انتقام الزوجات الأسباب والعلاج
مر على زواجهم أكثر من عشرين عامًا ولم يتشاجرا ولم يختلفا ولو لمرة واحدة، والسبب في ذلك ما أفصح عنه الزوج، قال: ذهبنا لقضاء فترة ما بعد الزواج في أحد الأماكن الجميلة، وكانت هناك مسافة لا يمكننا تجاوزها بغير الركوب على البغال، وبينما نحن على بغال نسير، إذ فجأة توقف البغل عن السير وامتنع عن إكمال المسير، فنزلت الزوجة عنه ووكزته وقالت: هذه الأولى، فمضى، ثم ما لبث أن توقف، وامتنع عن السير، فنزلت عنه ووكزته وقالت: هذه الثانية، فمضى يسيرًا ثم توقف، فنزلت عنه ثم أخرجت مسدسها وأطلقت عليه النار فأردته قتيلًا، ثم حملت متاعها ومضت، فعجبت لها، ثم انتهينا من رحلتنا وعدنا إلى بيتنا.
قال: وبينما نحن نتكلم مع بعضنا إذ اختلفت معها ولم أستمع لرأيها، فنظرت إلي وقالت: هذه الأولى، فتذكرت أنها تلك الكلمة التي قالتها للبغل الذي كان يحملها يومئذ، فخفت منها فلم أختلف معها مرة أخرى، وكانت الأخيرة.
إن كثيرًا من الحالات التي تستأسد فيها الزوجة على زوجها وتشعر برغبة شديدة في الانتقام؛ عندما يظلمها زوجها أو يجور على حق من حقوقها؛ لذلك جاءت الشريعة الإسلامية لتضمن للمرأة حقوقها من جور الرجل عليها، وكذلك لتضمن حقوق الرجل من انتقام المرأة منه.
قال الفقهاء: يجب على الزوج المساواة في القسم في البيتوتة بإجماع الأئمة، وفيها، وفي العطاء، أعني النفقة عند غالبهم، حتى قالوا: يجب على ولي المجنون أن يطوفه على نسائه.
وقالوا لا يجوز للزوج الدخول عند إحدى زوجاته في نوبة الأخرى إلا لضرورة مبيحة غايته، ويجوز له أن يسلم عليها من خارج الباب، والسؤال عن حالها بدون دخول، وصرحت كتب الفقه بأن الزوج إذا أراد الدخول عند صاحبة النوبة فأغلقت الباب دونه وجب عليه أن يبيت بحجرتها، ولا يذهب إلى ضرتها إلا لمانع برد ونحوه.
وقال علماء الحنفية: إن ظاهر آية {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3]، أن العدل فرض في البيتوتة، وفي الملبوس، والمأكول، والصحبة لا في المجامعة، لا فرق في ذلك بين فحل وعنين ومجبوب، ومريض وصحيح.
وقالوا: إن العدل من حقوق الزوجية، فهو واجب على الزوج كسائر الحقوق الواجبة شرعًا إذ لا تفاوت بينها.
وقالوا: إذا لم يعدل ورفع إلى القاضي وجب نهيه، وزجره، فإن عاد عزر بالضرب لا بالحبس؛ وما ذلك إلا محافظة على المقصد الأصلي من الزواج، وهو التعاون في المعيشة، وحسن السلوك فيها (1).
إن من أخطر الأمراض التي تهدد الأسر والبيوت عدم الاستقرار، فينتج عنه القلق والاضطراب، ومن ثم تبدأ النفسية تتغير من المودة والسكينة إلى نوع من التوجس والترقب، وأحيانًا الشعور بالانتقام في حالة الظلم والقهر، فليست كل النساء ضعيفة الجناح مسالمة، فمنهن من لو شعرت بالذل أو المهانة لتحولت من قط أليف إلى أسد جسور، وعندها تستطيع أن تقهر الرجل أو تحيك له من الأمور ما لا يستطيع دفعه ولا العيش معه، وما حال امرأة العزيز عنا ببعيد؛ فقد حاكت ليوسف عليه السلام من المكائد والمصائب ما دفعه لتمني السجن على الحرية، رغم ما في السجن من ظلم وتقييد للحريات وحرمان من الحياة الطبيعية التي يحتاجها الإنسان؛ ولكنه الانتقام.
وأكثر ما يحول المرأة من الموادعة والملاطفة والملاينة إلى وحش مفترس هو الشعور بالدونية من قبل الزوج، ويتجلى ذلك واضحًا عندما يفضل أخرى عليها، فعند ذلك يثير ثائرتها ويمتهن كرامتها، فلا يبقى أمامها إلى الطرق المعوجة والأساليب المستنكرة، ولا يردعها عن هذه السبل إلا رادع الخوف من الله إن وجد.
يقول محمد عبده: فإنا نرى أنه إن بدت لإحداهن فرصة للوشاية عند الزوج في حق الأخرى صرفت جهدها ما استطاعت في تنميقها، وإتقانها، وتحلف بالله إنها لصادقة فيما افترت -وما هي إلا من الكاذبات- فيعتقد الرجل أنها أخلصت له النصح لفرط ميله إليها، ويوسع الأخريات ضربًا مبرحًا، وسبًا فظيعًا، ويسومهن طردًا، ونهرًا من غير أن يتبين فيما ألقى إليه؛ إذ لا هداية عنده ترشده إلى تمييز صحيح القول من فاسده، ولا نور بصيرة يوقفه على الحقيقة، فتضطرم نيران الغيظ في أفئدة هاتيك النسوة، وتسعى كل واحدة منهن في الانتقام من الزوج، والمرأة الواشية، ويكثر العراك، والمشاجرة بينهن بياض النهار وسواد الليل، وفضلًا عن اشتغالهن بالشقاق عما يجب عليهن من أعمال المنزل يكثرن من خيانة الرجل في ماله وأمتعته لعدم الثقة بالمقام عنده؛ فإنهن دائمًا يتوقعن منه الطلاق؛ إما من خبث أخلاقهن، أو من رداءة أفكار الزوج، وأيًا ما كان فكلاهما لا يهدأ له بال، ولا يرق له عيش.
ومن شدة تمكن الغيرة والحقد في أفئدتهن تزرع كل واحدة في ضمير ولدها ما يجعله من ألد الأعداء لإخوته أولاد النسوة الأخريات، فإنها دائمًا تمقتهم، وتذكرهم بالسوء عنده، وهو يسمع، وتبين له امتيازهم عنه عند والدهم، وتعدد له وجوه الامتياز، فكل ذلك وما شابهه إن ألقي إلى الولد حال الطفولة يفعل في نفسه فعلًا لا يقوى على إزالته بعد تعقله، فيبقى نفورًا من أخيه عدوًا له (لا نصيرًا، وظهيرًا له على اجتناء الفوائد ودفع المكروه كما هو شأن الأخ).
وإن تطاول واحد من ولد تلك على آخر من ولد هذه -وإن لم يفعل ما لفظ إن كان خيرًا، أو شرًا لكونه صغيرًا- انتصب سوق العراك بين والدتيهما، وأوسعت كل واحدة الأخرى بما في وسعها من ألفاظ الفحش ومستهجنات السب -وإن كن من المخدرات في بيوت المعتبرين- كما هو مشاهد في كثير من الجهات خصوصًا الريفية، وإذا دخل الزوج عليهن في هذه الحالة تعسر عليه إطفاء الثورة من بينهن بحسن القول ولين الجانب؛ إذ لا يسمعن له أمرًا، ولا يرهبن منه وعيدًا؛ لكثرة ما وقع بينه وبينهن من المنازعات، والمشاجرات لمثل هذه الأسباب، أو غيرها التي أفضت إلى سقوط اعتباره، وانتهاك واجباته عندهن، أو لكونه ضعيف الرأي، أحمق الطبع، فتقوده تلك الأسباب إلى فض هذه المشاجرة بطلاقهن جميعًا، أو بطلاق من هي عنده أقل منزلة في الحب -ولو كانت أم أكثر أولاده- فتخرج من المنزل سائلة الدمع، حزينة الخاطر، حاملة من الأطفال عديدًا، فتأوي بهم إلى منزل أبيها إن كان، ثم لا يمضي عليها بضعة أشهر عنده إلا سئمها، فلا تجد بدًا من رد الأولاد إلى أبيهم، وإن علمت أن زوجته الحالية تعاملهم بأسوأ مما عوملوا به من عشيرة أبيها.
ولا تسل عن أم الأولاد إذا طلقت، وليس لها من تأوي إليه، فإن شرح ما تعانيه من ألم الفاقة وذل النفس ليس يحزن القلب بأقل من الحزن عند العلم بما تسام به صبيتها من الطرد والتقريع يئنون من الجوع، ويبكون من ألم المعاملة.
ولا يقال: إن ذلك غير واقع، فإن الشريعة الغراء كلفت الزوج بالنفقة على مطلقته، وأولاده منها حتى تحسن تربيتهم، وعلى من يقوم مقامها في الحضانة إن خرجت من علتها وتزوجت.
فإن الزوج وإن كلفته الشريعة بذلك لكن لا يرضخ لأحكامها في مثل هذا الأمر الذي يكلفه نفقات كبيرة إلا مكرهًا مجبورًا، والمرأة لا تستطيع أن تطالبه بحقها عند الحاكم الشرعي، إما لبعد مركزه، فلا تقدر على الذهاب إليه، وتترك بنيها لا يملكون شيئًا مدة أسبوع، أو أسبوعين حتى يستحضر القاضي الزوج، وربما آبت إليهم حاملة صكًا بالتزامه بالدفع لها كل شهر ما أوجبه القاضي عليه من النفقة من غير أن تقبض منه ما يسد الرمق أو يذهب بالعوز، ويرجع الزوج مصرًا على عدم الوفاء بما وعد؛ لكونه متحققًا من أن المرأة لا تقدر أن تخاطر بنفسها إلى العودة للشكاية لوهن قواها، واشتغالها بما يذهب الحاجة الوقتية، أو حياء من شكاية الزوج، فإن كثيرًا من أهل الأرياف يعدون مطالبة المرأة بنفقتها عيبًا فظيعًا، فهي تفضل البقاء على تحمل الأتعاب الشاقة طلبًا لما تقيم به بنيتها هي وبنيها على الشكاية التي توجب لها العار، وربما لم تأت بالثمرة المقصودة.
وغير خفي أن ارتكاب المرأة الإثم لهذه الأعمال الشاقة، ومعاناة البلايا المتنوعة التي أقلها ابتذال ماء الوجه تؤثر في أخلاقها فسادًا، وفي طباعها قبحًا؛ مما يذهب بكمالها، ويؤدي إلى تحقيرها عند الراغبين في الزواج، ولربما أدت بها هذه الأمور إلى أن تبقى أيمًا مدة شبابها تتجرع غصص الفاقة، والذل، وإن خطبها رجل بعد زمن طويل من يوم الطلاق فلا يكون في الغالب إلا أقل منزلة وأصغر قدرًا من بعلها السابق، أو كهلًا قلت رغبة النساء فيه، ويمكث زمنًا طويلًا يقدم رجلًا، ويؤخر أخرى خشية على نفسه من عائلة زوجها السالف؛ فإنها تبغض أي شخص يريد زواج امرأته وتضمر له السوء إن فعل ذلك، كأن مطلقها يريد أن تبقى أيمًا إلى الممات رغبة في نكالها، وإساءتها إن طلقها كارهًا لها، أما إذا كان طلاقها ناشئًا عن حماقة الرجل لإكثاره من الحلف به عند أدنى الأسباب، وأضعف المقتضيات -كما هو كثير الوقوع الآن- اشتد حنقه وغيرته عليها، وتمنى لو استطاع سبيلًا إلى قتلها، أو قتل من يريد الاقتران بها.
وكأني بمن يقولون إن هذه المعاملة، وتلك المعاشرة لا تصدر إلا من سفلة الناس، وأدنيائهم، وأما ذوو المقامات، وأهل اليسار فلا نشاهد منهم شيئًا من ذلك، فإنهم ينفقون مالًا لبدًا على مطلقاتهم، وأولادهم منها، وعلى نسوتهم العديدات في بيوتهم، فلا ضير عليهم في الإكثار من الزواج إلى الحد الجائز، والطلاق إذا أرادوا، بل الأجمل والأليق بهم اتباعًا، وأما ما يقع من سفلة الناس فلا يصح أن يجعل قاعدة للنهي عما كان عليه عمل النبي صلى الله عليه وسلم، والسلف الصالح من الأمة خصوصًا وآية: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3]، لم تنسخ بالإجماع، فإذا يلزم العمل بمدلولها ما دام الكتاب.
نقول في الجواب عن هذا: كيف يصح هذا المقال، وقد رأينا الكثير من الأغنياء وذوي اليسار يطردون نساءهم مع أولادهن، فتربى أولادهن عند أقوام غير عشيرتهم لا يعتنون بشأنهم، ولا يلتفتون إليهم، وكثيرًا ما رأينا الآباء يطردون أبناءهم، وهم كبار مرضاة لنسائهم الجديدات، ويسيئون إلى النساء بما لا يستطاع؛ حتى إنه ربما لا يحمل الرجل منهم على تزوج ثانية إلا إرادة الإضرار بالأولى -وهذا شائع كثير- وعلى فرض تسليم أن ذوي اليسار قائمون بما يلزم من النفقات لا يمكننا إلا أن نقول كما هو الواقع: إن إنفاقهم على النسوة، وتوفية حقوق الزوجية من القسم في المبيت ليس على نسبة عادلة كما هو الواجب شرعًا على الرجل لزوجاته، فهذه النفقة تستوي مع عدمها من حيث عدم القيام بحقوق الزوجات الواجبة الرعاية كما أمرنا به الشرع الشريف.
فإذا لا تميز بينهم وبين الفقراء في أن كلًا قد ارتكب ما حرمته الشرائع، ونهت عنه نهيًا شديدًا، خصوصًا وأن مضرات اجتماع الزوجات عند الأغنياء أكثر منها عند الفقراء كما هو الغالب؛ فإن المرأة قد تبقى في بيت الغني سنة، أو سنتين بل ثلاثًا بل خمسًا بل عشرًا لا يقربها الزوج خشية أن تغضب عليه (من يميل إليها ميلًا شديدًا)، وهي مع ذلك لا تستطيع أن تطلب منه أن يطلقها لخوفها على نفسها من بأسه؛ فتضطر إلى فعل ما لا يليق، وبقية المفاسد التي ذكرناها من تربية الأبناء على عداوة إخوانهم بل وأبيهم أيضًا موجودة عند الأغنياء أكثر منها عند الفقراء، ولا تصح المكابرة في إنكار هذا الأمر بعد مشاهدة آثاره في غالب الجهات والنواحي، وتطاير شره في أكثر البقاع من بلادنا وغيرها من الأقطار المشرقية.
فهذه معاملة غالب الناس عندنا من أغنياء، وفقراء في حالة التزوج بالمتعددات؛ كأنهم لم يفهموا حكمة الله في مشروعيته؛ بل اتخذوه طريقًا لصرف الشهوة، واستحصال اللذة لا غير، وغفلوا عن القصد الحقيقي منه، وهذا لا تجيزه الشريعة، ولا يقبله العقل.
فاللازم عليهم حينئذ إما الاقتصار على واحدة إذا لم يقدروا على العدل -كما هو مشاهد- عملًا بالواجب عليهم بنص قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3]، وأما آية: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}، فهي مقيدة بآية: {فَإِنْ خِفْتُمْ} وإما أن يتبصروا قبل طلب التعدد في الزوجات فيما يجب عليهم شرعًا من العدل، وحفظ الألفة بين الأولاد، وحفظ النساء من الغوائل التي تؤدي بهن إلى الأعمال غير اللائقة، ولا يحملوهن على الإضرار بهم وبأولادهم، ولا يطلقوهن إلا لداع ومقتض شرعي شأن الرجال الذين يخافون الله، ويوقرون شريعة العدل، ويحافظون على حرمات النساء، وحقوقهن، ويعاشرونهن بالمعروف، ويفارقونهن عند الحاجة، فهؤلاء الأفاضل الأتقياء لا لوم عليهم في الجمع بين النسوة إلى الحد المباح شرعًا، وهم وإن كانوا عددًا قليلًا في كل بلد وإقليم، لكن أعمالهم واضحة الظهور تستوجب لهم الثناء العميم، والشكر الجزيل، وتقربهم من الله العادل العزيز (2).
من أهم قصص انتقام الزوجات تلك المرأة التي قامت بذبح زوجها لأكثر من ثلاثة أيام، وجمع أشلائه في أكياس، وقامت بإلقاء هذه الأشلاء في محافظات مصر كلها حتى ظل خبر وفاته غامضًا؛ لولا أن افتضح أمرها فنالها العقاب الرادع.
زوجة أخرى ما كانت تتمنى شيئًا في حياتها بقدر رؤيتها لزوجها يستغيث ويتألم، فألقت بماء النار على جسده عندما كان في الحمام، وتبدأ قصة هذا الانتقام عندما انقطعت المياه عن المنزل وطلب الزوج من زوجته ماء لإزالة الصابون من على جسده؛ فأعطته جالون "ماء نار" ليلقي به على جسده ظنًا منه أنه ماء، ليخرج من الحمام بعدما أصيب بهلوسة جراء ما تعرض له من ألم نفسي وانتقام زوجته.
ربما لا تختلف هذه القصة كثيرًا عن غيرها من القصص الأخرى التي تنتقم فيها الزوجة من زوجها فتصيبه بهلوسة عقلية، بعد أن قامت الزوجة بمحاولات عدة حتى يكتب زوجها البيت باسمها، وعندما نجحت في ذلك بصعوبة طلبت منه الطلاق، وقامت بالزواج من آخر، وعاشت مع زوجها الجديد في نفس البيت، مما أصاب زوجها القديم بهلوسة عقلية عندما كانت تخرج وتدخل لبيته بزوج آخر.
ربما تكثر حوادث انتقام الزوجات من أزواجهن وتتعدد طرائف هذه الحوادث عندما نسمع عن زوجات قاموا بإشعال النيران في السيارات التي زف فيها الزوج، أو يقمن بإشعال النيران في بيت الزوجية الجديدة، والغريب في كل هذه الحوادث هو حرص الزوجات على الاعتراف بجرائمهن، هذا بخلاف قيام بعضهن بدس السم لأزواجهن ليلة الدخلة.
أسباب الانتقام:
إن جرائم انتقام الزوجات يرجع لعوامل كثيرة، من أهم هذه العوامل:
تأثير البيئة:
البيئة التي نشأت فيها الزوجة، وغالبًا ما تكون هذه البيئة منحلة، فضلًا عن سلوك بعض الأزواج السيئين مع أزواجهن، والثقافة التي تحكم الزوجين، ومدى احترام كل منهما للآخر، وتأثير الدين على حياتهما.
العلاقة السيئة بين الزوجين:
ولا شك أن هذه الجرائم تؤثر على العلاقة بين الأزواج بشكل عام، فكثرة هذه الجرائم توحي أن هناك مشكلة حقيقية، بما يعني أن أساس الجريمة سلوك الزوج نفسه، وإن كنا لا نبرر به انتقام الزوجات.
إن حوادث الانتقام نتيجة لغياب العدل من الزوج، ولتعديه على الزوجة، في الوقت الذي لا تجد فيه هذه الزوجة أي مأوى لها أو منجد من تسلط هذا الزوج، مما يدعوها إلى الفجور عندما تحاول الانتقام لنفسها.
وإن المرأة تضطر في بعض الأوقات إلى استخدام لغة التهديد للدفاع عن نفسها.
انهيار المجتمع:
إن السلوك العدواني الذي يصدر عن بعض الزوجات يرجع في المقام الأول للبيئة التي نشأت فيها تلك الزوجة، مما يؤثر حتمًا على سلوكها في حالة وجود مشكلة بينها وبين الزوج.
العلاج:
أقرّ الإسلام للمرأة حقّها في اختيار شريك حياتها؛ فقال عليه الصلاة والسلام: «لا تُنكَحُ الأيِّمُ حتى تُستأمَرَ، ولا تُنكَحُ البكرُ حتى تُستأذَن»، قالوا: يا رسولَ الله، وكيف إذنُها؟ قال: «أن تسكُتَ» (3)، وجعل لها على زوجها عدة واجبات كالمهر، والعشرة بالمعروف، والنفقة، والعدل بين زوجاته إن كان له أكثر من زوجة، كما جعل الإسلام لها الحقّ في طلب الطلاق إن لم تستطع الاستمرار في حياتها مع زوجها.
والقاعدة القرآنية: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19]، وأكّد النبي صلى الله عليه وسلم جملة هذه الحقوق في أعظم مجمع عرفته الدنيا في ذلك الوقت.. حين خطب الناس في يوم عرفة فقال: «فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف» (4).
والآيات والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدًا، والمقصود التنبيه على عظيم موقع هذه القاعدة الشرعية، والتي يتألم المؤمن من كثرة ما يرى من هتك لحرمتها، وعدم مراعاة لحدودها! فترى بعض الرجال لا يحسن إلا حفظ وترديد الآيات والحقوق التي تخصه، ولا يتحدث عن النصوص التي تؤكد حقوق زوجته، فويل للمطففين.
وفي المقابل فإن على الزوجة أن تتقي الله عز وجل في زوجها، وأن تقوم بحقوقه قدر الطاقة، وألا يحملها تقصير زوجها في حقها على مقابلة ذلك بالتقصير في حقه، وعليها أن تصبر وتحتسب (5).
***
_____________
(1) تفسير المنار (4/ 299).
(2) تفسير المنار (4/ 300- 303).
(3) أخرجه البخاري (5136).
(4) أخرجه مسلم (1218).
(5) قواعد قرآنية، موقع المسلم.