logo

دعه يكتشف الحياة


بتاريخ : الاثنين ، 18 صفر ، 1437 الموافق 30 نوفمبر 2015
بقلم : تيار الاصلاح
دعه يكتشف الحياة

من فرط حب الآباء والأمهات للأبناء أنهم يتمنون لو أنهم قاموا بأداء كل متطلبات الأبناء، وجلبوا كل ما يلزمهم وما يسعدهم، ولكن فرط الحب هذا يجعل من الأبناء حطامًا عديم الجدوى.

فالآباء والأمهات يظنون أن السعادة الحقيقية للأبناء هي في تلبية رغباتهم، وإسعادهم دائمًا، ودونما أدنى تعب أو إرهاق من الأبناء في تحصيل تلك المتطلبات، أو تحصيل أسباب السعادة تلك، وإنما السعادة الحقيقية هي حصيلة العمل والكد في هذه الحياة، وهي تقتضي غالبًا تذوق طعم الفشل والتعب.

إن الآباء والأمهات لا يتمنون لأبنائهم أبدًا الفشل أو التعب، ولا يخططون لذلك، ولكن إذا حاول الآباء والأمهات جعل الابن يواجه مشاكله والمعوقات التي تقابله، حتى ولو أحس الابن ببعض الألم في ذلك، فهذا ولا شك أفضل من أن يواجه هذه المشاكل والمعوقات بالبكاء والعجز، ويجب على الآباء والأمهات أن يحافظوا على رباطة جأشهم عند مواجهة الابن لمشاكله، ومروره ببعض الألم، الذي سيجعل منه بعد تلك التجربة، التي مر بها، إنسانًا قويًا يُعتمد عليه في الملمات، ويستطيع مواجهة الحياة وصعوباتها.

وهذا أيضًا يستدعي من الآباء والأمهات عدم اتخاذ القرارات التي تخصه خوفًا من وقوعه في الأخطاء، أو رغبة في حمايته من النتائج التي قد تكون مؤلمة، فلو فعل الآباء والأمهات ذلك، واتخذوا القرارات بدلًا من الابن، وذلك خوفًا عليه من النتيجة القاسية، فإنهم بذلك يكونون قد حرموا الابن من فرصة التعلم، واكتساب المهارات، وحل المشاكل، وخوض التجارب وغير ذلك، وفي نفس الوقت يجعلون إحساسًا في داخل الابن بعدم القدرة على اتخاذ القرارات بنفسه؛ مما يجعله ينشأ على الاتكالية والميوعة.

إن على الآباء والأمهات أن يتعلموا كيف يتعاملون مع العالم الذي يحيط بهم، والذي يعج بكثير من القسوة والإحباط والحساسية المفرطة تجاه ما يخص الشخص نفسه، وخاصة أبناءه، وبالتالي تعليم الأبناء أنفسهم كيفية التعامل مع هذه الحياة الصعبة، المليئة بالقسوة، والتعب، والإحباط؛ حتى تتطور مهاراتهم لمواجهة مثل هذه الأمور، ومقاومة مثل تلك المعوقات.

وعليه، فكلما أظهر الأبناء نضجًا في التعامل ومواجهة الحياة، فيجب على الآباء والأمهات أن يمنحوهم مزيدًا من الحرية في اختيار أفعالهم وأنشطتهم؛ بل ويجب على الآباء والأمهات أن يقوموا بتحفيز الأبناء على القيام بما يخصهم من أمور، وهذا أمر يُشعر الأبناء بقدرتهم على خوض الحياة، وتحمل مسئولياتها، والقيام بشئونها، وبالتالي زيادة الثقة في أنفسهم وقدراتهم.

فـ"لا تحاول أبدًا زرع الحكمة في طفلك، أو تحرمه من الشعور بعواقب أفعاله؛ بل لا بد أن يجرب الطفل كيف تسير الدنيا قبل أن يحصل على حكمته الخاصة.

ابعد نفسك عاطفيًا عن المشكلة، وليس الطفل، فذلك يجبره على حل مشكلته بنفسه.

عليك أن تجعل طفلك يعرف أن مشاعره صحيحة، وأنك تشعر بالحزن عندما يمر بتجربة سيئة أو مؤلمة.

لا تحرم ابنك من الخبرات التعليمية المؤلمة، فهو بحاجة للشعور بالحياة لكي يتعلم منها". [حاول أن تروضني، راي ليفي، وبيل أوهانلون، مع تلرنوريس جود].

وقد يؤدي ترك الأبناء لاختبار الحياة إلى اختلاطهم بمستويات أخلاقية دنيا، وهذه حقيقة، لكن البديل المتمثل في تقييد الأبناء في البيت، وعدم اختلاطهم بالمجتمع، هو أشد خطرًا وضررًا من اختلاطهم بالمجتمع الأقل سلوكًا وأخلاقًا؛ ذلك لأن هذا التقييد وعدم المخالطة مع المجتمع، بكل طبقاته وأجناسه، سيُعرِّض شخصية الابن للضمور، وعدم النماء، وانعدام السمات والمزايا الاجتماعية المطلوبة للتعايش والاحتكاك بالناس، ثم يحدث بعد ذلك الاضطراب والحيرة عند مخالطة المجتمع فيما بعد.

إن بعض الآباء والأمهات، ومن شدة حرصهم على أبناءهم، فإنهم يحرمونهم من التحاور مع الآخرين أو إنشاء صداقات، في محاولة لحمايتهم من الضياع، وفي الحقيقة فإن هذه المحاولات القاسية من الآباء أو الأمهات هي التي قد تجلب الضياع؛ بل إن هذا قد يكون دافعًا للأبناء كي يقوموا بالتمرد على سلطة الآباء والأمهات، ومن ثم مصادقة أي إنسان كان، بلا مشورة أحد الأبوين، ومن ثم يكون الضياع.

ولحل هذه المشكلة، مشكلة اختيار الصديق، فيجب على الآباء والأمهات تدريب الأبناء على مهارة اختيار الصديق، وهذا لا يعني إجبارهم على اختيار أصحاب بعينهم، ولكن يعني توضيح أهمية دور الصديق في حياة الإنسان، وذلك بالطريقة التي تتناسب مع كل ابن، فيتم تشجيع الابن على إقامة صداقات مع الآخرين، وعلى الآباء والأمهات أن يدفعوا الابن إلى أن يقص عليهم تجاربه مع أصدقائه، فإن صدر من أحدهم خلق غير لائق أو سلوك مشين، فعليهم أن يحاولوا إبعاده عن صديقه هذا، ولكن من غير أن ينقصوا من هذا الصديق أمامه، وهكذا، ثم بعد ذلك يأتي دور الآباء أو الأمهات في حل المشكلات التي تنشأ عن صداقات الأبناء، ويجب عليهم أن يحتفظوا بمشاعر إيجابية نحو أصدقاء أبنائهم، فإذا ما أراد الابن أن يقطع علاقته بصديق له فلا بد أن يكون هذا قرارًا خاصًا به وحده؛ لأن أي اختيار خاطئ من غيره قد يدفعه إلى تجنب الأصدقاء جميعًا، والميل إلى العزلة عن المجتمع.

إن أحد أخطاء الآباء والأمهات الكبرى هو أنهم يريدون أن يلقنوا الأبناء الحكمة التي يريدونها، والتجربة التي خاضوها من قبلهم، بنفس السرعة التي يدخل بها الدواء عند حقنه في دم الإنسان، مباشرة إلى مجرى الدم، وعلى الرغم من أن هذا شعور رائع من الآباء والأمهات تجاه أبنائهم، ويُظهر خوفهم عليهم وحبهم لهم، إلا أنه مسار خاطئ، فالأبناء لا يمكن لهم أبدًا أن يدركوا أو يكتسبوا الحكمة والتجربة بمثل هذه السرعة، والطريقة الصحيحة هي خوض الأبناء للتجربة، والمرور بالفشل أو الخطأ أو ربما النجاح والتوفيق.

إن فشل الأبناء عند خوضهم تجارب الحياة لا شك يؤلم الآباء والأمهات، في كثير من الأحيان، أكثر مما يؤلم الأبناء أنفسهم، ولكن لا مجال للأبناء لاكتشاف الحياة من دون الخوض في معتركها، وبذل المحاولة تلو الأخرى بالجهد والمثابرة، ودون وصاية من أحد.