تحقيق الذات بين الزوج والزوجة
يكون الزواج في بدايته دائمًا جميلًا عذبًا، تكون مراحله الأولى كأنها نسج من خيال، تفان وتواد ومحبة بين الزوج وزوجته، لا يشعر الزوجان أبدًا بمرور الوقت أو بوجود الزمن، فهما لا يريان غيرهما، ولا يهتمان إلا بهما، كأنهما يعيشان في جنة لا نصب فيها ولا وصب، ولا كد ولا تعب، ولا شقاق ولا فراق، الزوج لا يرى إلا زوجته، ولا يريد لها إلا سعادتها، والزوجة لا ترى إلا زوجها، ولا تريد له إلا رضاه، فكأن الزوج والزوجة، في هذه المرحلة، يعيش كل واحد منهما للآخر، ويفرح لذلك فرحًا شديدًا.
ويستمر الأمر على هذا المنوال مدة من الزمن، قد تكون شهرًا أو شهورًا، وقد تكون سنة، ثم يتحول الأمر إلى روتين؛ أي يصبح أمرًا معتادًا، وهنا يتسلل الملل إلى هذه العلاقة الزوجية الجميلة، وحينها تظهر المشاكل الزوجية، رغم أنها قائمة على التفاني والتواد والحب؛ لكن الحب وحده لا يكفي، حيث إن كلًا من الزوجين قد عاش للآخر، يبحث عن سعادته، وهذا شيء جميل، لكن لم يبحث أي من الزوجين عن مفاتيح شخصية كل منهما، فكل من الزوج والزوجة يحب أن يشعر بتحقيق ذاته، يريد أن يشعر أن الطرف الآخر يفهمه ويقدره، يريد أن يشعر أن الطرف الآخر يحتويه ويحترمه.
"الشكوى الأولى من النساء على الرجال هي أن الرجل لا يستمع، وإذا استمع فإن كل ما يفعله أن يستمع لمشكلة ثم يبدأ في إملاء الحلول.
إن ما تحتاجه المرأة هو التعاطف والاستماع والتفهم، بينما يعتقد الرجل أنها تريد حلولًا.
ورغم أن المرأة تخبره عشرات المرات أنه لا يستمع، فإنه يستمر يفعل نفس الأمر، تقديم الحلول.
والشكوى الأولى من الرجال على النساء، هي أن المرأة دائمًا تحاول تغييره ونصحه وإصلاحه؛ لأنها تعتقد أنها مسئولة عن حفظه واحتوائه وإرشاده وتطويره، وبذلك يصبح هو محور حياتها، ورغم أن الرجل يخبرها عشرات المرات بأنه لا يحتاج إلى نصائحها، إلَّا أنها تصر أن تقدم له النصائح، وهكذا هي تشعر أنها تساعده، بينما هو يشعر أنها تحاول التحكم فيه.
ولا شك أن الكثير من المشاكل يمكن أن تُحل إذا عرفنا سبب كلا التصرفين، عرض الرجل للحلول دائمًا، ومحاولة المرأة تغيير الرجل دائمًا، إن السبب يكمن في نفسية كل من الرجل والمرأة" [الفرق بين الجنسين، د. صلاح صالح الراشد، ص41-43، بتصرف].
إن الرجل يشعر بتحقيق ذاته عندما يقدر على تحقيق النتائج والأهداف التي كان يسعى إليها، وبالتالي فهو لا يحب أن يحقق أحد له هدفًا يطلبه؛ لأن فخره الحقيقي هو في الوصول إلى هذا الهدف بنفسه؛ لذا نجد أن الرجل يغضب بشدة عند محاولة زوجته تصحيح عمل له، أو تخبره بطريقة أداء ما يريد فعله، فالرجل يحب أن يعالج مشاكله بنفسه؛ لذلك أيضًا فهو نادرًا ما يحدث أحدًا عن مشاكله، وصعوبات العمل التي تقابله، إلا في حالة الاستعانة بصاحب خبرة في مجال عمله.
وعليه فإنه لا يرغب أبدًا من زوجته أن تملي عليه ما يجب عليه القيام به تجاه هدفه، رغم أن هذا ليس بعيب أبدًا؛ بل هو من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، حين أشارت عليه أم سلمة رضي الله عنها بحلق رأسه حتى يقتدي به المسلمون، لما أبطأوا في تنفيذ طلب النبي صلى الله عليه وسلم بتحللهم من العمرة.
"إن من دلائل الحب عند النساء أن يقدمن لمن أحببن مساعدة أو عونًا دون أن يطلب منهن؛ ولذلك فإن تقديم النصح والإرشاد للآخر هو دلالة حب عند المرأة، ولذلك تقوم المرأة بمحاولات كثيرة لمساعدة زوجها وإرشاده، ومحاولة تحسين طريقته في العمل والحياة" [الرجال من المريخ، النساء من الزهرة، جون جراي، ص27، بتصرف].
فالرجل لا يحدث زوجته عن مشاكل عمله، وعراقيل وصوله إلى هدفه؛ لأنه يعتبر الحديث في هذه المشاكل والمعوقات والعراقيل طلب ضمني بالمساعدة والنصيحة، وهذا ما لا يشعره بتحقيق ذاته، والشعور بقوة أدائه وقدرته النفسية، وهنا يأتي الأمر العكسي، فالمرأة حين تذهب إلى زوجها تبث له شكواها، والصعوبات التي تواجهها، فإن الرجل يستنتج فورًا أنها تطلب حلًا لهذه المشكلات، فيأخذ الزوج حينها دور الخبير وحَلَّال العقد.
"إنه يريد مساعدتها لتشعر بتحسن عن طريق حل مشكلاتها، إنه يريد أن يكون ذا نفع بالنسبة لها، إنه يشعر بأنها ستقدره لأجل ذلك، ومن ثم يكون مستحقًا لحبها، لكن المفاجأة أنه بمجرد أن يُقدم حلًا تضيق به؛ فيشعر هو أنه رُفِض، وأنه لا نفع له يُذكر، ومن ثم فإنه لا يُنصِت لها ولا يستمع لشكواها، إنه لا يدري أنه باستماعه بتعاطف واهتمام فقط يمكن أن يكون أكثر نفعًا لها" [الرجال من المريخ، النساء من الزهرة، جون جراي، ص25، بتصرف].
ليس معنى ما سبق أن تمتنع المرأة عن إبداء النصح لزوجها أبدًا، وإنما أن تتوقف عن النصح ما لم يطلب منها زوجها رأيها ونصيحتها؛ حتى لا يشعر الزوج بأنه غير قادر أو عاجز عن إتمام عمله والوصول إلى مراده.
وكذلك لا يعني بالطبع عدم تقديم الزوج لزوجته أية حلول لمشكلاتها؛ حيث إن الزوجة تقدر جدًا قدرة زوجها على حل المشكلات وتسهيل العراقيل، وإنما يجب على الزوج أن يتجنب هذه الحلول عندما تكون الزوجة منزعجة؛ لأنها في هذا الحين تريد من يستمع إليها، وينصت لها، وهذا ليس أبدًا وقت تقديم الحلول والآراء.
"إن فهم هذا الفرق، ومعرفة لماذا يبادر الرجل دومًا إلى طرح الحلول على زوجته، ولماذا تميل المرأة إلى محاولات تحسين وتطوير زوجها، من شأنه أن يزيل الكثير من الاختلاف أو اللبس في العلاقة والتعامل بين الزوجين" [التفاهم في الحياة الزوجية، د. مأمون مبيض، ص40].