الزوجة وكفران العشير
عن أبي سعيد الخدري قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر إلى المصلى، فمر على النساء فقال: «يا معشر النساء، تصدقن فإني أُرِيتكن أكثر أهل النار» فقلن: «وبم يا رسول الله؟»، قال: «تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن»، قلن: «وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟»، قال: «أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟»، قلن: «بلى»، قال: «فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟»، قلن: «بلى»، قال: «فذلك من نقصان دينها»(1).
الكثير من الزوجات يلبسن أثناء الخلافات الزوجية النظارات السوداء، فلا يرين الأمور على حقيقتها، ويخفين ما هو حسن، ويظهرن كل قبيح، كما ينسين بسرعة كل معروف وجَميل، ويتذكرن أي مواقف سلبية أو سيئة بدرت من أزواجهن نتيجة سهو أو تقصير!، الأمر الذي يؤذي مشاعر هؤلاء الأزواج، ويجعلهم يشعرون دائمًا وأبدًا باليأس والإحباط وخيبة الأمل؛ لعدم قدرتهم على إرضائهن، رغم ما يقدمون لهن من خير ومعروف في معظم الوقت!
فترى الواحدة منهن تتهم زوجها بالبخل لمجرد أنه لم يلبِ لها طلبًا واحدًا!؛ إما لأنه غير مقتنع به، أو ليست لديه القدرة المادية لتحقيقه في حينه، وأخرى تصف زوجها بالعصبي والانفعالي لأنه بدا ضيق الأفق والصدر، وعلا صوته في أحد المواقف دون أن تقدر حالته النفسية، وكثرة الضغوط التي يتعرض لها أثناء العمل!(2).
ما المقصود بكفران العشير؟
إن المقصود بـ(تكفرن العشير)؛ أي: تسترن نعمة الزوج، وتجحدن فضله، وتنكرن المعروف، وتَنْسَيْنَ الجميل، وتستقللن ما كان منه.
فترى الواحدة منهن، هداهن الله، تكثر الشكاة والكلام المكروه، وتجحد أو تغطي الخير الكثير لزوجها؛ إذا ما قصر عليها، مع إحسانه المتتالي، ولو لمرة واحدة، أو مرات معدودات، نسأل الله السلامة والعافية لنا ولجميع المسلمين والمسلمات(3).
عظم حق الزوج:
لقد عظَّم الإسلام حق الزوج على زوجته، ومن ذلك أنه قرن طاعة الزوج بإقامة الفرائض الدينية وطاعة الله؛ فعن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا صلَّت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها؛ قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئتِ»(4).
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو كنت آمر أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، ولا تؤدي المرأة حق الله عز وجل عليها كله حتى تؤدي حق زوجها عليها كله، حتى لو سألها نفسها وهي على ظهر قتب لأعطته إياه»(5).
من الكبائر:
لقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم حال كثير من الزوجات مع أزواجهن، من جحد فضائله، وإنكار معروفه وإحسانه، محذرًا إياهن من مغبة ذلك وعقوبته، فلتحذري أيتها الزوجة فإن «كفران العشير والإحسان من الكبائر؛ فإن التوعد بالنار من علامة كون المعصية كبيرة»(6).
وصايا للزوجة:
وحتى لا تكوني أيتها الزوجة ممن ينكرون الجميل، ويهجرون الشكر، ويضيعون المعروف والإحسان ولا يدفعون بالتي هي أحسن، أُوصيكِ باتباع ما يلي:
- في البداية يجب أن تعلمي أن نكران الجميل من أسباب زوال النعمة، ويجلب الشقاء وسوء الحال ونكد البال، وهو دليل على خِسة ولؤم النفس، فقد قال بعض الفضلاء: «الكريم شكور أو مشكور، واللئيم كفور أو مكفور».
فالنفس البشرية السوية تحب وتقدر من أحسن إليها؛ بل وإن الإحسان يقلب مشاعرها العدوانية إلى موالاة حميمة، كما أخبرنا عز وجل في كتابه العزيز: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:34].
وزوجك أولى الناس بالوفاء وشكر معروفه، ودفعك بالتي هي أحسن في حال أساء إليكِ أو قصر في أداء واجب معين تجاهك.
- اشكري زوجك دائمًا على أفعاله الطيبة، وذَكِّريه ممتنة بما صدر عنه سابقًا من معروف وإحسان، فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله، كما قال سيد الخلق أجمعين وخاتم الأنبياء والمرسلين.
عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر لزوجها وهي لا تستغني عنه»(7).
- ابتعدي عن كثرة الجدال أثناء الخلافات الزوجية حتى إن كنتِ محقة؛ لأن هذا يؤدي بكِ إلى الوقوع في أخطاء كثيرة، ومنها الجحود ونكران المعروف؛ مما يثير حفيظة الزوج، ويدفعه آسفًا إلى تصرف غير محمود العواقب.
- لا توهمي نفسك بأن في تحقير معروف الزوج استفزازًا وتأديبًا له كي لا يعصي لكِ أمرًا، ولا يرفض لكِ طلبًا بعد ذلك، ويشعر دائمًا بالتقصير تجاهك فيبذل المزيد والمزيد من أجل إسعادك وإرضائك، وليتك ترضين.
- كوني صالحة عادلة، وتجنبي الظلم لأنه ظلمات يوم القيامة، واقنعي بالقليل يأتيكِ الكثير، وإياكِ والضغط على مشاعره وأعصابه، حتى لا ينفجر فيدمر كل شيء في لحظة، فحينئذ لا ينفعكِ الندم.
- استغفري الله وتوبي إليه قبل فوات الأوان، وقدمي الخير وانتظري الجزاء من رب العالمين، فحسرة لمن كانت النار مسكنًا ومستقرًا لها بسبب كفران العشير(8).
وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم النساء على الاستغفار بجانب الصدقة، ففي إحدى روايات الحديث: «يا معشر النساء، تصدقن، وأكثرن الاستغفار؛ فإني رأيتكن أكثر أهل النار...».
- غض الطرف عن الهفوات والأخطاء، وخاصة غير المقصود منها السوء في الأقوال والأفعال، وقد روى أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كُل بَني آدَمَ خَطَّاء، وخير الخطائين التوابون»(9).
فعلى الزوجة أن تحتمل زوجها، فلكل جواد كبوة، ولكل امرئ هفوة، ولكل إنسان زلة، وأحق الناس بالاحتمال من كان كثير الاحتكاك بمن يعاشر.
قال الشاعر:
إذا كنتَ في كُـــــــل الأمــــــــــور مُعــــاتِبًا صــــديقَكَ، لم تَلْـــــقَ الــــــذي لا تُعَاتِبُه
فَعِشْ واحـــــــــــدًا أوْ صِـــــلْ أخـــاكَ فإنه مُــــــقـــــارفُ ذَنــــــب مــــــــــــرةً ومجَــــانِبُـــــــــــهْ
إذا أنتَ لم تشربْ مِرارًا على القَذَى ظمِئتَ، وَأي الناس تَصْفُو مَشَارِبُهْ؟
مَنْ ذَا الذي تُرضَى سجاياه كُلـــها؟ كـــــفى المـــــرءَ نُبْــــلًا أن تُـــــعَد مَعَـــايِبُهْ
وحين تحسن النوايا، وتتواد القلوب، ويكون التعقل هو مدار المعيشة، يتوفر هذا الجانب الكريم في حياة الأسرة(10).
- الصدقة، فالنبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر النساء بأنهن أكثر أهل النار بسبب كثرة لعنهن وكفرانهن للعشير «أمرهن بالصدقة، كأنه أعلمهن أن في الصدقة تكفيرًا لخطاياهن»، وأن الصدقة تدفع العذاب، وأنها قد تكفر الذنوب التي بين المخلوقين(11).
أين من أين؟
أين هذه الزوجة التي تكفر العشير من تلك التي كانت تقول: «زوجي عوني في الشدائد، وعائدي دون كل عائد [يعني يصلني أكثر من أي شخص آخر]، إذا غضب لطف، وإذا مرضتُ عطف، أنيسي حين أفرد، صفوح حين أحفد، إذا دخل الدار دخل بسامًا، وإن خرج خرج ضحاكًا، يفي بما وعد، ولا يأسى على ما فقد، إذا طلبت منه أعطاني، وإن سكتُّ عنه ابتداني، وإذا رأى مني خيرًا ذكر ذلك ونشر، أو رأى تقصيرًا ستر ذلك وغفر».
ولنا في حديث أم زرع عبرة، فها هي زوجة أبي زرع تعترف له بفضله عليها، وكرمه معها فتقول: «زوجي أبو زرع، وما أبو زرع، أناس من حُلي أذني، وملأ من شحم عضدي، وبجحني فبجحت إلي نفسي، وجدني في أهل غنيمة بشق، فجعلني في أهل صهيل وأطيط، ودائس ومنق، فعنده أقول فلا أُقَبَّح، وأرقد فأَتَصبح، وأشرب فأتقنح...»(12).
وأخيرًا:
إن الواجب على النساء أن يتقين الله عز وجل في أزواجهن، وأن تعترف إحداهن لزوجها بفضله عليها، أو متى أحسن إليها، وأن تعلم أنه لا يجوز لها، بحال من الأحوال، أن تنكره، ولا أن تنكر إحسانه وفضله، وأن تحرص أيضًا على أن ترد له الفضل بالفضل، والإحسان بالإحسان؛ بل أن تكافئه على هذا الفضل أو الإحسان، سواءً أكان إحسانه إحسانًا دنيويًا (مالي أو بدني أو نحو ذلك)، أو كان دينيًا من باب أولى؛ بل عليها كذلك أن تدعو له، كما يجب عليها أن تشكره عليه(13).
________________
(1) رواه البخاري (304).
(2) إياكِ وكفران العشير، هناء مداح، موقع: رسالة المرأة.
(3) حديث (كفران العشير) تنبيهات وفوائد، بكر البعداني، موقع: الألوكة.
(4) رواه أحمد (1661).
(5) رواه أحمد (19403).
(6) شرح النووي على مسلم (2/ 66).
(7) رواه النسائي في السنن الكبرى (9086)، والحاكم في المستدرك (2771).
(8) إياكِ وكفران العشير.
(9) رواه ابن ماجه (4251)، والترمذي (2499).
(10) عودة الحجاب، للشيخ الدكتور محمد إسماعيل المقدم، ص259-260، بتصرف.
(11) انظر: فتح الباري، لابن حجر (1/ 406)، (1/ 193).
(12) رواه البخاري (5189)، ومسلم (2448).
(13) حديث (كفران العشير) تنبيهات وفوائد.