كن لطيفًا مع زوجتك
روى الإمام أحمد والترمذي عن عائشةأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وألطفهم بأهله».
إن من أعظم وسائل امتلاك قلب الزوجة التلطف في معاملتها، فالرفق مع الزوجة يملأ قلبها سعادة، ويدخل عليها السرور، ولا شك أن الزوج الذي يتقي الله عز وجل في زوجته يسعى لأن يكون مصدر سعادةلأهله في الدنيا والآخرة.
ولكن المؤسف حقًا أن ترى الزوج مرحًا ولطيفًا مع أصحابه، فإذا دخل بيته انقلب إلى شخص آخر؛ مقطبًا عابسًا، يغضب لأتفه الأسباب, ويثور لأقل المشكلات وكأنه يتربص بأهله المواقف, وقد يظن بعض الرجال أن هذا من الهيبة أو أنه من لوازم الرجولة, وهو لا يدري أنه بذلك يخالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع أهل بيته, وأنه بذلك يدق مسمارًا في نعش علاقته الزوجية(1).
معنى الملاطفة:
الملاطفة هي الرفق في التعامل، والرقة واللين في الكلام، ومراعاة مشاعر الآخرين، والبعد عن الغلظة والجفاء.
لماذا التلطف مع النساء؟
يجيبنا خير الناس لأهله صلى الله عليه وسلم عندما قال لأنجشة: «ارفق يا أنجشة، ويحك بالقوارير»(2).
فكنى عن ذكر النساء بالقوارير، شبههن بها لرقتهن، وضعفهن عن الحركة، وعليه فسميت النساء قوارير لأنهن أشبهنها بالرقة واللطافة وضعف البنية(3).
فالمرأة مخلوق هشٌّ رقيق أنيق كالقوارير، يحتاج لنوع من اللطف والحرص في التعامل.
مع خير الناس لأهله:
لقد نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في معاملته لأزواجه منهجًا رائعًا، فكان يلاطف ويداعب أزواجه، وكان إذا خلا بنسائه كان ألين الناس، وأكرم الناس، ضحاكًا بسامًا صلوات ربي وسلامه عليه.
هل رأيت كيف كان يعامل الرسول صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وهي الفتاة الحديثة السن؟ كان يعاملها بلطف، فكان يدخل عليها السرور بفعله وعباراته، حتى كان يقوم لها يسترها لتنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد حتى ترضى، وهو صابر لها.
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب، فإما سألت النبي صلى الله عليه وسلم وإما قال: «تشتهين تنظرين؟»، فقلت: نعم، فأقامني وراءه، خدي على خده، وهو يقول: «دونكم يا بني أرفدة»، حتى إذا مللت قال: «حسبك؟» قلت: نعم، قال: «فاذهبي»(4).
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في غاية اللطف في تعامله مع زوجاته، وصفه ابن كثير بقوله: «وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه جميل العشرة، دائم البشر، يداعب أهله، ويتلطف بهم، ويوسعهم نفقته، ويضاحك نساءه، حتى إنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين يتودد إليها بذلك، قالت: سابقني رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقته، وذلك قبل أن أحمل اللحم، ثم سابقته بعد ما حملت اللحم فسبقني، فقال: «هذه بتلك»، ويجتمع نساؤه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها، وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد، يضع عن كتفيه الرداء وينام بالإزار، وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يسمر مع أهله قليلًا قبل أن ينام، يؤانسهم بذلك صلى الله عليه وسلم»(5).
وقال الإمام الذهبي رحمه الله: «وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد اللطف بالنساء»(6).
وها هو صلى الله عليه وسلم من تلطفه ورفقه بأزواجه يراعي ما فُطروا عليه من الغيرة، فعن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام، فضربت التي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها يد الخادم، فسقطت الصحفة فانفلقت، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم فِلَق الصحفة، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة ويقول: «غارت أمكم»، ثم حبس الخادم حتى أُتِي بصحفة من عند التي هو في بيتها، فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كُسِرت صحفتها، وأمسك المكسورة في بيت التي كَسَرت(7).
أبو عثمان النيسابوري:
روى الخطيب البغدادي بسنده إلى أبي عبد الله الحاكم محمد بن نعيم الضبي قال: سمعت أمي تقول: سمعت مريم، امرأة أبي عثمان، تقول: صادفت من أبي عثمان خلوة فاغتنمتها، فقلت: يا أبا عثمان، أي عملك أرجى عندك؟ فقال: يا مريم، لما ترعرعت وأنا بالري، وكانوا يريدونني على التزويج فأمتنع، جاءتني امرأة فقالت: يا أبا عثمان، قد أحببتك حبًا أذهب بنومي وقراري، وأنا أسألك بمقلب القلوب، وأتوسل به إليك أن تزوج بي.
قلت: ألك والد؟ قالت: نعم، فلان الخياط في موضع كذا وكذا.
فراسلت أباها أن يزوجها مني، ففرح بذلك، وأحضرت الشهود فتزوجت بها، فلما دخلت بها وجدتها عوراء، عرجاء، مشوهة الخلق، فقلت: اللهم لك الحمد على ما قدرته لي، وكان أهل بيتي يلومونني على ذلك فأزيدها برًا وإكرامًا، إلى أن صارت بحيث لا تدعني أخرج من عندها، فتركت حضور المجالس إيثارًا لرضاها وحفظًا لقلبها، ثم بقيت معها على هذه الحال خمس عشرة سنة، وكأني في بعض أوقاتي على الجمر، وأنا لا أبدي لها شيئًا من ذلك إلى أن ماتت، فما شيء أرجى عندي من حفظي عليها ما كان في قلبها من جهتي(8).
من صور التلطف مع الزوجة:
صور التلطف مع الزوجة كثيرة، أذكر منها:
1- نداؤها بأحب الأسماء إليها، أو بتصغير اسمها للتمليح أو ترخيمه، وقد كان صلى الله عليه وسلم يقول لعائشة: «يا عائش، هذا جبريل يقرئكِ السلام»، وكان يقول لعائشة أيضًا:«يا حميراء»، قال ابن الأثير في النهاية: «والحميراء تصغير حمراء، يراد بها البيضاء».
وقال الذهبي: «الحمراء في لسان أهل الحجاز البيضاء بشقرة، وهذا نادر فيهم».
إذًا: لقد كان صلى الله عليه وسلم يلاطف عائشة ويناديها بتلك الأسماء مصغرةً مرخمةً(9).
2- تلبية طلباتها مما لا نقص فيه في الدين، ولا يثقل كاهل الزوج ولا يشق عليه، ففي الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان رجلًا سهلًا، إذا هَوِيَتْ الشيء[أي عائشة رضي الله عنها] تابعها عليه.
قال النووي رحمه الله: «معناه إذا هويت شيئًا لانقص فيه في الدين؛ مثل طلبها الاعتمار وغيره أجابها إليه، وقوله:«سهلًا»؛ أي سهل الخلق، كريم الشمائل، لطيفًا ميسرًا في الخُلُق، كما قال الله تعالى:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، وفيه حسن معاشرة الأزواج، قال الله تعالى:{وَعَاشِرُوْهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، لا سيما فيما كان من باب الطاعة، والله أعلم»(10).
3- عدم إظهار النفور والاشمئزاز منها إذا وجدت،أيها الزوج، فيها صفات هي من صنع الله وحده, وقضى عليها القدر بذلك؛ مثل العقم أو المرض، كما رأينا في قصة أبي عثمان النيسابوري.
وأطلب منك أن تنظر إلى زوجتك من زواياها المختلفة، وبكلتا عينيك لا بعين واحدة، قال صلى الله عليه وسلم: «لا يفرك مؤمن مؤمنة, إن كره منها خلقًا رضي منها آخر»(11).
ويفرك: أي يبغض.
4- لا تذكر محاسن غيرها من النساء أمامها بقصد إغاظتها، أو على سبيل المقارنة بينها وبين غيرها، وخاصة إذا كانت لك زوجة أخرى.
5- إطعام الطعام، فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «... وإنك مهما أنفقت من نفقة فإنها صدقة، حتى اللقمة التي ترفعها إلى فيّ امرأتك»، حتى اللقمة التي ترفعها بيدك إلى فم امرأتك هي صدقة، ليس فقط كسبًا للقلب، وليس فقط حسن تعامل مع الزوجة؛ بل هي صدقة تؤجر بها من الله عز وجل(12).
6- ومن التلطف مع الزوجة التسامر معها والتحدث إليها؛ فإذا كان الرجل يخرج إلى عمله، ويتقابل مع الناس، زملاء عمل أو غير زملاء، ويتحدث مع هذا وذاك، ويضاحكهم، فالزوجة من حقها أن تجد متنفسًا لها من عمل البيت وتربية الأولاد، فتنتظر زوجها ليعود إلى البيت فيؤانسها ويتحدث معها، وقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم مسامرة أهله ومؤانستهم بالحديث معهم، فعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي جالسًا، فيقرأ وهو جالس، فإذا بقي من قراءته نحو من ثلاثين، أو أربعين، آية قام فقرأها وهو قائم، ثم يركع، ثم سجد، يفعل في الركعة الثانية مثل ذلك، فإذا قضى صلاته نظر: فإن كنت يقظى تحدث معي، وإن كنت نائمة اضطجع(13).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «بِتُّ عند خالتي ميمونة، فتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهله ساعة ثم رقد»(14).
7- من صور التلطف بالزوجة التلطف معها في مرضها، والعناية بها، ورعايتها والوقوف بجانبها، فذلك علامة من علامات حب الزوج لزوجته.
روى البخاري في صحيحه فيما حكته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في حادثة الإفك أنها قالت: ...فقدمنا المدينة، فاشتكيت بها شهرًا والناس يفيضون من قول أصحاب الإفك، ويريبني، في وجعي، أني لا أرى من النبي صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أمرض، إنما يدخل فيسلم، ثم يقول: «كيف تيكم».
كذلك ينبغي على الزوج أن يتلطف مع زوجته في فترة الحيض؛ فقد يحدثبعض التغيرات النفسية والجسدية عند المرأة قبل وخلال فترة الحيض؛مما يؤدي إلى تغير الحالة المزاجية, والشعور بالضيق, وزيادة الانفعال والعصبية؛ وهذا ناجم عن تغير مستوى الهرمونات في الجسم.
8- أن يُلقي عليها السلام عند دخول البيت ليؤنسها، أو ليطمئنها على أن ما تعرض له من مضايقات خارج المنزل لا يؤثر على حبه لها أو احترامه لشعورها.
ففي الحديث الذي رواه الترمذي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا بني، إذا دخلت على أهلك فسلم يكن بركة عليك وعلى أهل بيتك».
ولا تنس أن من يحمل السلام يحمل معه الابتسام.
9- من التلطف بالزوجة مساعدتها في أعمال البيت،فإن النبي صلى الله عليه وسلم، كما تقول عائشة: «كان يكون في مهنة أهله»(15).
سَلْ نفسك يا عبد الله: كم كان حجم بيت المصطفى صلى الله عليه وسلم حتى يكون هو في مهنة أهله؟ ثم هل شكت إليه عائشة رضي الله عنها كثرة العمل ومشقته، حتى قام النبي صلى الله عليه وسلم بمساعدتها ومعونتها؟!
لقد عاش نبينا صلى الله عليه وسلم مع زوجته عائشة رضي الله عنها في حجرة لا تتجاوز مساحتها خطوات معدودات، وكان يأتي عليهما شهران وما أُوقِد في بيته نار؛ فهل ثمَّة جهد تحتاج معه عائشة إلى معونة النبي صلى الله عليه وسلم؟!
كلا وربي، وإنما هو لمعنى أعمق؛ وهو أن هذه الأعمال وإن كانت يسيرة وحقيرة في نظر البعض إلا أنها تحمل رسالةً إلى قلب الزوجة، تصنع فيها وشائج المودة ما لا تفعله ألاف الكلمات ومعسول العبارات.
هذه الأعمال اليسيرة كأنما تنطق فتقول: إن المشاركة مع المرأة في بيتها هي التي تبني المودة وتزرع الأُلْفَة، وتُديم الحياة الزوجية حيةً دفَّاقةً؛ لأن المرأة ترى زوجها قريبًا منها، يحمل عنها شيئًا من عبئها؛ فيكبر في عينها بقدر تواضعه، ويعظم في نفسها بقدر بساطته(16).
10- ومن التلطف مع الزوجة ملاعبتها والمزاح معها، فقد روى الإمام أحمد وأبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن، فقال للناس: «تقدموا»، فتقدموا، ثم قال لي: «تعالي حتى أسابقك»، فسابقته فسبقته، فسكت عني، حتى إذا حملت اللحم وبدنت ونسيت، خرجت معه في بعض أسفاره، فقال للناس: «تقدموا»، فتقدموا، ثم قال: «تعالي حتى أسابقك»، فسابقته فسبقني، فجعل يضحك وهو يقول: «هذه بتلك».
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت قد تجاوز الخمسين، وزوجته لم تتم العشرين بعد، وهو الذي طلب من أصحابه أن يتقدموا فتقدموا ليسابق زوجته، فلم يتحجج بفقد الوقار أو فقد الاحترام بين أصحابه(17).
11- من التلطف بالزوجة مراعاة مشاعرها، فلا يؤذيها بلسانه أو بيده، فعنعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»(18).
وعن عائشة قالت: «ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم خادمًا له قط، ولا امرأة له قط، ولا ضرب بيده إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيءفانتقمه من صاحبه، إلا أن تنتهك محارم الله عز وجل، فينتقم لله عز وجل»(19).
__________________
(1)كن لطيفًا وابتسم، أم عبد الرحمن يوسف، موقع: مفكرة الإسلام.
(2)رواه البخاري (6209)، ومسلم (2323).
(3)أمثال الحديث، للرامهرمزي، ص123، بتصرف.
(4)رواه البخاري (950)، ومسلم (892).
(5)تفسير ابن كثير (2/242).
(6) الكبائر، للذهبي، ص179.
(7) رواه البخاري (5225).
(8) تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي (10/144).
(9) محاضرة بعنوان: فن التعامل مع الزوجة، للشيخ إبراهيم الدويش.
(10) شرح النووي على مسلم (8/160).
(11) رواه مسلم (1469).
(12) فن التعامل مع الزوجة، للشيخ إبراهيم الدويش.
(13) رواه البخاري (1119)، ومسلم (731).
(14) رواه البخاري (4569).
(15) رواه البخاري (676).
(16) هدي النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجاته، للشيخ إبراهيمالعجلان، موقع: الألوكة.
(17) كن لطيفًا وابتسم، أم عبد الرحمن يوسف.
(18) رواه البخاري (10)، ومسلم (41).
(19) رواه أحمد (24034)، ومسلم (2328).