الوالدين أعظم من ذلك بكثير، وواجبهما نحو أبنائهما أعم وأشمل من ذلك.
إن على الآباء والأمهات تربية الأبناء تربية إيمانية وأخلاقية وسلوكية، وعلى الآباء والأمهات رعاية الأبناء منذ الصغر، وأن يغرسوا في نفوس أبنائهم قيم وتعاليم وفضائل الإسلام، وكذلك عليهم أن يدفعوا عن أبنائهم عوامل الانحراف السلوكي والأخلاقي والفكري، داخل البيت وخارجه، وأن يفزعوا لما يصيب أبناءهم في أخلاقهم، كما يفزعوا لما يصيب أبناءهم في أبدانهم من علل وأمراض.
فعلى الآباء والأمهات تحصين أبنائهم ضد هذا كله، وهو أمر أوجبه الإسلام على الوالدين، وليس ترفًا أو أمرًا مستحبًا، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6].
__________________________________________
(1) رواه البخاري (1358)، ومسلم (2658)، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(2) رواه البخاري (2587)، عن النعمان بن بشير.
(3) تحفة المودود بأحكام المولود، لابن قيم الجوزية (1/229).
(4) رواه البخاري (893)، ومسلم (1829)، عن ابن عمر رضي الله عنهما.