logo

ربط الأولاد بالصلاة


بتاريخ : الثلاثاء ، 3 رجب ، 1439 الموافق 20 مارس 2018
بقلم : تيار الاصلاح
ربط الأولاد بالصلاة

أطفالنا هم أكبادنا تمشي على الأرض، وإن كانوا يولدون على الفطرة، إلا أن الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم قال: «فأبَواه يُهوِّدانه وُينَصِّرانه ويُمَجِّسانه»(1)، وإذا كان أبواه مؤمنَين فإن البيئة المحيطة والمجتمع قادران على أن يسلبوا الأبوين أو المربين السلطة والسيطرة على تربيته؛ لذا فإننا نستطيع أن نقول أن المجتمع يمكن أن يهوِّده أو ينصِّره أو يمجِّسه إن لم يتخذ الوالدان الإجراءات والاحتياطات اللازمة قبل فوات الأوان، وإذا أردنا أن نبدأ من البداية فإن رأس الأمر وذروة سنام الدين وعماده هو الصلاة؛ فبها يقام الدين، وبدونها يُهدم والعياذ بالله.

وأولادنا في رعايتنا، ونحن محاسبون عنهم يوم القيامة.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية، أو علم يُنْتَفَعُ به، أو ولد صالح يدعو له» (2).

وخير كسب الرجل ولده؛ لأنه صدقة جارية؛ لأن ولد الإنسان وولد ولده، وذرية أولاده من بعده إلى يوم القيامة، في صحيفته يوم القيامة، يقول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور:21]، ألحقنا بهم أعمال ذريتهم إلى يوم القيامة.

الولد الصالح أعظم الأعمال:

ما من تجارة أربح عند الله عز وجل من أن تؤدب ولدك، وأن تنميَ فيه الإيمان؛ بل يكاد يكون أعظم الأعمال عند الله قاطبةً أن يكون لك ولد صالح ينفع الناس من بعدك؛ ولذا كان الإمام عمر رضي الله عنه يقول: «والله، إني لأقوم إلى زوجتي وما بي من شهوة، إلا ابتغاء ولد صالح ينفع الناس من بعدي».

فأولاد المرء المسلم زاده إلى الجنة، وطريقه إلى الجنة.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أراد الله بأهل بيت خيرًا أدخل عليهم الرفق» (3)، وفي حديث آخر: «إِنَّ الرفق لا يكون في شيء إِلا زانه، ولا يُنْزَعُ من شيء إلا شانه» (4).

أن تربي ابنك على عقيدة سليمة، وعلى عبادة متقنة، وعلى أخلاق كريمة، وأن يكون عنصرًا نافعًا في المجتمع، هذا أعظم عمل يقوم به الأب؛ بل إن رسالة الأب لا تزيد على ذلك، والآية الكريمة واضحة، وهي قطعية الدلالة: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه:132]، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: «وجُعِلَت قُرَّةُ عيني في الصلاة» (5).

وفي حديث آخر: «رأس الأمر الإِسلام، وعموده الصلاة» (6).

ووصية النبي عليه الصلاة والسلام عند انتقاله إلى الرفيق الأعلى: «الصلاةَ وما ملكت أيمانكم» (7).

وسيدنا عمر حينما طعن نطق بكلمتين قال: هل صلى المسلمون الفجر؟

لماذا يجب علينا تعليمهم الصلاة؟

أولًا: لأنه أمرٌ من الله تعالى، وطاعة أوامره هي خلاصة إسلامنا، ولعل هذه الخلاصة هي الاستسلام التام لأوامره، واجتناب نواهيه سبحانه؛ ألم يقُل عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6]؟ ثم ألَم يقل جل شأنه: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:132].

ثانيًا: لأن الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم أمرنا بهذا أيضًا في حديث واضح وصريح؛ يقول فيه: «مُروا أولادكم بالصلاة لسبع سنين، واضربوهم عليها لعشر» (8).

ثالثًا: لتبرأ ذمم الآباء أمام الله عز وجل، ويخرجون من دائرة الإثم، فقد قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: «من كان عنده صغير مملوك أو يتيم أو ولد فلم يأمُره بالصلاة فإنه يعاقب الكبير إذا لم يأمر الصغير، ويُعَزَّر الكبير على ذلك تعزيرًا بليغًا؛ لأنه عصى اللهَ ورسوله» (9).

رابعًا: لأن الصلاة هي الصلة بين العبد وربه، وإذا كنا نخاف على أولادنا بعد مماتنا من الشرور والأمراض المختلفة، ونسعى لتأمين حياتهم من شتى الجوانب، فكيف نأمن عليهم وهم غير موصولين بالله عز وجل؟! بل كيف تكون راحة قلوبنا وقُرَّة عيوننا إذا رأيناهم موصولين به تعالى، متكلين عليه، معتزين به؟!

خامسًا: وإذا كنا نشفق عليهم من مصائب الدنيا، فكيف لا نشفق عليهم من نار جهنم؟!! أم كيف نتركهم ليكونوا، والعياذ بالله، من أهل سَقَر، التي لا تُبقي ولا تَذَر؟!

سادسًا: لأن الصلاة نور، ولنستمع، بقلوبنا قبل آذاننا، إلى قول النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: «وجُعلت قرة عيني في الصلاة»، وقوله: «رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة»، وأنها أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة من عمله.

سابعًا: لأن أولادنا أمانة وهبنا الله تعالى إياها، وكم نتمنى جميعًا أن يكونوا صالحين، وأن يوفقهم الله تعالى في حياتهم، دينيًا ودنيويًا.

ثامنًا: لأن أولادنا هم الرعية التي استرعانا الله تعالى؛ لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم: «كُلُّكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته» (10)، ولأننا سوف نُسأل عنهم حين نقف بين يدي الله عز وجل. 

تاسعًا: لأن الصلاة تُخرج أولادنا إذا شبّوا وكبروا عن دائرة الكفار والمنافقين، كما قال صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر» (11)، كيف نتحمل مشقة هذا السعي؟ إن هذا الأمر ليس بالهين؛ لأنك تتعامل مع نفس بشرية، وليس مع عجينة، كما يقال، أو صلصال؛ والمثل الإنجليزي يقول: إذا استطعت أن تُجبر الفرس على أن يصل إلى النهر فلن تستطيع أبدًا أن ترغمه على أن يشرب!، فالأمر فيه مشقة ونصب وتعب؛ بل هو جهاد في الحقيقة.

ولعل فيما يلي ما يعين على تحمل هذه المشقة، ومواصلة ذلك الجهاد، وكلما بدأنا مبكِّرين كان هذا الأمر أسهل.

أ- يعد الاهتمام جيدًا بالطفل الأول استثمارًا لما بعد ذلك؛ لأن إخوته الصغار يعتبرونه قدوتهم، وهو أقرب إليهم من الأبوين؛ لذا فإنهم يقلدونه تمامًا كالببغاء!

ب- احتساب الأجر والثواب من الله تعالى؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من دعا إلى هُدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص من أجورهم شيئًا» (12).

ج- لتكن نيتنا الرئيسية هي ابتغاء مرضاة الله تعالى؛ حيث قال: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:69]؛ فكلما فترت العزائم عُدنا فاستبشرنا وابتهجنا؛ لأننا في خير طريق. 

د- الصبر والمصابرة، امتثالًا لأمر الله تعالى، {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ} [طه:132]؛ فلا يكون شغلنا الشاغل هو توفير القوت والرزق، ولتكن الأولوية للدعوة إلى الصلاة، وعبادة الله عز وجل، فهو المدبر للأرزاق {إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:58]، ولنتذكر أن ابن آدم لا يموت قبل أن يستوفي أجله ورزقه، ولتطمئن نفوسنا لأن الرزق يجري وراء ابن آدم، كالموت تمامًا، ولو هرب منه لطارده الرزق؛ بعكس ما نتصور!!

ه- التضرع إلى الله جل وعلا بالدعاء: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} [إبراهيم:40]، والاستعانة به عز وجل؛ لأننا لن نبلغ الآمال بمجهودنا وسعينا؛ بل بتوفيقه تعالى؛ فلنلح في الدعاء ولا نيأس؛ فقد أمرنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قائلًا: «ألِظّوا [أي: أَلِحّوا] بيا ذا الجلال والإكرام»، والمقصود هو الإلحاح في الدعاء بهذا الاسم من أسماء الله الحسنى، وإذا كان الدعاء بأسماء الله الحسنى سريع الإجابة، فإن أسرعها في الإجابة يكون، إن شاء الله تعالى، هو هذا الاسم: «ذو الجلال [أي: العظمة] والإكرام»؛ أي: الكرم والعطاء(13).

و- عدم اليأس أبدًا من رحمة الله، ولنتذكر أن رحمته وفرجه يأتيان من حيث لا ندري، فإذا كان موسى عليه السلام قد استسقى لقومه، ناظرًا إلى السماء الخالية من السحب، فإن الله تعالى قد قال له: {اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا} [البقرة:60]، وإذا كان زكريا قد أوتي الولد وهو طاعن في السن وامرأته عاقر، وإذا كان الله تعالى قد أغاث مريم وهي مظلومة مقهورة، لا حول لها ولا قوة، وجعل لها فرجًا ومخرجًا من أمرها بمعجزة نطق عيسى عليه السلام في المهد، فليكن لديك اليقين بأن الله عز وجل سوف يأْجُرك على جهادك، وأنه بقدرته سوف يرسل لابنك من يكون السبب في هدايته، أو يوقعه في ظرف أو موقف معين يكون السبب في قربه من الله عز وجل، فما عليك إلا الاجتهاد، ثم الثقة في الله تعالى وليس في مجهودك(14).

مراحل التربية على الصلاة:

أولًا: تعويد الطفل على الصلاة:

تعويد الطفل على الصلاة له شأن كبير في مستقبله الإيماني، والطفولة بالتأكيد ليست مرحلة التكليف، إنما هي مرحلة إعداد وتعويد، وصولًا إلى مرحلة التكليف، فينبغي تعويده بما يلي:

(1) الوقوف مع المصلين:

في الطفولة المبكرة، في بداية وعي الطفل، يطلب الأب أو الأم من ابنهما أن يقف بجوارهما في الصلاة وقوفًا فقط.

لا بد أن تقوم التربية في البيت عن طريق المحاكاة والقدوة والتلقين، ذلك أن الطفل ينشأ فيعمل ما يعلمه أبواه، فإذا كانا يقيمان الصلاة فعل مثلهما، وانطبعت في ذهنه تلك الصورة وتأثر بها مدى الحياة.

في بداية الوعي، حبذا لو تدعو ابنك أن يقف إلى جوارك في الصلاة، ولو سبقك في الركوع، ولو وقف ركعة واحدة، وانصرف من الصلاة، ينبغي أن تبدأ بتعويده أن يقف في الصلاة.

وما الذي يمنع أن تصحبه معك إلى المسجد، وأن تراقب وضعه في المسجد، وأن يكون إلى جنبك في المسجد، ليألف بيوت الله عز وجل، وليألف إقامة هذه الفريضة.

فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قضى أحدكم الصلاةَ في مسجده، فليجعل لبيته نصيبًا من صلاته، فإن الله جاعِل في بيته من صلاته خيرًا» (15).

من السنة أن تصلي الفريضة في المسجد، وأن تصلي السنن في البيت؛ لئلا يكون البيت قبرًا، تصلي الفريضة في المسجد، وتصلي ركعتي السنة والوتر في البيت؛ ليكون البيت زاخرًا بصلاة تلفت نظر الصغار.

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم، ولا تتخذوها قبورًا» (16).

وحينما يرى الطفل الصغير والده ووالدته يصليان في البيت يقلدهم بحكم الفطرة التي فطر عليها.

2) تعلُّم الأحكام البسيطة عن الصلاة:

في مرحلة ما قبل السابعة ينبغي أن تعلمه بعض أحكام الطهارة البسيطة: عن أهمية التحرز من النجاسة، والاستنجاء، وآداب قضاء الحاجة، وضرورة المحافظة على نظافة الجسم والملابس، مع شرح علاقة الصلاة بالطهارة، معلومات بسيطة جدًا مجتزأة، الأساسيات فقط، تعليم لطيف رقيق، فيه رقة، وفيه حنان.

ثم أن تُعَلِّم الطفل قبل السابعة الفاتحة، وبعض قصار السور استعدادًا للصلاة، وأن تعلمه الوضوء، وأن تدربه عليه عمليًا، كما كان الصحابة الكرام رضوان الله عليهم يفعلون مع أبنائهم.

وقبيل السابعة نبدأ بتعليمه الصلاة، ونشجعه على أن يصلي فرضًا واحدًا في النهار أو أكثر، ولا سيما أن يكون الفرض صلاة الصبح قبل ذهابه إلى الروضة.

ولا نطالبه بالفرائض كلها جملة واحدة حتى سن السابعة، ونذكّر الآباء أن يصطحبوا أولادهم إلى صلاة الجمعة بعد أن يعلموهم آداب الجلوس في المسجد، هذا أيضًا مهم جدًا.

(3) التعويد على المواظبة على الصلاة:

أما مرحلة ما بعد السابعة إلى العاشرة فيأتي دور الحديث الشريف: عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مُرُوا أولادَكم بالصلاة وهم أَبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرِّقُوا بينهم في المضاجع» (17).

ينبغي أن نعلِّم الطفل هذا الحديث، حتى يعرف أنه قد بدأ بمرحلة المواظبة على الصلاة؛ ولهذا ينصح بعض المربين أن يكون يوم بلوغ الصبي سن السابعة حدثًا كبيرًا وفريدًا في حياته.

ويطلب من الطفل الصلاةُ باللين والرفق، والحب والرحمة من دون عنف، ومن دون ضرب قبل العاشرة، هذا من نصيحة رسول الله صلى الله عليه وسلم، في هذه المرحلة.

بعد سن السابعة ينبغي أن يتعلم أحكام الطهارة الكاملة، وينبغي أن يتعلم صفة صلاة النبي عليه الصلاة والسلام، وبعض الأدعية الخاصة بالصلاة، وأن نحثه على الخشوع، وحضور القلب، وقلة الحركة في الصلاة، وأن نذكره بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه صلى ركعتين فخففهما، فقال له عبد الرحمن: «يا أبا اليقظان، أراك قد خففتهما؟»، فقال: «إني بادرت بها الوسواس، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الرجل ليصلي الصلاة ولعله لا يكون له منها إلا عشرها، أو تسعها، أو ثمنها، أو سبعها، أو سدسها، حتى أتى على العدد)»(18).

حينما نعلِّم الصغير أن هذه الصلاة المفروضة إن لم يتقنها المصلي فإنه يكتب له منها العشر، أو الربع، أو الخمس، وهكذا، فإنه سيتقنها.

4) التلويح بالعقاب على ترك الصلاة:

وينبغي أن نكرر أمام الصغير قبل سن العاشرة أنه بعد سن العاشرة يحاسب على ترك الصلاة، ويؤدَّب على ترك الصلاة، ويعاقب على ترك الصلاة، من أجل أن يكون هذا الحديث الشريف رادعًا له، وباعثًا له على متابعة الصلاة.

هناك أب يضرب ابنه ضربًا مبرحًا إن لم يصلِّ، وهناك أب يكافئ ابنه بمكافأة مادية مع كل صلاة يؤديها في وقتها، وفرق كبير بين أسلوب الترغيب وأسلوب الترهيب، وأسلوب الترغيب لعله أجدى مع الصغار من أسلوب الترهيب.

بعد سن العاشرة لا بد من أن يتابع الأب ابنه على أداء الصلوات كلها، وأن يهدده بالمعاقبة والتأديب، وأن يلقي في روعه أن هذه الصلاة فريضة، وأن تركها معصية كبيرة.

أيها الإخوة الكرام، قال تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:32].

(5) تعليم الكفارة عن ترك الصلاة:

من لوازم هذه المرحلة أنه إذا فاته فرض صلاة ينبغي أن توجهه إلى عمل صالح، إلى خدمة، إلى صيام، إلى صدقة من دخْلِهِ المتواضع، كي يرمم هذه الفريضة التي فاتته، تطبيقًا لقول النبي عليه الصلاة والسلام: «وأتبعِ السيئةَ الحسنةَ تمحُها» (19).

الله عز وجل يقول على لسان سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} [إبراهيم:40].

والله عز وجل يعلمنا الدعاء فيقول: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان:74].

(6) إيقاظ الحس إلى أهمية الصلاة:

من وسائل إيقاظ الحس بالصلاة لدى الأولاد أن يسمعوا المواعيد جميعها مرتبطة بأوقات الصلاة، نتقابل بعد صلاة العصر، سنحضر لزيارتكم بعد صلاة المغرب.

حينما يربط الأب مواعيده ومواعيد أسرته مع فروض الصلاة، هذا يلقي في حس الصبي أن الصلاة شيء كبير جدًا، ومهم جدًا في حياة المسلم.

إذا كنت في سفر ينبغي أن تعلمه صلاة القصر والجمع، وأن هذه رخصة، وأن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه.

وعلى الأب أن يعلم ابنه بالتدريج النوافل؛ صلاة الضحى، صلاة الليل، صلاة الحاجة، صلاة الشكر، هذا أيضًا يُغرَس في الابن غرسًا في سن مبكرة.

وعلم ابنك الشجاعة من أجل أن يدعو زملاءه إلى الصلاة، لو كانوا في نزهة علمه أن يكون شجاعًا، لو قلت لهم: تعالوا لنصلي الظهر، هذا أيضًا يأتي بالتعليم، وعلم ابنك أيضًا ألا يجد حرجًا في إنهاء مكالمة أو في إنهاء حديث من أجل صلاة الجماعة في المسجد، اجعل الصلاة أهم شيء في حياته.

(7) التبكير إلى الجماعات والمساجد:

حينما تأخذ ابنك إلى المسجد يوم الجمعة في وقت مبكر تغرس فيه هذه العادة حتى الموت.

حينما يعتني الأب بصلاة الفجر، وحينما يعتني بصلاة الجمعة، وأن يبكر إليها، يغرس في طفله هذا التبكير، أما الأب حينما يأتي إلى المسجد وابنه معه قبل انتهاء الخطبة فهو، دون أن يشعر، رسخ فيه إهمال حضور الخطبة.

حينما تحرص، أيها الأب، أن يحضر أولادك صلاة العيدين، وصلاة الاستسقاء، يتعلق ذلك في كيانهم، وتصبح صلاة العيدين، وربما صلاة الجنازة، شيئًا من كيانهم ومن حياتهم، وحينما تكافئ ابنك مكافأة معنوية بالثناء عليه، ومكافأة مادية بشيء يحبه على أداء الصلوات بانتظام، وحينما يكون هناك اتصال بين المدرسة وبين البيت، وحينما يسأل القائمون في المدرسة عن صلاة الابن في البيت، هذا أيضًا يدعوه إلى أن يوقظ حسه لأداء الصلوات.

(8) تعليم القرآن والأدعية والأذكار:

وحينما يعلم الصغير ترديد أذكار اليوم والليلة، ويعرف أن الله سبحانه وتعالى يقول: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت:45].

هذه الأدعية والأذكار أدعية ما بعد الصلاة، أدعية ما قبل الصلاة، الأدعية المرافقة للأذان، هذه تسري في كيانه، وتصبح مألوفة عنده.

وحينما تدعوه إلى حفظ القرآن الكريم في سن مبكر، والتعليم في الصغر، كما يقال، كالنقش في الحجر، هذه فرصة ذهبية كي تدعو ابنك إلى حفظ القرآن، وحينما تذكر له هذا الحديث الشريف: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فيقول القرآن: يا رب، حلِّه، فيلبس تاج الكرامة، ثم يقول: يا رب، زده، يا رب، ارضَ عنه، فيرضى عنه، ويقال له: اقْرَه وارقه، ويزداد بكل آية حسنة» (20).

حينما تعلم ابنك مقام حافظ القرآن، مقام الذي يتلو القرآن، مقام الذي يتعلم القرآن، مقام الذي يُعلم القرآن، تغرس فيه همة لحفظ القرآن.

(9) الاستعانة بالوسائل التربوية:

حينما ترسم لولدك جدولًا لأداء الصلوات، ويضع إشارة في كل مربع أدى فيه الصلاة، وحينما تقدم له برنامجًا على كمبيوتره متعلقًا بأداء الصلاة، وبأصول الوضوء والصلاة، وحينما تردد أمامه مع المؤذن حين يقول: حي على الفلاح، حي على الفلاح، تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، وحينما تردد معه كلمة التوحيد، وكلمة الشهادة أمامه؛ هذا كله يرسخ في أعماقه.

وحينما تعلمه دعاء الخروج من المنزل لأداء الصلوات، وحينما تعلمه دعاء الدخول إلى المسجد ودعاء الخروج منه، وحينما تعلمه دعاء قضاء الحاجة، هذا كله ينفعه في حياته مستقبلًا، وحينما تحذره أن هذا الذي يصلي كنقر الغراب يسرق من صلاته، فعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته»، قالوا: «يا رسول الله، كيف يسرق من صلاته؟»، قال: «لا يتم ركوعها ولا سجودها، أو لا يقيم صلبه في الركوع ولا في السجود» (21).

تغرس فيه روح الأمانة على الصلاة.

(10) الرفق والتشجيع والترغيب:

عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا مَن في الأرض يرحمكم من في السماء» (22).

كل من يوجه الصغار عليه أن يجتنب كثرة الأوامر، عليه أن يثيب الطفل على السلوك الطيب بجوائز معنوية؛ كإظهار الرضا، أو أن يثيبه على أعماله الصالحة بجوائز مادية.

في حال وقوع الطفل في خطأ ينبغي أن يقول له: هذا الفعل خطأ، دون أن يقول: إنك أخطأت، تلطف معه، بيّن له الحقيقة، إذا تكرر الخطأ مرات عديدة يمكن أن يحرمه من بعض ما يحب، فهذا من أجل التحفيز على متابعة الصلاة.

موضوع تربية الولد على الصلاة: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه:132]، أمر إلهي، وكل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب.

عرفوا أولادكم قبل أن يصلوا بين يدي مَن يقفون، ومن يناجون، علموهم أن الصلاة لله وحده، لا إرضاءً لزيد أو عبيد.

علموهم أنهم إذا طهروا أرزاقهم، وإذا أطعمهم الأب مالًا حلالًا كان عونًا لهم على الخشوع في الصلاة.

علموهم أنهم إذا قرأوا القرآن، وأحسنوا تلاوته رضي الله عنهم، وأكرمهم في الدنيا والآخرة.

هذه بعض التوجيهات المتعلقة بقوله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}، هذا أمر إلهي، وكل أمر إلهي يقتضي الوجوب (23).

لماذا الترغيب وليس الترهيب؟

لأن الله تعالى قال في كتابه الكريم: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل:125].

لأن الرسول الكريم صلى الله تعالى عليه وسلم قال: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه» (24)؛ لأن الهدف الرئيس لنا هو أن نجعلهم يحبون الصلاة؛ والترهيب لا تكون نتيجته إلا البغض، فإذا أحبوا الصلاة تسرب حبها إلى عقولهم وقلوبهم، وجرى مع دماءهم، فلا يستطيعون الاستغناء عنها طوال حياتهم؛ والعكس صحيح.

لأن الترهيب يخلق في نفوسهم الصغيرة خوفًا، وإذا خافوا منَّا فلن يُصلُّوا إلا أمامنا وفي وجودنا، وهذا يتنافى مع تعليمهم تقوى الله تعالى وخشيته في السر والعلَن، ولن تكون نتيجة ذلك الخوف إلا العُقد النفسية، ومن ثَمَّ السير في طريق مسدود.

لأن الترهيب لا يجعلهم قادرين على تنفيذ ما نطلبه منهم؛ بل يجعلهم يبحثون عن طريقة لرد اعتبارهم، وتذكَّر أن المُحِب لمَن يُحب مطيع.

لأن المقصود هو استمرارهم في إقامة الصلاة طوال حياتهم، وعلاقة قائمة على البغض والخوف والنفور لا يُكتب لها الاستمرار بأي حال من الأحوال.

كيف نرغِّب أطفالنا في الصلاة؟

منذ البداية يجب أن يكون هناك اتفاق بين الوالدين، أو مَن يقوم برعاية الطفل، على سياسة واضحة ومحددة وثابتة؛ حتى لا يحدث تشتت للطفل؛ وبالتالي ضياع كل الجهود المبذولة هباءً.

ويلاحظ أن تنفيذ سياسة التدريب على الصلاة يكون بالتدريج، فيبدأ الطفل بصلاة الصبح يوميًا، ثم الصبح والظهر، وهكذا حتى يتعود بالتدريج إتمام الصلوات الخمس، وذلك في أي وقت، وعندما يتعود على ذلك يتم تدريبه على صلاتها في أول الوقت، وبعد أن يتعود ذلك ندربه على السنن، كلٌ حسب استطاعته وتجاوبه.

ويمكن استخدام التحفيز لذلك، فنكافئه بشتى أنواع المكافآت، وليس بالضرورة أن تكون المكافأة مالًا، بأن نعطيه مكافأة إذا صلى الخمس فروض ولو قضاء، ثم مكافأة على الفروض الخمس إذا صلاها في وقتها، ثم مكافأة إذا صلى الفروض الخمس في أول الوقت.

ويجب أن نعلمه أن السعي إلى الصلاة سعي إلى الجنة، ويمكن استجلاب الخير الموجود بداخله بأن نقول له: أكاد أراك، يا حبيبي، تطير بجناحين في الجنة، أو أنا متيقنة من أن الله تعالى راض عنك ويحبك كثيرًا؛ لما تبذله من جهد لأداء الصلاة، أو: حلمت أنك تلعب مع الصبيان في الجنة والرسول صلى الله عليه وسلم يلعب معكم بعد أن صليتم جماعة معه، وهكذا.

إذا حدث ومرض الصغير فيجب أن نعوِّده على أداء الصلاة قدر استطاعته؛ حتى ينشأ ويعلم ويتعود أنه لا عذر له في ترك الصلاة، حتى لو كان مريضًا، وإذا كنت في سفر فيجب تعليمه رخصة القصر والجمع، ولفت نظره إلى نعمة الله تعالى في الرخصة، وأن الإسلام تشريع مملوء بالرحمة.

اغرس في طفلك الشجاعة في دعوة زملائه للصلاة، وعدم الشعور بالحرج من إنهاء مكالمة تليفونية أو حديث مع شخص، أو غير ذلك من أجل أن يلحق بالصلاة جماعة بالمسجد، وأيضًا اغرس فيه ألا يسخر من زملائه الذين يهملون أداء الصلاة؛ بل يدعوهم إلى هذا الخير، ويحمد الله الذي هداه لهذا.

يجب أن نتدرج في تعليم الأولاد النوافل بعد ثباته على الفروض، ولنستخدم كل الوسائل المباحة شرعًا لنغرس الصلاة في نفوسهم، ومن ذلك:

* المسطرة المرسوم عليها كيفية الوضوء والصلاة.

* تعليمهم الحساب وجدول الضرب بربطهما بالصلاة؛ مثل: رجل صلى ركعتين، ثم صلى الظهر أربع ركعات، فكم ركعة صلاها؟ ... وهكذا، وإذا كان كبيرًا، فمن الأمثلة: رجل بين بيته والمسجد 500 متر وهو يقطع في الخطوة الواحدة 40 سنتيمتر، فكم خطوة يخطوها حتى يصل إلى المسجد في الذهاب والعودة؟ وإذا علمت أن الله تعالى يعطي عشر حسنات على كل خطوة، فكم حسنة يحصل عليها؟

* أشرطة الفيديو والكاسيت التي تعلِّم الوضوء والصلاة، وغير ذلك مما أباحه الله سبحانه.

ولنتذكر أن المواظبة على الصلاة مثل أي سلوك نود أن نكسبه لأطفالنا، ولكننا نتعامل مع الصلاة بحساسية نتيجة لبعدها الديني، مع أن الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم حين وجهنا لتعليم أولادنا الصلاة راعى هذا الموضوع وقال: «علموا أولادكم الصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر»، فكلمة (علموهم) تتحدث عن خطوات مخططة لفترة زمنية قدرها ثلاث سنوات؛ حتى يكتسب الطفل هذه العادة، ثم يبدأ الحساب عليها، ويدخل العقاب كوسيلة من وسائل التربية في نظام اكتساب السلوك، فعامل الوقت مهم في اكتساب السلوك، ولا يجب أن نغفله حين نحاول أن نكسبهم أي سلوك، فمجرد التوجيه لا يكفي.

والأمر يحتاج إلى تخطيط وخطوات، وزمن كاف للوصول إلى الهدف، كما أن الدافع إلى إكساب السلوك من الأمور الهامة، وحتى يتكون فإنه يحتاج إلى بداية مبكرة، وإلى تراكم القيم والمعاني التي تصل إلى الطفل؛ حتى يكون لديه الدافع النابع من داخله، نحو اكتساب السلوك الذي نود أن نكسبه إياه، أما إذا تأخَّر الوالدان في تعويده الصلاة إلى سن العاشرة، فإنهما يحتاجان إلى وقت أطول مما لو بدءا مبكرين؛ حيث إن طبيعة التكوين النفسي والعقلي لطفل العاشرة يحتاج إلى مجهود أكبر مما يحتاجه طفل السابعة، من أجل اكتساب السلوك نفسه، فالأمر في هذه الحالة يحتاج إلى صبر وهدوء وحكمة وليس عصبية وتوتر.

يحتاج الطفل منا أن نتفهم مشاعره، ونشعر بمشاكله وهمومه، ونعينه على حلها، فلا يرى منا أن كل اهتمامنا هو صلاته وليس الطفل نفسه، فهو يفكر كثيرًا بالعالم حوله، وبالتغيرات التي بدأ يسمع أنها ستحدث له بعد عام أو عامين، ويكون للعب أهميته الكبيرة لديه؛ لذلك فهو يسهو عن الصلاة ويعاند لأنها أمر مفروض عليه، ويسبب له ضغطًا نفسيًا، فلا يجب أن نصل بإلحاحنا عليه إلى أن يتوقع منا أن نسأله عن الصلاة كلما وقعت عليه أعيننا!!

ولنتذكر أنه لا يزال تحت سن التكليف، وأن الأمر بالصلاة في هذه السن للتدريب فقط، وللاعتياد لا غير!! لذلك فإن سؤالنا عن مشكلة تحزنه، أو همٍّ، أو خوف يصيبه سوف يقربنا إليه ويوثِّق علاقتنا به، فتزداد ثقته في أننا سنده الأمين، وصدره الواسع الدافئ، فإذا ما ركن إلينا ضمنَّا فيما بعد استجابته التدريجية للصلاة والعبادات الأخرى، والحجاب.

وفيما يلي برنامج متدرج؛ لأن أسلوب الحث والدفع في التوجيه لن يؤدي إلا إلى الرفض والبعد، فكما يقولون: إن لكل فعل رد فعل، مساوٍ له في المقدار ومضادٍّ له في الاتجاه.

هذا البرنامج قد يستغرق ثلاثة أشهر، وربما أقل أو أكثر، حسب توفيق الله تعالى وقدره.

المرحلة الأولى: وتستغرق ثلاثة أسابيع أو أكثر، ويجب فيها التوقف عن الحديث في هذا الموضوع (الصلاة) تمامًا، فلا نتحدث عنه من قريب أو بعيد، ولو حتى بتلميح، مهما بعد، فالأمر يشبه إعطاء الأولاد الدواء الذي يصفه لهم الطبيب، ولكننا نعطيه لهم رغم عدم درايتنا الكاملة بمكوناته وتأثيراته، ولكننا تعلمنا من الرسول صلى الله عليه وسلم أن لكل داء دواء، فالطفل يصاب بالتمرد والعناد في فترة المراهقة، كما يصاب بالبرد أغلبية الأطفال في الشتاء.

وتذكر، أيها المربي، أنك تربي ضميرًا، وتعالج موضوعًا إذا لم يُعالج في هذه المرحلة فالله سبحانه وتعالى وحده هو الذي يعلم إلى أين سينتهي، فلا مناص من الصبر، وحسن التوكل على الله تعالى، وجميل الثقة به سبحانه.

ونعود مرة أخرى إلى العلاج، ألا وهو التوقف لمدة لا تقل عن ثلاثة أسابيع عن الخوض في موضوع الصلاة، والهدف من التوقف هو أن ينسى الابن أو الابنة رغبتنا في حثه على الصلاة، حتى يفصل بين الحديث في هذا الأمر وعلاقتنا به أو بها؛ لنصل بهذه العلاقة إلى مرحلة يشعر فيها بالراحة، وكأنه ليس هناك أي موضوع خلافي بيننا وبينه، فيستعيد الثقة في علاقتنا به، وأننا نحبه لشخصه، وأن الرفض هو للفعال السيئة، وليس لشخصه.

فالتوتر الحاصل في علاقته بالوالدين، بسبب اختلافهما معه، أحاطهما بسياج شائك، يؤذيه كلما حاول الاقتراب منهما أو حاول الوالدان الاقتراب منه بنصحه، حتى أصبح يحس بالأذى النفسي كلما حاول الكلام معهما، وما نريد فعله في هذه المرحلة هو محاولة نزع هذا السياج الشائك، الذي أصبح يفصل بينه وبين والديه.

المرحلة الثانية: هي مرحلة الفعل الصامت، وتستغرق من ثلاثة أسابيع إلى شهر، في هذه المرحلة لن توجه إليه أي نوع من أنواع الكلام، وإنما سنقوم بمجموعة من الفعال المقصودة، فمثلًا تعمد وضع سجادة الصلاة على كرسيه المفضل في غرفة المعيشة مثلًا، أو تعمَّد وضع سجادة الصلاة على سريره أو في أي مكان يفضله بالبيت، ثم يعود الأب لأخذها وهو يفكر بصوت مرتفع: أين سجادة الصلاة؟ أريد أن أصلي، ياه لقد دخل الوقت، يا إلهي كدت أنسى الصلاة، ويمكنك بين الفرض والآخر أن تسأله: حبيبي، كم الساعة؟ هل أذَّن المؤذن؟ كم بقي على الفرض؟ حبيبي، هل تذكر أنني صليت؟ آه لقد أصبحت أنسى هذه الأيام، لكن يا إلهي، إلا هذا الأمر...، واستمر على هذا المنوال لمدة ثلاثة أسابيع أخرى أو أسبوعين حتى تشعر أن الولد قد ارتاح، ونسي الضغط الذي كنت تمارسه عليه، وساعتها يمكنك الدخول في المرحلة الثالثة.

المرحلة الثالثة: قم بدعوته بشكل متقطِّع، حتى يبدو الأمر طبيعيًا وتلقائيًا للخروج معك، ومشاركتك بعض الدروس بدعوى أنك تريد مصاحبته، وليس دعوته لحضور الدرس، بقولك: حبيبي، أنا متعب وأشعر بشيء من الكسل، ولكِنِّي أريد الذهاب لحضور هذا الدرس، تعال معي، أريد أن أستعين بك، وأستند عليك، فإذا رفض لا تعلق ولا تُعِد عليه الطلب، وأعِد المحاولة في مرة ثانية.

ويتوازى مع هذا الأمر أن تشاركه في كل ما تصنعه في أمور التزامك من أول الأمر، وأن تسعى لتقريب العلاقة وتحقيق الاندماج بينكما من خلال طلب رأيه ومشورته بمنتهى الحب والتفاهم، كأن تقول الأم لابنتها: حبيبتي، تعالي، ما رأيك في هذا الحجاب الجديد، ما رأيك في هذه الربطة؟ كل هذا وأنت تقفين أمام المرآة، وحين تستعدين للخروج، مثلًا، تقولين لها: تعالى اسمعي معي هذا الشريط، ما رأيك فيه؟

سأحكي لك ما دار في الدرس هذا اليوم، ثم تأخذين رأيها فيه، وهكذا بدون قصد أوصليها بالطاعات التي تفعلينها أنت.

اترك ابنك أو ابنتك يتحدثون عن أنفسهم، وعن رأيهم في الدروس التي نحكي لهم عنها، بكل حرية وبإنصات جيد منا، ولنتركهم حتى يبدءوا بالسؤال عن الدين وعن أموره (25).

ويجب أن نلفت النظر إلى أمور مهمة جدًا:

يجب ألا نتعجل الدخول في مرحلة دون نجاح المرحلة السابقة عليها تمامًا، فالهدف الأساسي من كل هذا هو نزع فتيل التوتر الحاصل في علاقتكما، وإعادة وصل الصلة التي انقطعت بين أولادنا وبين أمور الدين، فهذا الأمر يشبه تمامًا المضادات الحيوية التي يجب أن تُؤخذ جرعته بانتظام وحتى نهايتها، فإذا تعجلت الأمر وأصدرت للولد أو البنت ولو أمرًا واحدًا خلال الثلاثة أسابيع فيجب أن تتوقف وتبدأ العلاج من البداية.

لا يجب أن نتحدث في موضوع الصلاة أبدًا في هذا الوقت؛ فهو أمر يجب أن يصل إليه الابن عن قناعة تامة، وإذا نجحنا في كل ما سبق، وسننجح بإذن الله، فنحن قد ربينا نبتة طيبة حسب ما نذكر، كما أننا ملتزمون، وعلى خلق؛ لذلك فسيأتي اليوم الذي يقومون هم بإقامة الصلاة بأنفسهم؛ بل قد يأتي اليوم الذي نشتكي فيه من إطالتهم للصلاة وتعطيلنا عن الخروج مثلًا!

لا يجب أن نعلق على تقصيره في الصلاة إلا في أضيق الحدود، ولنتجاوز عن بعض الخطأ في أداء الحركات أو عدم الخشوع مثلًا.

ولنَقصُر الاعتراض واستخدام سلطتنا على الأخطاء التي لا يمكن التجاوز عنها؛ كالصلاة بدون وضوء مثلًا.

استعن بالله تعالى دائمًا، ولا تحزن وادع دائمًا لابنك وابنتك ولا تدع عليهم أبدًا، وتذكر أن المرء قد يحتاج إلى وقت، لكنه سينتهي بسلام إن شاء الله، فالأبناء في هذه السن ينسون ويتغيرون بسرعة، خاصة إذا تفهمنا طبيعة المرحلة التي يمرون بها، وتعامَلنا معهم بمنتهى الهدوء والتقبل وسعة الصدر والحب.

أطفالنا والمساجد:

كما لا يمكننا أن نتخيل أن تنمو النبتة بلا جذور، كذلك لا يمكن أن نتوقع النمو العقلي والجسمي للطفل بلا حراك أو نشاط؛ إذ لا يمكنه أن يتعرف على الحياة وأسرارها، واكتشاف عالمه الذي يعيش في أحضانه، إلا عن طريق التجول والسير في جوانبه، وتفحص كل مادي ومعنوي يحتويه، وحيث إن الله تعالى قد خلق فينا حب الاستطلاع، والميل إلى التحليل والتركيب كوسيلة لإدراك كنه هذا الكون، فإن هذه الميول تكون على أشُدِّها عند الطفل؛ لذلك فلا يجب أن نمنع الطفل من دخول المسجد حرصًا على راحة المصلين، أو حفاظًا على استمرارية الهدوء في المسجد، ولكننا أيضًا يجب ألا نطلق لهم الحبل على الغارب دون أن نوضح لهم آداب المسجد، بطريقة مبسطة يفهمونها، فعن طريق التوضيح للهدف من المسجد وقدسيته، والفرق بينه وبين غيره من الأماكن الأخرى، يقتنع الطفل فيمتنع عن إثارة الضوضاء في المسجد احترامًا له، وليس خوفًا من العقاب...

ويا حبذا لو هناك ساحة واسعة مأمونة حول المسجد ليلعبوا فيها وقت صلاة والديهم بالمسجد، أو لو تم إعطاؤهم بعض الحلوى، أو اللعب البسيطة من وقت لآخر في المسجد؛ لعل ذلك يترك في نفوسهم الصغيرة انطباعًا جميلًا يقربهم إلى المسجد فيما بعد.

فديننا هو دين الوسطية، كما أنه لم يرد به نصوص تمنع اصطحاب الطفل إلى المسجد؛ بل على العكس، فقد ورد الكثير من الأحاديث التي يُستدل منها على جواز إدخال الصبيان (الأطفال) المساجد، من ذلك ما رواه البخاري عن أبي قتادة: خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم وأمامة بنت العاص على عاتقه، فصلى، فإذا ركع وضعها، وإذا رفع رفعها، كما روى البخاري عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إني لأقوم في الصلاة فأريد أن أطيل فيها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوَّز في صلاتي كراهية أن أشُق على أمه»(26)، وكذلك ما رواه البخاري عن عبد الله بن عباس قال: «أقبلت راكبًا على حمار أتان، وأنا يومئذٍ قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار، فمررت بين يدي بعض الصف، فنزلت وأرسلت الأتان ترتع، ودخلت في الصف، فلم يُنكر ذلك عليّ»(27).

وإذا كانت هذه هي الأدلة النقلية التي تهتف بنا قائلة: «دعوا أطفالكم يدخلون المسجد»، وكفى بها أدلة تجعلنا نبادر بالخضوع والاستجابة لهذا النداء، فهناك أدلة تتبادر إلى عقولنا مؤيدة تلك القضية، فدخول أطفالنا المسجد يترتب عليه تحقيق الكثير من الأهداف الدينية، والتربوية، والاجتماعية، وغير ذلك....، فهو ينمي فيهم شعيرة دينية هي الحرص على أداء الصلاة في الجماعة، كما أنها تغرس فيهم حب بيوت الله، وإعمارها بالذكر والصلاة، وهو هدف روحي غاية في الأهمية لكل شخص مسلم.

خير معين بعد بذل الجهد:

لعل أفضل ما نفعله بعد بذل كل ما بوسعنا من جهد، وبالطريقة المناسبة لكل مرحلة عمرية، هو التضرع إلى الله عز وجل بالدعاء، ومن أمثلة ذلك: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} [إبراهيم:40] (28).

***

_________________

(1) أخرجه مسلم (2658).

(2) أخرجه مسلم (1631).

(3) أخرجه أحمد (24427).

(4) أخرجه مسلم (2594).

(5) أخرجه النسائي (3940).

(6) أخرجه الترمذي (2616).

(7) أخرجه ابن ماجه (1625).

(8) أخرجه أحمد (6756).

(9) الفتاوى الكبرى، لابن تيمية (2/ 32).

(10) أخرجه البخاري (893)، ومسلم (1829).

(11) أخرجه الترمذي (2621).

(12) أخرجه مسلم (2674).

(13) أخرجه الترمذي (3524).

(14) كيف نحبب الصلاة لأبنائنا؟ أماني زكريا الرمادي، موقع: عالم حواء.

(15) أخرجه مسلم (778).

(16) أخرجه البخاري (432).

(17) أخرجه أبو داود (495).

(18) أخرجه ابن حبان (1889).

(19) أخرجه الترمذي (1987).

(20) أخرجه الحاكم في مستدركه (2029).

(21) أخرجه أحمد (22642).

(22) أخرجه أبو داود (4941).

(23) تربية الأولاد على الصلاة، موقع: موسوعة النابلسي.

(24) أخرجه مسلم (2594).

(25) كيف نحبب الصلاة لأبنائنا؟ موقع: طريق الإسلام.

(26) أخرجه البخاري (707).

(27) أخرجه البخاري (76).

(28) كيف نحبب الصلاة لأبنائنا ابتداءً من الطفولة إلى المراهقة، منتديات: ستار تايمز.