logo

رسول الله في بيتنا


بتاريخ : الجمعة ، 21 ربيع الأول ، 1437 الموافق 01 يناير 2016
بقلم : تيار الاصلاح
رسول الله في بيتنا

تمر الأسرة المسلمة اليوم بحالة من التفكك والتشرذم، والبعد عن الأخلاق الحميدة، والخصال العالية الرفيعة، والخلال الجليلة، التي يتميز بها المنهج الإسلامي، والسلوك النبوي، وهذه الحالة، التي تمر بها الأسرة المسلمة، هي نتاج طبيعي لهذا البعد عن توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم، وعن نصائح النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك الجهل بسيرته وأخلاقه، وكيف كان تعامله مع الأطفال، حتى استطاع أن يُخرِج جيلًا يُضرب به المثل في كل وقت وحين.

ومن العجيب أن ترى الأسرة المسلمة، في وقتنا الحالي، وهي بهذه الحالة من التدهور الأخلاقي، والبعد المترامي عن أخلاق الحبيب صلى الله عليه وسلم، إلا أنها تحتفل به كل عام في ذكرى مولده صلى الله عليه وسلم، ولكنه احتفال شكلي غير حقيقي، احتفال بدعي غير شرعي، احتفال خال عن كل معاني الاحتفال الحقيقي بالنبي صلى الله عليه وسلم، فأصبحت الأسرة المسلمة لا تعرف عن رسولها صلى الله عليه وسلم غير أنه ولد في شهر ربيع الأول، وأنهم يأكلون في تلك المناسبة الكثير من الأطعمة والحلويات، ويذهبون بأطفالهم إلى أماكن اللهو واللعب، ويحضرون تلك الأندية التي تُلقى فيها المحاضرات والأمسيات، التي تُلصِق برسول الله أحداثًا ومواقف لم تذكر في كتب السيرة الصحيحة، أو كتب الصحاح من الأحاديث النبوية.

وبالتالي، فإن الأسرة المسلمة، التي هذا حالها، لن تتعلم من أخلاق الرسول ولا من سيرته ولا من هديه صلى الله عليه وسلم، وإنما ستظن أن ما عليها أن تفعله كل عام هو مجرد احتفال بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهذه هي الطامة الكبرى والمصيبة العظمى.

إن الاحتفال الحقيقي بالنبي صلى الله عليه وسلم هو باتباع هديه، والتزام سنته، وسلوك دربه، والسير على منهاجه.

إن هذه المشاعر التي تتوطن داخل كل فرد من أفراد الأسرة المسلمة تجاه نبيها صلى الله عليه وسلم، لهي مشاعر حب وتقدير واحترام، حتى ولو لم يكن هذا الفرد وهذه الأسرة تابعة في هديها وسمتها وسلوكها وخلقها لنبيها صلى الله عليه وسلم، إلا أنه يكفيها أن تحرص على الاحتفال دائمًا وأبدًا بمولد حبيبها، وإن كان ما تفعله خطأ كبيرًا في دينها ونبيها؛ وبالتالي، ينبغي أن يتحول هذا الاحتفال البدعي إلى احتفال حقيقي بالنبي صلى الله عليه وسلم، هذا الاحتفال يتمثل في أن تجعل الأسرة المسلمة سيرة الحبيب المصطفي وسنته نصب أعينها، وأن تجعل همها الأكبر هو تعلم هذه السنة وهذه السيرة، وأن تعمل بها، حتى تشعر الأسرة المسلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتها.

نريد من الأسرة المسلمة أن تستشعر معنى قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ}[الأنفال:33]، ما كان الله ليجعل الأسرة المسلمة متفككة، بين أفرادها عداوة وبغضاء وبعد عن القيم والأخلاق، ما دام النبي صلى الله عليه وسلم بينهم بسيرته وسنته وأخلاقه، التي تسري بين أفراد هذه الأسرة، هذه قاعدة ربانية، فينبغي على الأسرة المسلمة، التي تريد السعادة في حياتها الدنيوية والفوز في الآخرة، أن تجعل هذه القاعدة الربانية نبراس حياتها، ونور منهاجها.

وحتى تتحقق هذه الغاية، وتصبح الأسرة أسرة ربانية ملتزمة بهدي نبيها، تحتفل به احتفالًا حقيقيًا في كل يوم من أيامها؛ بل في كل لحظة من لحظات حياتها، فينبغي أن يكون اختيار الزوج والزوجة منذ البداية اختيارًا صحيحًا، حتى نُنشئ التربة التي سنبذر فيها الزرع، ويجب أن تكون تربة طيبة صالحة للزرع والإنبات، فإذا ما تم اختيار الزوج والزوجة اختيارًا صحيحًا، كانت تربية الأبناء وفق منهج النبي صلى الله عليه وسلم ميسرة بإذن الله، ولكن يجب على الوالدين أن يبذلا جهدًا مضنيًا في ذلك.

فيجب أولًا أن يتعلما سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يتمسكا بسنته، ويلتزما هديه صلى الله عليه وسلم، وكذلك يجب عليهم أن يتعلما كيف كان النبي صلى الله لعيه وسلم يتعامل مع الأطفال، وكيف كان يعلمهم، حتى يستطيعا أن يوصلا سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأخلاقه إلى أبنائهم بالطريقة الصحيحة.

فالنبي صلى الله عليه وسلم حينما كان يأكل مع الغلام، ويد الغلام تطيش في الصحفة، لم يوبخه النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينهره، وإنما وجهه بأسلوب سهل بسيط جعل الغلام يتمسك بتلك النصيحة طوال حياته، فعن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه قال: كنت غلامًا في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا غلام، سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك» فما زالت تلك طعمتي بعد(1).

وأنس رضي الله عنه يحكي أنه خدم النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنوات، فما نهره، ولا شتمه، ولا قال لشيء فعله لِمَ فعلته، ولا لشيء لم يفعله لِمَ لَمْ تفعله.

وكذلك موقفه صلى الله عليه وسلم مع أم عبد الله بن عامر، وموقفه مع عبد الله بن بشر حين أرسلته أمه بعنقود عنب إلى رسول الله، كل هذه مواقف يجب أن يتعلم منها الوالدان، ويتعاملا من خلالها مع أبنائهم.

وأيضًا يجب على الوالدين أن يُعلِّما أولادهما كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم ينصح الصغير بمعاملة الكبير، وكيف كان صلى الله عليه وسلم يأمر باحترام وتقدير الكبير، وصاحب المنزلة والمكانة؛ كالأم والأب وغيرهما.

حين يتعامل الزوجان مع الأسرة على أنها لبنة في بناء مجتمع، وأنه بتعدد هذه الأسر يتكون المجتمع، وأن الأسرة هي نواة صغيرة للمجتمع المسلم، وصورة مصغرة لهذا المجتمع، حينها يستشعران ثقل هذه المسئولية التي ألقيت على عاتقهما، فيسارعا بالنهل من كتاب ربنا، وبالتزود من سنة نبينا صلى الله عليه وسلم، حتى كأنه يعيش بينهم في بيتهم بأخلاقه وسنته وهديه، وحينها يعلنوها مفتخرين بنبيهم قائلين: رسول الله في بيتنا.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

(1) صحيح البخاري (5376).