المكائد الدولية ضد الأسرة المسلمة
لعل أخطر ما يواجه الأسرة المسلمة وأمنها في عصرنا الحاضر؛ هي تلك المحاولات الدائبة لتدمير كافة قيم الشريعة الإسلامية الغراء، وعلى رأسها تدمير مفهوم الأسرة في الشريعة الإسلامية، وتصويره بأنه مفهوم تقليدي وراثي نمطي، لا يعدو عن كونه مما اعتاده الناس وألفوه من عصور عفى على ثقافاتها العصر.
يريدون أن يعود الآدميون قطعانًا من البهائم، ينزو فيها الذكران على الإناث بلا ضابط إلا ضابط القوة أو الحيلة أو مطلق الوسيلة! كل هذا الدمار، وكل هذا الفساد، وكل هذا الشر باسم الحرية، وهي- في هذا الوضع- ليست سوى اسم آخر للشهوة والنزوة! وهذا هو الميل العظيم الذي يحذر الله المؤمنين إياه، وهو يحذرهم ما يريده لهم الذين يتبعون الشهوات، وقد كانوا يبذلون جهدهم لرد المجتمع المسلم إلى الجاهلية في هذا المجال الأخلاقي، الذي تفوقوا فيه وتفردوا بفعل المنهج الإلهي القويم النظيف، وهو ذاته ما تريده اليوم الأقلام الهابطة والأجهزة الموجهة لتحطيم ما بقي من الحواجز في المجتمع دون الانطلاق البهيمي، الذي لا عاصم منه، إلا منهج الله، حين تقره العصبة المؤمنة في الأرض إن شاء الله (1).
في الوقت الذي ينظر الإسلام فيه للأسرة على أنها الوحدة الأساسية للمجتمع، وأنها كلما كانت قوية متماسكة كلما زاد تأثيرها على المجتمع والعكس صحيح، أدرك الغرب أهمية ذلك فأعلن الحرب التدميرية والمعارك التخريبية لقيم الأسرة ومبادئها، تحت شعارات براقة وألوان من المكر والخداع الزائف، ليقنع بهم سفهاء الأحلام وبلهاء الرأي وعديمي النخوة والمروءة.
طفح علينا مؤتمر السكان بالقاهرة، ومؤتمر بكين بمفاهيم جديدة للأسرة، فقد أقروا البناء الأسري القائم على رابطة الزوجية، أو بدونه، وأقروا الزواج القائم بين الرجل والمرأة، أو بين الرجل والرجل، أو بين المرأة والمرأة، وقد عمل هذان المؤتمران على إضفاء أكبر قدر من الشرعية والحماية لمثل هذه العلاقات الشاذة والاعتراف بها، كذلك عملا على تغيير المصطلحات المستخدمة في هذا النوع من الدراسات لمسخ المفاهيم الإسلامية والإتيان بأخرى بديلة لها مقاصد مختلفة، فعلى سبيل المثال: أن هؤلاء الذين يرفضون فكرة الزواج ويفضلون حرية العيش أصبحوا يلقبون «بالأشخاص المتفردين».
والفتيات الصغيرات اللائي يمارسن الجنس منذ الطفولة ويحملن فإنهن يتمتعن بقدر من الاحترام والرعاية، ويلقبن بـ«المراهقات الحوامل»، أما من تتزوج زواجًا شرعيًا، وهي في مثل هذا السن فإن هذا الزواج يلقب بـ«انتهاك الطفلة الأنثى».
إن الإسلام دين الواقعية لم ينظر يومًا إلى رابطة الزوجية أو إلى الاحتياجات الجسدية للإنسان نظرة تحقير، أو أنها تخالف الاحتياجات الروحية، مثل الأديان الأخرى التي تنظر إلى الإنسان على أنه راهب، لكن العكس، فإن الزواج مطلب ديني لا يصح تأجيله إلا لسبب مقبول، فقد ذُكر عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يحض على الزواج، وكره أن يظل المرء عزبًا، لقوله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج» (2).
ولقد ذكر الله عز وجل في إعلاء شأن الزواج في كتابه العزيز: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21].
إن هذه المودة والرحمة والسكينة معناها الاستقرار النفسي والعاطفي، ولقد ذكر العلماء الأمريكيون بعد مضي خمسة عشر قرنًا أن الزواج هو أفضل وسيلة للمحافظة على الصحة النفسية.
وأن موقف الإسلام الذي يُعْلي من شأن الزواج وإشباع الحاجات النفسية والجسدية يتضح في الحديث الذي ذكر فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: «وفي بضع أحدكم صدقة» (3)، وبهذا يتضح أن رغبات الإنسان لم تخلق لتكبت أو تحتقر، بل لتنظم.
إن ارتفاع نسبة الأشخاص المتعايشين بلا زواج شرعي أدى إلى معاناة البشرية من جراء انتشار الأمراض السرية الفتاكة، وطبقًا لإحصائية 15/ 4/ 1997م، فإن هناك 12 مليون شخص مصاب بالأمراض السرية في الولايات المتحدة الأمريكية معظمهم من المراهقين والشباب تحت سن 25 سنة، لذلك فإن المختصين أطلقوا صيحات التحذير من العلاقات الجنسية المؤقتة، وقالوا: علاقة جنسية واحدة تكفي وهو في مفهومنا الزواج الشرعي.
ولقد حذر الإسلام من هذه المشاكل الصحية المرتبطة بممارسة هذه الأنواع من الفاحشة حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لم تظهر الفاحشة في قوم قط، حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون، والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا»(4).
إن فكرة الأسرة في الإسلام مستمدة من الشريعة «القانون الإلهي»، ولهذا فقد ضمنت وحدة وقوة الأسرة المسلمة على مدار القرون، ولذلك فإن عملية عولمة القيم الأسرية هو بمثابة تهديد واضح لأمن الأسرة المسلمة، وعدوان على خصوصيتها.
إن النظام الأخلاقي ومنظومة الأعراف الاجتماعية الإسلامية شديدة الخصوصية، وإن فرض أي قيمة من ثقافات أجنبية عليها لن يؤدي إلا إلى إنعدام الاستقرار النفسي عند الأفراد، وبالتالي يؤدي إلى مزيد من العنف والفوضى السياسية والاجتماعية.
ولا يخفى أن المؤامرات الغربية تستهدف تذويب القيمة الأسرية الإسلامية في إطار منظومة كونية، الهدف منها تمييع ومسخ قيم الإسلام وأدبياته حتى تسود الفوضى والإباحية (5).
إن ذلك الخطر الداهم بالطبع يحتم علينا إعداد القوى للمواجهة، بدءًا من تحصين المجتمع الإسلامي، وبلوغًا إلى إعداد كل أسلحة المواجهة لهذا الانتكاس والانمساخ العالمي الشديد.
تقول الكاتبة الأمريكية (بالمفورث) ما نصه: بأن الأنثويات المتطرفات ودعاة تحديد النسل ونشطاء حقوق الشواذ الذين يشكلون جبهة معادية للأسرة، يستخدمون كل الوسائل التي يمكن من خلالها فرض إرادتهم على الشعوب التي تدعم الأسرة الطبيعية، إنهم يستخدمون أساليب غير ديمقراطية وطرق نقاش غير عادلة؛ بل غالبًا ما يلجئون للخداع (6).
لقد أخذت الإغارة على الأسرة المسلمة أبعادها على محاور أربعة:
أولًا: محور المرأة المسلمة، ثانيًا: محور الرجل المسلم، ثالثًا: محور الأبناء والبنات، ورابعًا: محور قوانين وقيم الأسرة.
واختلفت أسلحة الهجوم على كل محور من هذه المحاور، وتعدد استخدام السلاح الواحد على أكثر من محور، فاستخدم ضدَّ المرأة والفتاة المسلمة سلاح رمي الحجاب والجلباب والستر، وذلك بالتبرج والموضة والخروج إلى الشوارع والملاهي، وبهذا العمل انصرفت نساء المسلمين عن العبادة والقرآن وتربية الأبناء.
وحاربوا الرجل المسلم في صحته وعقله وأعصابه، وذلك بالتدخين وترويج الخمور والمخدرات، وبجميع أنواع السموم التي تلوث العقل وتغطيه، وشغلوه عن العمل الجاد والإنتاج والكسب بإقحام المرأة عليه في محل عمله، وفي الشوارع والمدارس ومعاهد العلم، كما شغلوا الرجال أيضًا بالملاهي والملاعب.
وحاربوا الأبناء والبنات بإفساد التعليم؛ فأشاعوا الاختلاط، وسلَّطوا وسائل الإعلام تقذف النشء -الأجيال الصاعدة- بوابل من الرذائل وأسباب الانحراف؛ حتى شاع بينهم العنف الشديد، وانهارت أخلاق معظمهم.
كما شغلوا الشباب عمومًا بأمور تافهة، مثل كرة القدم التي لا تثمر في نفس الإنسان شيئًا ذال بال، بل توقع بينهم العداوة والبغضاء، وأحيانًا يتقاتلون فيما بينهم؛ الفريقان تارة، وتارة المتفرجون أنفسهم، وتقع بعدها أعمال شغب وتخريب وحرق للممتلكات، وأرضية الملعب الذي أنفق على إنشائها الملايين أو المليارات من الأموال قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (92)} [المائدة: 90- 92].
ثم نزل السلاح الأخير لتحديد نسل الأسرة ومنع إنجاب الأبناء أصلًا، وضربوا وخلخلوا القيم الفاضلة، والقوانين الربانية التي تقوم الأسرة عليها، وأهم هذه القيم والقوانين قوامة الرجال على النساء، وقيام الآباء والأمهات على تربية وتوجيه الأبناء.
ثم فرض قوانين لقيطة من هنا وهناك على المجتمعات الإسلامية، نعم؛ إنَّها إغارة صريحة وعنيفة على الأسرة المسلمة، إنَّ الصحافة العالمية والمحطات الإذاعية الدولية، وإطلاق كم هائل من القنوات الفضائية، وعدم حجب المواقع المخلة بالحياء والآداب العامة على الشبكة العنكبوتية -الإنترنيت- كلُّها أجهزة متعاونة لتسديد الضربات، وتنويع أسلحة الإغارة على الأسرة المسلمة، وأكثر المسلمين لا يدرون، وإذا عرفوا شيئًا فهم لا يتقون ولا يردون الضربات، فالأسر المسلمة جميعهم هم أمام فوهات مدافع أعداء الإسلام والمسلمين؛ مدافع الحقد والكراهية.
فالمطلوب اليوم أن تعود الأسر الإسلامية إلى جادة الصواب، وتبادر إلى تربية أبناءها وبناتها وتوجيههم الوجهة الصحيحة على كتاب الله وهدي الرسول صلى الله عليه وسلم، فخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وأن يتفطنوا لما يُحَاكُ ضدَّهم من أعداء الإسلام من مؤامرات ومخططات، فسيدنا عمر بن الخطاب يقول: نحن قوم أعزنَّا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله، والله عز وجل يقول: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} [البقرة: 120].
وبعد ينبغي علينا جميعًا أنَّ نمثل إسلامنا بالعمل ما استعطنا إلى ذلك سبيلًا، لا بالقول فقط، فإن الإسلام دين عمل وتطبيق، فالمسلم معناه هو العبد المستسلم المنقاد لأوامر ربِّه وخالقه والمنفذ لأحكامه.
والقصد الحسن، والنية الصادقة، والعمل الصالح، ومحاولة تطبيق الشريعة، هذه المعاني هي محل نظر الربِّ من عبده، إذ يقول رسول الهدى عليه الصلاة والسلام: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» (7).
فالفرصة متاحة لنا الآن لنعمل لديننا وإسلامنا؛ لأنه يسمح لنا أن نخدم ديننا بكل حرية، وعلينا أن ندرك أن هذه الحرية نعمة من نعم الله علينا، فعلينا أن نستغلها بالعمل الجاد لنشر تعاليم ديننا، والله معنا إن صدقنا في العمل؛ لأنه تعالى مع العاملين الصادقين، يوفقهم ويهديهم يقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69].
ونبدأ أولًا: بأن الإسلام العزيز، جعل الأسرة المسلمة لبنة المجتمع الإسلامي، وأرسى لها نظامًا على أسس راسخة باعتبارها الوحدة البنائية الأساسية التي يتركب منها جسم المجتمع الكبير، والتي لها الدور الأساس في تشييد صرح المجتمعات وتماسكها، وتدعيم وحدتها وتنظيم سلوك أفرادها، فإذا كانت الأسرة سليمة قوية كان المجتمع كله سليمًا قويًا، وإذا كانت مفككة انعكس ذلك على المجتمع أيضًا.
وعليه، فإن الأسرة من منظورنا كمسلمين تحظى بفاعلية شديدة واهتمام، ليس فقط لما تمثله من عوامل الاستقرار النفسي والاجتماعي، وإنما باعتبارها الوعاء الحضاري الذي يشكل في النهاية شخصية وكيان ووجدان الأمة، فهي النواة والأساس والقاعدة التي لا بد أن تكون صلبة، والقلب الذي لا بد أن يكون حيًا نابضًا؛ لأنه بهذه الأسرة ومن خلالها نعاين نسب الضعف والقوة في مجتمعاتنا وأمتنا.
ثانيًا: الأسرة من منظورنا كمسلمين هي المدرسة التي أريد لها أن تتولى احتضان النشأة الأولى للأبناء، وتربيتهم وحمايتهم وتعليمهم، وإكسابهم العادات والمفاهيم واللغة والقيم الحميدة، كما يتم إعدادهم واضطلاعهم بالمسؤوليات مستقبلًا.
وقد حرص الإسلام كل الحرص على جعل الأسرة المسلمة نموذجًا رفيعًا ومثالًا يحتذى؛ لما تمثله من عناصر الريادة والقيادة الصالحة في المجتمع الإنساني ككل.
قال تعالى في سورة التحريم في مقام التنبيه والتشديد والأمر لسائر المكلفين بتأمين الوقاية المتواصلة لعملية التنمية المستدامة والتداول الإنساني المستدام: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6]، وفي سورة الشعراء {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214]، وقال تعالى في سورة الإسراء {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23].
إنها معالم وصور من مهام ومسؤوليات الدور الجليل للأسرة المسلمة كما عرضها القرآن الكريم، ملفتًا إلى أن هذه المؤسسة الممتدة في الزمن والأثر، والعاملة على نقل الضوابط بسلاسة وتلقائية من جيل لآخر، ليست إلا موقعًا تربويًا متقدمًا ومكانًا للتكامل الإنساني، الذي لا بد أن يُحمى ويُصان ويُحرص عليه؛ لأن المجتمعات بدون رابطة الأسرة معرضة للتفكك والانهيار والزوال على كافة الصعد.
وإن ما يهمنا هنا هو المفارقة التي تطالعنا بها دول الغرب المتهالكة اجتماعيًا في هذه المرحلة من الزمن، والمتمثلة في الهجمة الشرسة والمركزة على الأسرة بوجه عام، وحيث باتت هذه القضية في عداد القضايا المعاصرة التي تستوجب البحث والدراسة والعناية، لما لها من أثر بالغ على حاضر المجتمعات ومستقبلها.
وهذا إضافة إلى ما تشنّه هذه الدول من جهود مكثفة لتعميم النمط الغربي والأمريكي بوجه أخص على كل مجالات الحياة في المجتمعات الإنسانية، عاملة بوقاحة وهيمنة غير مسبوقة لاستغلال الأجهزة الأممية لهيئة الأمم المتحدة ومنظماتها المتعددة، لفرض هذه الثقافة من خلال اتفاقيات ووثائق عالمية، تُصاغ من خلال مؤتمرات أممية حول الأسرة والمرأة والطفل والتنمية.
وإنه من دون حاجة للاستدلال، بتنا نجد ما حولنا مخططًا عالميًا واتفاقيات ومؤتمرات دولية ترمي إلى هدم الأسرة ومحو الدور العائلي للمرأة، وذلك عبر المناداة بشعارات التحرر والمساواة، وضرورة تغيير تعريف العائلة ودورها الاجتماعي إلى ما يتصورونه من المساواة في جميع الأحوال، وصولًا إلى تغييب الهوية والخصوصية الدينية والثقافية؛ لتصبح المفاهيم الغربية العلمانية ليس فقط عابرة للقارات بل للحضارات والديانات كذلك (8).
إن البشرية اليوم تعيش في ماخور كبير؛ ونظرة إلى صحافتها وأفلامها ومعارض أزيائها، ومسابقات جمالها، ومراقصها، وحاناتها، وإذاعاتها، ونظرة إلى سعارها المجنون للحم العاري، والأوضاع المثيرة، والإيحاءات المريضة، في الأدب والفن وأجهزة الإعلام كلها.. إلى جانب نظامها الربوي، وما يكمن وراءه من سعار للمال، ووسائل خسيسة لجمعه وتثميره، وعمليات نصب واحتيال وابتزاز تلبس ثوب القانون، وإلى جانب التدهور الخلقي والانحلال الاجتماعي، الذي أصبح يهدد كل نفس وكل بيت، وكل نظام، وكل تجمع إنساني.. نظرة إلى هذا كله تكفي للحكم على المصير البائس الذي تدلف إليه البشرية في ظل هذه الجاهلية.
إن البشرية تتآكل إنسانيتها، وتتحلل آدميتها، وهي تلهث وراء الحيوان، ومثيرات الحيوان، لتلحق بعالمه الهابط! والحيوان أنظف وأشرف وأطهر؛ لأنه محكوم بفطرة حازمة لا تتميع، ولا تأسن كما تأسن شهوات الإنسان حين ينفلت من رباط العقيدة، ومن نظام العقيدة، ويرتد إلى الجاهلية التي أنقذه الله منها، والتي يمتن الله على عباده المؤمنين بتطهيرهم منها (9).
ومما هو جدير بالذكر أن قيصر ألمانيا حينما زار تركيا بعد قيام انقلاب كمال أتاتورك الذي فرض السفور على المسلمات، فأرسل إليه الأتراك سربًا من البنات يلبسن الزي الغربي، فغضب القيصر، وقال لرئيس الوزراء: أتظن أني أفرح برؤية نسائكم بهذا الزي؟ إنكم أمة ليس لكم مكانة بين الدول إلا بالإسلام، والإسلام مئات الملايين، فإذا أبحتم السفور لنسائكم وعبثتم بعادات قومكم آسفتم العالم الإسلامي الذي كل أهميتكم قائمة به، ونفر منكم المسلمون، فلا تفعلوا هذا، فإنكم تصبحون على ما فعلتم نادمين، ثم إن الشرف عندكم شيء جميل فلماذا تعدلون عنه؟ (10).
-------------
(1) في ظلال القرآن (2/ 632).
(2) أخرجه البخاري (5065)، ومسلم (1400).
(3) أخرجه مسلم (1006).
(4) أخرجه ابن ماجه (4019).
(5) عولمة القيم الأسرية تهديد لأمن الأسرة وعدوان على خصوصيتها/ المجتمع.
(6) الأسرة في الغرب للدكتورة خديجة كرار (ص: 321).
(7) أخرجه مسلم (2564).
(8) أثر الاتفاقيات الدولية على تفكيك الأسرة/ ممهدات.
(9) في ظلال القرآن (1/ 511).
(10) من كتاب التيارات المعادية للإسلام؛ للأستاذ الدكتور سعد الدين السيد صالح.