logo

حياء المرأة... أين؟!


بتاريخ : الجمعة ، 15 صفر ، 1437 الموافق 27 نوفمبر 2015
بقلم : تيار الاصلاح
حياء المرأة... أين؟!

عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تحشرون حفاة عراة غرلًا» قالت عائشة: فقلت: يا رسول الله، الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟ فقال: «الأمر أشد من أن يهمهم ذاك»(1).

إن هذا الحديث استوقفني كثيرًا وكثيرًا جدًا، فكلما قرأته أستشعر كيف فكرت أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها في هذا الموقف، الذي يحكي لها فيه النبي صلى الله عليه وسلم، ويصف لها مشاهد الحشر يوم القيامة؛ فالسماء كورت، والكواكب انكدرت، والنجوم بعثرت، والجبال سيرت، والعشار عطلت، والناس يساقون إلى أرض المحشر استعدادًا لملاقاة المولى عز وجل والحساب، مع كل هذه الأهوال والمشاهد التي تذهب العقل وتأخذ بالألباب، إلا أن السيدة عائشة رضي الله عنها قد هالها أن مشهد الرجال والنساء يحشرون جميعًا وهم عراة.

وهذا هو حياء المرأة المسلمة، فمهما اشتد الخطب وعظم الأمر فهي ذات حياء وخلق قويم، لا ترهبها الملمات، ولا تخرجها أبدًا عن حيائها، ولا تغريها الشهوات والمغريات لتخرجها عن حيائها، فالمرأة المسلمة مشهود لها دائمًا بحيائها، والرجل المسلم مشهود له دائمًا بغيرته على أهل بيته ونساء المسلمين.

فلقد أقام النبي صلى الله عليه وسلم حربًا على بني قينقاع لأنهم هتكوا ستر امرأة مسلمة، فقد جاءت امرأة نزيعة (المرأة التي تزوج في غير عشيرتها فتنقل) من العرب تحت رجل من الأنصار إلى سوق بني قينقاع، فجلست عند صائغ في حلي لها، فجاء رجل من يهود قينقاع فجلس من ورائها ولا تشعر، فخل (جمع بين طرفي الشيء) درعها إلى ظهرها بشوكة، فلما قامت المرأة بدت عورتها فضحكوا منها، فقام إليه رجل من المسلمين فاتبعه فقتله، فاجتمعت بنو قينقاع، وتحايشوا فقتلوا الرجل، ونبذوا العهد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحاربوا، وتحصنوا في حصنهم، فسار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاصرهم(2).

فالمرأة المسلمة لا تتحمل أبدًا أن يظهر شيء من عورتها؛ وذلك لأنها امرأة حيية، كما أمرها دينها ووصاها نبيها صلى الله عليه وسلم؛ بل إن السيدة عائشة رضي الله عنها بلغ بها الحياء أنها لا تضع خمارها حينما كانت تزور قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبر أبيها بعد أن دفن عمر رضي الله عنه معهما، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: «كنت أدخل بيتي الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإني واضع ثوبي وأقول: إنما هو زوجي وأبي، فلما دفن عمر معهم فوالله ما دخلت إلا وأنا مشدودة علي ثيابي حياء من عمر رضي الله عنه»(3).

فهكذا ينبغي أن تكون المرأة المسلمة ذات حساسية شديدة لكل ما ينافي الحياء، عندها استشعار عالٍ جدًا لمعالي الأخلاق ومكارم الفعال، فلا تقبل من نفسها بالدون، ولا ترضى لذاتها بالنقص؛ بل هي ملكة على عرش في جوف لولؤة كبيرة، مصونة ومحفوظة بعيدًا عن أعين الخائنين ولمزات الفاسقين.

هي امرأة ترى نفسها دائمًا بعيدة المنال عن أي أحد إلا زوجها، فلا تسمح لنفسها أبدًا أن تتنزل وتنتقص من قدرها وكرامتها وتظهر أي شيء من جسدها لغير محارمها، وكل هذا إنما يحركه الحياء ويغذيه وينميه، فتنشأ المرأة على الأخلاق الكريمة الحسنة الطيبة، وتخرج أجيالًا يتحلون بمكارم الأخلاق كذلك.

لكن الواقع المشاهد في واقعنا المعاصر خلاف ما نرنو إليه وما نصبوا إلى تحقيقه، فلا تكاد تخلو دقيقة واحدة وأنت تسير في الطرقات إلا وتقع عينك على ما يخدش حياء الرجال فضلًا عن حياء النساء، وللأسف يكون السبب في خدش الحياء هو المرأة نفسها، فهي كاسية عارية، كاسية بلباس ولكن وجوده كعدمه، لم يغير من المنظر سوى اللون، وللأسف فهذه المناظر قد كثرت بكثرة شديدة، خاصة مع انتشار لبس البنطال للنساء والبنات، فأصبحت ملابسهن كملابس الرجال ولكن أشد ضيقًا، فجمعن أكثر من ذنب في فعل واحد، تشبه بالرجال، وتجسيد للعورات، وتحريك وتهييج لشهوات الرجال، كل هذا يخرج من المرأة المسلمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

لقد قرأت خبرًا ما كنت لأتصور أني قد أقرأ خبرًا مثله يومًا في بلاد المسلمين، ومضمونه أن رجلًا يسير في الطريق مع زوجته وابنته، وطبعًا فإن البنت قد أبدت مفاتنها وأظهرت جسدها بطريقة تستفز الشيوخ ناهيك عن الشباب، ثم وهم يسيرون في الطريق والرجل بجوار ابنته وزوجته إذا بشابٍ يتحرش بابنته وتمتد يده إليها، كل هذا والرجل بجانب الابنة والزوجة، فما كان من الرجل إلا أن قام إلى ابنته فضربها وزجرها، وملقيًا باللوم عليها وحدها؛ لأنها لم تستمع إلى كلامه ونهيه لها عن الخروج بمثل هذه الثياب، وأنها السبب في كل ما حصل.

في الحقيقة هذا المشهد يتكرر كل يوم في الطرقات كثيرًا وكثيرًا جدًا، وخاصة عندما تسير البنات أو النساء وحدهن أو بصحبة قريناتهن، فقلة حياء المرأة وإبدائها الزينة وعدم تمسكها بالزي الشرعي هو الذي جرأ عليها الشباب السيئ ليتحرش بها، فهي في نظره قد لبست هذا الثياب لتظهر أنوثتها، ويعجب بها الشباب، وتلفت أنظارهم، هكذا يفكر الشاب سيئ الأخلاق بكل بنت أو امرأة تبدي زينتها، وتظهر مفاتنها، وكل ذلك مصدره قلة حياء المرأة، فلو كانت صاحبة حياء وخلق ودين لما سمحت لنفسها أبدًا أن تنزل إلى الشارع بمثل تلك الملابس.

روى مسلم في صحيحه في باب «النساء الكاسيات العاريات المائلات المميلات» عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رءوسهن كأسنمة البُخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا»
____________________________________________________________________________________

(1) صحيح البخاري (6527).

(2) مغازي الواقدي (1/176-177).

(3) المستدرك على الصحيحين، للحاكم (4402)، مسند الإمام أحمد (25660).

(4) صحيح مسلم (2128).